ترجمات أدبية

ثمن الحب

صالح الرزوقواين كونولي

ترجمة: صالح الرزوق


لم أحب أمستردام أبدا. كانت تبدو لي دائما مكانا ضيقا، تناسب خيبات الأمل وليس الغرام. وأول مرة زرتها كان لقضاء عطلة الأسبوع مع أغاثا بعيدا عن مكان العمل والعائلة. كنا التقينا في مؤتمر في مسقط رأسها وهو مدينة بودابست قبل بضعة شهور، وتوقعنا أن أمستردام ستقدم لنا ملجأ مناسبا. ولكن تصادف يوم وصولنا مع يوم عطلة وطنية. وكانت الموسيقا تعزف في كل زاوية والشوارع مزدحمة بالشباب الذين يرقصون ويشربون. وفي نهاية الأمسية أينما ذهبنا كنا نمر بين كؤوس بيرة من البلاستيك ولفافات وجبات سريعة. وكان الشعور بالعجز وتقدم العمر يغمرنا. وفي إحدى الساحات ترنح صبي باتجاهنا، وكان بعمر يقارب عمر ابني، ولوح بعلبة هاينكين أمام وجهينا وقال:”ماذا تفعلان هنا؟. يبدو أنكما محترمان”. ثم ضحك وابتعد.

وفي اليوم التالي كانت المدينة هادئة. والأرصفة فارغة ولكن تستطيع أن ترى بقايا الأمس في المنعطفات والأزقة. وفي سوق مفتوح اشتريت لأغاثا لوحة نصف تجريدية تمثل باقة من الزهور. وكلفتني أكثر مما أطيق. ولاحظت مباشرة أنها لم تعجب بها. قلت:”من المفروض أنها توليب. أليست هي الوردة الوطنية المفضلة في هنغاريا؟”. قطبت ملامحها قليلا وقالت:”لم أشاهد توليب بهذا الشكل من قبل. لا هنا ولا في هنغاريا”.

2305 connollyوتابعنا التجوال دون خطة طوال المساء، وبدأ الطقس يتبدل. واجتمعت الحشود مجددا واتجهت نحو الساحة الرئيسية. وفي هذه المرة كانوا بالأغلب من الشباب ويحملون الرايات الحمر والبيض، وهم يغنون ويهزجون ويطلقون الألعاب النارية. وتذكرت أنني سمعت أن فريق نادي أجاكس فاز بالبطولة في الأمسية الماضية. وبدأت الاحتفالات بصوت أعلى. قلت:” يبدو كأن أيام كرايوف عادت”. ردت أغاثا بنظرة فارغة.

انسحبنا من الصخب وأسرعنا بالابتعاد عن الساحة باتجاه شوارع سكنية هادئة. وتوقفنا بمحاذاة القناة واتكأنا على السور الحديدي، وراقبنا شمس الغروب وهي تسطع على الماء وتلمع على علب البيرة المعدنية ولفافات الطعام. ومرت من جانبنا فتاة صغيرة، وهي تدفع دراجة هوائية بسلسلة مكسورة. كانت صغيرة بشعر أسود، وسروالها الجينز ملوث ببقع من الزيت. وتوقعت أولا أنها تمر بمحنة، ثم انتبهت أنها تبتسم لنفسها، دون أي اهتمام بصوت الحشود القريب. وكانت تفيض بالسعادة.

التفتت أغاثا نحوي وقالت: ”آسفة. يبدو أنني أحببت لوحتك. أنت إنسان لطيف ومهذب. ولكن لا أعتقد أنه يجدر بنا أن نلتقي مجددا. اذهب إلى غلاسغو وانس أنك أتيت إلى هنا. هذه المدينة للشباب. انظر”. وأشارت بأصبعها للبنت التي تبتعد. وأردفت:”إنهم شباب وأحرار وسعداء. ويمكنهم أن يفعلوا أي شيء. ولكن أحيانا ثمن الحب أعلى من إمكاناتنا”.

***

...........................

 

واين كونولي Wayne Connolly: كاتب إسكوتلاندي، وموظف مكتبات متقاعد، يحمل إجازة بالأدب الإنكليزي. الترجمة من موقع دار النشر الإسكوتلاندية Thi Wurd

 

 

في نصوص اليوم