أقلام ثقافية

شمس الدين العوني: مدينة لمطة الساحرة وحلمها الثقافي

وفنانها التشكيلي المميز محمد الهادي ساسي

الأمكنة ببهائها الدفين حيث كلمات ملونة تصغي للنشيد في تعدد أصواته..ثمة ما يغري بالحلم والذهاب عاليا وبعيدا تقصدا لما به تسعد الذات في حلها وترحالها مثل أطفال ينظرون باتجاه الشمس..أليست الشمس مهد الكلمات..

هكا التقيناه ضمن نخبة نيرة وحالمة من أبناء مدينة جميلة في أناقتها التاريخية الحضارية والثقافية وفي حميمية موقعها حيث البحر يحضن سرها ويكشف عن جمالها الموغل في الجماااال.

هو الطفل الحالم الحامل لمسيرة حياة بين العمل السياسي ضمن اليسار والفعل الفني الجمالي حيث موهبته المفتوحة على الولع باللون والكلمات..كان في كل حديثه مشيرا الى دور الفن في تجميل الذائقة والمحيط والأنفس ..يحدثك عن المدينة الجميلة التي قصدتها هنا وهي لمطة الساحلية فيوغل في السرد منذ التاريخ الى الأن وهنا..هي المدينة التي ترعرع فيها وقضى عقودا ضمنها في نضاله السياسي وهي المدينة التي ألهمته اللعب مع الألوان وبها حيث لحظات البهجة والتركيز والحب العارم تلك التي يعيشها في مواجهة اللوحة..القماشة..

هو الفنان محمد الهادي ساسي ابن لمطة من المنستير الذي التقيت هات مهرجان وجلسنا خلال الأيام بمنتزه المكان ضمن نخبة من المثقفين منهم صاحب المنتزه ومديرة دار الثقافة والمكلف بالمتحف الاركيولوجي بلمطة وغيرهم.. كان الكلام جميا والأفكار كثيرة لاجل استثمار عمق المكان حضاريا في فعالية ثقافية دولية جامعة للفنون على سبيل الابداع ولاجل " أيام لمطة الدولية للفنون والآداب "..

الفنان التشكيلي محمد الهادي ساسي يعد لمرسمه ورواقه بمنزله حيث يرى انه المكان لمزيد الاشتغال على أعماله وتجربته الفنية حيث أنه يبيع عددا منها وفق طلب مسبق من الأصدقاء في تونس وخارجها ..في لوحاته تبرز شخصيته الفنية والتشكيلية لنجد غرامه للمشاهد والوجوه والأمكنة ومنها روعة وجمال لمطة ومعمارها ومشاهدها فضلا عن بورتريهات ومنها بورتريه للوالد رحمه الله ..

محمد الهادي ساسي فنان حالم بمثابة طفل لم يعد يعنيه شبء غير الوطن الجميل وعمله الفني ..تتحدث اليه فتلمس حميمية الأشياء والعناصر وبراءتها ..مثقف ويحب الشعر وكل ما هو رمزي وسبق له وأن كتب مقدمة عن حيز من العمل السياسي بخصوص تجربة رفيق دربه وصديقه عبد الله االشرقي ضمن كتاب عنوانه "اخترت أن أكون ".

هكذا هو فناننا محمد الهادي ساسي ابن لمطة هي بلدة تونسية تقع في ولاية المنستير يبلغ عدد سكانها حوالي 5400 نسمة، وبها بلدية تمسح 193 هكتارا.كانت قديما في العهد الروماني تلقب لبتيس مينور Leptis Minor وهو اسم ذو أصل فينيقي أو لبدة الصغرى لتفريقها عن لبدة الكبرى التي تقع في ليبيا. سكن البلدة اللوبيون ثم الفينيقيون قبل أن تصبح خاضعة لقرطاج. وقعت قرب البلدة سنة 237 ق.م إحدى أبرز معارك حرب المرتزقة التي دارت رحاها بين القرطاجيين والمرتزقة المتمردين. بعد الفتح الإسلامي، بنى الأغالبة بها سنة 859 قصرا أطلقوا عليه اسم قصر الرباط.

ينتظم بلمطة منذ عام 2000 مهرجان سنوي للبسيسة، تشرف عليه جمعية صيانة مدينة لمطة، وتتم فيه مسابقة لأحسن بسيسة. كما ينشط في المدينة ناد رياضي يسمى شبيبة لمطة.و ضمن النشاط الثقافي للمدينة فقد شهدت دار الثقافة بلمطة عددا من الأنشطة والفعاليات الثقافة ومنها وضمن إطار فعاليات شهر التراث في دورته الثانية والثلاثين وتحت شعار: "تراثنا موروث حضاري .. مورد إقتصادي" حبث انتظمت برامج المؤتمر الدولي: " les mots à la bouche " المدام والكلام organisé par le laboratoire de recherches: études Maghrébines), Francophones, Comparées et Médiation culturelle) وذلك "بالتعاون بين جامعة منوبة وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، والمندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير ودار الثقافة بلمطة وجمعية صيانة مدينة لمطة وتعددت فقرات هذا النشاط ومنها مداخلة الأستاذ الجامعي Pierre Garrigues من كلية بتونس بعنوان mâcher. Mandiquer. Manger les mots. Prière du cœur et anocherese وتواصل هذا اللمؤتمر الدولي المدام والكلام لعدة أيام بدار الثقافة..و من بين الفعاليات التي شهدتها الدار وتحت اشراف المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير البرمجة الخاصة بالطفل ضمن فعاليات تظاهرة منها العرض الحكواتي للأطفال مع الفنانة رائدة القرمازي.

ومن ناحية أخرى تابع جمهور الدار عروضا متنوعة منها العرض الفني الصوفي بعنوان الشطحة لحضرة شباب المنستير بقيادة الفنان عبد الودود بوزقرو وانتظم ايضا معرض بعنوان "تجليات" للفنان محمود الخليفي و

عرض لشريط سينمائي للأطفال ضمن فعاليات تظاهرة أنامل مبدعة التى تنظمها دار الثقافة بلمطة تحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير بحضور أطفال محضنة الأمير بيننا رفقة المشرفين والأولياء وعلى رأسهم مديرة المحضنة السيدة اسماء العابد واطفال محضنة لبتيس رفقة المشرفين وعلى رأسهم السيدة المديرة مروى كريفة.هذا وفي سياق متصل تشهد مدينة لمطة وفي اطار الاحتفال بالدورة 31 لشهر التراث تحت شعار " اللباس التقليدي هوية وطنية وخصوصية جهوية " وبتنظيم من قبل الهيئة المديرة لجمعية صيانة مدينة لمطة فعاليات الدورة 22 لمهرجان التراث الغذائي بلمطة " أفضل أكلة بسيسة في الجمهورية " وضم البرنامج عددا من الفقرات الثقافية والفنية والتراثية..

في هذه الأجواء الثقافية كانت لوحات الفنان محمد الهادي ساسي في مرسمه تشدو بالحنين الذي بثه فيها حيث يقول "..لست أدري لماذا ينتابني احساس دفين بالشوق إلى تلك الأيام وانا انظر إلى هذه الصورة القديمة. وهي صورة لابني دريد في الثالثة من عمره.

تلك الأيام التي عشت فيها يا بني سعيدا مطمئنا في أحضان والديك قبل ان يحصل الفراق بسبب الاعتقال والسرية والمحاكمات. لا شك أن ابتعادي عنكم قد ترك في نفسك آثار عميقة على مدى السنين اللاحقة من عمرك ومن تجاربك.. ما كان لطفل مثلك في ذاك الوقت ان يدرك حقيقة الدوافع لذالك الابتعاد. تماما مثلما لم تكن لك القدرة على فهم ذلك الغياب. عذرا ابني إن كنت قد قصرت في شيئ معكم. لتدرك ابني ان الحب الكبير لا يمكن أن يكون خارج دائرة حب الوطن.." وعن لوحة (عازفة الكمان) يقول ".. عزف منفرد. أو عازفة الكمان. زيتي على القماش صغيرة الحجم 30/40. لوحة قيد البحث أو لنقل إعلانا لبداية عمل فني قادم. انها ارهاصات المخاض التي تتعدد فيها التجارب والابحاث الأولية..فالبدايات تنطلق من ملامح الأفكار التي يوحي بها الواقع لتستمر عبر البحث والتجربة الملموسة إلى حدود اكتمال شروط العمل الفني شكلا ومضمونا..".

هكذا هو صاحبنا الفنان الأنيق في فنه وعزلته الجميلة في عالم ضاج بالفراغ والكذب السياسي والنفاق الاجتماعي وانحدار الوعي والثقافة الجادة..ديدنه عمل فني رائق وحلم مفتوح على الدهشة في ارجاء ..لمطة الساحرة.

***

شمس الدين العوني

في المثقف اليوم