دراسات وبحوث

امين الريحاني.. أديب الروح الوجداني العربي (1-4)

ميثم الجنابيإن الغموض الذي يلف حقيقة الشخصيات الكبرى الناشئة في مراحل الانقلابات والتحولات العاصفة والمفاجئة عادة ما يؤدي إلى سوء فهم مقاصدها. وهي إساءة تتولد في الأغلب عن أعماقها السحيقة والمتضادة أيضا، والتي يصعب سبر غورها دفعة واحدة. ويشتد هذا الغموض وما يرافقه من سوء فهم، عندما "يتذبذب" المفكر في تفكيره مع انعطافات التاريخ الحادة.

فقد مرت طفولة أمين الريحاني (1876-1940) وكذلك صباه وفتوته في المهجر (أمريكا). ومن هناك قفل راجعا إلى "مهبط الوحي" العربي بعد أن تعرف على أصوله وجذوره في مرآة الآخرين، وأعجب بها أيما إعجاب. وأشار في مذكراته إلى أنه تعرف على "سيد العرب النبي محمد" من خلال كتاب توماس كارليل عن (الأبطال وعبادة البطولة). كما أدهشته حضارة أسلافه الأندلسية من خلال كتاب ارفنغ واشنطن (الحمراء). وعندما أراد التغلغل إلى أعماق الروح العربي، فأنه عثر عليه في أبي العلاء المعري[1].

وهي انعطافات مفاجئة أّسرت أعماقه وساهمت في نفس الوقت ببناء كيانه الروحي. من هنا تطابق ذاته التاريخية مع تاريخ الصيرورة الجديدة للعرب في القرن العشرين. ورسم الريحاني هذه الحالة في ردوده التي ذيلها على كتابه (فيصل الأول)، وبالأخص على الاتهامات والانتقادات التي شككت فيما إذا كان هو أمريكيا أم لبنانيا أم عربيا أم الكلّ في واحد؟ وهل هو ملكي أم ديمقراطي أم اشتراكي أم الثلاثة في واحد؟ وردّ آنذاك قائلا، بأنه تربى في أمريكا الديمقراطية ولكنه اقتنع بأن الاسم فيها للأحرار والحكم للدولار. وأن الإنسان لم يتوصل بعد إلى حكومة صالحة من حيث الشكل والروح لكل شعوب الأرض. ذلك يعني أن نوعية الحكم ينبغي أن تتوافق مع "تقاليد الأمة وثقافتها"[2]. فإنجلترا على سبيل المثال لا يصلح لها النظام الجمهوري وإن كان الشعب ألف الأحكام الديمقراطية في النظام الملكي (الدستوري). كما لا تصلح الملكية لأمريكا رغم اقتناع شعبها بمساوئ الحكم الجمهوري. أما تقاليد العرب فهي تقاليد حب الملوكية وأبهة السلطة رغم فطرتهم الديمقراطية. بل أن تاريخ العرب كله هو تاريخ منافاة الشورى الإسلامية. ذلك يعني أن عقلية الأمة العربية عقلية ملوكية، كما أن تقاليدها في الحكم تقاليد ملوكية. لهذا اعتبر من الخطورة المجازفة بجعل النظام الجمهوري نظاما سائدا في العالم العربي[3]. وذلك لأن تقاليد العرب مبنية على أولوية فكرة العدل كأساس للملك (الدولة والنظام)، إضافة إلى أبوية السلطة. وبالتالي فأن أي تحويل لهذه التقاليد سوف يؤدي إلى صنع فجوة قاتلة. وهو السبب الذي يفسر رؤيته لما اسماه بخطورة النظام الجمهوري في العالم العربي. فالملوك العرب هم من قاد عملية تغيير حالة الأمة وتطويرها. فلولا الملك حسين لما قامت الثورة على الأتراك، ولولا ابن سعود لبقيت الجزيرة خراب وعراك، ولولا الإمام يحيى لهلكت اليمن، ولولا الإدريسي لتمزقت عسير[4]. وبغض النظر عن النتائج الواقعية، التي تزكي جزئيا استنتاجات الريحاني بهذا الصدد، فإنها كانت من حيث واقعيتها النتاج الملازم "لصيرورته" و"تناسقه" مع انقلابات العالم العربي آنذاك.

فقد كان خروجه من العالم العربي ورجوعه إليه صدفة. وما وراءها كان هناك تيار الانتماء للعروبة الذي يصعب تفسيره، شأن كل انتماء وجداني صادق بمعايير المنطق الشكلي. لكن اليقين الجازم هنا يقوم في أن اكتشافه للنفس لم يكن اكتشافا تاريخيا، بل اكتشافا وجدانيا جرى على خلفية الانكسار الحاد في صيرورة العالم العربي ودوله الحديثة، الذي صنع ما يمكن دعوته بالثبات العقلي فيه. فقد بحث الريحاني عن "عروة وثقى" في كل شيء من ديمقراطية وملوكية واشتراكية، أي في المتضادات التاريخية لنشوء النظم الاجتماعية وتغيرها. وفي نفس الوقت حاول التأسيس الحقوقي "للعقلية العربية" في نمط الحياة ونظام الحكم. مما أدى إلى دخول كافة هذه الأجزاء المختلفة في ذاته وأن تتعايش كمكونات طبيعية صيّرت وجوده الفكري وكيانه الروحي. لهذا نراه يجمع في آرائه كل شيء كما لو أنه يريد قول كل شيء. وليس مصادفة أن يجعل من "قل كلمتك وامش!" شعاره الحياتي.

لم يعن شعار "تكلم وامش!" عند الريحاني سوى تحديد الموقف الحر دون تهيب من المكان والزمان. فالكلام لم يعن هنا كلام المتكلمين، كما لم يعن المشي مشائية الأرسطيين، رغم صداهما الباهت في آرائه، وذلك لأن الكلام والمشائية هنا ليسا منظومة للقيم والأفكار، بقدر ما أنهما خليط من المواقف المعبّرة عن العاطفة المتحررة والراغبة في أن تكون مسموعة رغم أن السماع يبدو ثانويا في شعارها. ثم أن شعار "قل كلمتك وامشي" يوحي ظاهريا بان القائل لا يهمه ردود الفعل ولا يدقق فيما إذا كان المخاطب صما أو بكما! أما في الواقع، فأن هاجس الاستماع الحر للنفس والبوح بما فيها هي الصيغة المقلوبة لحب السماع والاستماع. أما في حالة الريحاني فقد كانت هذه الصيغة تعبيرا عن ثباته في الحركة الدائمة والدائبة والمتقلبة للوجدان، التي تجعل من تناسق الأفكار واتساقها في نظام من الألف إلى الياء أمرا مستحيلا. فقد كانت هذه الديمومة المتقلبة التمثيل الوجداني النموذجي الذي يسعى لجمع كل ما يمكن جمعه من اجل قول كل ما يمكن قوله، والذي عادة ما يميز مراحل التحولات العاصفة وانقلاباتها المفاجئة. وهو نموذج له فضيلة كبرى زمن التعصب وضيق الأفق، ورذيلة مماثلة أيام الحسم والقرار.

صوّر الريحاني في (ملوك العرب) مرحلة الانتقال كما شاهدها وتحسسها وعايشها وعاناها وتصورها. إذ وجد فيها حالة البؤس المتعدد الجوانب. وفي بعض "إرهاصاته اليمنية" عندما تجوّل في شمالها، كتب يقول، بأنه "يخيل له انه في أرض غريبة الظل والسراب، فيها أشباح تتكلم العربية"[5]. وهي أشباح وجدت انعكاسها في كل شيء فترى الشخص هندي الأم، صومالي الأب، عربي اللسان، إسلامي الدين. فلا هو مسلم ولا هو عربي ولا هو صومالي ولا هو هندي لا في أخلاقه ولا في ملامحه ولا في ملابسه[6]. ولم يقصد الريحاني بذلك إدانة الاندماج بين الأقوام والأديان والثقافات، بقدر ما كان ينتقد صيغتها المفككة انطلاقا من أن السبيكة المتماسكة تفترض وجود عناصر جوهرية متناسقة في تركيبها الداخلي. بينما تشير حالة البلاد العربية إلى التفكك في عرى الأحكام والتفرد والضعف المهلك في السيادة[7]. وهي حالة تكشف عنها الواقعة التي أوردها الريحاني عندما استفسر الإنجليز من الحديديين (سكان منطقة الحديدة اليمنية) عمن يريدون أن يحكمهم!؟ أجابوا: نريد الترك! وعندما قال لهم الإنجليز بأن ذلك محال، قالوا "نبغي إذن الحكومة المصرية!". وهي حالة تشترك فيها البلاد العربية حينذاك جميعا، رغم تمايزها الجزئي من مكان لآخر. ولكنها تشترك من حيث تغلغلها في "الأنظمة السياسية" العربية آنذاك، والتي ظل اغلبها أسير وحدة الدين والدنيا والطائفية والعشائرية والعائلية. بمعنى افتقادها للطابع المدني. وفي هذا يكمن بنظر الريحاني أحد الأسباب الأساسية لهلاك العالم العربي. ووجدت هذه الحالة تعبيرها غير المباشر في كثرة وانتشار كلمات الجهل والكسل والادعاء والظلم والعبودية والتعصب والخوف والخرافة والطاعة العمياء والأثرة والجبن والخداع والنفاق والأضاليل والغبن والخمول والفخفخة والأبهة والتدليس والكذب والقلوب المترهلة والقلوب المائعة والدموع والأسى والنحيب والنواح وكثير غيرها، في كتاباته. وهي كلمات موجودة في قواميس الأمم جميعا في مراحل صعودها وانحطاطها، إلا أن كثافتها المركبة في عبارات الريحاني تشير أولا وقبل كل شيء إلى وجدانية تعامله مع الأحداث والوقائع التي وصفها بحالة التفكك العام آنذاك.

وهي وجدانية أرادت أن تتحسس في عباراتها كل ما بإمكانه إثارة الجسد المتهرئ للعالم العربي حينذاك. لهذا أخذت بالإفحام والاتهام والتعظيم السريع. ولم تقصد بذلك شيئا غير ذاتها. وحدد هذا الحافز وجدانيتها العارمة في تحدي كل ما يمكن تحديه وتوجيه الاتهام إلى نفسها ومخاطبتها بأقسى الكلمات وأرقها. مثل أن ترى في نفسها "نبيلا يتجلى بجلاله كما يتجلى في مظاهر الربيع الجليلة"[8]، أو أن يشعر بالغربة المتسامية بحيث "يصرخ ساكتا: إلهي إنا غريبان ههنا"[9].  كما يجد في صوته صدى واستمرارا "لناي الرعاة، وعود الفسّاق، وكنارة الراقصات، وصوت الدهر، وروح الفيدا، والرسول إلى الصفوة"[10]، أو أن يصرخ بأنه "هو الشرق وأنه حجر الزاوية الأول لهيكل من هياكل الله، وأول عرش من عروش الإنسان". لهذا نراه "منحني الظهر ولكنه قويم الرأي ثابت الجنان"[11]. وهي الطاقة الخالدة للحقيقة والمتجسدة في "سلام الأنهر المقدسة"، وفي "لبيك اللهم لبيك"، وفي "منابر الوطنية والدعوة للثورة"، وفي "نشيد النرفانا وعقيدة الكارما"[12]. وليست هذه "المتناقضات" سوى الصيغة الوجدانية والعقلانية لحقيقة التصوف المتجزئة والمندمجة في نفس الوقت في مشاريع التفاؤل المغري للريحاني.

بحث الريحاني عن قلوب نابضة في المراكز التاريخية الغابرة للعالم العربي. لذا نراه يكتب عن "قلب لبنان" و"قلب العراق". كما نراه يعثر في مصر على "ابنة فرعون"، الذي أول من قال للموت: لا! وأول من قال للحياة: نعم! فمصر هي آية الزمان، وابنة فرعون، ومعجزة الدهر، وفتاة النيل، كما أن دجلة هي رب العراق وحياته الخالدة[13]. فقلب العراق حي إلى الأبد[14].

سعى الريحاني إلى "كسر" عود المنطق المتكلس بعبارات الخنوع أمام الحروف المتجزئة في الكلمات، والأوهام المستطابة للسرديات الجليلة الفارغة، والحماقات المستلذة لإطنابها بالماضي الممتطى، وقذارة الحنكة المتمرسة في إركاع الكلمات إلى ما تهواه الأنفس الخائرة. لهذا نراه يهاجم ما اسماه "بالقلوب المائعة للشرقيين"، ويدين "داء البكاء" ويطالب "برفع القلوب من مستنقعات التخنّث"[15]. ولم يعن ذلك في الواقع سوى مخاطبته الوجدان العربي بمعايير الوجدان نفسه، باعتباره الأسلوب الخالص والمخلص في نفس الوقت للحق والحقيقة والعدالة والحرية، ورفض الظلم والكذب والاستبداد.

وجسّد الريحاني مواقفه هذه عبر مخاطبته الشعراء باعتبارهم ممثلي الوجدان. وكتب في (بذور الزارعين) يقول، بأن "الشاعر هو من يخلص لإنسانيته أولا"، وأن "شرّ ما يكتبه الإنسان مقال لا إيمان فيه". ووجد القيمة الكبرى في كل ما ينظّم شعرا ويكتب نثرا يقوم في ما اسماه "بروح الشاعر الصادقة في قصائده وحياته معا"[16]. وليست هذه "الحنبلية" الشعرية سوى الصيغة الصارمة للوجدانية المتسامية في تعاملها مع النفس في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. ومن هذا المنطلق يمكن فهم وضعه للمعري فوق مرتبة المتنبي. فقد وجد في المعري نموذجا متساميا لحقيقة الشعر (العربي). إذ كان شعره صورة صادقة لبيئته، حيث انتقد فيه الواقع "بكلمات من نار وقواف من نور". بينما انتقص من شعر المتنبي "لكذبه في المدح"[17]. وهو موقف مبني على انتقاده للفكرة القائلة بأن أجمل الشعر أكذبه، وما ترتب عليها من فجاجة في الرؤية تعتقد بأن الشعر لا علاقة له بالحقيقة وهدف الشاعر. من هنا نقده الشديد للمتنبي، حيث اعتبر صوره الشعرية في الغالب "صناعية تقليدية لا أثر فيها للعقل المقرون بالروح، أي للخيال الذي تغذيه الرؤيا"[18]. وعندما جمع حصيلة انتقاداته إياه، فانه وضعها في تقييم عام يقول:"ليس في المتنبي أتضاع الفيلسوف، وليس فيه روح الصالح التقي، بل ليس في ديوانه إلا بيت واحد يذكر الرحمة"[19].

إن تقييم المتنبي المذكور أعلاه له معناه ومغزاه الخاص بمعايير الوجدانية التي مثّلها الريحاني، بوصفها التيار العملي للملمة الجزئيات المتناثرة في التاريخ والمعاصرة والثقافات من اجل سكبها في الكلمة الفاعلة والإخلاص لها في الإحساس والعمل. من هنا انتقاده اللاذع للأنانية الضيقة بين الشعراء، ولخضوع شعرهم للأوزان والقوافي لا لمعاناة الإخلاص للعدل والحرية[20]. ووضع هذا الإخلاص في عباراته التي حورّ فيها مضمون الوصايا البابلية، بأن "يكرم أبويه من سيبويه ونفطويه والكسائي، وأن لا يحلف باسم ليلى بالباطل، ولا يمدح بالزور، ولا يكذب على هند وشقيقاتها، وأن لا يشته قصيدة أخيه"[21].

لقد أراد الريحاني الانتصاف من الشعر والشعراء، والإنصاف للمخلصين منهم. ولا معيار للإنصاف سوى الوجدان الذي ينبغي أن تتلألأ فيه ومن خلاله صدق المعاناة ورؤيتها الحالمة وقدرتها على إدراك المعنى الحق في الفعل. ولا يعني ذلك سوى الدعوة للخروج من إسار الكلمة وحروفها إلى فضاء الحقيقة الكامنة فيها، والاعتماد عليها في تأسيس وبناء وعي الذات القومي. ووضع الإطار العام لهذه الفكرة في مطالبته لأن يكون وجدان الشاعر "قوميا صحيحا في إنسانيته". فالإبداع الأدبي بشكل عام والشعري بشكل خاص عند كل أمة لها وزنها التاريخي، يكشف عن أن أدبها وعلمها مسخران للغرض الأكبر من جهادها وهو هويتها واستقلالها وتعزيز قوميتها ووطنيتها[22]. من هنا اعتقاده القائل، بأن "من ينشد فنا لا وطن له يمسي ولا فن له ولا وطن"[23]. وذلك لأنه حتى الأمة القوية التي لا أدب لها ولا فن لهي كالعملاق الأبكم. بينما الأمة القوية الحرة لا تستحق حريتها ما دام في العالم أمم مستضعفة[24].

لا غاية لهذه الوجدانية العارمة التي مثّلها الريحاني في عباراته الخطابية وملأ بها كتاباته، وبالأخص في (انتم الشعراء) و(بذور الزارعين) و(الريحانيات) غير استثارة عقل وضمير الأمة العربية في أفرادها وجماعاتها. من هنا استنتاجاتها العامة الجميلة التي لا أساس تاريخي لها. وهو ضعف لازم تيار الوجدان ككل. فالتاريخ الواقعي يكشف عن أن "الأمم الحرة القوية" هي أكثر من يستعبد "الأمم المستضعفة"، وبالتالي، فأن حرية المستضعفين ليست هبة أو هدية من أحد، بل النتاج الضروري لإرادة الأمم نفسها. ومن ثم فلا حرية حقيقة دون النضال من اجلها.

وهي فكرة شاطرها الريحاني خطابا ووجدانا، ولكنه لم يكن قادرا على صياغة منظومتها. وهو نقص عوضته "عقلانية الجنان" في نسجها الخيوط غير المرئية لوجدان الأمة وصقل عاطفتها بقيم العدالة والوحدة. من هنا تحول التاريخ عندها إلى جزء من العاطفة لا بالعكس. مما أدى إلى ضعف رؤيتها الواقعية وكذلك ضعف قدرتها على تأسيس منهج قابل للنفي الذاتي في مجرى بناء وعي الذات الثقافي. بل حتى في استلهامه الإيجابي والمتفائل لفكرة الدورة التاريخية القائلة، بأن التاريخ هو سلسلة دائرة تبدأ وتنتهي بالرجوع إلى بدايتها، باعتبارها "ناموس الارتقاء والتطور"، فأن الدورة تظل جزئية وعابرة. وذلك لأنها لم تعدو، شأن "منهجيته" التاريخية، أكثر من كونها اجتزاء للفكرة وتطبيقا خاطفا لها بما يتناسب مع مزاج الوجدان الهائج. ولعل قصته القصيرة المنشورة بعنوان (عام 1950)، التي كتبها عام 1920، والتي يمكن اعتبارها من بين أجمل القصص السياسية (الخيالية) القصيرة وأكثرها "نبؤة" في القرن العشرين عن الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وآفاقها، نموذجا متميزا لذلك. حيث نراه يستلهم في آن واحد الفكرة الماركسية والدارونية المخلوطتين بالرومانسية الأدبية وشذرات متناثرة من مختلف التيارات السياسية الأوربية. إذ يتكلم فيها عما اسماه بسلسلة التاريخ التي تبدأ من الحكم الأبوي وتنتهي بالحكم الاشتراكي مرورا بالحكم الاستبدادي والحكم الدستوري. في هذه القصة القصيرة "يتنبأ" بسقوط الثورة البلشفية وذلك لعدم مرور روسيا بالدستورية بعد النظام الاستبدادي. وكتب بهذا الصدد على لسان أحد أبطاله الذي يروي قصة انتصار وهزيمة الثورة، قائلا:"إذا تأسس حكم العمال على عرش الحكم الاستبدادي مثلا لا يلبث أن يسقط فيقوم مقامه الحكم الدستوري البرجوازي. كذلك الحال في روسيا، عندما سقطت البلشفية"[25]. غير أن دورة التاريخ الخالدة لا تلبث أن تعيد مجراه إلى نصابه الحق، حيث تنتصر الثورة البلشفية من جديد على النطاق العالمي بعد اتحاد عمال بريطانيا وأمريكا ووقوفهما ضد الحرب الجديدة. ولكن "لا برايات حمراء، بل برايات بيضاء". حينها "تنبعث البلشفية من قبرها وقد طهّرها الفشل والزمان، فاستولت وهي عزلاء على زمام الأحكام في العالم المتمدن"[26].(يتبع....).

 

ا. د. ميثم الجنابي – مفكر وباحث

.........................

[1] أمين الريحاني: الريحانيات، ج1، ص2-3.

[2] أمين الريحاني: فيصل الأول، ص277.

[3] المصدر السابق، ص278. وهو استنتاج سبقه إليه الأفغاني.

[4] المصدر السابق، ص280.

[5] أمين الريحاني: ملوك العرب، ج1، ص104.

[6] المصدر السابق، ج1، ص281.

[7] المصدر السابق، ج1، ص277.

[8] أمين الريحاني: هتاف الأودية، ص23.

[9] المصدر السابق، ص25.

[10] المصدر السابق، ص29.

[11] المصدر السابق، ص84-85.

[12] المصدر السابق، ص89.

[13] المصدر السابق، ص93-94، 97.

[14] المصدر السابق، ص101.

[15] أمين الريحاني: انتم الشعراء، ص6-7.

[16] المصدر السابق، ص153.

[17] المصدر السابق، ص44.

[18] أمين الريحاني: أدب وفن، ص112.

[19] المصدر السابق، ص113.

[20] أمين الريحاني: انتم الشعراء، ص14-18.

[21] المصدر السابق، ص10.

[22] المصدر السابق، ص82.

[23] المصدر السابق، ص88.

[24] أمين الريحاني: بذور الزارعين، ص87.

[25] أمين الريحاني: الريحانيات، ج1، ص267.

[26] المصدر السابق، ص274.

 

 

في المثقف اليوم