ملف المرأة

ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة .. رؤية موضوعية

 الأساسي في هذا الإنتاج الإبداعي هو العقل، بمعنى إن ما تفضّل به العقل على الإنسان هو سعة وجواز المعرفة، فلا يمكن أن يكون لهذا العقل معنى حقيقيّ عند الرجل، وآخر مجازيّ عند المرأة، فالرجل إذا امتلك عقلاً مبتكراً، يسمونه المبدع، أما إذا تساوى ذات الإبداع عند المرأة، ينعتونها بالسوء والرذيلة، ويقيدونها بمصطلحات مثل: الحشمة، الأعراف الإسلامية، التقاليد الشرقية، القيم، الأخلاق. والسؤال هنا أين الحق والمصداقية في مثل هكذا طرح، أليس وجود المرأة كشريك يمثل حقيقة موضوعية، تشارك في فاعلية وتطور ونضوج الوعي الإنساني؟ وعليه فتحجيم المرأة غير ممكن موضوعياً،  إذن أين الضرر في أن تكون المرأة مبتكرة للعلوم والمعارف والآداب، إذا ما تعددت عندها قدرات نبوغ مواهبها، ومن الواضح أنّ الغالب من هذه الأحكام، هو افتراء على إنسانية المرأة وموهبتها، لأن بنية الموهبة المبدعة في العقل تختلف بين إنسان وأخر، لا بين رجل وامرأة، هناك كثير من الشعراء أو القصاصين أو الروائيين الرجال كتبوا في الإباحة الجنسية مثل: نزار قباني في قصائد عديدة، أو الروائي المغربي الطاهر بن جلون في بعض رواياته، وهذا ليس بالجديد فالشعر الجاهلي غنيٌ بالغزل الاباحي ومنهم: المهلهل، هو عديّ بن ربيعة. حتى الشعر الإسلامي تنوع بالرمزية الإباحية مثل أبي نواس، عمر بن أبي ربيعة، إذن لماذا يحرم على المرأة هذا اللون من الأجناس الكتابية؟ بينما هو مباح للرجل.

صحيح أن الذوق الكتابي يلعب دوراً إنسانياً في هذا المضمار، كونه صفة لازمة للأساليب الأدبية، ولكن يجب أن يبقى هذا الفعل الجمالي عند المبدع من الجنسين، متعة تتحصن بالذوق والشفافية، لا نابية عن الذوق، كون الكتابة الامتاعية فناً قائماً بحد ذاته على الأساس العاطفي التخيلي، والخلل ليس في الإباحة الكتابية عند المرأة، إنما الخلل في الذكوريين القلقين، دفعوا البعض منهن أن يكتبن ما يرضي تعليق الرجل على نصها، مع أن أغلبَ تلكَ النصوص إنشائية، أو ملمومة من هذه السلة أو تلك، مع ما يورد في هذا النص أو ذاك من أخطاء يندى لها الجبين، ولا أريد أن أذكر أسماءً، ومع كل الأسف تجد البعض من المواقع تنشر ما هب ودب من كتابات ليس لها علاقة بالكتابة: لا بلغتها، ولا في البناء، ولا في الفن، ولا في المضمون، ولا في الرشاقة والمعنى، ولا، ولا، ولا. حتى الألفاظ فهي مصابة بفيروس اللعنة، فتقرأ عشرات التعليقات الحماسية التي تمجد هذه الشويعرة أو تلك، ورغبة من هؤلاء تمييز التأليفية المخلخلة ومنحها قدراً كبيراً من الإمتاع، بينما يهملون جمال الشاعرية النموذجية عند الكثير من المبدعات العربيات، اللاتي اكتسبن الإبداعية كابتكار على صعيد الفن والتوظيف، لا من التفاخر بالتعليقات الخالية تماماً من الحس المهني والأخلاقي، وقد أصبحت هذه المواقع ساحة تنمو عليها الطحالب المسمومة، مما يسمى بالشعر، أو القصة، أو المقالات السياسية، مع أن هذه المواقع مقروءة على مستوى عال، لكنها تفتقر للحرفية المهنية الإعلامية، والواضح من هذا قبولهم النص على علاته، وللأسف فقد أصبحت تلك المواقع بوقاً بيد عازف أطرش، أو كما الذي يبول بعكس الريح.

من هنا وللدقة وجب علينا أن نبين للقارئ الكريم، شكل الشيء العاطفي الذي يلائم صيرورة بوح الرغبات الداخلية المتفاعلة، مع ما تكشفه وتتمناه الروح من أحاسيس ومشاعر تهتف للقاء الوجد مع الحبيب، على سطور نص مفعم بالمشاعرية بمفردات ذات حميمة ثائرة، مناط رهصها بالفعل الاباحي، قد تكون مباشرة، وقد تكون ناتجة عن عاطفة ذات انفعال حاد، يعني ويكشف بجرأته عن طبيعة ما تعلنه النفس، من ملذات تحكم الفعل المادي الثنائي، الذي يتمثل في عبارات بصرية تؤدي إلى الإمتاع، وما يتصل بها من معان عميقة تفجر خلجات النفس وتثور غاياتها، فتتحد مع أبعاد عواملها النفسية والشبقية. وهنا نبين ما يتمثل في الحَسْنِ منه والرديء في هذه الحالتين:

أولاً: عذوبة النص الشعري الأباحي: الذي يحقق تلازم الملامح والرؤى، بين جوهر المشاعر التي أوحيت للنفس رغبتها بالتغزل، وبين مصاهرة اللغة ذات الألفاظ الناجعة، التي توصل للنفس رغبتها في ما تتمنى، وبهذه الحالة فالذوق يختار العبارات أليّقها من مجسات خياله.

ثانياً: النص الاباحي: الذي يشوه عفيف المتعة، ويقيم انحطاط هيبتها، الذي لا يعبر بأي حال من الأحوال عن مكنونات المشاعر العميقة في الروح، فتكون كتابة سطحية فارغة حتى من الذوق اللغوي، ومعطياته الفنية.

وفي دراسات عديدة منشورة لي في الصحافة العربية الورقية منها والالكترونية، بينتَ حالتين من ماهية صناعة النص الأدبي، فيما يختص بالظواهر الجمالية في الكتابة ومتعتها، وبين النص الموبوء بالركاكة والخلل وهما:

أولاً: الجودة والتكامل: حيث عناق المعاني تلتحم وتفترق كحال أميبيا الحياة في الخلية الواحدة، بعناقها وتواترها الكيفي، وفنيتها المتقنة في وحدتها، تبوح الرشاقة في تنقلاتها الخصبة التي تحقق للمتعة جمالية الخيال بدقة واعية ومحسوبة.

وثانيهما: فشل النص الذي يفتقر إلى الشروط المؤدية لنجاح ربط الخيال بالتعبير العميق في حساسيته.

ولكوني واحداً ممن أنعمت عليهم الطبيعة بنعمة الوحي الكتابي، فعددت لي المواهب والرؤى، ومنها نشرت دراسات عديدة في الشعر والقصة والرواية والفن التشكيلي، أبين فيها أن الحرية الشخصية المعبرة عن الملذات الجنسية الحياتية، لم يُذع عنها إنها محصورة يوما في الكتابة فقط، إنما التعبير الايروسي موجود في: الرقص التعبيري الذي ينم برمزيته عن الممارسة الجنسية البصرية على المسرح، وهناك الرسم، والموسيقى، والسباحة، والتزلج، وحمامات الشمس الأوروبية، وفي جزر الكاريبي وغيرها. وهذه كلها عبرت وكشفت عن مكامن عديدة تعبر عن الإباحية الرائعة، حتى أن كلمة الأيروسية التي تعني باللغة الانكليزية الايتروكية. جمعت بين محققيّن أساسين للجنس بين الذكر والأنثى. والتفصيل أتركه للقارئ، لأنه قد لا يسمح المجال في الإشارة إليه".

يمكن اعتبار الكتابة الشرطية أو الظرفية، أي سرية الأسماء واستبدالها باسماء مستعارة مثل: أنثى السعودية، بدر البدور السعودية، أو فتاة ملتهبة من السعودية، أو غرام الكويتية، أو فتاة قطر الساخنة، هذا لأن الرقيب السعودي والقطري والكويتي يقمع حرية الرأي والكتابة، ما بالك والمرأة تُمنع من قيادة السيارة في السعودية، فكيف للأديبة أن تكشف عن اسمها وهي تمارس الكتابة الايروسية؟ سؤال كبير!! لأن حقيقة الكشف عن النصوص الجادة بأنواعها شكلت جزءاً مهماً من عبقرية الموروث العربي المتمرد على النمطية المتخلفة لسلطة الرجل الإسلامي في السعودية وإيران خاصة، فهناك نوعان من السلطة التي تحكم المرأة في المجتمعات الإسلامية وهي:

أولاً: السلطة المتعلقة بتابعية الفتاة للأب، الذي يلزمها بقوانين الحلال والحرام، والمسموح به، وغير المسموح في العلاقات الاجتماعية، وأن الأب هو الرب الثاني، غير المسموح بعدم طاعته العمياء، ولم يقولوا الطاعة الشفافة التي تبنى وتؤسس على الاحترام والود، وحرية الرأي والاختيار لكل منهما.

وثانياً: وهو الأشد قسوة وحيرة، يقضي بتابعية المرأة إلى الزوج مهما كان تحصيلها الدراسي، أو العلمي، أو محصل الإضافة الإبداعية على المستوى الكتابي، بينما تجد الزوج جاهلاً لم يقرأ حرفاً واحداً، وكأن المرأة طوبت ملكا أميرياً أبدياً باسمه.

ومن حساسية هذا القيد المؤلم، تشكل الرفض عند المرأة الشجاعة، فبرزت أديبات عربيات اهتممن في بلاغة تجديد المناحي الفكرية في العموم السلوكي اليومي، والإبداعي بفنيته الكتابية،  يرفضن استمرارية الواقع المؤلم الذي يحط من قيمة المرأة، فتخصصن في شروع تحقيق الإضافة الفنية الإباحية، أو حتى الكتابة الايتروكية، ومنها الرسم بالكلمات، على أن جسد المرأة وروحها الرقيقة سلةِ فاكهةٍ، وجمع عطور البساتين، ومنهن: الشاعرة والإعلامية اللبنانية الدرزية نضال الأحمدية، في كتاباتها الشعرية، والروائية اللبنانية حنان الشيخ في روايتها: "إنها لندن.. عزيزي"، والشاعرة السورية غادة السمان حيث ذاع صيتها في هذا اللون الذي تجاوز المألوف المجتمعي التقليدي، في مستهل الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، وهذا من حق الأديبة العربية أن تدافع عن استقلاليتها وحريتها وثقافتها وإبداعها، والعمل على تفكيك القهر الاجتماعي للمرأة، خاصة من قهر السلطة الإسلامية، في حين تجد الرجل ذا العمامة البيضاء أو السوداء أو الخضراء، يتزوج أربعة من النساء ويحجبهن عن الشمس، بينما الشيوعي يتزوج واحدة ويكون معها عادلاً ومخلصا وأميناً على حقوقها، ولذا فالخلق الإبداعي الإمتاعي ليس عيباً مهما تعددت أساليبه، بشرط أن يخضع لقانون: الحرفية الفنية الكتابية، سواء كان شعراً، أو قصة، أو رواية. لأنه على المرء أن يكتشف المغاير في أحقية استقلالية الذات، وخاصة ما يشار لها من نقض الحداثة النقدية، على أساس مبدأ قراءة مجردة من انتمائها السلوكي المجتمعي، فالعورة ليست في الكتابة، إنما العورة في السلوك الذي يهين الإنسانية، كالسرقة، والإرهاب، والكذب، والغش، ونكران الجميل، والتحريض المذهبي، وأقلها من الصفات غير المحمودة. أما الكتابة وبكل أجناسها إذا كانت تلتزم ببناء الناتج المادي الحضاري، وتلتزم بالقفزات التجديدية نحو كتابة أعمق في معانيها، وعلانية بوح مشهد أنوثتها الجسدية والنفسية، حتى تحقق الرغبة غايتها، والرمز مبتغاه، والألفاظ حسن معانيها، فهذا ليس بمعيب، ما دام الأديب / الأديبة معنيان بإمتاع القراء.

 

جعفر كمال

[email protected]

 

 

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: ظاهرة الكتابة الايروسية عند المرأة، الثلاثاء 16 - 20/02/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم