دراسات وبحوث

مناظرة الأذرمي وخلق القرآن!!

صادق السامرائيالأذرمي هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي، وهو شيخ النسائي.

"إمْتُحِنَ الشيخ الأذرمي ولم يقل بخلق القرآن، فبُعِثَ به مقيّدا إلى الخليفة الواثق، فأمر (أحمد بن أبي داؤد) أن يناظره.

فقال له: ماذا تقول في القرآن، هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟

فقال الأذرمي: لم تنصفني يا بن أبي داؤد، قبل أن أجيبك أريد أن أسالك: خبرني عن مقالتك هذه أهي واجبة داخلة في عقيدة الدين فلا يكون الدين كاملا حتى يُقال فيه ما قلت؟!!

قال: نعم

قال الأذرمي: أخبرني عن رسول الله حيث بعثه الله، هل ستر شيئا مما أمر به؟

فلم يرد بن أبي داود

فقال الأذرمي: هذه واحدة يا أمير المؤمنين.

فقال الواثق: نعم هذه واحدة

وكان الأذرمي قد طلب من الواثق أن يكون شاهدا عليهما.

قال الأذرمي: أخبرني عن الله سبحانه وتعالى حين قال: (...اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا....) المائدة:3

أ كان الله تعالى هو الصادق في قوله (اليوم أكملت لكم دينكم)، أم أنت الصادق في نقصانه لتقول مقالتك؟

فسكت بن أبي داؤد

فقال الأذرمي: يا أمير المؤمنين هذه إثنتان

قال الواثق: نعم إثنتان

قال الأذرمي: يا بن داود مقالتكَ هذه أ عَلِمَها رسول الله أم جَهلها؟

قال بن أبي داؤد: بل عَلِمَها

قال الأذرمي: فهل دعا الناس إليها؟

فسكت بن أبي داؤد

فال الأذرمي يا أمير المؤمنين هذه ثلاث

فقال الواثق: نعم ثلاث

قال الأذرمي: هل إتسع لرسول الله إن علمها أن يمسك عنها ولا يطالب أمته بها؟

قال بن أبي داؤد: نعم

فقال الأذرمي: وهل إتسع لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ذلك؟

قال بن أبي داؤد: نعم

فقال الأذرمي: أ فلا وسعكَ ما وسعَ رسول الله ووسعَ الخلفاء الراشدين من بعده

فسكت أحمد بن أبي داؤد.

وجعل الواثق يقول: " أ فلا وسعكَ ما وسعهم"!!

فأمر بفك قيده، فأخذ قيده ، فقال له الواثق : لم أخذته؟

فقال: إني نويت أن أوصي أن يوضع بين جلدي وكفني عندما أموت، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله تعالى يوم القيامة، فأقول : يا رب لمَ قيدني وروّع أهلي ثم بكى، فبكى الواثق ومَن في المجلس، وسأله الواثق أن يجعله في حل من ترويعه وتعذيبه، وأمر له بأربعماءة دينار، فأبى أن يأخذها".

وأمسك الواثق عن التمادي في القول بخلق القرآن، ومن وقتها أبعد (أحمد بن أبي داؤد) الذي كان قتل الفقهاء والعلماء يتم بأمره، فكان قاضيا ومستشارا وفقهيا لثلاثة خلفاء، ينفذون قراراته!!

كيف إستطاع هذا الجهبذ الألمعي العربي أن يواجهه ويزعزع أركان رؤيته، ولم يتمكن منه أحد قبله؟!!

إنها قوة الحجة والمنطق السليم والشجاعة والإيمان الصادق العميق، فحاججه برباطة جأش، والنطع تحته والسيف بيد الخليفة والسيّاف بجانبه، وقبالته من سيقضي بقتله، والخليفة ينفذ، فهو متهم بالزندقة والكفر لأنه لا يقر بخلق القرآن!!

فمن هو الزنديق الحقيقي في هذا المشهد؟

أم أن الزندقة ورقة بيضاء يكتبُ عليها مَن يشاء كما يشاء؟!!

وهل (أحمد بن أبي داؤد) إستعمل مذهب المعتزلة للتسلط على الناس، ووجد في (خلق القرآن) الوسيلة المُثلى والسريعة للقبض على الحكم، والتحكم بسلوك الخلفاء، المأمون والمعتصم والواثق، فسوّغ لهم ضرب أعناق الفقهاء والعلماء وفقا لما يقضي به ويراه.

فهل كان يُرضي غريزة حب سفك الدماء الفاعلة فيه والخلفاء الثلاثة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم