دراسات وبحوث

اياد الزهيري: الاله في الديانة اليابانية القديمة (12): (الشنتو)

اياد الزهيرينتناول في هذه الحلقة الأخيرة من سلسلة حلقات الاله في الأديان القديمة، الاله في ديانة الشنتو، وهي ديانه نشأت في أقصى بلدان الشرق (اليابان). هذه الديانة بالوقت التي نشأت ببلد بعيد وهو اليابان، فهي كذلك تأسست في زمن سحيق. فهي ديانة غير معروفة المؤسس، ولا زمان تأسيسها، فهي غاية في القدم تبنهاها اليابانيون عبر أجيالهم المتلاحقة، ويُعتقد أنها الديانة الأولى لليابانيون. الشنتو ديانة بسيطة تقوم على أعتقاد مركزي الا وهو الأيمان بالكامي، والكامي؛ هو تعبير عن القوى الغير مرئية الكامنة وراء كل ما يحيط بنا من ظواهر وموجودات كونية. حيث يمثل الكامي محور عقيدة الشنتو، وهناك طقوس وشعائر يقومون بأداها تقرباً وتزلفاً للكامي طلباً للبركة، وأبعاداً للأرواح الشريرة، حيث يؤمن اليابانيون بوجود الأرواح الشريرة، بالوقت الذي يؤمنوا كذلك بوجود الأرواح الخيرة.

الشنتو: هي كلمة تحمل بذاتها معناً الهياً، فهي تعني طريق الالهة، فالاله هو العنصر الأساسي، والمحور الرئيسي في هذه الديانة، ومن الجدير بالذكر أنها تختلف عن البوذية، وهي الديانه الثانية باليابان، حيث أنها لم تتطرق على يد مؤسسها بوذا الى مسألة الاله، بل أن بوذا أقرب للألحاد.

الشنتوية تؤمن بالكامي، وهو الاله، وتعبر عنه بالقوة المقدسة، التي تحل بالأشياء الحية والغير حية، وهذا ما ذهب بالبعض بأن يعتقد بأن اليابانيون يعبدون الطبيعة ووثنيون، في حين أنهم يعبدون القوة المقدسة (الكامي) التي تتواجد في كينونة الطبيعة. أن مسألة حلول القوة المقدسة (الكامي) في الأشياء الحية والغير حية، هو السبب في جعل اليابانيون يؤمنون بالهه كثيره، لأن في كل شيء تكمن قوة مقدسة، لذا هناك بانثيون (مجمع الهه) في ديانة الشنتو، وهي كغيرها من الديانات القديمه، حيث أن لكل بانثيون رئيس، فأن رئيس البانثيون الشنتوي هو اله الشمس (أماتيراسو)، والذي يلقي توقيراً وتبجيلاً كبيراً من قِبل اليابانيون، وقد خُصص له معبد كبير على بُعد 200 ميل الى جنوب العاصمه طوكيو، ولكن هناك معابد كثيرة للكامي، وكل يراه يتجلى في شيء من الأشياء، أو في مظهر من المظاهر، حتى لتجد كل عائلة يابانية لها كامي خاص بها، كما تجد هناك لكل فرد كامي خاص به يخصص له مكان في بيته يعبده، حيث يُقيمون الصلوات والشعائر له، كما هناك لكل فئه من الناس لهم كامي خاص بهم، فمثلاً تجد أن للصيادين كامي البحر، وللفلاحين كامي المطر، وهكذا، كما هناك كامي أسمه (كازي) وتعني الرياح الالهية، حيث يعتقد اليابانيون أنها من حطمت عام 1281 م أسطول المغول عندما حاولوا غزو الجزر اليابانية، وعلى أسم كامي الرياح كازي، سمى اليابانيون الفرقة الأنتحارية (كاميكازي) من الطياريين اليابانيون في الحرب العالمية الثانية، حيث كان هؤلا الطيارون ينتحرون بطائرتهم في تفجير قطع الأسطول الأمريكي، وبسببهم خسرت أمريكا الكثير من قطع البحرية الأمريكية والتي تقدر ب47 سفينة تحطمت بمياه بحر اليابان والمحيط الهادي، وقُدرت الخسائر البشرية من الجنود الأمريكان والأستراليين والبريطانين ب 7 الآف.

كما أن البوذي يسعى من خلال اليوغا بالأتصال والتماهي مع الروح الكبيرة، وكما في الهندوسية حيث الرغبة بالأتحاد أو الرجوع الى الكينونة المطلقة (البرهمان-أتمان) أي الذات العليا، كذلك هو الأمر نفسه مع اليابانيون المعتقدون بالشنتو، حيث أن الطقوس والصلوات التي يقيمونها في معابدهم للكامي، تكون الغاية منها هو تحقيق الأتصال بين الفرد والكامي.

من الملاحظ أن تصور اليابانيون للكامي يعتريه الغموض، وفيه الكثير من الضبابية، وهو نفس ما مر به أصحاب الديانة التاويه الصينيون، حيث أن التاو مبدأ يلفه الغموض، ولم يكشفوا حقيقة كنهه، والأمر نفسه عند الهندوس، حيث لا حقيقة واضحه عن طبيعة (برهمان-أتمان)، هو الأمر نفسه مع الشنتوية أتجاه الكامي، فهم يعبرون عنه بالقوة المقدسة من غير التطرق الى كنهه، وهذا أمر طبيعي ليس فقط لمعتقدي الشنتو ولكن لكل اصحاب الأديان التي تؤمن بالاله المتسامي، فالكل عاجزون، وسيظلوا عاجزين عن وصفه لأنه خارج أمكانية مداركهم، وكما وصفه القرآن (ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير)، وهذه الحيرة والغموض قد عبر عنها أحد حكماء الشنتو في القرن الثامن عشر للميلاد، وهو (توري نورينما) حيث عبر عن عجزه في فهم كنه الكامي بأن قال (جميع الأشياء أياً كانت، التي تستحق التبجيل، وتبعث على الرهبة، لأنها فوق المألوف...).

من الضروري الأشارة الى ظاهرة خروج مُريدي الشنتوية الى الطبيعة ويمارسوا طقوسهم في وسطها، والتي فسرها البعض خطاً بعبادة الطبيعة، ولكن بالحقيقة هو أعتقاد منهم بأن الكامي يتجلى في كل شيء، وبما أن الطبيعة تجمع الكثير من الكائنات الحية والغير حية من أشجار وحيوانات، وجبال ومياه، بالأضافة الى مظهرها الذي يتجلى فيه الجلال والهيبة، لهذه الأسباب جعلوا منه مكاناً لعبادة الكامي الذي حل بكل هذه الأشياء.

يتضح لنا من خلال كل هذه الحلقات عن الاله في الأديان القديمة من أقصى الغرب في عبادة الهنود الحمر الى أقصى الشرق في اليابان، ومن أقصى الشمال في سيبريا ودول الأسكندنافيا شمالاً الى أفريفيا وأستراليا جنوباً، تجد أن الكل يؤمن بأن هناك اله خالق ومهندس لهذا الكون الرحيب، وما أستمرار هذا الأيمان ليومنا هذا، وسيستمر الى ما بقي الوجود الأنساني على هذه الأرض الا دليل بأن مسألة الالوهه مسألة في عمق وجدان الأنسان، وحاله لا يمكن للعقل نكرانها، بل مسلماته هي من تدعو لها، لأن الأعتراف بالآلوهه هي أستجابه لأبسط مسلمات المنطق، وهو العلة لكل المعلولات، وقد صرح المفكر السوري الباحث في شؤون الأديان فراس السواح في مقابلة تلفزيونية مع مقدم برنامج (مختلف عليه) الصحفي المصري أبراهيم عيسى، عندما سأله عن مسألة الالوهية، فقال له بالنص أن الالوهية مسألة موجودة بكروموسومات الأنسان. وبهذه الحلقة نختتم الحلقه 12 من الاله في الأديان القديمة، متمنين وقد قدمنا للقراء الكرام فكرة واضحة عن الاله في الأديان، والتي نأمل بعدها أن نقدم سلسلة أخرى من الحلقات عن الاله في فكر الفلاسفة عبر أزمان مختلفة.

 

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم