دراسات وبحوث

حقيقة النبوة عند الغزالي (1)

ميثم الجنابي"الأنبياء أطباء أمراض القلوب"

(الغزالي)

الاستمداد الأمثل لمبادئ الإصلاح الحق

لقد لازم وجود الخلافة رجوعها المتكرر إلى بداياتها الأولى. ولم يكن ذلك بسبب استعادتها المتجددة لوعي خلافتها للرسول، بقدر ما كان ذلك رجوعا تحدده بين الحين والآخر كوامن الوعي اللاهوتي في احتكامه أمام مرجعياته الأساسية في الإلوهية والربوبية وخطابها القرآني في مواجهة معضلات الوجود المختلفة. مما كان يعني وقوفها بين الحين والآخر أمام مبادئ شخصيتها التاريخية ورمزيتها المثلى في النبوة. فقد احتوت النبوة على مستوياتها وتوجهاتها المتباينة في آراء ومواقف المتكلمين والفلاسفة والصوفية، واختلافاتها في مدارسهم وفرقهم. إذ كان بإمكانها الظهور في الآراء والمواقف السياسية والعقلية، كما كان بإمكانها استبطان حوافز الفكر الأخلاقي ومساعيه العملية. وأن تبقى مع ذلك موضوعا قائما بحد ذاته. مما يعكس وحدة الأرضية الثقافية للفرق واتجاهاتها الكبرى من جهة، واشتراكها في هموم الرؤية ومشتقاتها الجدلية والبرهانية من جهة خرى. مما يعني تحول النبوة إلى إحدى البؤر الموحدة لواحدية الثقافة الإسلامية، ومصدر من مصادر تثويرها الداخلي. وارتبط مسار اتجاهها اللاحق بكيفية تفسيرها وتأويلها وتوظيفها في منظومات الفكر وحلولها العملية لقضايا الأمة ووجودها الاجتماعي[1]. لهذا ظلت قضية النبوة وشخصيتها المركزية تشغل حيز الفكر الاجتماعي في مختلف ميادينه، دون أن تفرض عليه في الوقت نفسه اولويتها. مما يعني ذوبانها في الكينونة السارية لثقافة الخلافة ككل، واللاهوتية منها بالأخص.

فالميدان اللاهوتي (الكلامي) لم يعد حقلا لتجريب الآراء في مستواها المباشر، بل وأسلوب التدليل والبرهنة المناسب للوعي الديني في خروجه صوب الأفق الاجتماعي السياسي والأخلاقي لقضايا المجتمع. لهذا كان بإمكان الفرق الكلامية أن تشترك في همومها الموحدة حول قضايا النبوة، وأن تتعارض آراؤها ومواقفها وتتناقض في مواقفها النظرية والعملية، كما نراه، على سبيل المثال، في آراء المعتزلة عن النبوة في عناصر تهشيمها النسبي للغائية اللاهوتية، ودعوتها بالتالي للاختيار في الفعل باعتباره ميدان تجلي الحكمة وإدراكها الحق. في حين جعلت الشيعة بمدارسها المختلفة من قضية النبوة مقدمة إدراكها الخاص لدراما الحق الأزلية في تجلياتها الفردية وتفاؤلها المغري في خيال الخلاص الممكن. بينما دفعت الإسماعيلية هذه الأفكار باتجاه هيكلها النموذجي والمتناسق، باعتباره البناء المناسب لجدارة الخيال الفلسفي في تأملاته الحية عن المثال المطلق في الفرد، دون ان تفقده في الوقت نفسه أبعاده السياسية المباشرة. من هنا يمكننا رؤية ما في الثقافة السابقة للغزالي من إشكالات عديدة في تأسيسها وحلولها لقضايا النبوة، كما نعثر في إشكالاتها هذه على نماذج معبرة عن الخير الأسمى في السياسة والأخلاق على مستوى الفرد والجماعة والأمة.

 إن الأثر الهائل للتراث الإسلامي وشخصية النبي محمد المركزية ظل على الدوام يفعل بما في ذلك في اشد الصيغ تجريدا. مما جعل من النبوة قضية متعددة الكوامن الاجتماعية السياسية والأخلاقية. واشتركت الاتجاهات المتباينة بهذا الصدد، بمعنى أن خلافاتها واختلافاتها جرت من خلال تركيز كل منها على هذا الجانب أو ذاك من جوانب النبوة. وبالتالي إبراز جوهرية أو أولوية هذا الجانب أو ذاك باعتباره الجانب المعّبر عن حقيقة النبوة وخصوصيتها. فالاتجاهات المعتزلية ولحد ما الاشعرية سارت باتجاه ابراز الطابع الإنساني في النبوة. وبالتالي تحريرها من نزوع الغائية اللاهوتية عبر مطابقتها مع حقيقة الحكمة الإلهية المعقولة أو الإلهي مع الإنساني في نماذجه الرفيعة من خلال بناء صرح الأخلاق العقلية. بينما ركزت الاتجاهات الشيعية على ربط النبوة بالإمامة. وقد مهّد ذلك لآرائها ومواقفها السياسية في هرميتها المعقدة نسبيا، والتي صاغت في غياهب خيالها الفلسفي المثال المطلق للإنسان، دون أن تفقده إمكانية الانتفاض الواقعي. وبهذا تكون قد شاركت مساعي الاتجاهات الكبرى من خلال إبراز أولوية تنقية النفس وتهذيبها من جل بلوغ الكمال، ولكن من خلال ربطها بالممارسة العملية في الإمام الحق. ووجدت هذه الفكرة تعبيرها عند إخوان الصفا في مهمة النبوة الأساسية باعتبارها المثال الحي لمعالجة النفوس المريضة. فالأنبياء، حسب نظر إخوان الصفا، هم أطباء النفوس. بينما اتخذت نبوة الفلاسفة صيغة النبوة العقلية المعرفية.

وبهذا تكون المدارس والاتجاهات الكبرى قد قدمت نماذج متنوعة لرؤية النبوة في حقائقها وأفعالها وصفاتها، والتي لم يكن بإمكان الغزالي تجاهلها، أو لم يكن بإمكانها ألا تؤثر فيه. فعندما واجه للمرة الأولى مهمة تأملها المستقل، فإنه نظر إليها نظرته إلى قضية فكرية دينية، وجزئيا إلى قضية معرفية. لهذا اتخذت صيغة الموضوع الجدلي في ردوده اللاهوتية الفلسفية في (تهافت الفلاسفة) على آراء الفارابي وابن سينا. فقد ناقش هذه القضية هنا بصورة عابرة. وليس مصادفة أن يضع جدله مع الفلاسفة المسلمين في (تهافت الفلاسفة) بصدد قضايا النبوة في مستوى الجدل الكلامي اللاهوتي. انه لا يبحث في آرائهم بهذا الصدد، بقدر ما يشدد على أن تأويلات الفلاسفة وآراءهم هنا يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى نفي المعجزات والنبوة. ولا يغير من ذلك شيئا كون الغزالي لا يشير إلى النبوة باسمها. فقد كانت مهمته في (تهافت الفلاسفة) تقوم اساسا في "فضح" آراء الفلاسفة وكشف "تهافتهم" المنطقي، بالصيغة التي برز فيها تعارض آرائهم مع التصورات الدينية وأحكامها. فقد حاول الفلاسفة تفسير المعجزات النبوية على اساس تأويلها المادي المعقول، مثل اعتبار إحياء الموتى هو إزالة موت الجهل بحياة العلم[2]. وبهذا لم تعد المعجزة إحالة أعيان الموجودات وذاتها لمنافاتها العقل. فالمعجزة ينبغي أن تكون بنظرهم مطابقة لصفات الطبيعة، أي تجسيد الرغبة الملحة والمتحدية في ما هو طبيعي بذاته كالأمطار والزلازل والرياح والصواعق وما شابه ذلك من غير حضور سبب طبيعي ظاهر[3]. فقد ارتبط هذا الاستنتاج بالتعميمات الفلسفية عن النفس والعقل، أو القوة المتخيلة التي يطلع بها الأنبياء على اللوح المحفوظ في اليقظة، والناس العاديين في المنام والأحلام، والقوى النظرية العقلية والنفسية العملية، والتي بإمكانها أن تسّخر الطبيعة لإحداث المعجزة. وهي الأفكار التي سيدمجها في آرائه عن النبوة وحقيقتها. بمعنى انه لم ينظر إلى هذه القوى نظرته إلى كيانات مستقلة في كيان أخلاقي موحد ومعقول، بقدر ما انه حوّلها إلى نماذج محسوسة ومعقولة في إدراك حقائق النبوة وإمكاناتها. ففي الوقت الذي استنفد مفاهيم الفلسفة الأخلاقية العقلية، فإنه وجهها وجهة أخرى دون أن ينفي إمكاناتها المستقلة في منظومة الفكر الأخلاقي وموضوعاتها الجدلية. ومن الممكن العثور على لمعان هذه البقايا الخاطفة في عبارته الوجيزة التي علّق بها على الباطنية عن النبوة عندما قال بأن آراءهم فيها تقترب من آراء الفلاسفة مع بعض "التغيير والتأويل الذي لا ينكر"[4].

غير أن آراء الغزالي ظلت حتى هذه المرحلة تسبح في فضاء الجدل الكلامي الفلسفي، خارج توجهات ما اسماه لاحقا بالبحث عن حقائق الأشياء كما هي. وبقدر ما ينطبق ذلك على القضايا الفكرية العديدة ينطبق أيضا على مسألة النبوة وإشكالاتها. فالغزالي لم يتناول النبوة كقضية قائمة بحد ذاتها، بما في ذلك في (المنقذ من الضلال). فقد أفرد لها فيه صفحات وأدخلها في صلب "المنظومة" العامة لأفكاره عنها. لكنها لم تتخذ مع ذلك صيغة المسألة المنفردة في أبوابها وفصولها. أما في كتاباته السابقة  فإننا لا نعثر إلا على اشارات وأحكام متناثرة لها مقدماتها في تحولاته وانقلاباته وخصوصية انتقاله للتصوف. اذ لم يتناول ما اسماه بحقيقة النبوة إلا في مرحلته الصوفية. وما قبل ذلك لا نعثر على مفاهيم مشابهة. ففي (إحياء علوم الدين) تظهر بوضوح وللمرة الأولى، اشاراته إلى مفهوم النبوة وخصائصها.فالنبوة بالنسبة له هي "عما يختص به النبي ويفارق به غيره"[5]. أما اختصاصه عن الآخرين فيقوم في أربع خواص جوهرية، الأولى منها هي معرفته بحقائق الأمور المتعلقة بالله وصفاته والملائكة والدار الآخرة لا كما يعلم غيره، بل مخالفا له بكثرة المعلومات وبزيادة اليقين والتحقيق والكشف. أما الثانية فتقوم في أن له في نفسه صفة بها تتم اللإفعال الخارقة للعادات مثلما للناس العاديين صفة بها تتم الحركات المقرونة بالإرادة والاختيار. رغم أن القدرة والمقدور جميعا من فعل الله. أما الصفة الثالثة فتقوم في أن له صفة بها يبصر الملائكة ويشاهدهم كما أن للبصير صفة يفارق بها الأعمى. وأخيرا أن له صفة يدرك بها ما سيكون في الغيب أما باليقظة أو في المنام[6]. في حين يشير في (المظنون به على غير أهله) الى ان أهم خواص النبوة هو "التمثيل الخيالي" بمعنى رؤية اليقظة[7]. وهي الفكرة التي تتفق مع ما في آرائه المعروضة في (المنقذ من الضلال).

تمتلك النبوة من حيث واقعيتها الصفات المميزة للذات العارفة، بما  في ذلك إعجازها، والتي صاغت اتجاهات الكلام والفلسفة والباطنية أغلب عناصرها. ومع ذلك فإن الخلاف بقي كبيرا، وبالأخص ما يتعلق منه بإدراك حقيقة النبوة. وهو خلاف لم تحدده مناورات الفكر السياسية، رغم فاعلية جوانبها المخفية في تقاليد صراعه القديم مع الباطنية التعليمية والفلاسفة، بل تجانس آراءه النظرية في مواقفه من الطابع التخميني للمعرفة العقلية في إدراكها لخواص النبوة. مع ما فيها من تأسيس لطابع المعرفة التقريبي عنها. مما يعني أيضا إزالة وهم العصمة والضرورة في الأحكام السائدة عنها في مختلف المدارس والاتجاهات. ووضع هذا الاستنتاج لاحقا في فكرته القائلة بأنه لا يدرك حقيقة النبوة إلا النبي. وهو تحديد يستند إلى تراث متعمق في تحليل "عناصر" النبوة المتناثرة في صراع المدارس ومنظوماتها الفكرية. لقد حاول الغزالي أن يرفع قدر النبوة وشأنها عن أن تكون موضوعا محترفا في ضيقه، وضيقا في احترافه للمعرفة النخبوية، التي اعطت لها بعض  الاتجاهات والفرق صيغ المشاريع المقننة. ولم يعن ذلك معارضته للتقنين بقدر ما انه سار هنا في اتجاه مخالف للفلاسفة والباطنية وإخوان الصفا، من خلال فسحه المجال أمام ما يمكن دعوته بالتقنين غير المتناهي أو التقنين الذي يفترض في مساره تذليل الهوة السحيقة من اجل بلوغ علياء النبوة في مشكاتها الخالدة. ووفرت هذه الصيغة إمكانية تذليل الهيمنة اللاهوتية المقننة للنبوة من خلال إدراجها في وحدة المسار المعرفي الأخلاقي. مما كان يعني أيضا الإقرار الضمني بالنبوة المعرفية الأخلاقية غير التشريعية. ولم يكن ذلك معزولا عن إدراكه الجديد لحقيقة النبوة، والمرتبط بالطريق الصوفي، أي المراحل التي يسلكها الصوفي في معراجه العلمي العملي، باعتباره طريق سلوك حقيقة النبوة، ورؤية الملائكة وأرواح الأنبياء وسماع أصواتهم واقتباس الفوائد منهم[8]. فهي العملية التي تؤدي في مجرى مشاهداتها في الصور والأمثال إلى صعوبة التعبير عنها[9]. كما في شعر ابن المعتز القائل:

وكان ما كان مما لست أذكره    فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

فهي الحالة التي لا يمكن إدراك حقيقتها دون تذوقها. وذلك لأنه أسلوب إدراكها الفعلي. وبدون ذلك لا يمكن إدراك سوى اسم النبوة لا حقيقتها[10]. وبهذا يكون قد فسح المجال أمام مستويات متنوعة في معرفة النبوة، بفعل حقيقتها غير المتناهية. أما الصفات المعينة لها، والتي حددتها تقاليد الإسلام بست وأربعين صفة فهي مجرد صفات تخمينية في كميتها (عددها)، لانهائية في قرائن تجلياتها. ومع ذلك نراه يدقق في (المنقذ من الضلال) خواصها العامة المعروضة في (إحياء علوم الدين)، بعد أن صاغ فكرتها المبدئية في (المضنون) و(المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) عندما تناول مفهوم الاسم الإلهي (الباعث)، فإنه لم يتطرق له بمعناه الوجودى (الإيجادي) المادي استنادا إلى انه لا يمكن فهم حقيقة معنى الباعث واستنفاده بحدود قضايا البعث والنشر. فالموت ليس عدما، والبعث ليس إيجادا كالإيجاد الاول. إذ ليس البعث سوى إنشاء آخر لا يناسب الإنشاء الأول أصلا. تماما كما إن للإنسان نشئآت عديدة في مجرى تكونه، حيث يعاد خلقه على مستويات يصوغها في ما يمكن دعوته بالبعث المادي والروحي والفكري. فخلق الجسد درجة في درجات الإنشاء، وخلق الروح درجة أخرى، وظهور خاصية الولاية درجة ثالثة، وظهور خاصية النبوة درجة رابعة[11]. فالنبوة تظهر كما لو أنها درجة في الإنشاء الإلهي، والتي لا يمكن إدراكها ويستحيل  الإحاطة بها عقلا، وذلك لأن العقل ما هو إلا درجة في درجات الإدراك والفهم. وإن موقع العقل هذا هو الذي حدد فكرة الغزالي عن استحالة الإدراك العقلي لحقيقة الولاية والنبوة إدراكا كاملا[12].

ولم يعن ذلك في الوقت نفسه استحالة معرفتها. أما التناقض القائم من حيث ظاهره في هذه الأحكام، فما هو إلا رد الفعل المباشر على تجربته الكلامية السابقة، التي جعلته يدور في فلك البراهين النفسية وأحكامها الجدلية. بمعنى استحالة إدراك الحقائق بالضرورة لأن أسلوبها عادة ما يحدده تقاليد الجدل الكلامي. (يتبع...)

 

ا. د. ميثم الجنابي – مفكر وباحث

...................................

[1] إن مختلف جوانب هذه القضية، وبالأخص ما يتعلق منها بكسر مسار الوحدة المتناقضة، هو الجزء الملازم لواحدية الثقافة في عصر ازدهار الخلافة. بينما تحولت قضية النبوة في مراحل الانحطاط  الى جزء من هيمنة السطوة المقدسة والهيبة المفتعلة للجهل الهالك في خياله المسحور. بمعنى بقاءها ضمن الاطار المغلق للولع اللاهوتي. وهذه بدورها ليست إلا الصيغة المباشرة لحالة الجمود والانحطاط. بمعنى تحول النبوة ومختلف قضاياها الى موضوع قائم بذاته وتدور في افلاكه العنكبوتية مختلف الاحلام الشاردة والخيال المذعور بالزيف الأخلاقي والعبودية المتلذذة بأسقامها وأوهامها. في حين كانت تمثل في عصر الازدهار الثقافي وكينونة الدولة الموحدة معنى المرجعية الضرورة للاجتهاد. وهذه بدورها ليست إلا الصيغة التي يفرضها الاجتهاد الحر بالقدر الممكن ضمن تاريخ الاراء والمواقف وبما يستجيب لمقدماته الاجتماعية والنفسية ورمزية رؤيته الواقعية.

[2] وهو الأسلوب الذي اتبعه الغزالي لاحقا، كما نراه في اختزاله لعناصر التأويل المعقولة في تقاليد الفكر الفلسفي، التي شقت لنفسها طريقها الخاص في التصوف أيضا. فعندما تطرق، على سبيل المثال، في كتاب (المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) إلى الاسم الإلهي (الباعث) وتجليه في حظ الإنسان منه، فإنه ينظر إلى البعث باعتباره رديفا لإحياء الموتى، لكنه طابقه مع موازاة الجهل باعتباره موتا، والعلم باعتباره حياة. من هنا استنتاجه القائل، بأن "من أحيا قلب الجاهل انشأه نشأة أخرى". ووجد فيها الصفة التي تميز الانبياء والعلماء العارفين عن غيرهم. (الغزالي: المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، ص126).

[3] الغزالي: تهافت الفلاسفة، ص238.

[4] الغزالي: المستظهري أو فضائح الباطنية، ص27.

[5] الغزالي: إحياء علوم الدين ج4، ص194.

[6] الغزالي: إحياء علوم الدين ج4، ص194.

[7] الغزالي: المضنون به على غير أهله، ص94-95. 

[8] ارتبطت هذه الفكرة في منظومة الغزالي بصعود الروح الصوفي إلى مصاف إدراكه المعقول في قيم الثقافة وروابط وجودها المادية. لهذا لا تعني وحدة المعرفة الأخلاقية في منظومة الشريعة السائدة سوى كسر هيبة التقديس المزيفة عن بقايا الوحدة الصلدة للشريعة الفقهية. فالنبوة غير التشريعية (بلا رسالة) هنا هي نبوة المرجعية الملازمة لنموذج الشخصية المتسامية في إنسانها الكامل. وهو موضوع أقرب إلى معرفة الخاصة وتقاليد الروح الصوفي. غير أن انبساطها المعنوي في آرائه قد الزمها بالضرورة اتخاذ صيغة الكلّ الإصلاحي، كما بلور ملامحه الكبرى في (إحياء علوم الدين). إذ لا تعني النبوة غير التشريعية انتفاء قدرتها على تنشيط القانون والحق. إنها تعمل ضمن التقاليد المفروضة بهيبة التقديس. لكنها تتعامل معها بروح المعرفة الأخلاقية. مما يعني تنشيطها الداخلي عبر إدراج تجديدها الممكن في مسار البدائل الأكثر لإنسانية وتساميا. لكنها مع ذلك لا تتعدى في تأثيرها المباشر حدود "القيم المقدسة". لكنها تخترق في تأويلاتها جمود هيبتها المفتعلة. وإذا كانت هذه العملية متناقضة من حيث إمكانيتها المساهمة في مد تقليدية النفس بنفس التقليد، فإنها لا تجعل من هذه المفارقة قانونا ملزما لأنبيائها.

[9] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص140.

[10] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص141-142.

[11] الغزالي: المقصد الأسنى في شرح اسماء الله الحسنى، ص124.

[12] الغزالي: المقصد الأسنى في شرح اسماء الله الحسنى، ص124-126.

 

في المثقف اليوم