دراسات وبحوث

عبد الجبار العبيدي: هل كان الرسول محمد يقرأ ويكتب؟

قال المبلغ جبريل لمحمد عند نزول الدعوة عليه من الله في الغار كما تورده الرواية: أقرأ: فرد عليه الرسول لستُ انا بقارىء، حتى اصبح الرد حجة عند المسلمين على أمية محمد(ص). نكتب ولنا رأي آخر،

لا أحد يشك ان هذا الموضوع من الموضوعات الحساسة جدا والتي تثير حفيظة الفقهاء، والمجالس الفقهية، ورجال الدين والمتدينين والسلفيين منهم بوجه خاص، والحكام المتسترين بالدين. هؤلاء الذين لم يفهوا الرسالات الدينية الا طقوسا. لكن البحث العلمي والوصول للحقيقة، لاتمنع من أبداء وجهات النظر حتى في النص والانبياء معاً، فالنص القرآني ثابت لغوياً، لكنه متحرك في المحتوى، وهذا ما غفلَ عنه الفقهاء منذ عهد المفسرين الآول.

نستطيع ان نجزم ان كل شيء ما عدا الله متغير، وقابل للتأويل لقوله تعالى: (كل شيء هالك الا وجهُهُ، القصص 88). لأن القرآن الكريم له صيرورته الخاصة في الحنيفية والاستقامة والتطور. والانبياء لهم خصوصيتهم في الرسالة الربانية والتوجيه الديني، وهم نقلة نصوص مقدسة لا غير، دون ان تكون لهم عصمة، لا ن العصمة في الرسالة، وليست في شخوصهم الفردية، لقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، المائدة 67). أي من ان ينالوك بسوء، ومن هذه الاية يتضح ان العصمة في الرسالة ولا احد معصوما الا الله،  من هذا المنطلق من حقنا ان نناقش المسائل الحدية في النص الديني والانبياء ومادار حولهم دون حرج من أثم. وعلى الجميع تقبل النقاش والرد ان كنا من المتجاوزين أو المخطئين. فالرأي والرأي الاخر هو الذي يولد الحقيقة والقرآن يؤكد على هذا التوجه لقوله تعالى (لكم دينكم ولي دين). ولنعد الى لفظة الامي التي وردت في القرآن الكريم فنقول:

ان لفظة الامي وردت في الكتاب في ستة مواقع وهي:

(وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم)، (آل عمران: 20).

(بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل)، (آل عمران: 75).

(لا اله الا هويحي ويميت فآمنوابالله ورسوله الأمي)، (الأعراف: 158).

(الذين يتبعون الرسول الآمي الذي يجدونه مكتوباًعندهم في التوراة والانجيل)، (الأعراف157).

(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، (الجمعة: 2).

(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا اماني وان هم لا يظنون)، (البقرة: 78).

محمد شحرور: الكتاب والقرآن

لنتعرف اولاً على معنى كلمة الأمي التي وردت في الآيات القرآنية السابقة. لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم لفظة الامي، وهو ما نعبر عنه اليوم بالغوغاء أو العامة، لان هؤلاء الاقوام كانوا جهلة لا يعلمون ماهي الاحكام في كتب اليهود والنصارى. من هنا جاءت الكلمة لتعني:

ان الامي هو غير اليهودي او النصراني، والجاهل بكتبهم. وبما ان التوراة والانجيل هما نبوتا موسى وعيسى لذا جاء التبشير بنبوة محمد في التوراة وليس في الكتاب لقوله تعالى: (الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والأنجيل، الاعراف 157). ويوضح تماما في ألآية من آل عمران لقوله تعالى: (وقل للذين آوتوا الكتاب والأميين). فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى والباقي من الناس هم الأميون، وليس القصد بمحمد الرسول.

وهذا المعنى واضح في الاية 75 من سورة آل عمران عندما ذكر اهل الكتاب اليهود والنصارى فمنهم أي اليهود (من أن تأمنه بدينارٍ لا يؤده أليك). ومنهم أي النصارى (من أن تأمنه بقنطار يؤده اليك). فلماذا لا يؤدي اليهود الأمانات لغيرهم؟ لانهم يعتبرونهم من (الغويم) أي الغوغاء، وهؤلاء الاميون لا تنطبق عليهم وصايا الرب حيث قال: (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل).

وفي سورة الاعراف الآية(157): "الذين يتبعون الرسول الأمي". هنا جاءت كلمة أمي لأنه ليس منهم، لأنه قال: (الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل).

وكذلك جاءت في الاية(158) حين أتبعها بأن محمد (ص) هو رسول الله الى الناس جميعاً اليهود والنصارى والأميين علماً بأنه لم يكن أصلاً يهودياً ولا نصرانياً بل من الفئة الثالثة وهي الأميون.

وبمعنى الجهل في الكتاب قال: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الأ أماني، البقرة 78). أي الذين لا يعلمون الكتاب ومحتوياته هم أميون بالكتاب ولذا أتبعها: (وان هم الا يظنون).

من هنا نرى ان النبي محمد(ص) كان أمياً بمعنى أنه غير يهودي وغير نصراني، وكان أمياً أيضاً بكتب اليهود والنصارى وكانت معلوماته عن كتبهم هي بقدر ما أوحي أليه بعد بعثته.

هذا العمق البلاغي اللغوي للقرآن الكريم لم يدركه المفسرون الاوائل الذين يجهلون المستدركات الحسية في اللغة، لا بل حتى المُحدثين منهم والفقهاء ورجال الدين، فسار المتأخرون على خطأ الأوائل من المفسرين، ولأن القرآن والنبي من المقدسات التي يجب ان لا تخرق فقد بقي القديم على قدمه تفاخراً وليس حقيقة عند الناس. وهنا ظُلم القرآن والنبي معاً عند المسلمين. ان معرفة القراءة والكتابة عند النبي لايقلل من قيمته ومن قيمة الرسالة، لا بل يزيدهما فخراً وأعتزازاً.

اما اسقاط هذا المعنى على ان النبي كان أمياً أي لا يقرأ ولا يكتب فهذا خطأ مميت، لأن الكتابة هي تجميع الأشياء بعضها الى بعض لأخراج معنى مفيد (موضوع) فهل كان النبي عاجزاً عن تأليف جملة مفيدة أوكتابة كتاب أو رسالة؟ أذن من كتبَ الرسائل الى الملوك والامراء وكتابه الى كسرى كان بيده أملاءً وصياغةً. والقراءة تعني العملية التعليمية (مرحلة تتبع المعلومات) ثم القدرة على أستقراء نتائج منها ومقارنتها بعضها ببعض. فالأاستقراء والمقارنة جاء من القراءة فهل كان النبي محمد(ص) لا يقرأ. خطأ أستراتيجي فرضه علينا المفسرون في نبينا العظيم بحاجة الى أعادة نظر واصلاح في قيمة الدعوة والنبي معا.

وقد يقول البعض ان النبي أجاب على جبريل عندما جاءه بالوحي قال له: أقرأ فقال محمد ليس أنا بقارىء، فهل اذا قيل لزيد أوعمر أذهب فقال ما أنا بذاهب، فهل هذا يعني بالضرورة أنه مشلول أو بلا أقدام. ولكن حين قدم جبريل الآية الكريمة قائلاً : (أقرأ بسم ربك الذي خلق، ألعلق1) سكت النبي بعد هذه الآيات الكريمات ولم يقل ما أنا بقارىْ، لمفاجئته النطق المقدس الجديد.

علينا أستقراء التاريخ الجاهلي ومعرفة كلمة القراءة والكتابة، فالنبي كان أمياً بالخط ولا يقرأ المخطوط بالقديم وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذاً لارتاب المبطلون، العنكبوت 48). (بل هو أيات بينات في صدور الذين آوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون، العنكبوت 49).

وهذا يعني ان الرسول(ص) لم يتكلم بالقرآن قبل الدعوة ولو تكلم به لقالوا له انت تكلمت بالقرآن من قبل ان يأتيك الوحي وهنا جاز التشكيك به، والثاني ان النبي لم يستعمل الخط وظل كذلك الى يوم وفاته. وفرق كبير بين الخط والكتابة، وهذا أمر أخر لم يدركه المفسرون الأوائل. ودليل ذلك ما جاء في الاية الكريمة قوله تعالى (وكتبنا له في الألواح، الاعراف145). والالواح هنا القرطاس، وتجيب الآية الكريمة لاحقاً: (من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) فهنا بعد فعل كتبنا ذكر الموضوع مباشرة.

فكتابة العقود والوصايا لا تعني الخط مباشرة بقدر ما تعني التسجيل حسب المراد من العقد فالكتابة والقراءة شيء والخط شيء اخر.

وأود ان أعلق على ما كتبه المؤلف فأقول:

أن هذا الامر في غاية الدقة والموضوعية يحتاج الى المزيد من البحث والتقصي العلمي والمعرفي لأزالة الالتباس، مما تعرفنا عليه خطئاً في ان الرسول (ًص) العظيم كان أميا لايقرأ القرآن الكريم ولا يكتب الاحاديث والرسائل. والقرآن الكريم يؤكد على أنه (ًص) كان يقرأ ويكتب من صحف كان مكتوب فيها القرآن لقوله تعالى: (رسولُ من اللهِ يتلو صُحفاً مُطهرةً، سورة البينة 2) أي أنه كان يتلو بنفسه من صحف كتب عليها آيات القرآن.

أنا أعتقد تماماً ان هذه الأسطورة الكاذبة هي أساس الطعن في الاسلام. أما ما يدعونه من وجود كُتاب الوحي الذي كتبوه بهذه الصورة غير المرتلة اي المرتبة ترتيبا ً زمنياً فهو أمر غير صحيح، فلماذا اذن لم يسمحوا لنا بأعادة كتابته بترتيب موضوعي أو حسب السنين وفق سياق النزول. أنا أعتقد ان كتاب الوحي الذين ملؤا بهم الدنيا ضجيجاً هم أسطورة حاكها المؤرخون والفقهاء على غرار أسطورة عبدلله أبن سبأ اليهودي الكاذبة والتي ثبت بطلانها علميا اليوم، والتي أرادوا من ورائها شق وحدة المسلمين واتهام أتباع أهل البيت بالخروج عن الاسلام، والتي لازال يصدقها البعض من المغفلين.

فمحمد(ص) هو المعلم الاول للكتابة وللقراءة. وهل ان أمية الرسول التي بها يدعون ستزيد من قيمة الدعدوة وقيمته المعنوية والمادية، وألا سنبقى كما بقيت أوربا في العصور الوسطى تغط في دياجير التخلف والظلام، وها نحن كما ترون كيف ان الاوهام والاساطير تعشعش في مجتمعاتنا والتي أوصلتنا الى هذا التردي الفكري والعلمي الذي نحن فيه اليوم.

 ونقول هل ان معرفته (ص) للكتابة والقراءة ستقلل من قيمة الاسلام كدعوة انسانية ؟. بهذه العقليات المنغلقة المتحجرة فسرت الدعوة والنص القرآني وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة، وأقوال الرسول الذين أدخلوا عليها الف والف حديث غير ثبت حين مزجوا الحابل بالنابل وفسروا السيرة النبوية الشريفة تفسيراً طوباويا كان ضرره أكثر من نفعه، وأدخلوا عليها كل غريب وطبقوها علينا تحت رحمة وعاظ السلاطين وقوة السلطة الغاشمة. فجاءت كما نحن فيها اليوم من تغاير لا يحمي الا التخلف والانغلاقية والسلاطين. فبقينا على ما نحن عليه مكانك راوح، وكل جديد عليك حرام كتحريم القراءة والكتابة على أشرف المرسلين.

آذن لابد من تغيير جذري، لكي ينهض الاسلام، وتتجدد قيمه وتستمر مجتمعاته الجديدة. وعملية التجديد هذه لا تعتبر مسألة في النظر والعمل، بل فيهما معاً وعلى مستوى الرؤية التاريخية، والعمل الفكري الحاضر الشامل والمستقبلي، على حد قول الاستاذ ابراهيم الغويل، فأسلامنا اليوم هوليس اسلام محمد (ص) بل هو اسلام الفقهاء المحرفين للدين، فمتى نتنبه للصحيح؟.

رحم الله المبدع الاستاذ الدكتور محمد شحرور الذي كتب لنا كل صحيح.

***

د. عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم