أقلام ثقافية

علي حسين: أحلام صلاح السعدني

وأنا أقرأ خبر رحيل صلاح السعدني تذكرت المرة الأولى التي شاهدته فيها شاب نحيف يمثل بالإشارة من دون صوت وسط كبار نجوم التمثيل حمدي غيث، عبد الغني قمر، شفيق نور الدين، سميحة أيوب ليؤدي دور أبو المكارم في أجزاء من خماسية الساقية التي كتبها عبد المنعم الصاوي وأخرجها نور الدمرداش، بعدها سيظهر لنا صلاح السعدني بثوب جديد في مسلسل "لا تطفئ الشمس" المأخوذ من رواية إحسان عبد القدوس ، يؤدي شخصية ممدوح الشاب المنطلق الذي يمثل جيل الستينيات  بشخصيته وأفكاره الخاصة، مشاريعه التي لا تنتهي وأحلامه التي تنطفئ فجأة، تتوالى الأدوار في الأرض مع يوسف شاهين، وخان الخليلي رائعة  نجيب محفوظ، وفجأة يختفي صلاح السعدني بسبب مشاغبات شقيقه الصحفي الشهير محمود السعدني والذي سيكتب في كتابه " المضحكون":  لقد ورث صلاح السعدني عداء كل السينمائيين بسببي، وأسدلوا عليه ستاراً من الإهمال والنسيان انتقاماً مني، ثم حالة الصياعة والضياعة التي يعيش فيها باختياره"  حالة الضياعة دفعت صلاح السعدني لأن يتجه إلى المسرح ليمثل في رائعة نعمان عاشور " الجيل الطالع"، ويؤدي البطولة في مسرحية ميخائيل رومان " الدخان " التي أثارت ضجيجاً بين نقاد المسرح في السبعينيات، ويتألق مع سعد الله ونوس في الملك هو الملك. 

لم يكن صلاح السعدني يحلم في أن يصبح النجم الأول، فقد كانت النجومية تعني وسامة مفرطة، لكن صاحبنا الذي جاء إلى التمثيل من كلية  الزراعة ، حلم ذات يوم أن يصبح مثل محمود المليجي، ممثل الأدوار الصعبة ، كانت ملامحه  أقرب إلى وجوه الناس البسطاء، لكنه استطاع أن يذهل المشاهد بتلقائيته التي كانت تُخفي وراءها طاقة تمثيلية هائلة، فقد قرر أن ينسينا نحن المتفرجين أننا نجلس أمام التلفزيون، نتابع تقلبات العمدة سليمان غانم في ليالي الحلمية  وصراعه الذي لا ينتهي مع سليم البدري، لياخذنا الى عالمه ، يتحدث فننصت إليه، يُحرك يده فتذهب الأنظار باتجاهه، يضحك فتنطلق الضحكات  مجلجلة . وكان كلما حاول ابطال المسلسل  منافسته، ازداد تفرداً وتألقاً.

يعترف أن الكتب والسياسة كانت بوابته إلى الفن: " السياسة الآن دخلت في كل شيء، زمان كانت تمارس داخل القصور فقط، الآن الزمن اختلف والسياسة أصبحت في رغيف العيش وعلى المقهى وفى مباراة كرة القدم، والفن ما هو إلا انعكاس للواقع ".

يغيب صلاح السعدني  وتطوى معه صفحة من زمن جميل مضى، كان قد حذرنا من تسربه  بغفلة منا: "

وينفِلِت من بين إيدينا الزمان  

 كأنه سَحبة قوس في أوتار كمان 

 وتنفرط الأيام عقود كهرمان 

يتفرفط النور والحنان والأمان.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم