دراسات وبحوث

نقد تقاليد الاستبداد (5): الحجاج.. مقبرة الحياة ومزرعة الممات!

ميثم الجنابي"هلاك هذه الأمة إذا ملك الخصيان"

سفيان الثوري

لقد أمضى الحجاج في الحجاز عامين من الزمن، بعد القضاء على حركة ابن الزبير. وهي الفترة التي تمرس فيها بالقدر الذي جعل من الممكن ترشيحه إلى العراق بوصفه جوهرة الإمبراطورية الأموية ومعقل قلقها الرهيب. من هنا إرهاب السلطة المنظم ضده على امتداد تاريخ الأموية حتى زوالها. كما انه السبب الذي يفسر تحوله الى مركز الخلافة العباسية اللاحقة. فهي المنطقة التي أثارت قلق التاريخ العربي الإسلامي ووحدّت مكوناته على مستوى الوعي واللاوعي. وفيما بينهما ترعرعت ونمت وتصلّبت مختلف الحركات الفكرية والسياسية التي شكلت مصدر القلق الأعمق للأموية. فالأموية جسد بلا روح ولسان بلا قلب. وهو النقص الجوهري الذي ميز الأموية وجعلها في الوقت نفسه رهينة القوة والعنف والإرهاب. كما أنها المفارقة التي صنعت الحجاج وجعلته رهينة السلطة وزمن الرذيلة العابثة. من هنا غرابة الدخول الأول للحجاج الى العراق وتفاهة موته فيه واحتقار ذاكراه! فمنذ توليه حكم العراق عام 75 للهجرة حتى وفاته في واسط عام 95 للهجرة، أي لمدة عشرين سنة متتالية، لم تكن حياة الحجاج غير سلسلة من القلق العابث بقيمة الحياة والمعنى. بحيث يمكننا رسم ملامح شخصية بقت من حيث الجوهر خارج التاريخ والواقع رغم انهماكها العنيف بكل حيثياتهما! وليست القصص المروية عن كيفية دخوله إلى الكوفة سوى أكثرها إثارة وغرابة. وقد يكون أكثرها قربا الى الواقع وأكثرها تعبيرا عن نفسيته وذهنيته ودهاءه السياسي هي تلك التي تصور دخوله مسجد الكوفة وخطبته وقتل الناس مجانا.

وهي الرواية التي تؤكد على أن خطبته التي اختتمها بمجزرة علنية كانت مهمتها الرئيسية ترويع أهل العراق، بوصفه موطن المناهضة العلنية والمستترة للأموية. وهي رواية تقول، بأن الحجاج حالما جرى تعيينه واليا على العراق اخذ معه قوات قوامها ستة آلاف رجل، ألفان من أهل الشام وأربعة مختلطة. وتقدم بألفين منهم إلى البصرة أوان الصلاة. ولما دنا من البصرة أمرهم بالتفرق على أبواب المسجد، بحيث وضع على كل باب من أبوابه الثمانية عشر، مائة رجل بسيوفهم. وقال لهم، بأنهم حالما يسمعون جلجلة في المسجد فان مهمتهم ألا يخرج احد من المسجد حيا. وهي المهمة التي قامت بها قواته كما أمرهم بها. بمعنى توزعهم على الأبواب وانتظارهم إشارة الحجاج. وهي إشارة يمكن معرفتها حالما يضع عمامته بعد أن يحصبه القوم. بمعنى استدراجه للقوم من خلال استفزازهم. وحالما دخل مسجد البصرة (وليس الكوفة) وحان وقت الصلاة، فانه صعد المنبر وألقى خطبته التي قال فيها "أيها الناس! إن أمير المؤمنين عبد الملك، أمير استخلفه الله عز وجل في بلاده وارتضاه إماما على عباده، وقد ولاّني مصركم وقسمة فيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإمضاء الحكم على ظالمكم، وصرف الثواب إلى المحسن البريء، والعقاب إلى العاصي المسيء. وأنا متبع فيكم آمره ومنفذ عليكم عهده. وأرجو بذلك من الله عز وجل المجازاة ومن خليفته المكافأة. وأخبركم انه قلدني بسيفين حي توليته إياي عليكم، سيف رحمة وسيق عذاب ونقمة. فأما سيف الرحمة فسقط مني في الطريق، وإما سيف النقمة فهو هذا!". عندها حصبه الناس. فلما أكثروا خلع عمامته فوضعها على ركبته. حينذاك اخذ قواته بقطع الرقاب! وحالما أخذت الناس بالهرب من المسجد تلقاهم أولئك الذين أوكلت إليهم مهمة ألا يخرج من الأبواب غير الرؤوس المقطوعة! وقد بلغ عدد القتلى، كما تنقل بعض الروايات سبعين ألفا بحيث سالت الدماء إلى أبواب المسجد والسكك! وهو رقم يعكس هول الواقعة وطبيعتها أكثر ما يعكس عددها الفعلي1 .

وتعكس هذه الحالة النموذجية شخصية الحجاج ونموذج سلوكه السياسي في العراق على امتداد عشرين سنة. وهما عقدان قد يكونا الأكثر دموية وشراسة فيما يمكن دعوته بمساعي الأموية الدائبة لصنع الوحدة الميتة في العقل والضمير والوجدان، والظاهر والباطن، والتفكر والتوجس، أي في الروح والجسد الخاص والعام للأفراد والجماعات والأمة. وهو السلوك الذي تماهى مع شخصية الحجاج، بحيث أصبح مكافئ لمعنى الإبادة والقتل والجريمة والاضطهاد والعنف المفرط والخروج على ابسط مقومات العقل والذوق السليم والحس الإنساني والقيم الأخلاقية المتعارف عليها والعرف التاريخي والثقافي. من هنا تسجيل كتب التاريخ سيرته بإسهاب وإطناب وتدقيق لمختلف أساليب القتل والتعذيب بما في ذلك تجاه الشخصيات الإسلامية الكبرى التي شملها سلوك الحجاج. فقد قتل الحجاج محمد بن سعد ابن أبي وقاص، وأبو القاسم الزهري، وعبد الله بن زيد الأنصاري (قاتل مسيلمة الكذاب) وماهان الحنفي الذي قطع الحجاج رجليه ويديه وصلبه! كما قتل مصدع الأنصاري المعروف بالمعرقب، وذلك بسبب قطع عرقوبه، لأنه رفض سب الإمام علي بن أبي طالب2 . كما عذب وأهان عشرات الشخصيات الكبيرة بسبب رفضهم سبّ الإمام علي. فقد طلب من محمد بن القاسم أن يعرض عطية العوفي (الذي خرج مع ابن الأشعث) على سبّ الإمام علي، لكنه لم يفعل. لهذا أمر بحلق لحيته وضربه مائة سوط! ونفس الشيء عمله مع الكثيرين3 . وتفنن في ترويع الشخصيات الروحية والورعة لأهل العراق. مثل سجنه احد عباد وزهاد الكوفة المدعو عبد الرحمن بن أبي نعم. حيث حبسه في غرفة مظلمة لمدة خمسة عشر يوما على أمل قتله بالتجويع. وعندما فتحوا الباب وجدوه حيا! عندها قال له الحجاج: سر حيث شئت4 ! وعندما أرسل الى عبد الله بن عكيم (ممن أدرك الجاهلية)، فانه تحظر للموت قائلا "اللهم انك تعلم إني لم ازن قط، ولم اسرق قط، ولم آكل مال يتيم قط، واني كنت صادقا"! بينما أجاب نافع بن جبير بن مطعم على قول الحجاج له:

- قتلت ابن الزبير وعبد الله بن صفوان وابن مطيع، ووددت إني كنت قتلت ابن عمر!

- ما أراد الله بك خير مما أردت لنفسك

- صدقت!

وعندما خرج منه، قيل له "لا خير لك في المقام عند هذا"، عندها أجابهم، بأنه جاء للغزو!

إن كل هذه الصور مجرد نماذج وأمثلة لشخصية الحجاج وموقفه من شخصيات الأمة الكبرى. بمعنى قدرته واستعداده وتنفيذه للقتل والاستهانة والتخريب وكسر كل الحدود العقلية والأخلاقية والشرعية الضرورية لوجود الفرد والجماعة والأمة والدولة. بمعنى الخروج على الفكر والفكرة والقواعد والتاريخ، والإبقاء على الأنا المحكومة بغريزتها ونوازعها الشخصية وطبيعة الاستبداد. وهي المكونات التي عبر عنها الحجاج مرة بصورة دقيقة عندما خاطب أهل العراق في مجرى مواجهته لتمرد ابن الأشعث: "إني انذر ثم لا انظر! واحذر ثم لا اعذر! وأتوعد ثم لا أعفو!"، بمعنى انه لا يعرف غير حدود الإنذار والتحذير والتوعد. وما عداها هو مجرد انعدام النظر والعذر والعفو فيما يراه ويريده. وبما أن ما يراه ويريده هو العبودية للسلطة والعيش بمعاييرها، من هنا يمكن تحسس وفهم "منظومة" القهر الشامل للحجاج، التي وجد احد أقسى وأدق تعبير لها في موقفه من سعيد بن جبير.

وهو موقف له تاريخه الخاص في علاقة سعيد بن جبير بالسلطة الأموية، لكنه يعكس أولا وقبل كل شيء موقف الأموية في شخصية الحجاج من المعارضة المتمثلة في شخصيات الروح الإسلامي المتسامي. فقد كان البحث عن سعيد بن جبير إحدى المهمات الكبرى التي وضعها الحجاج أمام أتباعه وخدمه. وتصور كتب التاريخ، كيفية العثور عليه وتقديمه إلى الحجاج ونوعية الحوار الذي بينهما الذي انتهى بقتل الحجاج لسعيد بن جبير، مع ما ترتب عليه من إثارة لاحقة في العقل والخيال المناهض للأموية بشكل عام والحجاج بشكل خاص. إذ تروي كتب التاريخ كيفية قدوم خالد بن عبد الله القسري الى مكة واليا عليها ليحل محل مسلمة بن عبد الملك. وقد كان وقت خطبة مسلمة على المنبر، التي استكملها خالد بن عبد الله القسري بعد دخوله المسجد. وحالما انتهى مسلمة بن عبد الملك من خطبته صعد خالد المنبر. فلما ارتقى في الدرجة الثالثة تحت مسلمة أخرج كتابا مختوما ففضه ثم قرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم! من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة! أما بعد فإني وليت عليكم خالد بن عبد الله القسري فاسمعوا له وأطيعوا ولا يجعلن امرؤ على نفسه سبيلا فإنما هو القتل لا غير! وقد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير والسلام". ثم التفت إليهم خالد وقال "والذي نحلف به ونحج إليه لا أجده في دار أحد إلا قتلته وهدمت داره ودار كل من جاوره واستبحت حرمته. وقد أجلت لكم فيه ثلاثة أيام!". ثم نزل ودعا مسلمة برواحله ولحق بالشام. فأتى رجل إلى خالد فقال له إن سعيد بن جبير بواد من أودية مكة مختفيا بمكان كذا. فأرسل خالد في طلبه فأتاه الرسول فلما نظر إليه الرسول قال:

- إنما أمرت بأخذك وأتيت لأذهب بك إليه وأعوذ بالله من ذلك! فالحق بأي بلد شئت وأنا معك!

- ألك هاهنا أهل وولد؟

- نعم!

- إنهم يؤخذون وينالهم من المكروه مثل الذي كان ينالني.

- فإني أكلهم إلى الله!

- لا يكون هذا!

فأتى به إلى خالد، فشده وثاقا وبعث به إلى الحجاج. وعندما قال له رجل من أهل الشام:

- إن الحجاج قد أنذر بك وأشعر قبلك، فما عرض له. فلو جعلته فيما بينك وبين الله لكان أزكى من كل عمل يتقرب به إلى الله. (فأجابه خالد بن عبد الله القسري، وقد كان ظهره إلى الكعبة قد استند إليها)

- والله! لو علمت أن عبد الملك لا يرضى عني إلا بنقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته في مرضاته!

وهي الصورة النموذجية التي تعكس طبيعة السلطة الأموية وولاتها. وقد كان الحجاج ذروتها. وهي الذروة التي تعادل هوة الانحطاط المعنوي والأخلاقي والروحي، الذي يمكن العثور عليه فيما احتفظت به كتب التاريخ عن الحوار الذي دار بينهما بعد أن اقتيد سعيد بن جبير إلى الحجاج. فقد ابتدره الحجاج قائلا:

- ما اسمك

- سعيد

- ابن من

- ابن جبير

- بل أنت شقي بن كسير

- أمي أعلم باسمي واسم أبي

- شقيت وشقيت أمك

- الغيب يعلمه غيرك

- لأوردنك حياض الموت

- أصابت إذا أمي اسمي

- لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى

- لو أني أعلم أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها

- فما قولك في محمد

- نبي الرحمة ورسول رب العالمين إلى الناس كافة بالموعظة الحسنة

- فما قولك في الخلفاء

- لست عليهم بوكيل كل أمرئ بما كسب رهين

- اشتمهم أم أمدحهم

- لا أقول مالا أعلم إنما استحفظت أمر نفسي

- أيهم أعجب إليك

- حالاتهم يفضل بعضهم على بعض

- صف لي قولك في علي أفي الجنة هو أم في النار

- لو دخلت الجنة فرأيت أهلها علمت ولو رأيت من في النار علمت فما سؤالك عن غيب قد حفظ بالحجاب

- فأي رجل أنا يوم القيامة

- أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب

- أبيت أن تصدقني

- بل لم أرد أن أكذبك

- فدع عنك هذا كله. خبرني مالك لم تضحك قط

- لم أر شيئا يضحكني وكيف يضحك مخلوق من طين والطين تأكله النار ومنقلبه إلى الجزاء واليوم يصبح ويمسي في الإبتلاء

- فأنا أضحك

- كذلك خلقنا الله أطوارا

- هل رأيت شيئا من اللهو

- لا أعلمه (فدعا الحجاج بالعود والناي وقال بعدما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد. عندها قال الحجاج

- ما يبكيك

- يا حجاج ذكرتني أمرا عظيما والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت ولا زلت حزينا لما رأيت

- وما كنت رأيت هذا اللهو

- بل هذا والله الحزن يا حجاج أما هذه النفخة فذكرتني يوم النفخ في الصور وأما هذا المصران فمن نفس ستحشر معك إلى الحساب وأما هذا العود فنبت بحق وقطع لغير حق

- أنا قاتلك

- قد فرغ من تسبب في موتي

- أنا أحب إلى الله منك

- لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه والله بالغيب أعلم

- كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا وأنا مع إمام الجماعة وأنت مع إمام الفرقة والفتنة

- ما أنا بخارج عن الجماعة ولا أنا براض عن الفتنة ولكن قضاء الرب نافذ لا مرد له

- كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين

- لم أر (فدعا الحجاج بالذهب والفضة والكسوة والجوهر فوضع بين يديه. عندها قال سعيد

- هذا حسن إن قمت بشرطه

- وما شرطه

- أن تشتري له بما تجمع الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة وإلا فإن كل مرضعة تذهل عما أرضعت ويضع كل ذي حمل حمله ولا ينفعه إلا ما طاب منه

- فترى طيبا

- برأيك جمعته وأنت أعلم بطيبه

- أتحب أن لك شيئا منه

- لا أحب ما لا يحب الله

- ويلك

- الويل لمن زحزح عن الجنة فأدخل النار

- اذهبوا به فاقتلوه

- إني أشهدك يا حجاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أستحفظكهن يا حجاج حتى ألقاك (فلما أدبر ضحك. عندها قال الحجاج:

- ما يضحكك يا سعيد

- عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك

- إنما أقتل من شق عصا الجماعة ومال إلى الفرقة التي نهى الله عنها. اضربوا عنقه

- حتى أصلي ركعتين. (فاستقبل القبلة وهو يقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين). عندها قال الحجاج

- اصرفوه عن القبلة إلى قبلة النصارى الذين تفرقوا واختلفوا بغيا بينهم فإنه من حزبهم. (فصرف عن القبلة. فقال سعيد

- فأينما تولوا فثم وجه الله الكافي بالسرائر. (عندها قال الحجاج)

- لم نوكل بالسرائر وإنما وكلنا بالظواهر

- اللهم لا تترك له ظلمي واطلبه بدمي واجعلني آخر قتيل يقتل من أمة محمد!

فضربت عنقه! ثم قال الحجاج "هاتوا من بقي من الخوارج" فقرب إليه جماعة فأمر بضرب أعناقهم وقال ما أخاف إلا دعاء من هو في ذمة الجماعة من المظلومين فأما أمثال هؤلاء فإنهم ظالمون حين خرجوا عن جمهور المسلمين وقائد سبيل المتوسمين!

وقال قائل إن الحجاج لم يفرغ من قتله حتى خولط في عقله وجعل يصيح "قيودنا، قيودنا"، ويعني بذلك القيود التي كانت في رجل سعيد بن جبير! الأمر الذي جعل ابن قتيبة يقول: "متى كان الحجاج يسأل عن القيود أو يعبأ بها!". وهي كلمة لها مذاقها الاخلاقي. اما في الواقع، فقد اخطأ ابن قتيبه بهذا الصدد، وذلك لان الحجاج الاكثر من يسأل عن القيود ويعتني بها لكي يستعملها من جديد

***

ا. د. ميثم الجنابي

.............................

1- وعليها جرى فيما يبدو ابتداع مختلف الصيغ عن خطبته الشهيرة وسلوكه الدموي حالما دخل الكوفة للمرة الأولى بعد توليه إمارة العراق. ومن بين أكثر هذه الصيغة انتشارا تلك التي تحكي عن دخوله مسجد الكوفة متلثما ومعتمرا عمامته الحمراء. وعندما اعتلى المنبر، فانه ظل واقفا محملقا في أعين الجمهور الى أن ضجوا، عندها قطع سكوته بسوط كلماته اللاذعة التي خاطب بها أهل العراق مبتدأ بشعر ثمامة القائل: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني. أما والله فاني لأحمل الشر بثقله، واحذوا بنعله، واجزيه بمثله! والله إني لأرى رؤوسا أبنعت وحان قطافها! واني لأرى الدماء ترقرق بين اللحى والعمائم! والله يا أهل العراق أن أمير المؤمنين نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني امرّها عودا واصلبها منكسرا، فرماكم بي لأنكم طالما أثرتم الفتنة واضطجعتم في مراق الضلال! والله لانكلّن بكم في البلاد ولاجعلّنكم مثلا في كل واد، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل! واني يا أهل العراق لا اعد إلا وفيت، ولا اعزم إلا أمضيت! فاستوثقوا واستقيموا، واعملوا ولا تميلوا، وتابعوا وبايعوا، واجتمعوا واستمعوا، فليس مني الإهدار والإكثار، وإنما هو هذا السيف!". وهناك صيغة أخرى تنسب للحجاج هذا الكلام في البصرة. فبعد أن صعد المنبر وهو معتمر بعمامته متلق سيفه وقوسه، أخذه النعاس لأنه كان قد أحيا الليل. وحالما اخذ بالكلام فان الناس حصبوه، عندها قال خطبته الشهيرة وبالأخص عباراتها القائلة "يا أهل العراق إني أرى رؤوسا أينعت حان قطافها".

2- ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، ج4، ص83.

3- الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج4، ص267، تهذيب التهذيب، ج2، ص549.

4 - ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب، ج2، ص560

 

في المثقف اليوم