تكريمات

رؤى نقدية: الشعر الشعبي بين ابن خلدون ووفاء عبد الرزاق

فالشعر يختلج به صدره وتفيض مشاعره وهو زاد وجمال القول وفتنة الكلام والشعر العربي قسمان الشعر الفصيح والشعر الشعبي ونحن هنا نعني في مقالنا هذا بالشعر الشعبي اذ هو شعر عربي لا شك في ذلك ولكنه اتخذ مطية اللغة العامية فهو يحمل خصائص وفنون الشعر العربي كونه ابداع يحمل الكثير من ملامح الجمال والصور البلاغية وله بصماته الخاصة وتأثيره على النفوس وأكثره يأتي عن طبع وسجية مرسلة خالية من التكلف . والحقيقة التاريخية تقول انه جاء نتيجة لظهور اللحن والتحريف في اللغة الأم اللغة العربية وأقدم من تحدث عن هذا النوع هو المؤرخ العربي ابن خلدون المتوفى 808هجرية ثم تطور الشعر الشعبي وانتشر واقبل عليه الناس وكثر شعراءه وأدخلت عليه الكثير من التجديدات والابتكارات حتى يومنا هذا .

واليوم معنا أديبة تنوع إنتاجها في أجناس أدبية متنوعة في الشعر الفصيح والقصة والمقالة وأيضا في الشعر الشعبي حيث أجادت بالكثير من القصائد المهمة وها نحن نقف عند قصيدة (حدر الركبة اللحظة تغوص) وهي ذات مضامين عزفت عليها الشاعرة وظلت مصرة على اعتماد خط لا تحيد عنه سواء تجاه الحياة والموت او الكره والحب وظلت متوترة بين الغربة والوطن كونها انسانة مغتربة منذ سنوات خارج بلدها العراق تتنقل بين دول العالم مما اكسب تجربتها غنى وعمق دل من خلال ما تنتجه من إبداعات متعددة وظلت وفية للعراق، تتألم بألمه وتفرح لفرحه، واليوم امامنا قصيدتها الشعبية هذه حيث جاءت بلغة عراقية متداولة وقريبة من الفصحى في الكثير من مفرداتها مما اكسبها قدرة على استيعاب إرهاصاتها والمعنى التي تحاول الشاعرة وفاء عبد الرزاق إيصاله والقصيدة منشورة في ملحق ثقافة شعبية في جريدة الصباح العدد 1789 بتاريخ 6/10/2009 وفي حقيقة الأمر لن تتخلى الشاعرة عن المداخل الجمالية في كل إنتاجها الشعري سواء الفصيح منه ام الشعبي مما اكسب انتاجها الابداعي لغة البوح والحب والجمال تقول :

 

(نجمة أبعيني

تراوي الليل اشلون ايسافر

ونجمة اندارت

فكت بركعها وكشفتني

نكز يناكز جاني السنبل

صب نهارين بظل متني

ومثل الشهكة بروح الوردة

نجمة ازغيرة

بشط اسماهه هدت حزني)

اذن نمسك بحزن الإنسان داخل وفاء عبد الرزاق وحينما نتوغل بجمال الشعر نبرر مركبها التائه في شتات الغربة وهي تخاطب الوطن وكأنه حبيب شغفت بحبه تقول :

 

(كل للرايح

اجمع حضني بغمزة ليلو

وامشي لروحك

بس لا تتكسر بغيابي)

(لكن بأول ريشة اتكطر

وجه الشعب

مثل الغيمة)

مما يجعل القصيدة بكاملها عبارة عن تنهدات في حب الوطن وبالتالي كشف ا حبها الأزلي للوطن، لذا تراها تستنهض الشعب بتحريضها له من خلال العنونة وتتمنى ان يكون الشعب متفتحا وان لا تختلط عليه الأوراق مثل السابق وهكذا تحمل هذا الهم رغم غربتها متنقلة في دول الشتات كما قلت حتى إن هاجس الوطن يتخضرم في لحظة الإبداع راسمة بذلك لوحة غير مرئية من الأحزان المختلطة بالآمال المتطلعة نحو أفاق المستقبل ابتداءا من العنونة حيث رصعت اسم الوطن بالرفعة والعلو والخلود من خلال استعمال رمز النخلة الشامخة وما تحمله من خير وسمو وهي عندها أي عند الشاعرة ان الوطن في مفترق طرق لا يحلو له الا ان يكون حسين العصر الحديث في الوقوف والثبات على الحق باستيعاب ثورة الحسين عليه السلام المستثمرة إنسانيا في إباء الضيم وعدم الرضوخ للظلم، ولان الإنسان على هذه الأرض العراقية هو نموذج تحتذي به الإنسانية في كفاحها المستمر تقول :

 

(جا هذا الدم الرافض بيه

مثل الكاع

بس يدور سر مفتاح

راس حسين يهز اللولك)

والشاعرة في لحظاتها الشعرية الواعية قد تمثلت تاريخ العراق الخالد بقولها:

 

(وشلون الشباج يفور؟

ي ابن حسين

و ي ابن العشبة

تموزك وحسينك جف أيدك)

وكأنها تخاطب العراق بهذا العمق التاريخي المجيد ان يكون العراقيون جميعا أكثر عمقا  ويتكاتفوا من اجل البناء والنهوض من جديد ومثلما كانت حضارتهم الأصل الذي تفرعت منه حضارات العالم ولا شيء يوحدهم الا الوحدة الوطنية والنهوض بالبناء والأعمار سوية .. من هذا فان الشاعرة وفاء عبد الرزاق أكدت حرصها الوطني وحولت القصيدة الشعبية من ترف القول والعاطفة الذاتية إلى العاطفة الموضوعية المبررة بحب الوطن

  

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

 

في المثقف اليوم