دراسات وبحوث

إشكالية الفرقة الواقفية في زمن الإمام الكاظم / غالب الشابندر

موسى بن جعفر عليه السلام، لان مصطلح الواقفة لا يقتصر على الذين وقفوا عليه بل يشمل من وقف على غيره من الأئمة سواء قبله أو بعده، ولذلك وجب عليّ التنويه هنا .

لا اريد أن ادخل في تفاصيل التعريف، خاصة وأن المتبادر الى الذهن والمشاع أن مصطلح الواقفة ينصرف إلى الذين وقفوا على إمامة الكاظم أي الذين قالوا إن الإمامة ينتهي مسراها عند الإمام موسى بن جعفر ولا تتعدى غيره، وهو لم يمت، حي قائم يمارس دوره من وراء حجاب .

هذا هو ملخص عقيدة الواقفة فيما نحن فيه من كلام، وإلاّ قد يكون الشخص واقفيا وفي ذات الوقت ناووسيا أو افطحيا كما ثبت في ترجمة بعض اصحاب الائمة .

من الطبيعي أن تكون البداية هي الحديث عن النشاة واسبابها الاولى، ولم يوجد دليل واضح إ ن نشاة الواقفة كانت في زمن الإمام نفسه، اي ليس هناك منْ كان من أصحاب الإمام وشيعته من يعتقد أن الإمامة تقف عند الكاظم، وهو القائم بالامر، وإنما الشواهد المتوفرة تفيد بان هذه النحلة انوجدت بعد وفاة الكاظم مباشرة .

 

ما هي اسباب النشاة؟

1: نقرا في اعلام الورى: (أجمع اصحاب أبيه أبي الحسن موسى عليه السلام على أنه نصَّ عليه وأشاربالإمامة إليه، ألاّ من شذّ عنهم من الواقفة المسمّين الممطورة، والسبب ظاهر في ذلك طمعهم فيما كان في أيديهم من الاموال المُجباة إليهم في مدَّة أبي الحسن عليه السلام وما كان عندهم من ودائعه، فحملهم ذلك على إنكار وفاته وأدِّعاء حياته، ودفع خليفته بعده عن الإمامة، وإنكار النصّ عليه، ليذهبوا بما في أيديهم ممّا وجب عليهم أن يسلِّموه إ ليه ...) 1 / اعلام الورى 2 ص 43 .

الخلاصة هنا، أن سبب النشاة اقتصادي، أو بعبارة أدق مصالح اقتصادية شخصية، الطمع في المال والودائع، ولكن مثل هذا التعليل حتى إذا كان صحيحا بحد ذاته، الاّ أنّه من الصعب قبوله عندما يصدر من الطبرسي، أي من صاحب إعلام الورى، لانه شيعي إمامي أثنى عشري، من أعلام القرن السادس، فمن الذي يضمن عدم انحيازه في الخبر ؟ خاصة وهو متاخر .

لكن هذه التعليل بهذه الرواية المرسلة لم ينبثق من فراغ، بل هناك مصادر اسبق منه تقول بهذا التعليل .

2: يقول الشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 ما نصُّه: (روى الثقات أن أوّل من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حكامها واستمالوا قوماً، فبذلوا لهم شيئا مما أختانوه من الاموالنحو حمزة بن بزيغ وابن المكاري وكرام الخثعمي وامثالهم) 2 / غيبة الشيخ ص 43 وهو تعليل صادر من مصنف شيعي بل عميد المذهب الشيعي الإمامي في وقته، فمن يضمن لنا عدم انحيازه ؟ وهو أيضا متاخر، ثم لم يبين لنا الشيخ الطوسي منْ هم هؤلاء الثقاة، فكلامه اشبه بالرواية المرسلة، والطوسي هنا يسجل نقطة مهمة في خصوص هؤلاء الواقفه، كونهم (مالوا) إلى الحكام، تُرى ما هي مصاديق ذلك ؟ فيما لم يكن هناك تصحيف لان في عوالم العلوم نقلا عن الغيبة: (ومالوا إلى حطامها).

3: يروي الكشي رقم 871 ما نصُّه: (محمد بن الحسن البراثي قال: حدَّثني ابو علي الفارسي قال: حدَّثني أبو القاسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد، عن عمِّه قال: كان بدؤ الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون الف دينار عند الاشاعثة زكاة أموالهم، وما كان يجب عليهم فيها، فحُمِلوا إلى وكيلين لموسى بن جعفر عليه السلام بالكوفة أحدهما حيان بن السّراج والآخر كان معه، وكان موسى عليه السلام في الحبس، فاتخذا بذلك دوراً وعقدا العقود، واشتريا الغلاَّت، فلمَّا مات موسى عليه السلام وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته، وادَّعا في الشيعة أنه لا يموت لأنه هو القائم، فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة، وانتشر قولهما في الناس، حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع ذلك المال إلى ورثة موسى عليه السلام، واستبان للشيعة إنَّهما قالا ذلك حرصاً على المال) 3

في السند: أبو علي الفارسي وقع في عدة موارد من اسناد الكشي ولكنّه لم يوثق كما جاء في رجال الخوئي 21 رقم 14580 .

في السند: أبو القاسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد، لم أجد له ترجمة فيما عندي من مصادر، نعم هناك محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري، فلعل هناك تحريفا في السند، والاصل: [... حدثني أبو القاسم الحسين (عن) محمد بن عمر بن يزيد]، ولكن تبقى أكثر من مشكلة، فأولاً: إنّ (أبوالقاسم الحسين)على هذا التقدير للسند غير موجود، وثانياً: إن محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري لم ىوثّق كما في معجم الخوئي 17 رقم 1142، وثالثاً: لا نعرف عمّ الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد .

4: يروي الصدوق: (حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:حدثنا محمد بن يحي العطار، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمد بن جمهور، عن أحمد بن الفضل، عن يونس بن عبد الرحمن قال: لما مات أبوالحسن عليه السلام،وليس من قوامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته، وكان عند زياد القندي سبعون الف دينار، وعند ابي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: فلما رأيت ذلك وتبين لي الحق وعرف من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما عرفت تكلَّمت ودعوت الناس إليه، قال: فبعثا إليّ وقالا لي: ما يدعوك إلى هذا ؟ إنْ كنتَ تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي: كف، فأبيتُ، فقلتُ لهما: إنّا روينا عن الصادقين عليهما السلام إنهم قالوا:إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمه، فإن لم يفعل سُلِبَ نور الايمان، وما كنت لادع الجهاد في أمر الله عز وجل على كل حال، فناصباني وأظهرا لي العداوة) 4 / عيون 2 ص 103 ح 2 /

مشكلة الرواية إنها ضعيفة بـ (محمد بن جمهور) لانه ضعيف جدا، كذلك بـ (أحمد الفضل) لانه لم يوثَّق، والغريب أنه (واقفي)، كذلك بـ (أحمد بن الحسين بن سعيد) فهو لم يوثَّق !

الرواية في الكافي، كذلك الصدوق في (علل الشرائع)، ولكن السؤال هو هل يمكن اعتماد هذه الرواية لتشييد نظرية عن اسباب نشاة الواقفة؟ لا بطبيعة الحال، الرواية كذلك في رجال الكشي رقم 946، وفي السند محمد بن الجمهور وأحمد بن المفضَّل وهما كما عرفنا بين ضعيف جدا وبين مِمَّن لم يوثَّق، وبالتالي هي رواية واحدة في الحقيقة وضعيفة .

الرواية في عيون الاخبار هي: (أبي وابن الوليد معا، عن محمد العطار،عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن حمَّاد قال: كان أحد القوَّام عثمان بن عيسى، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير وست جواري، قال فبعث إليه أبو الحسن عليه السلام فيهنَّ وفي المال .

قال: فكتبَ إليه: إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحَّت الاخبار بموته واحتجَّ عليه فيه.

قال: فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء، وإن كان قد مات على ما تحكي، فلم يامرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري وتزوَّجتهنَّ) 5، عيون 2 ص 104 ح 3 / والرواية ضعيفة كما مر بنا، ورواه في علل الشرائع، وعنه البحار، و روى قطعة منه في الإمامة والتبصرة عن أحمد بن ادريس، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إبراهيم، عن أحمد الفضل، عن يونس بن عبد الرحمن، وفي السند: (احمد بن المفضَّل) الذي لم يوثّق، وياتي لاحقا حديث عن الراوي (احمد بن حمّاد) بإذن الله تبارك وتعالى، ورواه أيضا الكشي حديث رقم 1120 وفي سنده محمد بن الجمهور المشهور بالضعف، وينبغي أن لا تغرنا هذه الكثرة في الرواية مادام هناك ضعيف أو مِمَّن لم يوثق مشترك بين المسانيد، وهو ما نراه في هذه الرواية .

5: يروي الشيخ الطوسي أيضا: (ابن الوليد،عن الصفَّار وسعد جميعا، عن ابن يزيد،عن بعض اصحابه قال: مضى أبو إبراهيم عليه السلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار، ومسكنه بمصر، فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه السلام أن احملوا ما قِبَلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار، فإني وارثه،وقائم مقامه،وقد اقتسمنا ميراثه، ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوراثه قِبَلَكم، أو كلام يشبه هذا

فأمّا ابن ابي حمزة فإنَّه أنكره ولم يعترف بما عنده، وكذلك زياد القندي، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إليه: أن أباك صلوات الله عليه لم يمت، وهو حيٌ قائم، ومن ذكر أنَّه مات فهو مبطل، وأعمل على أنه قد مضى كما تقول، فلم يامرني بدفع شيء إليك، وأمّا الجواري فقد أعتقتهن وتزوّجت بهن) 6/ الغيبة ص 43 .

هذا النص غنيٌ بالمعلومات ولكن مشكلته ضعيف وذلك بـ (عن بعض أصحابه)، كذلك بـ (ابن يزيد) لانه لم يوثق كما في معجم السيد الخوئي ج 23 رقم 15185 /

ولست أدري لماذا يخفي ابن يزيد بعض اصحابه من الذكر، أم أن الذي روى عنه نسي هؤلاء الاصحاب ؟ وهم أكثر من واحد كما يبدو من لحن السند !

يروي لنا الكشي: (حدّثني حمدويه قال: حدّثني الحسن بن موسى، قال: حدّثني محمد بن أصبغ، عن إبراهيم، عن عثمان بن القاسم، قال: قال لي منصور بزرج قال لي أبو الحسن عليه السلام ودخلت عليه يوماً: يا منصور أما علمتَ ما أحدثتَ في يومي هذا ؟ قلتُ: لا، قال: قد صيَّرتُ علياً ابني ووصيي والخلف من بعدي، فادخل عليه فهنئه بذلك، واعلمه أني أمرتك بهذا،قال: فدخلتُ عليه فهنأته بذلك، واعلمته أن أباه أمرني بذلك .

قال الحسن بن موسى: ثم جحد منصورهذا بعد ذلك لأموال كانت في يده، فكسرها، وكان منصور أدرك أبا عبد الله عليه السلام) 7 / الكشي رقم 893 /

من الواضح إن هذه الرواية لا تتحدث عن سرقة أو طمع منصور بن يونس بن بزرج المال سببا في اجتراحه مبدا الواقفية، حتى تعليق الشيخ الصدوق لا يصب في هذه الناحية، ولذلك لا تعد رواية تفسر لنا سبب الوقف هنا بالذات، ولم أعثر على رواية تتحدث عن أن منصور هذا كان من الواقفة بسبب طمعه في المال، بل الرواية تقول أنه طمع بالمال وحسب، رغم أنه كان من الواقفة، هذا ولم اجد ترجمة لعثمان بن القاسم فيما عندي من مصادر !

يروي لنا صاحب قرب الإسناد: (أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: إنّي رجل من أهل الكوفة، وأنا وأهل بيتي ندين الله عزّ وجل بطاعتكم ... أما ابن السراج ـ حيان السّراج ـ فإنَّما دعاه إلى مخالفتنا والخروج عن أمرنا، أنه عدا على مال لأبي الحسن صلوات الله عليه عظيم فاقتطعه في حياة أبي الحسن، وكابرني عليه، وأبى أن يدفعه، والناس كلُّهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إليّ، فلما حدث من هلاك أبي الحسن صلوات الله عليه أغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي، وتعلل لعمري ما به من علّة إلاّ اقتطاعه المال وذهابه به) 8 / قرب الاسناد ص 351 /

 

وتعليقي على هذه الرواية ما يلي: ـ

1: الرواية في (قرب الاسناد) في قسمه الثالث المنسوب سندا الى الامام الرضا عليه السلام، والكتاب تحوم حول وصوله بطريق صحيح الى الشيخ المجلسي شكوك قوية، والرواية جزء بسيط من رسائل كانت بين الامام الرضا وبين أحمد بن محمد بن أبي بصير تدور حول الإمام المفترض الطاعة بعد الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وتتضمن الرسائل أن صفوان بن يحي كان قد التقى الامام الرضا وحاوره في ذلك وكان هناك ثمة تناقض في اجوبة الامام الرضا !، ويجيب الامام الرضا عن اسئلة واستفسار ابي بصير، ويرد عليه ابو بصير مستفسرا برسالة أخرى، وهكذا ! وابو بصير في الكوفة والامام الرضا كما يبدو كان في خراسان !

2: الرواية لم تبين بوضوح أن ابن السَّراج صار واقفيا بسبب المال، لان الرجل كان قد سرق المال في زمن الامام الكاظم، واستغل خروج أو فتنة البطائني فالتحق بهم، وبالتالي، هذه الرواية لا تؤيد أن ابن السراج صار واقفيا بسبب المال، لان هذا المال كان قد استاثر به قبل وفاة الامام الكاظم .

3: تنقل الرواية على لسان الامام الرضا: (... والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إليّ ...) !

هل هذا صحيح ؟

سؤال محوري

إذا اردنا أن نحصر الروايات التي تدعي بان السبب وراء نشاة فرقة الواقفية هو المال بشكل مباشر، وذلك من خلال ما رواه الشيخ الطوسي والصدوق والكشي لوجدنا ان مصادرها من أعلى وفق ما يلي: ـ

1: مصدر رواية الشيخ الطوسي من أعلى هو (عن بعض أصحابه) أي اصحاب ابن يزيد كما في سند الرواية

2: مصدر رواية الصدوق من أعلى هو: (يونس بن عبد الرحمن)،وفي رواية أخرى (أحمد بن حمّاد) .

3: مصدر رواية الكشي من أعلى هو:عمّ أبي القاسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد .

أتحدث هنا عن الروايات التي تخبرنا بان المال كان سبب نشاة الواقفية بشكل مباشر، اي نتحدث عن الروايات التي تخبرنا بان سبب الوقف أن هناك من وكلاء الامام الكاظم من تجمّع لديهم مال له، فطمعوا به، واعلنوا عن بقائه حيا، وانقطاع الامامة عنده، وبذلك كانت فرقة الواقفة، وهم اسماء معروفة كما في هذه الروايات .

وبصرف النظر عن الضعف الذي يعتري سند الجميع كما بينا من حقنا أن نسال يا ترى من أين استقى أصحاب ابن يزيد هذه المعلومات، كذلك يونس بن عبد الرحمن، وايضا عمّ ابي القاسم ؟ وبنفس الوقت أحمد بن حماد ؟ هل استقوها من بعض الواقفة ؟ ومن هم هؤلاء ؟ هل استقوها من الأئمة ؟ لماذا لم يصرحوا بذلك ؟ هل استقوها من الوسط الشيعي بشكل عام ؟ هل استقوها من شائع الكلام ؟

ان الروايات التي تتحدث عن نشاة المذاهب والفرق كثيرا ما تدخل فيها الاكاذيب والافتراءات، وكثيرا ما تكون مصنوعة، خاصة إذا كانت ع لسان مخالف نوعي، فكيف إذا كان مع ذلك ضعف في السند ؟ لا استبعد إن رواية النشاة ربما جاءت من شائع الكلام، كليا أو جزئيا، وإلا من اين تمكن هؤلاء من رصد ثلاثين الف دينار أو أكثر أو أقل كانت مدخرة لدى هذا أو ذاك من الواقفة،اسال ذلك على سبيل المثال، وبطبيعة الحال هذا لاينفي اساسا ان النشاة هي مصلحة اقتصادية ضيقة استاثرت بضمائر الاوائل أو بعضهم من هؤلاء .

حول الراوي أحمد بن حمَّاد

ورد اسم هذا الراوي في سند الصدوق وهو المصدر الاعلى لروايته التي تبدا بقوله: (عن أحمد بن حمّاد قال: كان أحد القوام ...)، فما هو حاله ؟

هو: أحمد بن حمّاد المروزي، وابنه اسمه احمد، وياتي بلقب المحمودي في بعض الاستعمالات، ففي رواية الكشي رقم (1057) نقرا: (محمد بن مسعود قال:حدّثني أبو علي المحمودي محمّد بن أحمد بن حماد المروزي قال: كتب أبو جعفر عليه السلام ـ الإمام الجواد ـ إلى أبي من فصل كتابه، فكان توفي من يوم أو غد: ثم وفِّيت كلُّ نفس بما كسبت وهم لا يُظلمون . أما أن الدنيا فنحن فيها متفرجون في البلاء، ولكن من هوى هوى صاحبه فإن يدينه ... وقال المحمودي: قد كتب إليَّ الماضي عليه السلام بعد وفاة أبي: قد مضى أبوك رضي الله عنه وعنك، وهو عندنا على حالة محمودة، ولن تبعد من تلك الحال) .

الذي نستفيده من هذه الرواية فيما يخص صاحبنا ما يلي: ـ

1: ان احمد بن حماد المروزي هو ايضا احمد بن حماد المحمودي .

2: أن احمد بن حمّاد المروزي المحمودي هو من اصحاب الإمام الجواد (الماضي) عليه السلام .

3: إن احمد بن حماد يروي مدحا بحق أبيه على لسان الامام الجواد (قد مضى أبوك رضي الله عنه وعنك، وهو عندنا على حالة محمودة).

4: وإن الامام الجواد مدح الراوي احمد بن حمّاد من جهة انه على طريق ابيه (ولن تبعد من تلك الحال) .

فهل تكفي هذه الرواية بالحكم على حسن الراوي أحمد بن حمّاد المروزي المحمودي ؟

لا بطبيعة الحال، والسبب بسيط، لانها رواية على لسانه وليس من خارج لسانه، مع العلم ان الرجل لم يرد اسمه في أيٍّ من الكتب الرجالية المعروفة .

يروي الكشي أنه وجد في كتاب أبي عبد الله الشاذلي: (... سمعت الفضل بن شاذان يقول: التقيتُ مع أحمد بن حماد المتشيع، وكان ظهر منه الكذب، فكيف غيره ...) 8 الكشي رقم 1058، ولكن الرواية وجادة فلا تصلح، فضلا عن أن أبي عبد الله الشاذلي لم تثبت وثاقته، فلا عبرة إذن بهذا الكلام لتقييم الرجل، ويروي الكشي أيضا عن الحسن بن الحسين أن أحمد بن حمّاد هذا قد استحل منه مالا، وشكاه الى الامام الرضا 9 الكشي رقم 1059، ولكن في سنده مجهول، وهو: (الزفري بكر بن زفرة الفارسي)، ولذا لاعبرة بهذا الكلام ايضا .

الحصيلة التي يمكن أن نخرج بها من هذا السرد أن الرجل ممن لم يوثّق، وما جاء من مدح بحقه على لسان الامام الجواد لا يعبأ به لان ذلك جاء على لسانه هو !

احمد بن حمّاد هذه هو مصدر أحد الصدوق في تفسير نشاة الواقفة كما مرّ بنا سابقا !

منْ هم الذين استحلوا أموال الامام الكاظم ؟

من خلال سرد الروايات السابقة نريد أن نعرف الاشخاص أو بالأحرى الوكلاء الذين استحلوا أموال الامام الكاظم وكان قد استأمنهم عليها، بطبيعة الحال اتحدث عن الذين استحلوا هذا المال وبسبب ذلك كان الوقف، ولست معنيا بالذين استحلوا هذا المال في حياة الامام عليه السلام، من خلال السرد هم: ـ.

1: علي بن أبي حمزة البطائني .

2: زياد بن مروان القندي .

3:عثمان بن عيسى الرواسي .

4: حمزة بن بزيغ .

5: ابن المكاري .

6: كرام الخثعمي.

هذا ما عثرت عليه بالصفة السالفة، اي كونهم استحلوا الاموال بعد موت الامام ولاجل تبرير ذلك قالوا بعدم موته، وقفوا عليه إماما قائام لا إ مام بعده.

نقرأ في غيبة الشيخ الطوسي: (فروى الثقات أن أوَّل من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها، واستمالوا قوماً فبذلوا مما اختانوه من الاموال، نحو حمزة بن بزيع، وابن المكاري، وكرام الخثعمي) 9 / ص 42 .

وتحليل هذا النص أصلا يؤكد إنَّ الذين استحلوا اموال الامام عليه السلام هم ثلاثة، البطائني والقندي والرواسي، ومن أجل أن يغطوا على جريمتهم هذه قالوا بالوقف، وهؤلاء بدأوا بنشر دعواهم كما يقول هذا النص ونصوص أخرى ... ولكن نحن نعلم وكما يخبرنا الشيخ الطوسي في رجاله أن عدد الواقفة على الامام موسى الكاظم كانوا بلغ 56 من أصحاب الامام من أصل 319 حسب احصاء الشيخ باقر القرشي رحمه الله تعالى، فعدد الواقفة لم يكن قليلا، ومن الملاحظ تقدمهم بالصحبة والعلم وربما بالوثاقة ابتداء ... والسؤال هو: هل كل هؤلاء صاروا واقفة بتاثير ودعوة الاوائل الذين اعلنوا الوقف بسبب احتكارهم او استحلالهم للمال وهي الاسماء التي مرّ ذكرها وهم أقل من اصابع اليد الواحدة ؟

لم يكن كثيرون من الواقفة قد نحوا هذا النحو طمعا بالمال، ولا تاثرا أو بدعوة هؤلاء الاوائل، بل هناك منْ نحى هذا المنحى بسبب شبهة عقدية، او لعدم اطلاعه على الاخبار الصحيحة، وبالتالي، من الخطا نسبة نشاة الواقفة بكل تفاصيلها وكل رجالاتها الى هؤلاء الاوائل (البطائني، الرواسي، القندي)، وهذا ماسنتعرض له بالتفصيل فيما بعد، ولكن التفصيل القادم سيكون حول حياة الاوائل وملابسات تصرفاتهم .

تشريح كلام الشيخ الصدوق

قال الشيخ الصدوق: (لم يكن موسى بن جعفر عليهما السلام ممن يجمع المال، ولكنه حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه،ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلاَّ على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر، فاجتمعت هذه الاموال لاجل ذلك، وأراد أن لا يحقق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد ويقول: إنّه تُحمَل عليه الاموال، ويعتقد له الامامة، ويُحمَل على الخروج عليه، ولولا ذلك لفرّق ما اجتمع من هذه الاموال، على أنها لم تكن أموال الفقراء، وإنما كانت أموال يصل بها مواليه، ليكون له إكراما منهم له، وبرِّاً منهم به عليه السلام) 10 / عيون 2 ص 104 ح 3 /

والواقع أن تعليل الصدوق يتسم بالقوة والموضوعية فيما راجعنا الظروف التي كان يعيشها الامام موسى الكاظم، خاصة وأن السلطة كانت جادة بالتعامل معه بحذر ومراقبة ومتابعة .

المشكلة ليست هنا، إنما في السؤال عن كيفية توكيل الامام الكاظم عليه السلام من ينحرف عنه لاحقا وهو يعلم الغيب كما يرى بعضهم، أمَّا الذين لم يتورطوا بهذا الاعتقاد فإن السلوك عاد وسار وليس خلاف المنطق ولا الفطنة ولا الذكاء، وكان لهؤلاء أكثر من محاولة لحل هذا (المعضل !) منها: إنَّ من غير المؤكد كون هؤلاء وكلاء حقا ! فليس من المستبعد انهم ادعوا الوكالة ! ومنها: إن الامام كان يعلم بان هؤلاء سوف يسرقون المال وينحرفون بالناس ولكن الامام كان مضطراً لذلك لانه كان بين احتمالين، فهو مضطر لان يودع المال لدى هؤلاء رغم علمه بما سيحدث لان لا يوجد غيرهم احفظ للسر، وفيما كان عمل الامام خلاف ذلك سيفتضح أمره للسلطة وعندها تقيم المجازر بالشيعة وربما يكون هو المستهدف الاول !

لا اريد المزيد من التعليق على هذا التعليل، وفي اعتقادي لو كان الامام يعلم بكل هذه التبعات على ايكال المال لدى هؤلاء بحيث يهز الكيان الشيعي فيما بعد لاصدر أوامره للشيعة ان لا يدفعوا زكاتهم لهؤلاء !

يتبع

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2283 الجمعة 23 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم