دراسات وبحوث

عبد الامير كاظم زاهد: اشكاليات فكرية في الازمنة التأسيسية للتشيع

مقاربات في بحث السيد جودت القزويني

للدكتور جودت من مواليد 1953، اكمل دراسته في المدارس الرسمية، ثم دخل كلية اصول الدين ببغداد وحصل على البكالوريوس في العلوم الاسلامية عام 1975 بعدها سافر الى مصر ودخل دار العلوم (جامعة القاهرة) وسجل فيها رسالته للماجستير (احكام الطفل في الفقه الاسلامي) ونال الماجستير عام 1981 وبعد اربع سنوات من التنقل بين سوريا وايران سافر عام 1985 الى انكلترا وسنحت له الفرصة ان ينتظم طالبا في جامعة لندن كلية الدراسات الشرقية والافريقية وكتب فيها اطروحته للدكتوراه عن المرجعية الدينية الشيعية وتطورها العلمي والسياسي عام 1997

وبعد عدة سنوات واثناء اعداده نسخة الاطروحة للطبع في بيروت وجد ان اطروحته لا تزال بحاجة الى المزيد من المكملات والتحليلات لتشعب موضوعها وطول الزمن الذي ترصده من القرن الرابع حتى القرن العاشر وتعدد المهام التاريخية للمرجعيات الشيعية التي نشأت أول مرة ببغداد ثم انتقلت الى النجف فالحلة ثم كربلاء وجبل عامل وغيرها من البلدان.فاخرج كتاباً اخر يهتم بذات الموضوع وهو تاريخ المؤسسة الدينية عند الشيعة من القرن الرابع حتى العصر الاول للصفويين

وتكاد الكتابات التي اطلقت عليها بعد وفاته تجمع على كونه مؤرخاً اكاديمياً يكتب وفق نزعة حره ومستقلة وقد ذكر بعد وفاته في كراس يتحدث عن سيرته، انه ألف وحقق ودرس ما يربو على اثنين وثلاثين كتاباً وخلف نحو خمسين مجلداً لاتزال مخطوطة (1)

المدخل:

في جهد السيد جودت القزويني فضاءات متعددة، بيد أني سأقف على ما نال به درجة (PhD) دكتوراه في الفكر الشيعي وتاريخه من جامعة لندن (مدرسة الدراسات الشرقية) 1987 والتي كان عنوانها (المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الامامية دراسة في التطور السياسي والعلمي) وهي قطعا قد خضعت الى الاشتراطات الاكاديمية وعلى وفق المنهج البحثي المعتمد في جامعة لندن

لقد أخترت أن أبحث في ما ساطلق عليه (الفراغ البحثي في الاطروحة) وقد بدأ لي اثناء استعانتي بالكتاب من (2019-2016) فترة اعداد اطروحتي للدكتوراه الثالثة من الجامعة اللبنانية،؟

ثم عثرت على كتاب آخر للسيد جودت القزويني تحت عنوان (تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية من العصر البويهي الى نهاية العصر الصفوي الاول 300-1000هـ) وهي ذات المادة العلمية للدكتوراه المنوه عنها اعلاه مستبدلاً (المرجعية الدينية) الى المؤسسة الدينية، وقطعا ان مصطلح المؤسسة اشمل واعم لأنها تستوعب التشكلات التي حدثت في الماضي والحاضر وفيها كان السيد جودت ميالاً الى التاريخ اكثر منه الى علم الاجتماع الشيعي وقد ذكر في مقدمة الكتاب الثاني انه بعد مراجعة اطروحة الدكتوراه لغرض نشرها عام 1997، وجد في نفسه كما من المعلومات التي كان ينبغي ان يضعها في اطروحته فكتب الكتاب الثاني كانه مستدركاً على كتابه الاول (2)

والمتابع لمنهجية الكتاب يجد قلقاً معرفياً بنصوص التاريخ الذي دخلت عليه تشوهات الانحياز والتوظيف ويلاحظ انه فسر  مصطلح مدرسة مثل (مدرسة بغداد) بانها المكان الذي ازدهر به العلم اينما كانت وهنا: انوه الى ان مصطلح (المدرسة) يعني النخب العلمية التي لها رؤيتها الخاصة والمطبقة في المدونات الصادرة عنهافهي المنهج والرؤية والمدونات.

لما تقدم سيكون بحثي إكمال ما وجدته بحاجه الى اكمال في البيانات او التحليلات

يمكن القول ان الباحث جودت القزويني مؤرخ لتطور المؤسسة الدينية الشيعية وباحث مهم في تاريخ التشيع الذي جرت فيه مجموعة محن تاريخية، حتى قيل ان من العجب ان يصلنا ادب التشيع وفكره لما عاناه التشيع من سلطات المتغلبين على السلطة، فلو قسنا ما وصلنا من (ادبيات التشيع) مع ما وصلنا من ادبيات الاعتزال فأننا نلحظ ان اغلب المدون الاعتزالي قد فقد بسبب اتخاذ الساسة من عصر المتوكل العباسي (ق3هـ)م وقفاً معادياً له

ولو قارنا ما وصلنا من الفكر الشيعي (فقهاً واصولاً ودراية وتفسيراً وكلاماً... الخ) مع ادبيات الاباضية او الاسماعيلية فأننا نحمد الله تعالى على بقاء جزء كبير من المدونات الشيعية فلقد حوصر هذا الفكر الشيعي محاصرة تامة منذ العصر الذي منع فيه تدوين الحديث، ومنع نشره تماماً في طيلة عصر بني امية (40هـ - 132هـ) أي قرابة قرن من الزمان ولو راجعنا هذا القرن لم نجد فيه (مدونات شيعية) الا نادراً

ومنذ مطلع القرن الثالث الهجري وابان تسلط المتوكل العباسي ازداد المنع رغم ان المتوكل اول من تمذهب الناس له من الخلفاء العباسيين (3) وقد اظهر المتوكل النصب وهدم قبر الامام الحسين (ع) (4)ومنع كل ماله صلة بالتشيع ت (247) فقد بويع له في (232هـ)  فاسس جماعة اهل السلف والمحدثين واطلق فقهاء التطرف عليه محيّ السنة ومميت البدعة (5) رغم أن المؤرخين يذكرون انه كان مدمناً على الخمر والغناء (6)

لقد تبنت دولة خلافة العباسيين معاداة التشيع ونشر الفكر السني السلفي فتشكل التراث من رحم الانقسام والمعاداة حتى عصر القادر بالله وهو احمد بن اسحق بن المقتدر والذي حكم من (381هـ ) حتى سنة 422هـ).

وفي زمن القادر بالله العباسي الذي أصدر بياناً اسموه (البيان القادري) (7) وورد فيه (وعلى الرافضة لعنة الله عليهم وكلهم كفار) ثم قال (ومن لا يكفرهم فهو كافر) ونص فيه على ضرورة الاعتقاد بما يؤمن به الخليفة العباسي في الوحدانية والإلهيات والايمان وجاء في بعض فقراته الخاتمة وصف بيانه (أن هذا قول أهل السنة الذي تمسك به كان على الحق المبين...) (8)

جاء في مقدمة الاطروحة ان تاريخ المرجعية الذي يسبق ما التزم به من البدء بالعصر البويهي (9)، وحسناً فعل لان الاصول النظرية للتشيع كتبت قبل هذا العصر اذ ان التشيع من 265هـ لغاية 329 هـ وكان التشيع يمر بأكثر أوقاته تأزماً وانشطاراً ولم تقم منظومة السفراء الاربعة مقام المرجعية بوصفها صلة الوصل بين الشيعة والامام المنتظر فظهرت في العصر البويهي (334هـ) وكان يعوزها عرض تحليلي لاحوال الشيعة للفترة الممتدة من سبعين سنة (10) قبل البويهيين وقد وجدت اعتذاراً من الاخ السيد جودت في كتابه المشابه الذي عنونه (المرجعية الدينة العليا) يقول فيها (اما الاسهاب في الاستدلال...) فقد تكفل به كتابنا تاريخ المؤسسة الدينية (11) ويقول (ان تبايناً في المنهجية والمضامين يتضحان لمن يقارن بين الكتابين) (12)

ونجد القزويني يقرر ان البويهيين لم يفكروا بمشروع سياسي شيعي (13) وهنا يلفت النظر أن القزويني أرخ حادثة اقدام عميد الجيوش البويهي على نفى الشيخ المفيد عن بغداد في 398هـ وقد تدخل على بن مزيد امير الحلة لإعادته الى براثا(14) واحال سبب النفي الى صراعات بين الاجنحة داخل السلطة البويهية وبالاخير شكك في هذه المرويات لكونها متأخرة ولها قصد (15) لكنه لم ينكر منع الشيعة من الطقوس في عاشوراء والفرح في عيد الغدير في (زمن البويهيين) مداراة للحنابلة وبرره بانه خوفاً من اثارة مشاعر المناويين (الحنابلة)

ولعمري ان هذه الامور كلها تحتاج الى تفسير وتحليل لم يعطه القزويني حقه ففي نفي المفيد كان رأي القزويني استحساني وليته ذكر على ذلك دليلاً واحداً لكن الذي عندي أن الاعتبارات السياسية للبويهيين كانت فوق الاعتبارات المذهبية والدليل خصومتهم مع عمران بن شاهين والحمدانيين وكلاهما شيعة وهذا الامر يحتاج الى تحليل سياسي وسوسيولوجي لم يعطه القزويني حقه فهو يكتفي بان الشيعة واصلوا سياسة الصمت والمصالحة مع البويهيين وهذا لايكفي.

وعندي: أن المرجعية الشيعية (329-448 هـ) كان فيها خطاب منه ما اعتنى بنقل الروايات الكليني ومنه ما مارس الاجتهاد كأبن الجنيد وواضح فيه ان غلبة التيار الروائي كانت بينة وان هذا الخط كان يتجنب الدخول في الجدل السياسي،فاكتفى الشيعة من البويهيين بانهم فتحوا المجال لكل المذاهب والمدارس الفكرية الاسلامية بالظهور والافصاح عما تراه فقهاً وعقيدة (16) في حين نقل المؤرخون أن الشيخ المفيد كان مرجعاً دينيا للسلاطين البويهيين ، وأن الشريف المرتضي (436هـ) أجاز العمل مع سلطة بني بويه لعلاقة مقبولة معهم

وقد ذكرت في اطروحتي أن هذه الفتوى منه كانت فتوى مرحلية وليست موقفاً مذهبياً ثابتاً (17) وقد ذكر المؤرخون ان المفيد قد قدم للتشيع ما يقارب مكن (200) كتاباً ورسالة (18) وهذا يدل على ادراكه لحاجة المجتمع المفتوح على فكر التشيع لمدونات كانت ممنوعة قبل عصر البويهيين.

وأظن: أن موقف السلطة البويهية الهادئ من القرامطة والاسماعيلية كان ايضا يحتاج الى تحليل، وأن عدم مواجهتهم للشغب الحنبلي هو الآخر كما تحتاج حروبهم مع الحمدانيين وهم ايضاً من الشيعة الى تفسير وتحليل وبيان ومن الناحية الفكرية كانت فترة القرن الرابع والخامس قرناً قدم الشيعة فيه شروحات علمية لمفاهيم عديدة تغوص في جدل عقائدي بين الشيعة والمعتزلة والشيعة وما يسمى بعقدة السلف (الحنابلة).

كما أن الشيعة كانوا يقومون بمهمة الرد على غلاة الشيعة اضافة الى محاولات تصحيح اعتقادات شيعية كما فعل المفيد أزاء رؤية الصدوق (19) في كتابه تصحيح الاعتقاد ومن الامور التي مرَّ عليها القزويني رحمه الله انه لم يقدم تحليلاً لتأخر التصنيف في علم الاصول فالشافعي (205هـ) ومحمد بن الحسن الشيباني (189هـ) الذين قدموا مدونات (وآراء) اصولية مبكرة واختار الشيعة مدونات فيها روايات عن الائمة تؤسس لقواعد أصولية مدعين انهم اول من ابتكر علم الاصول والحال ان الامر مختلف فالروايات تكشف عن مرحلة ما قبل (صناعة المفاهيم الأصولية) أي بقاء علم الاصول في رحم الحديث وجزء من الرواية أن المتتبع لآراء أبن الجنيد الإسكافي (ت381هـ) واجتهاداته يتيقن انه في ذلك الوقت كانت المفاهيم الأصولية حاضرة لكنها لم تجمع في مصنف محدد، وقد تدارك المفيد هذا النقص فكتب أول مدونة اصولية للشيعة 20* وبه بررت اجتهادات ابن ابي عقيل العماني وابن الجنيد (21) رغم ان المفيد كتب أكثر من رسالة يخالف فيها آراء استاذه ابن الجنيد وكان قد اسرف في استعمال الرأي والاستحسان ومن ريادة المفيد لعلم الاصول جاء كتاب المرتضى الذريعة وكتاب الطوسي العدة.

وعندي: أن رسالة المفيد (التذكرة) قد سبقتها مصنفات عديدة من فقهاء المذاهب  لكن القزويني اشاد بجهد المفيد ولم يقارن جهده بما كان موجوداً من المصنفات الأصولية في عصره 22*

ثمة مسألة اخرى، فقد ذهب القزويني ان مصنف المفيد في علم الاصول لم يصل الينا والذي وصل (رسالته مختصرة) (23) وفي هذا المجال يحتاج البحث الى الكشف عن سبب الضياع وينتقل  القزويني الى (الشريف المرتضى) ويذكر أن سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 579ه) قد ألف كتاباً في الاختلاف بين المفيد والمرتضى وعرض ل(95) مسألة وقع فيها الخلاف ونقل ذلك عن العلامة الطهراني اغا بزرك في الذريعة، لكننا لم نتبين حتى نوع المسائل تلك، ثم ذكر كتاب الشافي في الرد على القاضي عبد الجبار لينتهي الى القول (من هنا اعتبرت افكار المرتضى سجلاً كاملاً لآراء الامامية) (24) وليته لم يصفه ب كاملا

وقد اعطى القزويني راياً (لافتاً) وهو ان مباحث الاجتهاد بشكله النظري لم تتم الا على يد المرتضى (25) واعتبر المحقق الحلي فقط ممن اضاف لنموذج المرتضى اضافة واحدة هي اعطاءه مدلول جديد للاجتهاد.واعتقد أن هذه الدعوى تحتاج للمزيد من الادلة لأن المرتضى كان حلقة الوصل بين انجازات مرجعية بغداد وما حصل بعدها وومخرجات الحلة على عصر المحقق.والعلامة ابن المطهر ثم الفاضل السيوري

ولعل من اهم ما يخوض به باحث في فكر المرتضى القيمة العلمية للاجماعات التي ادعاها في كتابه (الانتصار) والتي هي محل نظر عند المتأخرين وفي رايه في عدم العمل بالخبر الواحد الذي يؤدي بالفكر الشيعي الى الانسداد، وهي المعضلة التي حلها الطوسي بالمحفوف ونظمها العلامة بتقسيم أصناف الحديث الى أربعة أصناف ومن الجدير الاشارة الى ان القزويني يذكر ان الطوسي (460هـ) كتب كتابه (العدة) في الاصول قبل أن يكتب المرتضى كتابه (الذريعة) (26)

وفي هذا سبق علمي باهر كما ذكر ان السيد الشهيد الصدر (قده)

وقدم نقدا للمرتضى لما وقع فيه من الخلط بين المسائل الأصولية والمسائل العقدية، رغم انه كان يقدر ما قدمه المرتضى للمؤسسة الدينية يلحظه المتتبع لتاريخ القزويني لتاريخ السيد المرتضى واحياناً يقدمه على المفيد فبالرغم من انه يذكر ان المفيد هو اول من دوّن في الفقه المقارن كتاباً اسماه (الإعلام فيما اتفقت عله الامامية من الاحكام) وقد زعم انه مما ضاع،والحال انه موجود، فقد وصفه القزويني بانه (اول جهد في مجال المقارنة) والحق ان كتاب الإعلام للمفيد هو الاول ولم يتضح في الانتصار للمرتضى منهج المقارنة انما اريد بهما تنبيه الشيعة الى ما ينفردنون به في الفقه وان ذكرت آراء الاخرين معها ويكننا القول بثقة ان الفقه المقارن فعلاً قد ظهر في كتاب الخلاف للشيخ الطوسي.

وعندي: أن كتاب الانتصار هو تاب استدلالي لمنفردات الشيعة (27) ويعتقد القزويني ان القصد من كتاب الانتصار تقريب شقة الخلاف وهذا استنتاج يحتاج الى ادلة، لأن الشائع هو العكس باطلاع الشيعة على ادلة ما ينفردون به عن اهل السنة وما نص عليه المرتضى في مقدمة الانتصار صريح في هذا القصد،وقد نقلها القزويني بالنص (28) أما موقف المرتضى من موضوع عدم العمل بالخبر الواحد فإشكالية كبيرة خالفه فيها جل علماء الشيعة ما عدا ابن ادريس الحلي وقد برهنت دراسات عدة على ان ابن ادريس يرفض العمل بالخبر الواحد لكن هناك عشرات الاحكام في كتابه السرائر مرتكزة على خبر الآحاد، ومهما يكن فان الشيخ الطوسي قد عدّل المسار فمضى الى اعتبار خبر الآحاد المحفوف بقرائن الصدور، كما ان اتكاء المرتضى على اجماعات شيعية متخيلة وقواعد عقلية كانت من مخرجات قوله برفض خبر الآحاد وقد ترك القزويني مناقشة ادلة المرتضى في اعتبار خبر الآحاد لا توجب علماً ولا عملاً التي ناقشها باستفاضة المتأخرون (29)

الشيخ الطوسي وتأسيسات التراث الشيعي:

حديث الدكتور جودت عن مرجعية بغداد (329 -448) تطلبت منه اثنتين وثمانين صفحة للمفيد وللشريف المرتضى 50 صفحة وافرد للطوسي اثنتين وثلاثين صفحة، بدأ السيد جودت القزويني بالقول ً أن التدوين المنظم لتراث الشيعة كماً ونوعاً كان صنيع الشيخ الطوسي.وقد قدم السيد القزويني مجموعة معلومات في غاية الاهمية منها:

ان الشيخ الطوسي هاجر من طوس الى بغداد هروبا من السلطان الغزنوي الذي شن حملة على التيار العقلاني والامامية والفلاسفة ونقل ذلك عن شذرات الذهب لأبن العماد (30) وقد كانت بغداد ابان هجرته مدينة علمية وان الشيعة فيها يتمتعون بقدر الحرية.

انه لازم الشيخ المفيد اربع سنوات لانه توفي في (413هـ) وان الشيخ الطوسي حل ببغداد في (409هـ) وفيها كتب شرحاً على كتاب المقنعة واسماه التهذيب شرح المقنعة وهو من الكتب الاربعة المعتمدة في الحديث عند الشيعة.

الملفت للنظر ان الشيخ الطوسي كتب كتباً اساسية ومتون مرجعية في اغلب صنوف المعرفة الدينية، والسؤال: لماذا قام وحده بهذا الجهد ولم نشهد مثله عند من سبقه من العلماء مثل المرتضى والمفيد ومن عاصرهما (31)، وهنا نلفت النظر الى ان اول من اخرج الفقه الشيعي مستقلاً عن علم الحديث الطوسي.

لا يرى د. جودت القزويني صحة تخصيص الخليفة للطوسي كرسي الكلام، وعلل ذلك بعدم وجود مثل هذا المنصب.

من اللافت ان الاخ د. جودت اسهب في وصف مسار تدوين الحديث عند الشيعة، وترك التفريق بين كتاب التهذيب وكتاب الاستبصار، كونهما معاً من تأليف الشيخ الطوسي، وقد كان هذا الامر مهماً مما استفاض به المؤلف.

لقد كتب الطوسي كتاب التهذيب كشرح استدلالي للمقنعة التي الفها المفيد، ولكن دون الاستدلال على ما ورد فيها من احاديث آل البيت (ع)، وقيل أن المفيد امره بذلك اما الاستبصار فهو فيما اختلف العلماء في الاخبار فهو من الكتب المعول عليها عند الامامية اجمع ونال حظه الكامل من الشرح وهدف الطوسي عرض (ما يتوهم فن الاحاديث انه متعارض مع غيره) ويحاول الشيخ بيان عدم التعارض اما بالجمع أو التخصيص أو تفصيل الإجمال

يقول الشيخ في الاستبصار بعد عرض منهجه الدقيق في تصنيف الروايات من المتواتر الذي لا يقع فيه التعارض والتضاد وما ليس بمتواتر وهو اما ما يوجب العلم بالقرائن فلا يكون من جنس الآحاد، ومالم يكن فقد اشترط له القرائن فلابد للعمل به من شروط منها الا يعارضه خبر، فاذا وجد ما يعارضه فيعمل على اعدل الرواة فان تساووا بالعدالة يعمل على كثرة رواته، فان امكن الجمع بين الخبرين فبها الى اخر منهجيته في علاج المتعارض (32)

وعلى الرغم من عرض د. جودت لمسار الحدث عند الشيعة لم تظهر في ثنايا بحثه قيمه الاستبصار في المدونات الحديثية التي كتبت مؤخراً كالوسائل والاشد ان الشيخ الطوسي كان قد بين رأي استاذه المفيد بقبول خبر الآحاد واستاذه المرتضى برده مطلقاً وقد وضع رايا له مستنداً بالإيضاحات والمعززات، وبقي العمل عليها رغم معارضه ابن ادريس للخبر الواحد، الى عصر المحقق والعلامة وابن طاووس الذين تبنوا تقسيم الاحاديث بحسب القوة (33)

ثمة قضية اخرى لم تأخذ حقها في البحث وهي دواعي تأليف الفهرست إذ انه استدرك على فقد كتاب ابن الغضائري وكان الفهرست حافزاً لمستدركات كثيرة كتبت بعد الطوسي وايا كان فان الشيخ الطوسي لا يزال ميداناً خصباً للبحث والتحليل والدراسة والتعليل ويتبادر سؤال مهم لماذا اختار الطوسي مدينة النجف ؟وهذا السؤال الذي تعددت اجاباته، كان بحاجة الى تعليل علمي للتحقق من جدوى وجديه الاجابات.

في كل الأحوال كانت أطروحة الدكتور القزويني محاولة مقدامة وناقده ومحللة للتاريخ الشيعي

***

بروفسور متمرس

عبد الأمير كاظم زاهد

..............................

(1) ظ الملف الخاص عن حياة د. جودت القزويني منشور في موقع شفقنا.

(2) جودت القزويني: تاريخ المؤسسة الدينية، المقدمة ص 5.

(3) الذهبي: سير اعلام النبلاء 12/31، ظ صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات 9/78.

(4)

 (5) ظ: الصفدي: الوافي بالوفيات 9/78، والسيوطي: تاريخ الخلفاء 235.

(6) المسعودي: مروج الذهب 4/11.

(7) ابن الجوزي: المنتظم 9/303 (حوادث 433هـ).

(8) البيان القادري.

(9) ظ: جودت القزويني: تاريخ المؤسسة ص 7.

(10) للتفاصيل راجع كديفر: القراءة المنسية، وحسين مدرس تطور الفكر الشيعي في القرن الثالث.

(11) المرجعية الدينية ص 7.

(12) م. ن: ص 8.

(13) م. ن: ص 15.

(14) ص 23.

(15) ص 24.

(16) ظ: اطروحتي للدكتوراه الثالثة: أشكالية العنف الديني ص 410.

(17) ازاد نوري: علم الاجتماع السياسي للشيعة ص 45.

(18) زاهد: أشكالية العنف الديني 411.

(19) ظ: المفيد: تصحيح الاعتقاد.

* رسالة المفيد (التذكرة في اصول الفقه).

(21).ظ: السيد الشهيد الصدر المعالم الجديدة.

* مثل كتاب الاصول للجبائي ت 303 هـ وكتاب الاجتهاد، علي بن موسى والقمي النيسابوري (ت305هـ) في كتابه (اثبات القياس) والنوبختي اسماعيل بن اسحق (الخصوص او العموم).

(23) المرجعية: ص 34.

(24) م. ن: ص 39.

(25) المرجعية: 40.

(26) ظ المرجعية ص 45 والإحالة على كتاب العدة ص 2.

(27) القزويني: ص 49.

(28) القزويني: ص 50.

(29) السيد الشهيد الصدر، بحوث في علم الاصول 4/343.

(30) جودت: المؤسسة الدينية ص 56.

(31) جودت: المؤسسة الدينية ص 58.

(32) مقدمة الاستبصار: السيد حسن الخرسان ص 12.

(33) ط المؤسسة ص 70.

في المثقف اليوم