تكريمات

من وحي وجع الذات .. قراءة في ديوان (عبد الله نبتة لم تقرأ في حقل الله)

 يوصل أفكاره وهوس حبه للحياة إلى الآخر ولا نشك ان هذا الأدب قد تأصل وأصبح له تاريخ كبير وكما ذكرت في مقالة عن الشاعرة نفسها بان هذا الشعر قد اورده المؤرخ ابن خلدون في مقدمته الخالدة وهذا يدل ان الشعر الشعبي كان له امتداد قبل ابن خلدون المتوفى سنة 808ه وليس هناك دليل تاريخي يثبت بدايته مثله مثل الشعر العربي الفصيح وأنا حاولت أن أنأى بنفسي عن التاريخ كي أكون قارئا ومحللا للأفكار التي يحملها الشعر النبطي (الشعبي) وبالتالي أقف عند مواضيعه وأغراضه التي كتب بها الشعراء المعاصرين والقادرين على العزف في كلا النوعين  أي الشعر العربي بشقيه الفصيح والعامي وهناك نماذج عربية كثيرة استطاعت الإجادة بالاثنين ..

ونحن أمام تجربة الشاعرة وفاء عبد الرزاق الذي خلطت بين الوجع والخبز وظل يتصاعد في قصائدها متسلقا سلم المتناقضات والتوترات مما خلق قلقا مستمرا يشوبه التوسل والبقاء من اجل جمال الحياة فهي تقول :

 

(?رص اخبَيَزة

بطبـ? الدنية

لكن مَطرَة آخ تحنـّت

راحت تفرش مدّة او ونـّت

التفـّت لهبة التفـّت نار

يامحبوبي ?َن خطـّار

يامحبوبي ?َن خطـّار

لفـّت لهبة بلهبة وصرخت

تعَوْدت تجمع ?رص خبَيَزة

بطبـ? الدنية

وجَتها الدنية مـ?مطة وترضع

ثدي النور)

وحينما نحلل الكلمات مفردة وحتى مجتمعة نجد أنفسنا امام حالات ملتقطة من الواقع في داخلها وهج الحياة والاستمرار في مزاوجة البقاء والفناء ، فالمطر والخبز عنوان للحياة وتستمر الشاعرة بانثيال ذكريات البستان ولألم، رغم أنها تخاطب الوجع من اول وهلة 

لمـّت ركبتها ولولتله:  (أيها الوجع المعادي لومضتي

يا أرض الدوران

لشجري عـُريكَ الرداء الأخير.) وهي فلسفة خاصة بالشاعرة ان تحول العري الى رداء اي قلب الحقائق باتجاه بناء موقف معين من الحياة والانسان الذي يسعى في مناكبها أي لتعميرها .. ليس من اجل الخبز فقط انما كي تكون السعادة والهناء والخلود .. تقول:

 

(يا عبد الله المنفي بروحك

ضيـّفني بروحك من روحك

لا مسجون ولا سجـّان

خاصمني وإرجع صالحني

وارجَع جاهل

زعــّل وجاهل

رمـّان يزاعل رمـّان)

ثم تقول :

 

(آنه مثل نبتة حزن

مَ ا?در أط?

مَ ا?در أونّ

متنو? وبثوبي أشـ?

لاني قلق

لاني ?ذب

لاني صد?

تعبان

والنومة نواقيس وتد?

آنه مثل دمعة عرس

مغصوب)

 

ونراها هنا تتلون بالألوان الشعرية وبأنغام مختلفة شكلا ومضمونا لتتجلى قدرتها في  القصدية وبناء المعنى ، وهي تتنقل من حالة الى حالة أخرى ، لتثبت موقفا محددا أي ان الشاعرة خرجت من عشوائية البحث في متاهات الشعر الى محاولة الإمساك بحقيقة ما ولكنها قد تسقط في متاهات أخرى ، فالشعر تيه ، قد لايركن قرب الحقيقة من هذا وجدت القلق باديا عليها ، وهو قلق قد نراه نحن المتلقين مشروعا ومعقولا لصناعة الموقف ، ثم ان الشاعرة تغنت بذاتها وتألمت لذاتها ، لأجل أن تصل بنموذج الذات كي تكون مرآة للآخرين وتجربة جمعية وليس خاصة بوفاء عبد الرزاق ، لذا هي تسلقت الألم والوجع على مراحل بصبر وأناة  ...

 

 (لاتحني بطبعك وبصحنك

شفتك نار بـ?در الحاكم

لا عفوك

آياتك تكتب بجروفك

لمّ حروفك

يلطوفان يدندن لحنك

يمّ الدنية

بابك يلـ?م كل مفتاح)

والمفتاح اشارة لمصاعب الحياة واوصابها  ، وحينما قالت (لاتحني) القصدية واضحة في بلاغة رائقة تحتاج من المتلقي الوقوف امامها فهي توجهت لذاتها لتخلق منها مرآة تعكس هموم الجماعة .. وكما نعرف ان الشعر جل اغراضه ذاتية الا انها مبطنة بروح وتطلعات الجماعة سواء بالعواطف او المواقف وهكذا تخاطب نفسها قائلة :

(ها عبد الله

نصّك مذنب نصـّك تايب

متنهـّد بالرعدة وصايم

خوف وهايم

مرّضت النظرة بنص عيني

نايم جفني مـ?في وخايب

متبرّي ?تافي من هدومي

عبدة وملتفـّة بكـَفـّـَتها

يادشداشة

تلبْسين بعبد الله الذايب؟)

 

بلحن خاص يقابله لحن اخر وبايقاع مختلف الا انه ملتقي من حيث المعنى قائلة :

(عالي وناصي

صوتك انت

لاموش آنه

لا تحـ?ـي وعينك وسنانة

آنه الشمسة بجسم الليل

كلـّش ?وّة وكلـّش حيل

قيـّدني تلا?يني الوَيل

سهـّرنب تلا?يني سهيل

يبـّسني

تلا?يني السَيل)

 

لكن نلاحظ تصاعد التوتر داخلها وازدياد القلق وكلما ازداد القلق لدى أي مبدع كان صادقا مع نفسه وفكره والموضوعة التي يبحث في ثناياه عن نفسه التي اعتبرها هي الاخر .. من هذا سكنها الوجع من اول حرف الى اخر حرف .. وهو تحاول اكتشاف الحقيقة بقولها :

 

(مو بردانة

وموتعبانة

الجرح الوافي

بحدّ شْفافي

يندل وين المهدي يصير

ويركض بيكم بالمـ?لوب

يكنس بيكم حتى الصرصر

وتـ?لـّلي بصابيعك شارع

?م إصبع خلـّوك تشيل؟)

 

ويختلط عندها الصوتان والاثنان هما صوت واحد الاول صوت الوجع والثاني صوت الثورة والانفعال واحيانا يتبادل الصوتان الاماكن لتتحقق نبوءة المتلقي بان الشاعرة لا تقصد نفسها بالدرجة الاساس انما خلطت بين الموضوعية والذاتية المكبلة بالوجع والدليل ذكر عدة اماكن مختلفة من العراق وفي نفس لهجة الانفعال وهي صورة مقربة لان يكون صوت الشاعرة هو صوت الجماعة .. وايضا اشارت باشارة خاطفة لحالة الانتظار الذي يسكنها وحالة الانتظار عندنا تتمثل بالامام المهدي عليه السلام ..

 

.....................

/ ديوان (عبدُ اللهِ نبتـة ٌلم تُقرأ في حقل الله) للشاعرة وفاء عبدالرزاق

كتب في 1998

صدر عن دار كلمة

2010

مصر

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)

 

 

في المثقف اليوم