كتب واصدارات

كتب واصدارات

تواصل دار النشر لارماتان L’Harmattan – في باريس إصدار أعمال الكاتب العراقي علي القاسمي باللغة الفرنسية في سلسلتها الأدبية Les impliqés. وهكذا فبعد رواية “مرافئ الحب السبعة” التي صدرت ترجمتها قبل عام، تصدر الترجمة الفرنسية لثلاث من مجموعاته القصصية تم تجميعها في مؤلَّف جامع أطلق عليه عنوان "مشاعر قلب منفطر". وقد اضطلع بترجمتها، على غرار الرواية المذكورة، المترجم المغربي، مصطفى شقيب، وأشرفت على مراجعتها الأديبة الفرنسية أستاذة الترجمة بجامعة غرناطة الدكتورة ماري ايفلين لوبودير، التي كتبت في التقديم:

"وماذا لو كانت النهاية بشائر البداية ؟ علاقة متناقضة تتقاذفها الأمواج الصامتة، برغم كونها مضطربة، محمومة، عاصفة، مقدمة للشروق، شروق الشغف. يتحفنا القصصي البارع علي القاسمي في هذا المؤلّف الذي يتألف من ثلاث مجموعات قصصية رائعة : "أوان الرحيل" و "صمت البحر" و "الحب في أوسلو" التي تناولت مواضيع متباينة ظاهرا، غير أنّ كلماتها تنسج بينها روابط يستحيل الفصل بينها.

تتطاير حروفها مثل الفراشات، تتفادى الصفحات، لتملأ في الأخير حيزًا ملموسًا، متجولة على مرأى من المؤلف، لتجعله يشعر بوجوده. تزيل حروفها العوائق، تلغي الحدود، تعرض نفسها دون موانع أمام عينيه، وتجعله يلامس الصفحات. حروفها رجفة خالصة، تضفي المعنى، تعيد الفرح، تنتقم من الزمن الذي يمضي، ثم تنسى ذلك. يقدّم لنا القصصي الموهوب مشاعر قلبه المنفطر."

يفرق الناقد الدكتور سعيد يقطين بين مصطلحي " مجموعة قصص" و"مجموعة قصصية". فقصص المجموعة الأولى تكون موضوعاتها متفرقة؛ أما قصص المجموعة الثانية فتدور حول موضوعة واحدة. وإذا نظرنا إلى مجموعات القاسمي السبع، نجد كل مجموعة تدور حول موضوعة واحدة تقريباً، فهذه المجموعات هي:

1) ” رسالة إلى حبيبتي”، حول ذكريات الطفولة والصبا.

2) ” صمت البحر” حول قصص الحبِّ الخائب.

3) “دوائر الأحزان”، حول ما يثير الحزن في وجدان العربي.

4) ” أوان الرحيل”، حول الموت وتداعياته.

5) ”حياة سابقة” حول قضايا علم النفس الموازي.

6) “الحب في اوسلو” حول القيم المادية الغربية.

7) " الآنسة جميلة وقصص أخرى" حول المرأة واهتماماتها.

وقصصها ــ كما جاء في تقديم دار (مكتبة لبنان ناشرون) في بيروت التي نشرت كتاب القاسمي، " الأعمال القصصية الكاملة" ــ : " كُتبت من أجل مكاشفة الذات ومساءلة الكينونة، بأسلوبٍ ممتعٍ سهلٍ ممتنعٍ ؛ وهي نابضةٌ بالإثارة والتشويق؛ ومزدانةٌ بالمعرفة والثقافة ؛ ومضمَّخةٌ بلغةٍ راقية؛ ومشرعةٌ على رياح التأويل؛ ونابعةٌ من تجربةٍ حقيقية، ومعاناةٍ وجدانيةٍ عميقة، وموهبةٍ فذة، وخيالٍ مُجنَّحٍ جامحٍ أخّاذ. لقد كتبها القاسمي بدم القلب ودمع العين."

يقول القاسمي في مقدّمته لإحدى مجموعاته القصصية: ” إن مَن يقرأ هذه القصص لكي يستخلص منها جوانبَ من سيرتي، سيصابُ بخيبة أمل، ومَن يقرأها بوصفها من نسج الخيال، سيفوته الشيء الكثير من الحقيقة ؛ لأن الفنّ عموماً، والأدب على وجه الخصوص، ينطلق من أرض الواقع، ليحلّق في فضاء الخيال الواسع.”

وقد تم نشر أغلب هذه المجموعات القصصية بالعربية في عدّة طبعات في القاهرة والدار البيضاء وبيروت وحظيت بعنايةٍ خاصةٍ من لدن النقّاد في المغرب العربي وفي المشرق العربي على السواء، والآن تضطلع دار نشر لارمتان في باريس بنشر جميع مجموعاته القصصية في مجلدين، صدر المجلد الأول هذا الشهر، ويتوقع صدور المجلد الثاني في أقل من عام..

لقد حظيت سرديات القاسمي بعناية الأكاديميين والنقاد في المشرق والمغرب فصدر عنها حوالي خمسين رسالة جامعية وكتاباً ، فمثلا مجموعته القصصية " أوان الرحيل" ، وهي أحدى مجموعات المجلد الأول بالفرنسية، صدرت عنها حتى الآن أربغة كتب لإعلام الأدب والنقد في العالم العربي، وهم:

1) الشاعر الناقد العراقي الدكتور محمد صابر عبيد، أستاذ النقد الأدبي في جامعة الموصل سابقاً، وأستاذ الأدب العربي في جامعة أنقرة حالياً، في كتابه " التجربة والعلامة القصصية: رؤية جمالية في قصص ( أوان الرحيل) لعلي القاسمي"

2) الطبيب النفسي الأديب القاص الروائي الناقد الدكتور حسين سرمك حسن، مؤسس موقع (النقد العراقي)، في كتابه " الظمأ أو قارب الموت: تحليل طبنفسي لقصص مجموعة " أوان الرحيل".

3) الأديب الناقد المهندس المغربي الأستاذ الحسين بوخرطة في كتابه " سراديب الموت: قراءات تاؤيلية في قصص مجموعة اوان الرحيل لعلي القاسمي"

والقاسمي كاتبٌ متعدِّد الاهتمامات له أكثر من خمسين كتاباً في القصة والرواية والترجمة والنقد، وباحث في اللسانيات وعلم المصطلح وصناعة المعجم والتربية والتنمية البشرية وحقوق الإنسان.

***

بقلم: مصطفى شقيب

...............

1 محمد صابر عبيد . التجربة والعلامة القصصية في قصص أوان الرحيل لعلي القاسمي (أربد: عالم الكتب الحديث، 2010).

2 حسين سرمك حسن. الظمأ أو قارب الموت: تحليل طبنفسي لقصص " أوان الرحيل" . منشور في مواقع أبية كثيرة منها: الناقد العراقي ، صحيفة المثقف ، وغيرهما.

3 نُشرت فصول الكتاب في مواقع أدبية كثيرة مثل صحيفة المثقف، وسيصدر قريباً عن دار الثقافة الجديدة في الدار البيضاء.

 

ترجمة وتحقيق: صالح بوعذار

توطئة المترجم

أشرف الخمايسي كاتبٌ مصري بارز، ولد عام (1967) في مدينة الأقصر. ويسعنا الإشارة من بين رواياته ذائعة الصيت والشهيرة إلى؛ "منافي الرب" و"الصنم" و"ضارب الطبل" و"انحراف حاد" و"صوفيا هارون".

صدرت رواية "منافي الرب" عام (2013) وفي عام (2014) وصلت إلى القائمة الأخيرة لجائرة البوكر العربية.

رواية " منافي الرب" هي روايةٌ تجعل الموت والخلود مرآة لإظهار انجذاب الانسان واندفاعه في هذا المسار. فهذه الرواية مرقومة لتمجيد الحياة، وهي محاولة لجعل الحياة تتغلب على الموت!

يبحث "حجيزي" بطل الحكاية، عن الخلود، إذ يجتاز مراحل عديدة بغية الوصول إلى الانعتاق والخلاص. بيد أنه يُنشد الخلود والبقاء في هذه الدينا، وليس في الجنة والمدن الفاضلة. حيث اجتاز طريقاً وعرة متوخياً الحصول على الخلود، وينزعُ لمدة من دين الإسلام إلى المسيحية، علهُ يظفر بينبوع خلود الجسد في هذه الدينا. أجل فهذه الرواية تمجدُ الحياة وتمتدحها، إذ يجهد البطل ليتخطى الكليشات والمسلمات ليبلغ تلك الحياة الخالدة.

تجلت في عموم الرواية الاستعارة الرئيسة "غير مدفون". وتمثل هاجس البطل في الاحتفاظ بجسده وسط الأحياء، وألا يُحرم من إنسهم ومسامرتهم. فشخصية "حجيزي" مبتكرة وتضج بالحياة، إذ يمكن وضعها في مصاف الشخصيات الأدبية العالمية الأخرى مثل "هاملت" و"جان فالجان" و"دون كيخوته" و"أبلوموف" و" آنَا كارينينا" وغيرها.

وحياة حجيزي برمتها مشوبة بالموت وفكرة الموت، لأن والده كان منخرطاً في مهنة تحنيط الموتى أيضاً، ولاحقاً سار على نهج والده أيضاً. يشكلُ الموت بالنسبة لحجيزي، تحدٍ ومعضلة جسيمة، لأنه لا يفرق بين الصغير والكبير، ويجندل الجميع بحد سنانه، فيتعين على الناس مرغمين أن يدفنوا أحبائهم.

لا يدور هاجس حجيزي الأبدي والعميق حول "الموت" بحد ذاته؛ فقد تجاوز هذا الأمر قبل سنوات خلت، بل كان يخاف الوحدة والفناء بعد الموت، وكان يجهد على الدوام ليجد سبيلاً كي لا يدفنوه بعد موته، ويحتفظوا بجثمانه صحيحاً سليماً بين الأحياء.

فكرة الموت هذه وهاجس عدم الدفن، تسببت في ألا يستمتع حجيزي طوال عمره بحياته مثل الآخرين وألا يشعر بالسعادة ويعتاد الروتين. إذ يتنبه خلال أيامه الثلاثة الأخيرة إلى هذه السعادة والحب الضائع وحسب. "السعادة هي جماع الُمتع المنثورة في کل تفاصیل حیاتنا، حتی أسوأ تفصیلة تحمل متعة ما، لکننا في بحثنا المحموم عن السَّعادة، کُتلة واحدة مکتملة وواضحة، ندهش هذه المتع، و لا نجد السَّعادة أبدا.

السعادة لن‌ تأتي‌ أبدا کّتلة واحدة مکتملة و واضحة". بناءً عليه "فالحب" يعد عنصراً قوياً وعميقاً في هذه الرواية، ويسعه ضمان وحدة سعادة الإنسان وتكاملها نسبياً، ويجعله متفوقاً على "الحزن" الذي يُعد مثالاً عن منافي الرب.

في سير وسلوك حجيزي، البقاء والفناء، أرفعُ من قضية "الحياة" و"الموت". لأن هذه قضية الانسان الوجودية التي تحدثُ في مستوى العرض والجوهر. فالعرض من هذا المرأى ماضٍ إلى العدم، فيما يشيرُ الجوهر من هذا المرأى إلى أنه موجودٌ حيٌ وخالد، بيد أنه في كلّ أسفار عمره كان يتحرى الخلود من خلال منطلق الحفاظ على جسده، وهذا مستوعب في مستوى عرض الحياة وليس في جوهر العمر. لكن في نهاية المآل، يجدُ الخلود في الاستئناس بالجماعة وصحبة الآخرين: " الإنسان لا یموت، لأن الموت اختفاء، و الانسان‌ ظاهر في الأرض یشیًد خلوده، لا یموت الإنسان ولا‌ یُدفن". وعليه، فرواية "منافي الرب" تشكل نوعاً ما بحثاً عن الحياة بعد الموت ودليل على انتصار "الانسان" في قضية الخلود. بحق يمكن تسمية هذا الأثر "بملحمة الموت"، لأن البطل في كل اتجاهاتها وطوال سفره الطويل يتغلب على الموت.

لذلك في نهاية المطاف يجد السعادة في هذا الأمر: "السعادة امرأة تحبُّك وتحبّها. لو وجد أحدنا امرأة تحبُّه ما ألقی‌ بنفسه في منافي‌ الرب!"

وثمة استعارات ورموز عديدة مطروحة في هذه الرواية، على سبيل المثال: المسجد، والقطار، والعصفور، الصحراء، والواحة، وشجرة البرتقال والبئر و...

ومن خلال هذا المشهد، فقد كان مسجد قرية "الوعرة" الذي كان يحظى بقداسة خاصة من قبلهم، واتضح لاحقاً لهم أنه في الحقيقة كان عبارة عن سجن شيده العثمانيين، كانوا يسجنون فيه المماليك. بناءً عليه يريد الكاتب أن يقول إن الدين بوسعه أن يغدو أداة من أجل العبودية والأسر، ويفرغُ الانسان من الداخل، في حين إن الدين في الأساس ينشدُ خلاص الانسان وتنویره. لهذا السبب تُقحم الرواية الخطاب الديني الخشن والمتصلب في سجال، وتدعونا من منطلق نهج التهكم إلى استقصاء المفاهيم والكليشات الدينية والمناسك. في كل هذه الرواية، ثمة مفاهيم تُطرح مثل الموت والدين والحب، ثنائية الجسد والروح والزواج والحرب والثروة و...

كما ينبغي معرفة أن وصف المشاهد الجنسية في هذه الرواية، يهدف إلى تأكيد واستعراض عظمة الحياة. لأنه من هذا المشهد، ومن منطلق الجنس والحب يمكن هزيمة الموت بقوة والانتقام منه.

ومن الناحية التقنية، هذه الرواية ممتازة للغاية، فوصف الشخصيات لم يتربع على ذروة الجمال وحسب، بل كانت كل الأوصاف وخلق الفضاءات عظيمة وحية ومبتكرة. إذ يمكن لمس ومعاينة مشهد التحليق الجماعي للطيور البيضاء المهاجرة ورائحة الرمال ورغاء الجِمال بشكل حي. كما وُظف عنصر الصحراء في هذه الرواية بذكاء ولطافة كبيرة، لأنه يشكل تداعياً للعدم والموت، وكذلك شكل عنصر "الواحة" في هذا الكتاب، دلالة على الحياة والعمران، وكانت الصحراء أيضاً في طول التاريخ وعرضه، مهد الأنبياء والرسل. تأسيساً على ذلك، تقع كلّ الأحداث القصصية في الصحراء وجاءت متناسبة مع مضمون الرواية وموضوعها، مسلطةً الضوء على مصير الانسان ووجوده، إذ انحصر أمله الوحيد في الحياة بوجود هذه الواحات والقرى المتناثرة.

ومن جهة أخرى، هذه الرواية، تتجاوز الزمان والمكان، إذ يجعل الكاتب مخاطبه مستخدماً الزمان والمكان المتلفت، يعومُ في الماضي والحاضر والمستقبل، ويقذفه في جو أثيري نابع من ومضات الواقعية السحرية. وجاء سرد قصص الجماع نابعاً من الواقعية والخيال والحلم والأسطورة والتاريخ، فأفضى هذا الانزياح إلى مضاعفة المتعة وحظه الفني.

المكان في رواية "منافي الرب" شاسع برحابة الصحراء، يبحث الانسان في ميدان العدم لإيجاد نفسه، والزمن في هذه الرواية العجيبة ليس خطاً بل هو دائرة. بمعنى أنه من أي نقطة ندخل فيها إلى هذه الرواية، نصل إلى نقطة البداية ومن ثم نُقذف إلى أول حركات الحكاية. أحداث وحكايات هذه الرواية تقع خلال ثلاثة أيام وحسب؛ بيد أنها ثلاثة أيام بطول الأبدية، والبطل في هذه الأيام الثلاثة يستقصي نفسه ويغسلُ غبار النسيان عنها.

***

 

 

(قراءة موجزة جدًا في مصارع العُشّاق)

يرى عديدٌ مِن الكتاب، منهم صادق جلال العظم، في كتابه "في الحب والحب العذري"، أن معظم قصص الحب تنتهي بالفراق أو الموت، وأن الحبّ الحقيقي عادة ما يعيش حالة اشتداد.. قلّما تعرف الاسترخاء. ويقدّم مثلًا على ما يذهب إليه فيقول ما مفاده، تصوّر أن دانتي صاحب "الكوميدية الالهية"، تزوّج من محبوبته بياتريس، فاضحت مدام دانتي، تُعِد له ثلاث وجبات يوميًا وتنشغل طوالَ وقتِها بتربية أبنائهما... ونتساءل والحالةُ هذه.. لو تزوّج دانتي من بياتريس هل كانت قصته معها تخلد أم تنضمّ إلى ملايين قصص الحب التي عادة ما تُتوّج بالزواج.. والحياة الروتينية.. بما فيها التكاثر وإنجاب الابناء.

كتاب "مصارع العشاق"، للشيخ أبي محمد بن أحمد بن الحسين السراج القارئ، ( 1026-1106)، المولود في بغداد والمتوفى فيها، هو واحدٌ مِن كتب التراث العربي القديم التي تقدّم العشرات وأكاد أقول المئات من القصص التي تُثبت ما يذهب إليه الكثيرون وهو أن قصص الحب الحقيقية عادة ما تنتهي بالفراق او الموت.

يقع هذا الكتاب في مُجلّدين، وقد صدرت طبعته مدار حديثنا عام 1980 ضمن منشورات "دار بيروت للطباعة والنشر".

يورد مؤلف الكتاب في صفحاته الاولى بعضَ تعريفات الحب المرتبطة بالفراق والموت، منها قول الفيلسوف اليوناني القديم سقراط وهو أن العشق جنون والوان، كما أن الجنون الوان، وينقل عن النبي العربي محمد( ص)، قوله: "مَن عشق فظفر فعف فمات.. مات شهيدًا". ومن تعريفات الحب الطريفة التي يوردها المؤلف أن "العشق أوله لعب وآخره عطب"، وهذا القول يذكر بما قاله الامام ابن حزم الاندلسي في كتابه الشهير عن الحب "طوق الحمامة في الالفة والالاف"، وأقصد بهذا القول "إن الحب أوله هزل وآخره جد".

يضم كتاب مصارع العشّاق قصصًا ونوادرَ عن العشق وضحاياه من فترات تاريخية مختلفة منها ما هو جاهلي وإسلامي واموي وعباسي، وتهيّمن على ما يضمّه الكتاب روح دينية ذات نزعة صوفية، تقف قصص الحب المشهورة مثل قصة جميل وبثينة. وقصة عروة ابن حزام، في مقدمة القصص التي يضمّنها المؤلفُ كتابَه، غير أننا فضّلنا أن نقدّم

من أجواء هذا الكتاب الطريف.. القصة التالية:

"كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الادب والظرف، فواصلته جارية مِن جواري القيان، فكان يُظهر لها ما ليس في قلبه، وكانت الجارية على غاية العشق له والميل إليه، فلم يزالا على ذلك حتى ماتت الجارية عشقًا ووجدًا به، فذكرها بعد ذلك وأسف على ما كان من جفائه لها وإعراضه عنها. فرآها ليلة في منامه، وهي تقول له:

أتبكي بعد قتلك لي عليا

فهلّا كان ذا إذ كنت حيا

سكبت دموع عينك في انهلال

ومِن قبل الممات تسي اليا

فيا قمرًا برى جسمي وروحي

ويقتلني وما أبقى عليّا

أقل مِن النياحة والمراثي

فإني ما أراك صنعت شيّا

قال. فزاد ما كان عليه الاسف، والغمّ والبكا، حتى فاضت نفسه.. فمات.

***

كتب: ناجي ظاهر

 

المقال التالي يطرح خلاصة لمنهجية كتابي الجديد "القانون الدستوري والنظام السياسي في ايران" وموضوعاته وأفكاره، والذي صدر في ستة فصول و(305) صفحات، عن دار روافد ومركز دراسات المشرق العربي في بيروت، في آذار/ مارس 2023.

يعد القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي أفرز دستورها الحالي؛ النموذج التطبيقي، الوحيد ربما، للقانون الدستوري الإسلامي الحديث، ولذلك يمكن اعتماده عيِّنة علمية للبحث في موضوع القانون الدستوري الإسلامـي، ونشـوء قواعـده وأحكامه، والمقاربة بينه والقانون الدستوري الوضعي من ناحية الأشكال والمضامين. والسبب في ذلك يعود إلى أن القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة وعميقة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية، وقد تبلورا عبر سنين طويلة وبجهود مئات الفقهاء وعلماء القانون والسياسة.3016 القانون الدستوري

وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، وخاصة في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية والعملية، بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

وحين استهل الإيرانيون عملية تقنين الفقه السياسي الإسلامي بكتابة دستور دولتهم الجديدة؛ لم يكن بين أيديهم من قواعد تقنين ومبادىء قانونية دستورية ونصوص دستورية؛ سوى المحاولات التي رافقت تدوين دستور المشروطة في إيران في العام 1906، ثم مرحلة دستور الدولة العثمانية الذي أعيد إقراره في العام 1908، وجهود فردية وجماعية محدودة لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية (سنية وشيعية)؛ في مقابل كم هائل من تجارب القانون الدستوري المتكاملة في أوروبا، والتي تعبِّر عن خبرة تراكمية بدأت قبل عصر النهضة الأوروبية بقرنين تقريباً. ولذلك كان لابد من المرور بالمراحل المنهجية الثمانية التي تحدثنا عنها في كتابنا "الفقه والدستور"؛ لكي يخرج دستور الجمهورية الإسلامية إلى النور.

لقد استندت نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جملة من المباديء الأساسية؛ أهمها:

1- أن الدولة الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات القانونية

2- يتساوى الجميع أمام القانون، بدءاً برئيس الدولة (القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي

3- هذه الدولة وسلطاتها تستند في شرعيتها الدينية إلى الأصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفي مشروعيتها القانونية الى إرادة الشعب

4- إنها دولة دينية - مدنية، أي أن الإنتماء إليها هو انتماء سياسي- قانوني وضعي من جهة، بصفتها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي، وكذلك الإنتماء العقدي الخاص بالايديولوجية الإسلامية الشيعية من جهة أخرى.

5- إنها دولة الشورى، التي لايستبد فيها الحكّام بقراراتهم، بل يستندون إلى الشعب في ذلك، عبر المؤسسات الشورية المنتخبة، التي تبدأ من قمة الدولة وحتى أدنى مستويات عملها، وأن دستورها يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه.

6- إن جميع قوانين الدولة هي قوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية، بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة.

وتتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الإسلامي والوطني؛ فمصدراه الأساسيان هما: القرآن الكريم وسنة الرسول وآل بيته، ثم المصدران الكاشفان: الإجماع والعقل، بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، من أجل الإستجابة لمتطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية. ثم تأتي المصادر الأخرى المتفق عليها تقريباً في القوانين الدستورية العالمية، وفي مقدمها وثيقة الدستور، ثم أحكام رئيس الدولة (القائد) وقراراته. وتعد أحكام رئيس الدولة الإسلامية ذات خصوصية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية، تبعاً لطبيعة المنصب الذي يجمع بين البعد الزمني بصفته رئيساً للدولة، والبعد الديني بصفته الولي الفقيه الحاكم، ومايترتب على مبدأ ولاية الفقيه العامة (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من حقوق وواجبات مناطة بالولي الفقيه.

***

د. علي المؤمن

بعد طول اِنتظار، بسبب الكورونا. صدرت أخيرًا، الكتب الأربعة التالية، وهي تحمل على عاتقها إعادة بناء التساؤلات الأساسية حول المسائل العلمية الحديثة في بلداننا العربية بعامة، وفي العراق ولبنان بخاصة. كما صرّح مؤلف الكتب الاستاذ الدكتور محمد حسين الرفاعي، وأضاف:

كان الكتاب الأول4911 محمد حسين الرفاعي

"بنية البحث العلمي في الفلسفة، وعلوم المجتمع والإنسان"

وقام على تساؤل أصليّ شغلني لفترة طويلة، منذ كنت طالبًا في الجامعة اللبنانية إلى أن أصبحت أستاذَا جامعيَّاً. هذا الكتاب هو سرُّ المهنة، ونتاجُ صوت كان يرن في أذني دائمًا: علينا في الجامعات والآكاديميات العربية والعالمية أن نتجرَّأ على التَّساؤل الآتي: وفقًا لأية أسس ومعايير، واِنطلاقًا من أي وعي علمي حديث وما بعد حديث، يتوفَّر على إمكان تجاوز العقبات الآيديولوجية في وجه العلم، والمعرفة العلمية، يمكن أن يُعلَّم ويُتعلَّم البحث العلميّ في علوم المجتمع والإنسان، في العالَم الذي نعرفه؟ ولماذا علينا أن نقف بقوة في وجه المعارف العادية والعامية والخرافية، وحديثًا المعارف التافهة؛ من أجل تبيان إمكاناتنا المجتمعيَّة الأصيلة في بناء معرفة عالَميَّة؟ روح هذا الكتاب تتغذى من المستقبل. إنَّه يُقدِّمُ نفسه بخاصَّة إلى العالَم، في المعنى العميق للكلمة.

الكتاب الثَّاني:4912 محمد حسين الرفاعي

"المنهج والمَنْهَجيَّة (الميثود والميثودولوجيا)"

كتاب ينتمي إليَّ في معنى جذري. كنتُ أسمع دائمًا من زملاء وأساتذة أثق بعقولهم، عن صعوبة المنهج والمَنْهَجيَّة وبنائهما، وفهمهما، وتعليمهما. هذا اللغز الخفي، والذي تبذل الغالبية الساحقة من العلماء والفلاسفة والأساتذة الجامعيين كل جهدها في سبيل إخفائه، وحجب مجهوليَّتِهِ لها، كان بالنسبة لي بمثابة تحدٍّ حقيقيّ... وضعت في الكتاب هذا الأرضيَّة الإبستيمولوجيَّة- والميثودولوجية لتقويم عمليَّة بناء المنهج، وتعليمه، وتعلُّمه، في الأبحاث والدراسات التي تأخذ على عاتقها فهم الموضوعات المجتمعيَّة والإنسانية الأكثر أهمية في العالَم، عالَمنا نحن بوصفنا كائنات عالَميَّة، على الرَّغم مِن أنوفنا.

الكتاب الثَّالث:4914 محمد حسين الرفاعي

"المواطنية والديموقراطية في مجتمعات مــأزومة.. دراسة في سوسيولوجيا الــدولــة"

هو الكتاب الأول في "مشروع المفاهيم" الذي تكلمت عنه في مواضع عديدة من قبل. إنَّه نمطٌ من أنماط الوجود الفكري مع هموم مجتمعاتنا العربيَّة بعامَّةٍ، ومشاكلها وأزماتها، والمجتمع في #العراق و #لبنان  بخاصَّةٍ. أستطيع أن أقول أنَّه كتابٌ موجع، مأخوذًا بتهيئةِ الطريق الوعرة نحو بناء تساؤلات أكثر جذرية عمَّا نعانيه من رجال الصدفة الذين أخذوا بتدمير الـ.ـدولـ.ـة والمجتمع... إنَّ الوجع فيه يأتي من نداءات أولئك الذين مـ.ـاتـ.ـوا بدلاً عنَّا، ولم نعش بعد، بدلاً عنهم. 

الكتاب الرَّابع:4913 محمد حسين الرفاعي

"أزمة الهَويَّة والأخلاق في الفعل المجتمعيّ الجديد.. دراسة في الإثيقا المجتمعيَّة"

أعتبره كتابًا مؤجَّلاً إلى التتمة. إنَّه الكتاب الثَّاني في "مشروع المفاهيم". إذ يمكنه أن يمشي على رجليه ضمن التَّساؤل عن ماهيَّة الإنسان الإنساني الحديث. لقد تساءَلت فيه عن كل ضروب تفكيك الهُويَّة، وتغييب الأخلاق، أو التلاعب بها، وتوظيفها في مشاريع لا- أخلاقية. يمكنني أن أعترف إنَّه كتابٌ ناتج عن تجربة مجتمعيَّة مُعاشة مع علاقات مجتمعيَّة- علميَّة- سيـ.ـاسـ.ـية- ثقافية جديرة بالتساؤل والبحث. إنَّه كتابٌ فينومينولوجيٌّ بإمتياز... ولكنَّهُ كتابٌ في تعلُّمِ توجيه الألم الأخص الذي من شأننا، نحن البشر، على نحو أخلاقي.  

في كل مدينة وفي كل قرية هنالك رجال تركوا بصمتهم عليها اجتماعياً او اقتصادياً او سياسياً. ففي قرية الحصين التي تغفو على الضفة اليسرى لشط الحلة جنوب مدينة الحلة، برزت شخصية مؤثرة اجتماعياً واقتصادياً، و قدم خدمات كبيرة لقريته، وكان مزارع من الطراز الرفيع استطاع ان يبتكر عدة طرق لتطوير الزراعة وأدخل اصنافاً من الفواكه النادرة، إنه الشهيد سيد ضايع كريم آل مجدي الذي اعدم على اثر انتفاضة آذار 1991م .

صدر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية للأستاذ عدنان محمد الحسيني كتابه الموسوم (السيد ضايع كريم آل مجدي) يحوي 301 صفحة من الحجم الوزيري . تضمن الكتاب توطئة ومقدمة، ونبذة عن نسب السيد ضايع كريم وعن عائلته امه وابيه  وزوجاته وابناءه .

تطرق المؤلف الى قرية الحصين الذي كان السيد ضايع شيخاً ومختاراً لها، موقعها واصل تسميتها واحوال سكانها كونهم مزارعين، وكانت الامية متفشية بين سكانها الا ما ندر . كما تطرق المؤلف الى بدايات السيد ضايع الزراعية بقطعة الارض الصغيرة التي ورثها عن والده، والى نبعيات الماء التي حفرها عند شحة الماء في شط الحلة، وكان لمضيف السيد دور كبير في ادارة امور القرية في حل المنازعات بين الافراد والجماعات، وبإصداره قرارات بفرض غرامات على المخالفين من أهل القرية ووضعها في صندوق خاص لمساعدة  المحتاجين من أهلها، وكانت تطبق من قبل اشخاص موالين للسيد ضايع، وفي حالة عدم دفع الغرامة يقاطع ذلك الشخص من قبل اهل القرية. كما منع السيد ضايع اطلاق العيارات النارية وجلب الغجريات في المناسبات الخاصة .

استعرض المؤلف أهم الانجازات التي حققها السيد ضايع ومنها:

1- عمل عبارة (طبكة) لعبور الاشخاص والسيارات والدواب لشط الحلة لربط قرية الحصين بقرية الابراهمية ( الدبلة) للوصول الى الطريق العام المعبد الذي يربط بين الحلة والديوانية .

2- جلب مطحنة حجرية لطحن الحبوب (الحنطة والشعير) لأهل القرية والقرى المجاورة .

3- نصب مولدة كهرباء في القرية لإنارة بيوت القرية وشوارعها ليلاً .

4- جلب واسطة نقل نهرية بمحرك ديزل (فلكة) لنقل الاشخاص والبضائع الى مركز مدينة الحلة، والى القرى المجاورة .

5- انشاء بحيرة اسماك على الطريق الرابط بين الحلة والديوانية، تحوي على مطعم وكازينو مزودة بألعاب الاطفال، والتي اصبحت معلماً سياحياً هاماً استقطبت السفرات المدرسية والجامعية والعوائل في الجمع والعطل الرسمية والاعياد من بغداد والمحافظات المجاورة، وكان قد هيأ زوارق لقيام الزوار بجولة مائية  في البحيرة الكبيرة .

6- انشاء مزرعة نموذجية للفواكه النادرة والمتميزة  في منطقة العمادية التي تقع على الطريق بين الحلة والديوانية، والتي اصبحت مكاناً لاستقبال الضيوف والوفود العربية والاجنبية .

7- انشاء حديقة بين حافة شط الحلة اليسرى وسدة الري، تسقى بواسطة ناعور على غرار نواعير هيت، زرعها بأنواع مختلفة من الورود والاشجار واصناف من العنب النادر، فأصبحت جنة صغيرة تبهر من يدخلها .

8- انشأ السيد ضايع مفخرة (كورة) لصناعة الطابوق لاستخدامه في تشييد المساكن في قرية الحصين والقرى المجاورة بعد ما كانت تبنى من الطين .

وثق المؤلف مشاركة السيد ضايع بالمعارض الزراعية التي تقيمها وزارة الزراعة في المحافظات سنوياً، ونال منها على جوائز تقديرية، كما شارك بالمؤتمرات الزراعية وقدم دراسات عن الواقع الزراعي، وتقديم مقترحات لتطوير البستنة وتربية الحيوانات، والدواجن، وقدم مقترحات لحماية المنتج المحلي ودعم الفلاح .

استعرض المؤلف التحقيق الذي نشر في مجلة الالف باء عن منجزات السيد ضايع في مجال الزراعة في العدد 360 السنة الثامنة 13 آب عام 1975م، والتي حملت في صفحتها الاولى صورة للسيد ضايع وهو يستخدم المكرسكوب، وكان التحقيق يحمل عنواناً (لكل انسان ما يملك، وهذا الرجل يملك جنة) .

استعرض المؤلف اهتمامات السيد ضايع الثقافية، فكان تواقاً للعلم والمعرفة والعلوم الحديثة بالرغم من عدم تعلمه في المدارس الرسمية وانما تعلم بالكتاتيب القراءة والكتابة، فكان يتابع الصحف والمجلات العراقية والعربية مثل مجلة الهلال المصرية وروز اليوسف ومجلة الكاتب، وكان متذوقاً للشعر، فكان يدون في دفتر الجيب الخاص به ابيات من الشعر الفصيح والشعبي وبعض الأبوذيات .

دون المؤلف ما جاء في دفتر الجيب للسيد ضايع تجاربه الزراعية، وطرق تطعيم الاشجار للحصول على انواع مبتكرة منها وخاصة الاعناب، وعملية التحليق للأشجار، وذلك بأحداث شق حلقي على جذع الشجرة للحد من تساقط الازهار وزيادة حبات العناقيد . كما دون طرق مكافحة الآفات الزراعية المبتكرة .

كان للسيد ضايع مواقف ازاء العادات والتقاليد الاجتماعية منها انتقاده مشاركة اعداد كبيرة من الرجال في تشيع جنائز الموتى الى النجف، وطبق ذلك عند وفاة والدته . كما افتتح صفاً لمحو الامية في مضيفه مطلع خمسينيات القرن الماضي . وكان له دور بارز في فتح اول مدرسة ابتدائية مختلطة في قرية الحصين (مدرسة التقدم)، والتي اتخذت مضيف السيد مقراً لها عند افتتاحها، ثم انتقلت الى بنايتها بعد بنائها بعد مرور سنتين.

كان للسيد ضايع دور متميز في فتح شارع يربط مدينة الحلة بالقرى على ضفة شط الحلة اليسرى، وصولاً لناحية المدحتية . وكان يعد اول من ادخل جهاز الراديو الذي يعمل بالبطارية الى قرية الحصين، واول من ادخل جهاز التلفزيون الى احدى المقاهي في القرية .

اوضح المؤلف ان السيد ضايع كان بعيد عن السياسة، ولكنه ايد ثورة 14تموز عام 1958م، وترأس المظاهرات والتجمعات الفلاحية المؤيدة لها، واصبح على رأس الجمعيات الفلاحية في قرية الحصين . وبعد مجيء البعث الى السلطة عام 1968م تم استدعاءه الى دائرة امن المدحتية، تبعها اغلاق مضيفة، وكانوا يصرون على دعوة السيد مع اخرين من وجوه القرية لحضور الاحتفالات التي كانوا يقيمونها في المناسبات التي تخص الحزب وفي الاحتفالات لدعم الحرب مع ايران والتبرع بمبالغ مالية لها .

بين المؤلف ظروف استشهاد السيد ضايع بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991م . فذكر بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، اندلعت انتفاضة شعبية في آذار عام 1991م، وكانت قرية الحصين مركزا قيادياً في الانتفاضة، وبعد اسقاط مروحية تابعة للجيش العراقي وقتل طياراها، قامت القوات الحكومية بقصف مدفعي شديد واطلاق صواريخ من الطائرات المروحية على قرية الحصين، وبعد دخول الجيش العراقي وسيطرته على قرية الحصين . وعند رجوع السيد ضايع من مزرعته القت مفارز اجهزت الامن القبض علية وارساله الى معسكر المحاويل، وتم اعدامه فور وصوله، فعثر على رفاته بعد سقوط النظام السابق عام 2003م في احدى المقابر الجماعية .

استعرض المؤلف آراء بعض الاشخاص ممن عاصروا السيد ضايع، وقد اشادوا بالإنجازات التي قام بها السيد لقرية الحصين، ودوره في تطوير الزراعة على مستوى العراق، وذكروا بعض المواقف والطرائف التي حصلت معه .

في نهاية الكتاب تم اضافة عدد من الصور التي توثق الحياة الشخصية للسيد ضايع . وبعض الوثائق التي تخصه سواء ما نشر عنه في الصحف والمجلات، او صور مشاركاته بالمعارض والمؤتمرات الزراعية .

لقد وثق مؤلف الكتاب شخصية السيد ضايع بكونه الشخصية الابرز في قرية الحصين، وما قدمه لها من خدمات انفردت بها القرية عن القرى الأخرى المجاورة، كما وثق دور السيد ضايع بتطوير الزراعة وادخال اصناف جديدة من العنب اشتهرت به المنطقة .

***          

صباح شاكر العكام                

 

بمناسبة صدور الطبعة الأولى من كتابي الجديد " فوائد لغوية وتراثية.. ثلاثمائة فائدة في اللغة العربية والتراث" عن دار "فضاءات" الأردنية، أنشر أدناه مقدمة هذه الطبعة ومسرد الكتاب:

فوائد لغوية وتراثية.. ثلاثمائة فائدة في اللغة العربية والتراث

* الطبعة الأولى

الإهداء: لذكرى الصديق نصير المهدي الياسري

وفاءً بعهدٍ قديمٍ يتجددُ كلما شعرتُ بالفراغ الذي خلَّفه رحيلك الفاجع المباغت.

على سبيل المقدمة

كتابة الفوائد والمنتخبات في باب من أبواب العلم أو الأدب نمط معروف في الثقافة العربية القديمة، ونجدها مبثوثة في كتب التاريخ واللغة والفقه والفلسفة ...إلخ، ويعتبر ابن قيم الجوزية الدمشقي، وهو من أهل القرن الثامن الهجري - الثالث عشر الميلادي، أول من وضع كتاباً بهذا العنوان "الفوائد"، ويعتبر من أشهر وأهم كتبه، ثم ثنَّى عليه بكتاب "فوائد الفوائد". وقبله، في القرن السابع الهجري ألَّفَ ابن مالك في النحو كتابا سماه "شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" وكتاب "نظم الفرائد وجمع الفوائد". وهناك نوع آخر من التآليف قريب من كتب الفوائد، ويتمثل بكتب المستطرفات. وهذه الكتب ليست تخصصية كسابقتها، وهي تستهدف بالدرجة الأولى التسلية والإفادة والاستمتاع. ومن هذا القبيل كتاب شهاب الدين الأبشيهي "المستطرف في كل فن مستظرف"؛ وحديثاً، يمكن التذكير بكتابيْ هادي العلوي "المستطرف الصيني"، وهو أكثر تخصصية لتعلقه بالشؤون الصينية، و"المستطرف الجديد". ولكاتب هذه السطور كتاب بعنوان "المستطرف الممتع"، صدر عن داري "الكنوز الأدبية ببيروت، ودار التيار للدراسات والنشر ببغداد 2004، وهو كتاب جيب يصلح رفيقاً للمسافر والمصطاف...إلخ. وقريب من كتب الفوائد والمستطرفات تجد الكثير من الكتب في التراث العربي ككتاب "البخلاء" للجاحظ و"الامتاع والمؤانسة" بلياليه السبع وثلاثين للتوحيدي وكتاب "الأغاني" الشهير للأصفهاني وما إلى ذلك. أما في باب الفوائد اللغوية، فقد سبقنا إليه أستاذنا الراحل مصطفى جواد في سلسلة مقالات له بعنوان "فوائد لغوية" التي كان ينشرها في مجلة "لغة العرب" - كما في ص 594 الجزء الثامن - السنة السادسة.

كنت قد بدأتُ تحرير هذه الفوائد القصيرة في اللغة العربية والتراث العربي الإسلامي ونشرها على صفحتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي منذ بضع سنوات، وقد أضفت إليها ما تجمع بحوزتي من ملاحظات وخلاصات ومقتبسات خلال تجربتي في تدريس اللغة والأدب العربيين طَوال ربع قرن تقريباً ومن قراءاتي الشخصية.

وقد لمست تفاعلاً إيجابياً وواعداً من قِبَلِ المدوِّنين والمدوِّنات على تلك المواقع والمنصات الاجتماعية، كما أن بعضهم ساهم مساهمة مُثرية عبر العديد من الأسئلة والاستفسارات والتعليقات التي كان القراء يوجهونها لي مباشرة فأجيب عليها في هيئة فوائد مكتوبة بلغة واضحة وسلسة، تنحو محنى التسهيل على الناطقين باللغة الغربية، في ضوء قناعاتي بهذا الشأن، والتي عبرت عنها في مناسبات أخرى منها كتابي "المبسط في النحو والإملاء" الصادر ببيروت سنة 2009. تلك القناعات التي تسترشد بمبادئ معينة وتتوسل أهدافاً منها: التسهيل على الناطقين باللغة الغربية من عرب وأجانب في أمور النحو والصرف والإملاء عبر تبسيط تلك القواعد وإهمال المعقد ونادر الاستعمال أو المنقرض. وإلغاء المسافة التي تفصل بين اللغة العربية المكتوبة "الفصيحة" والأخرى المنطوقة "العامية" والتقريب بينهما دون المساس بما هو ضروري من قواعد النحو والصرف الضرورية في ما يخشى اللبس فيه.

وكان الهدف الأشمل في هذا الجهد المتواضع، كما كتبتُ في مقدمة كتابي سالف الذكر هو: "تقديم رؤية جديدة للغة العربية المعاصرة تختلف عن تلك التي قدمها ونافح من أجل استمرارها "الإكليروس اللغوي المحافظ"، والذي جعل اللغة العربية صنماً أو طوطماً مُحَرَّماً لا روح فيه. ومن الطبيعي أنْ أهمل خلال تأليفي لهذا الكتاب، وبموجب هذه الرؤية المنفتحة على العصر والحياة، جميعَ المواضيع والقواعد النحوية العقيمة وغير المستعملة أو تلك المعقدة والنادرة الاستعمال للتسهيل على الدارسين وعموم الناطقين والكاتبين بلغة الضاد، والتخفيف عليهم وعلى لغتهم التي نطمح بأن تكون رشيقة، معاصرة، حيوية، جزلة، وثرية".

لتسهيل الاستفادة من هذا الكتاب جعلت الفوائد في بابين حسب موضوعها: الأول للفوائد اللغوية في النحو والصرف والبلاغة والإملاء والنوادر، والثاني للفوائد والنوادر التراثية. كما عمدتُ إلى ترقيمها وترتيبها حسب تاريخ كتابتها ووضعت لها عناوين فرعية، لتكون بمثابة إضاءات على مواضيعها.

أما من حيث الطول فبعض هذه الفوائد قصير يقع في سطرين أو أكثر قليلا، وبعضها الآخر - وخصوصا الفوائد التراثية- طويل يقع في صفحة أو أكثر. إنَّ هذا الكتاب أقرب إلى موسوعة طريفة صغيرة، غنية بالمعلومات النادرة والموثقة غالباً من مصادر رصينة. آملُ أنْ تكون بمثابة استراحة منعشة ومفيدة للقارئ في خضم صخب الحياة المعاصرة اللاهثة سريعة الإيقاع، كثيرة المنعطفات والتعقيدات، عسى أنْ يجد فيها القارئ العادي المعلومات التي تمتعه وتغني ثقافته العامة، مثلما يمكن أن يجد فيها القارئ المتخصص كالصحافي والطالب الثانوي والجامعي ومدرس اللغة وغيرهم مادة منوَّعة ودقيقة، وإجابات عما قد يواجهه من أسئلة وتساؤلات في أبواب لغتنا الجميلة كالنحو والصرف والبلاغة والإملاء، وفي ميادين تراثنا العربي والإسلامي القديم، وتحديدا في جانبه المضيء والجدير بالتنويه والاعتبار، مما يدخل في باب المسكوت عنه أحيانا.

وسأكون ممتناً لكلِّ مَن يتكرم بالتعليق والتصويب والإضافة لهذه الفوائد عبر الكتابة المباشرة إليَّ على عنواني الإلكتروني على الصفحة 271 من الكتاب.

***

علاء اللامي

شتاء 2022

..........................

مسرد الكتاب

باب الفوائد اللغوية

1- الفرق بين الفصحى والفصيحة

2- الفرق بين الصمت والسكوت

3- الفرق بين السؤال والتساؤل

4- الفرق بين الكلام والتكلم

5- جواز تأنيث المذكر نحو "عضوة البرلمان"

6- القمر الاصطناعي والقمر الصناعي

7- "حتى" التي حَتْحَتَتْ قلوب النحاة

8- المُتَوَفِّي الله والمُتَوَفَّى الإنسان

9- خريطة وخارطة

10- ما بعد كِلا وكِلْتا

11- الفرق بين "أم" و "أو"

12- الثُّلة والشِّلة

13- مَصوغَة لا مُصاغَة

14- الفعل أطاحَ

15- الفرق بين العام والسنة

16- الفرق بين أمس والأمس

17- الفرق بين خَطِر وخطير

18- الترجمة والتعريب

19- الفرق بين وسيم وجميل

20- لِقاح ولُقاح

21- "حرض على" عكس "حرض ضد"

22- ما الفرق بين الكيمياوي والكيميائي؟

23- الفرق بين بسم وباسم

24- المُحتضَر والمُحْتَضِر

25- معنى "تقاطع" في العراق والشام

26- ما الفرق بين نيف وبضع وبضعة؟

27- مبارك لا مبروك

28- ما الزائدة الكافة والمكفوفة

29- الفرق بين أَكِفَّاء وأَكْفَاء

30- كلمة "يُسْتَشْهَدُ" ويُحْتَضَر

31- الفرق بين "إلى" و "لـ"

32- الوثن والصنم

33- الفرق بين وَفَيَات ووَفِيِّات

34- الفرق بين المصادِر والمراجِع

35- الإخصائي والمتخصص

36- رُفات لا رفاة

37- نصب ما بعد "باعتباره، بصفته، لكونه"

38- الفرق بين المدة والفترة

39- الفرق بين يحيى ويحيا

40- الفرق بين الإشاعة والشائعة

41- هيئة وهيأة

42- الفرق بين نَفَذَ ونَفِدَ

43- حذف الواو من بعض الكلمات

44- الفرق بين الكوع والبوع وباطن المرفق

45- المعطلون لا العاطلون عن العمل

46- شكرا جزيلا

47- "الغانية" من الصفات الإيجابية للمرأة

48- خصخصة أم خوصصة؟

49- دكتوراة ودكتوراه

50- كلمة شهيد، كيف ومتى ولدت؟

51- الفرق بين شفوي وشفهي

52- إني وإنني، لكني ولكنني

53- النصب على الاختصاص

54- التفريق بين الضاد والظاء

55- قائمتان بالكلمات الضادية والظائية

56- كلمات تكتب بالضاد مرة وبالظاء أخرى

57- فيديو حول لفظ الضاد والظاء

58- الفرق بين الطالب والتلميذ

59- الفرق بين التاريخ والتأريخ

60- فَعَلَ وانْفَعَلَ

61- كيف نرتب الاسم والكنية واللقب؟

62- الفرق بين صحفي وصحافي

63- الخَلق والخُلق والتخليق والاختلاق

64- الفرق بين البدن والجسد والجسم

65- الفرق بين الرؤية والرؤيا

66- الفرق بين العقل والذهن

67- الفرق بين الفطنة والذكاء

68- راجعوا مفردة "تسامح" لطفا

69- تعقيب حول التسامح

70- الفرق بين الحُلم والحِلم والحَلَم

71- الفرق بين الرحمن والرحيم

72- المسلمون والإسلاميون والإسلامياتيون

73- حَيْثُ وحيثما وحَيَّثَ والحيثية والحيث

74- علامات الترقيم "التنقيط"

75- الفرق بين النقد والانتقاد

76- الحول والحولي

77- لا توجد سنوات طويلة

78- "مناعة مجتمعية" لا "مناعة القطيع"

79- التطعيم والتلقيح

80- إذا وإذاً وإذن

81- لطيفة عن النحوي المبرِّد البصري

82- الهمزة نوعان

83- همزة القطع

84- الهمزة الابتدائية

85- فتح همزة ان

86- مواضع همزتي الوصل والقطع في الأفعال

87- همزتا الوصل والقطع في الأسماء والحروف

88- همزة القطع في الأسماء

89- همزة القطع في الحروف

90- الهمزة الوسطى

91- الفرق بين ربما وقد

92- الهمزة على النبرة "الياء"

93- الهمزة الوسطى على الألف والواو

94- رؤف، رؤوف، رءوف

95- همزة "ان" بعد بل، أي، إذ، حيث، إلا وغير

96- الهمزة النهائية "المتطرفة" وتعريفها

97- عن الهمزة الختامية أي في نهاية الكلمات

98- الهمزة الختامية في كلمة امرئ

99- التفريق بين همزة الوصل وهمزة القطع

100- ما هي التوابع؟

101- طالما، قلما، كثرما، شدَّما، كأنما ولكنما

102- الفرق بين مازال ولا زال

103- تصحيحات لغوية

104- بالرغم ورغم أنَّ

105- يرتكز على ويرتكز في

106- سوف للاستقبال والتسويف

107- أخطاء صغيرة

108- الأكثر مقروئية

109- لاسيما ولله دره وطوبى

110- الهمزة المتبوعة بياء "أبنائي"

111- الألف الفارقة للإطلاق

112- لا فُضَّ فوك

113- وظائف الإعراب

114- ما المقصود بالنحو الساكن؟

115- الغرض من النحو الساكن

116- شواهد تراثية تبيح النحو الساكن

117- تجميد الأسماء الخمسة

118- سلسلة "الصحيح والخطأ"- أ

119- سلسلة "الصحيح والخطأ" - ب

120- الفردوس الأكدية والخُلد العربية

121- تَفَعَّلَت وفُعِّلت

122- تصويبات مفيدة

123- "نفس" التوكيدية

124- مشاكل ومشكلات

125- زوج واثنان

126- أسماء الحروف ومعانيها

127- أسماء أصوات الحيوانات

128- ذكور الحيوانات

129- عين الأفعال

130- تصحيحات عين الفعل

131- السخل ابن النعجة

132- أسماء بيوت الحيوانات

133- القُوام والقَوام

134- أوائل الأشياء

135- ترجمات طريفة

136- وادللالي المغربية

137- فوائد سريعة

138- طموح وطموحة

139- تذكير أعضاء الجسم

140- ظروف الزمان والمكان

141- أصل الألف في نهاية الفعل المعتل

142- مابعد اسم التفضيل

143- كلمة يداهر ومشتقاتها

144- المضارع الواقع بعد الأمر

145- اسم الفعل العامل

146- ثمانية، ثمان، ثماني وثمانيا

147- شرق، وشرقي الـ

148- المضاف والشبيه بالمضاف

149- كلمات عامية فصيحة - أ

150- كلمات عامية فصيحة - ج

151- كلمات عامية فصيحة - ب

152- حروف رقمية على الانترنيت

153: الفرق بين "أنَّ / إنَّ" و "أنْ وإن"

154- أنَّ، لا تُجر بالباء

155- الفرق بين ثَمة، ثَمت، ثَـمَّ، ثُـَّم وثُـمت

156- مواضع وجوب كسر انَّ وفتحها

157ـ ما معنى كلمة عتيد؟

158- حين يعمل اسم الفاعل عمل فعله

159- همزة الأفعال المتصلة بواو الجماعة

160- حالات خاصة في كتابة الهمزة

161- تنوين الفتح على الألف (اً)

162- الممنوع من الصرف المنتهي بألف وهمزة

163- الهمزة المتطرفة وتنوين الفتحة

164- خصوصاً وبخاصةٍ وخاصةً

165- متى ندغم أنْ ولا في "ألا"

166- "عسى" من أخوات كان، ومن أخوات إنَّ

167- لا يصح إنهاء الكلام بالتنوين

168- كيف يعمل حرف "بل"

169- عمل وإهمال "ما

170- متى تكتب ابن وابنة بهمزة الوصل" ا "؟

171- لتسهيل فهم الفرق بين "في ما" و "فيما"

172- الحزن والكرب والكآبة والغم والهم والحسرة والأسف

173- إعمال أن وإهمالها

174- القطع في موضع الوصل خطأ

175- استعمالات (قدْ)

176- أعضاء الجسم المؤنثة وجوبا

177- بعد هذه الكلمات كل اسم يكون مجرورا

178- جواز تذكير وتأنيث بعض أعضاء الجسم

179- استثناءات في تذكير وتأنيث أعضاء الجسم

180- أنواع الحروف العربية من حيث الشكل

181- كُلْيَة بضم الكاف وليس كِلْيَة بكسرها

182- الحادي والعشرون والواحد والعشرون

183- القوة البلاغية للجملة الاسمية

184- الهمزة المفتوحة وبعدها ياء

185- ما الفرق بين متفيهق ومتفيقه؟

186- النوايا والنيّات

187- تحريك حروف بعض الكلمات:

188- لفظ الكلمات الفصيحة بنبرة العامية

189- ما الفرق بين أي وأية

190- الفرق بين أمّا وإمّا

191- تخفيف أنَّ الناسخة

192- مرحى، بالكاد، وريثما

193- تذكير وتأنيث الأعداد والمعدودات

194- الفرق بين العقل والذهن

195- ما الفرق بين مَسَّ ولَمَسَ وتلَمَّسَ؟

196- "كي لا" و"كيلا" و "لكيلا"

197- الأعداد المركبة والمضافة

198- همزة القطع في الفعل المضارع

199- الفرق بين أخيراً ومؤخرا

200- الأفعال الخمسة

201- هل نكتب اهدئي أم اهدأي

202- حكم همزة "ان" بعد بعض الحروف:

203- معنى "لاسيما" وكيف تعرب

204- حكم الهمزة المتطرفة

205- تنوين الهمزة المتطرفة

206- ممنوعات من الصرف "خاصة"

207- هل يجوز تكرار "بين" في الجملة ذاتها؟

208- الخمط والنتف والنتش والملخ

209- هذه الكلمات ليست فارسية

210- الكمامة في اللغة والشعر العربي القديم

211- التاء المربوطة والتاء المفتوحة

212- المضاف والمضاف إليه

213- إعراب الاسم المنقوص

214- الفرق بين الوباء والجائحة

215- همزة فعل الأمر

216- معنى وإعراب "وهَلُمَّ جَرّاً" و"وهكذا دَوالَيْكَ"

217- النصب بنزع الخافض

218- خرج عن القانون لا خرج عليه

219- من أخطاء المدونين على مواقع التواصل

220- مصطلحات لهجوية عربية

221- سيّئ، شيء أم شيئ، خاطئ أم خاطيء؟

222- ما الفرق بين البحراني والبحريني

223- ألّا وألا وإلا

224- لا النافية للجنس ولا النافية للفعل

225- هؤلاء مديرون وهذه رحم

226- - الفرق بين عَمرو وعُمر

227- العدد المركب

228- ما الفرق بين العربي والأعرابي؟

229- المنحوتات اللغوية

230- هذا ما أنطى

231- المصدر "تَغْيير" والفعل "تَغَيَّرَ"

232- الفرق بين همزة الوصل والقطع

233- التفريق بين ما ومما

باب الفوائد التراثية

234- أول خليفة يستقيل من الخلافة طوعا

235- مولوتوف عباسي

236- "النظام الداخلي" لحركة العيارين والشطار

237- كأس أم حكيم

238- من المعري إلى الشيخ محمد الغزالي

239- التطرف العراقي في الخير

240- موقف ابن رشد النقدي من التراث

241- في بابل يصفعون الملك قبل تتويجه!

242- مومسٌ سقتْ كلباً فاستحقت المغفرة

243- كأننا والماء من حولنا

244- المرأة المتصوفة

245- دموية أهل الحكم

246- الخمور في الحضارات الرافدانية القديمة

247- القطب الصوفي بشر الحافي

248- خطبة واصل بن عطاء

249- إعدام الشاعر بشار بن برد

250- القطب الصوفي بشر الحافي

251- أمثال شعبية بغداد العباسية

252- اسم العراق في العهد الآشوري والشعر الجاهلي

253- أمثال سومرية مقارنة بمثيلاتها المعاصرة

254- الوعي الطبقي قديما

255- يزيد الناقص الخليفة الأموي الثائر

256- الحارث بن سريج نصير الوثنيين المظلومين

257- شبيب الخارجي مبتكر حرب العصابات

258- غزالة وابنها شبيب الخارجي

259- الإمام النعمان نقيض الفكر التكفيري

260- القطب الصوفي عامر العنبري

261- هل أنقذت سُجاح والد النبي محمد من الذبح؟

262- اللغة العربية في الأندلس من وجهة نظر خصومها

263- - ملكات عربيات قبل الإسلام

264- الدولة الأموية من الفرع السفياني إلى المرواني

265- أيُّ امرئ القيس نقصد فهم كثر؟

266- ما الفرق بين الحرفة والمهنة؟

267- الصراع العنيف بين العرب القيسية واليمنية

268- المدرستان البصرية والكوفية في النحو العربي

269- أبو العلاء المعري والدين

270- كربلاء أخرى شبه مجهولة قرب مكة

271- برنامج ثورة زيد سنة 122 هـ - 740م

272- شاعرة بغدادية تتغزل بجمالها قبل ألف عام

273- سودة الهمدانية العراقية تحاجج معاوية

274- الطباخ الذي صار وزيراً عباسيا

275- الزندقة النبيلة والأخرى المنحطة

276- الشاعر ماني الموسوَس من العصر العباسي

277- حرفيون كادحون ولكن علماء!

278- نفاق بعض المتدينين كما يصفه الغزالي

279- نفاق الحكام الفاسدين

280- آية المنافق كما شخصها الإمام علي

281- حديث المساواة

281- فطنة وذكاء

283- ما مصير المشركين إذا كانوا مصلحين؟

284- المال والجاه يُنبتان النفاقَ في القلب

285- حديث "إياك ومجالسة الأغنياء"

286- هاتان بهاتين

287- التدرج في العقاب من نزع العمامة إلى نزع الرأس

288- تشريع الاستبداد

289- من علي إلى ابن عباس

290- القطب الجيلاني ضد المتاجرة بالدين

291- بين سمنون المحب وفالنتاين

292- زرياب الطائر الأسود الجميل

293- من هم الروافض والنواصب؟

294- تمنى أن يكون كلبا

295- بغداد في عصرها الفاطمي القصير

296- دمشق تستنجد بالقرامطة ضد الغزو الفاطمي:

297- الكوفة عاصمة الثورات

298- من أجمل أشعار الحب والوجد الصوفي

299- الحب بين اللغتين العربية والإنكليزية

300- خبز يابس مع الكرامة أفضل!

 

ضمن ما يشغل عالم الأديان التونسي عزالدين عناية، المدرس بجامعة روما (إيطاليا)، صدر كتاب جديد بعنوان: "الأديان الإبراهيمية.. قضايا الراهن"، وهو كتاب يعيد النظر في مفهوم الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، في ظل تحديات العالم الراهن. إذ يعيش التراث الإبراهيمي أزمة بين الورثة، وتتوه الدعوة الإبراهيمية في وعثاء السياسة، وليس من الهين لمّ شمل الورثة، وهو ما يضعنا أمام سؤال ما الذي تبقى من الإبراهيمية الحنيفية؟ إذ لم يتسنّ للأديان الإبراهيمية، حتى عصرنا الراهن، رسم خطّة مشتركة في التعايش والاحتضان بين بعضها البعض. خطّة تتواضع بمقتضاها على حضور أتباع الدين الآخر بين ظهرانيها، دون أن يلحقهم أذى أو ترهقهم ذلّة. وإن كانت حصلت معالجات منفردة لهذه المسألة، اختلفت تفاصيلها من دين إلى آخر، دون بلوغ أسس جامعة. فمن الأديان الثلاثة من يملك تشريعات في الشأن، غير أنها تقادمت، أو هُجرت، أو داهمتها التبدلات الاجتماعية الهائلة، دون أن يتعهدها أهلها بالتهذيب والتنقيح، على غرار مؤسسة أهل الذمة، أو مفهوم أهل الكتاب في الإسلام؛ ومن تلك الأديان من لا يزال في طور تخليق منظومة لاستيعاب الآخر، لم يحصل في شأنها إجماع داخل المواقع النافذة في المؤسسة الدينية، على غرار "لاهوت الأديان" في المسيحية.

ذلك أن مفهوم الأديان الإبراهيمية حمّال أوجُه، كلّ له دلالته وكلّ له تأويله؛ وما نشهده من إيلاف في الراهن داخل المجتمعات، يأتي بفعل الإطار التشريعي للدولة المدنية الحديثة لا بموجب تحريض تلك الأديان، رغم ما يلوح جليا من قواسم مشتركة، ومن تقارب عقائدي بين اليهودية والمسيحية والإسلام. وبالتالي يظلّ التحدي الذي يواجه الجميع، وهو كيف تعيش تلك الأديان شراكة الأوطان؟ وكيف تغدو حاضنة لبعضها البعض ولا تكون طاردة؟ إذْ ما برحت اليهودية والمسيحية والإسلام دون مفهوم "أهل الكتاب" الضامن للعيش المشترك، ودون مفهوم "الأديان الإبراهيمية" الجامع للتنوع المفترق، وينطبق عليها مفهوم "الأديان الثلاثة" المتجاورة والمتباعدة في الآن نفسه.

لا يرنو هذا المؤلَّف إلى صياغة مفاضَلة بين تلك الديانات، على غرار، أيها أرحب صدرا في احتضان الآخر؟ ولا ينظر إلى المسألة ضمن معادلة "نحن النعيم والآخرون هم الجحيم"، فالحدود بين الأنا والآخر باتت متحولة متداخلة. إنّ المفاضلة في عصرنا أمست منهجا متقادما فاقد الصلاحية، وأن كل عملية احتضان، مفاهيمي أو مؤسساتي، هي وليدة جدل اجتماعي مركب.

وقد شئتُ أن تكون فصول هذا المؤلّف دانية من المعيش اليومي، ومُتابِعة للواقع الراهن بين أتباع الأديان الثلاثة، في هواجسهم وفي تعايشهم، في تآلفهم وفي تنافرهم، داخل الوطن الواحد وفي ظلّ الحضارة الواحدة؛ لذلك تشغل محاور هذا الكتاب أوضاع ذلك الآخر، الذي يمثله دين القلّة، وبالمثل تمثله الذات، حين تتبدل المواقع وتتغير الحواضن، فتغدو الذات -ضمن انزلاق دلالي- هي الآخر. يأتي هذا الكتاب تأمّلا في أوضاع الأديان في الراهن، وإن أمْلت الضرورة العودة إلى الأصول، أو إلى سالف التجارب، لفهم مجريات الواقع المستنفر، فأحيانا تكون أُطر استيعاب الآخر المؤسساتية أو المفاهيمية مضلّلة، لا تفصح عما يتخلّلها من تناقضات، ولا يتسنى رصد مظاهر الدونية والحيف من خلالها، فتضيع مكابدات العيش المشترك في طياتها.

وليس غرض هذا العمل أن يكون دعوة أخلاقية، يحضّ على فضائل تعايش الأديان والحوار بينها -وإن كان صاحبه يجلّ ذلك الدور-، ولكنه حديث عن الأديان حين تنزل معترك الاجتماع، وحين يتحكم بعضها بمصائر بعض. لذلك ينأى المؤلَّف عن المطارحات الشائعة في حوارات المجاملة، التي طالما تتناول المنشود وتغفل عما هو موجود، ليقف على نقيض تلك المقاربة، واضعا القارئ أمام واقع التدافع الديني، بشكليه، المحمود والمذموم.

إن الأديان الثلاثة تبدو مقبلة على مواسم تفوق قدراتها الهرمنوطيقية التقليدية، ما عادت المدونات الفقهية واللاهوتية الكلاسيكية كفيلة بحلها. كما أن هناك قضايا تواجه تلك الأديان تتخطى إمكانيات دين بعينه، وتتطلب تضافر الجهود، مثل إشكاليات البيئة والمناخ والفاقة والأمية، وغيرها من المشاكل العويصة. فالعالم اليوم يتغير من تحت أقدام الأديان الثلاثة -إن صح التعبير- بوتيرة متسارعة، غالبا ما توفّق التشريعات المدنية في التأقلم معها، وتتعثر الديانات الإبراهيمية عن مواكبتها، في وقت يُفترض فيه أن تكون الأقدر والأجدر لما بينها من رؤى أنطولوجية جامعة.

كان علماء الاجتماع الديني الأمريكان، أمثال رودناي ستارك ولورانس إياناكوني وروبار توليسون، من أوائل الذين نبهوا إلى أن الفضاء الديني الغربي، أو كما يطلقون عليه "السوق الدينية"، محكوم بالاحتكار من طرف متعهّد قوي يمسك بمقدّرات الفضاء، يضيّق على غيره الحضور، ويحدّد مقاييس الحضور وفق مراده. ومن المفارقات الكبرى في عصرنا، أن الدين المستضعَف المهاجر، بات يستجير بالعلمانية وبالدولة المدنية طلبا للمقام الآمن، ولا يجد ذلك المأمن وتلك النُّصرة عند رفيقه في رحلة الإيمان، وهو حال الإسلام الأوروبي. فهو ليس في استضافة الكاثوليكية "التقليدية" ولا البروتستانتية "التقدمية"، ولكنه في كنف العلمانية. فقد وفقت المجتمعات الحديثة في ما خابت فيه الأديان الثلاثة، من حيث إتاحة فرص الحضور للآخر. في وقت يُفترض فيه أن يكون المؤمن "الإبراهيمي"، بين أهله وملّته، حين يكون في الحاضنة الحضارية لدين من الأديان الثلاثة، لكنه في الحقيقة لا يجد تلك السكينة، وغالبا ما يلقى حرجا، ويأخذ صورة الخصم والمنازع والمهدّد القادم من وراء البحار، ولذلك أمام دعاة الحوار اليهودي المسيحي الإسلامي، ثمة ضرورة ملحة لطرح سؤال: هل هناك فعلا أمة إبراهيمية أو تراث إبراهيمي جامع؟

نبذة عن المؤلّف

عزالدين عناية، أستاذ تونسي يدرّس في جامعة روما/ إيطاليا، متخصّص في دراسات الأديان. صدرت له مجموعة من الأبحاث منها: "الدين في الغرب"، "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، "الاستهواد العربي"؛ فضلا عن عدد هام من الترجمات منها: "المنمنمات الإسلامية" لماريا فيتوريا فونتانا، "علم الاجتماع الديني.. الإشكالات والسياقات" لسابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، "علم الأديان" لميشال مسلان.

الكتاب: الأديان الإبراهيمية.. قضايا الراهن

المؤلف: عزالدين عناية

الناشر: مجمّع الأطرش- تونس

سنة النشر: 2023

عدد الصفحات: 160 ص

 

صدر مؤخرا عن "منشورات أفروديت" في عددها (35) بمدينة مراكش، كتاب جديد للشاعرة المغربية نجاة الزباير يحمل عنوانا شاعريا جذابا هو: " قناص ببندقية من ورق " / إطلالة على طرائد الشاعر عبد الرحيم الخصار"، وذلك في حلة أنيقة جميلة.

ويضم الكتاب تقديما بقلم الشاعرة، وإضاءات وافية ألقت الضوء على الشاعر عبد الرحيم الخصار ونشاطه الإبداعي، وبعض مشاركاته في المهرجانات والملتقيات الشعرية في المغرب وخارجه، ورحلاته الأدبية إلى أمريكا، كما عرَّفت بالجوائز الأدبية التي أحرز عليها خلال مسيره الإبداعي، وأشارت إلى الاهتمام النقدي الذي يتمثل في دراسات عديدة من لدن كتاب ونقاد من المغرب وغيره من بعض الأقطار العربية. وقد صدر للشاعر عدد من الدواوين والمختارات الشعرية، وغيرها من الإنتاجات في أجناس أخرى كالرواية والرحلة. وقد ترجمت العديد من نصوصه إلى بعض اللغات: الإسبانية - الفرنسية - الإنجليزية الألمانية وغيرها. وقد أشارت الباحثة الشاعرة نجاة الزباير في تقديمها المركز إلى غنى الشعر المغربي بأسماء استطاعت أن تكسب تفردا في المشهد الشعري المغربي، وذلك بفضل تلاقحها مع ثقافات ولغات مختلفة، كما لاحظت أن النص الشعري المغربي، أصبح نصا يعرف تغيرا مستمرا، ولم يعد نصا واحدا ثابتا متشابها مع ما يصدر من نصوص الشعراء الآخرين . لقد " أصبح نصا مفتوحا ومغايرا لسابقيه " (عن عبد الحق وفاق، آليات الكتابة والتعبير في القصيدة المغربية المعاصرة ". وقد تناولت الشاعرة الباحثة في كتابها بالدراسة والتحليل دواوين الشاعر التالية: - عودة آدم - نيران صديقة - أنظر وأكتفي بالنظر - بيت بعيد" .

***

بقلم د. عبد الجبار العلمي

ها أنذا لا زلتُ في محراب السّيْر

أبتسمُ لي أحيانًا أتلقّفُ دمْعتي حينًا آخر

لا زلتُ أسير بعقيدتي

أعتنقُ الصّمْتَ حين يلفّني الوجعُ

صدر هذه الأيام عن دار متون للنشر والترجمة والطباعة والتوزيع بالجزائر ديوانٌ شعريٌّ بعنوان (أكتفي بِعضِّ أطراف شفتيّ) للأديبة فوزية شنّة، وهو الإنتاج الإبداعيّ الثالث لها بعد ديوان شعريٍّ بعنوان (أخاديد عمر)، ومجموعة قصصية بعنوان (سراديب الحياة).

الديوان الجديد من الحجم المتوسط، تتضمّن صفحاتُه 68، بعد الإهداء والتقديم 24 نصًّا شعريًّا.

الشاعرة فوزية كانت مُحِبّة لوالدتها كثيرا، ومتعلّقة بها، وازداد هذا التعلّق بمرور الأيّام بعد وفاتها منذ سنوات، فجاء الإهداء لها:

« إلى مَنْ سافرتْ في رحلةٍ أبدية

إلى منْ تركتْ ريحَها وعبْق عطرها فيَّ

إلى منْ تدفعُني ذكراها بقوّة نحْو الحياة فأُشْعِلُ شموع دربي وأسير

إلى منْ قلبي عامرٌ بنبضها وبه أستنيرُ

إلى روح أُمّي التي استلمتْ مشْعلَ الكادحين بعد وفاة أبي رحمه الله..

إلى روحيْكما (أمّي وأبي) أُهْدي هذا العمل .

وممّا جاء في التقديم الرائع الذي خطّتْه الشاعرة الإعلامية نادية نواصر:

«...مثقّفة (فوزية شنة) تمثّل زبدة المجتمع، هي لا تكتب ولكنها ترسم باللغة الرومنسية الشّفّافة السّهل الممتنع، هي لا تبوح للغة الشّهيّة، ولكنها تهمس همس الأنثى المُجلّلة بعبق الورد والحياة في أسلوبٍ شيّقٍ، إنجازٌ ساحرٌ وبلاغة مغرية وصور شعرية جذّابة. ص: 07»

من التقديم:

«...حين تكتب فوزية شنة تشعر وكأنها فيروز تغنّي، تتسلّل بلغة دافئة إلى القارئ فتعتقله برُقيّ همْسها، هي التي قالت الفصيح، والهايكو، والقصة، والقصيدة النثرية. ص: 08 »

الشاعرة فوزية شنة في ديوانها عديد النصوص الحاملة لانكسارات في مسار حياتها مع الآخرين مثلما لها انشراحات:

من نصّ: {حسرة قلْبٍ}

وكمْ من خِلٍّ أهديناه عمرا مديدًا

سرق العمرَ وصار للعدوّ صديقًا

في غفْلة كنّا حين جاور شريانه الوريدا

كم حلمنا وانتظرنا

صار الضّباب مَعْلَمَ طريق ص: 17

ومن نصّ {لا زلْتُ أنتظرُ}:

عُدْتُ أدراجي أقتفي أثر خيْبتي

أُزيحُ بعْض الحيْرة بابتسامةٍ

أُقاومُ كلَّ شيء يغيّر من ملامحي

تأوّهْتُ..

أيُعْقلُ أن أكون أنا بكلّ زينتي

أيجرأُ على نقْض الموعد

عُدْتُ إليَّ ألُفُّ رأْسي في حُزْمة حريرٍ

أطلُّ على المرآة لعلّي أستيقظ من غفوتي ص: 19

تنهض الشاعرة ثائرة على انكساراتها، مستجمعة قواها، مستمدّة عزيمتها من نخوة المرأة العربية الشرقية، وإبائها، من نصّ {لا تترقّبوا سقوطي}:

أنا امرأةٌ شرقية تخْشى أن تسقط أشياؤها إنْ هي استغْنتْ عن رباط خصْرها

أحمل زادي تحت ردائي تحسُّبًا لأيّ طارئٍ

أنا امرأة حين يغادرها النوم تغزل الحياة وتنسجها

أقول للّيل ها قد حوّلْتُكَ نهارًا في خلوتي ص: 23

ويعود الانشراح مكلّلًا بالعزيمة، عزيمة إنارة الدروب المعتمة، من نصّ {امرأةٌ وأنا}:

أنا شمعة تُنير درْبها ودرْب الآخرين دون كلامٍ

أنا قطعة عِشْقٍ لا ينتهي في قلب الإنسانية

أنا وصْفةٌ للتائهين في دروب الحياة..للعالقين في مسالك متاهاتها

أنا بلْسمٌ مُعطّرٌ خفيف الملْمس أسكن كل مسامات الدنيا

أنا ربيعٌ مُزْهرٌ يحلّ دون أوانه بين أهله وجيرانه

أنا كلّ ما تراه العين من جمال مختبئ في ثنايا العمر

أنا الواقفة المُتدلّية حبًّا، أقطر شَهْدًا يُعيد الضالّين إلى الصّواب. ص: 59

الشاعر(ة) ذاك المبدع (ة) الذي بمقدوره أن يبدع الجمال، والسمو بالحياة، كما يمتلك فنّ صيانة الذات، ومواجهة الظلم، والمهانة، فالشاعر الأصيل كمنْ يصوغ عقد لؤلؤ ويهديه لمحبوبته، هذا هو سرّ المتعة المنشودة في الشعر: ترنيمةٌ غنائيةٌ صادقةٌ تولّدت من شعور المبدع، ونفسيته الشّفّافة.

الشاعرة المبدعة فوزية شنّة واحدة من هذه الفئة التي تمتلك أسرار الشعر، ومفاتيحه، وفنّياته، وهو ما عشْتُه في نصوص ديوانها الجديد" أكتفي بعضّ أطرافي شفتيّ" الذي يمكن اعتباره ثمرة مكابدة وجـَلد استطاعت بواسطته أن تعزّز تواجدها في درب الإبداع الشعري فهي لا تكتب الشعر؛ بل ترسم لوحات  شعرية جميلة، ورائعة وتعزف ألحان أنوثتها وعفويتها بكلمات رقيقة وشفافة، وعبارات سلسة، رقراقة.

***

كتب: بشير خلف

تعيش المفاهيمُ حياةً جديدة عندما تتكلمُ لغةً أخرى. الترجمةُ ولادةٌ جديدة للمفاهيم يتسعُ من خلالها أُفق المعنى باتساع أُفق اللغة المترجَم إليها الكتاب، وتبوحُ فيها اللغةُ بقيم العيش المشترَك في كلِّ الأديان والثقافات البشرية، وترتسم بالترجمة خارطةُ طريق العيش معًا.كأن الترجمةَ بمثابة استئنافٍ لحياة نبات ينتمي إلى أرض تمتاز ببيئة ومناخ خاص، ثم يعاد غرسُه في أرض وبيئة ومناخ آخر، يجعله أكثر قدرة وفاعلية على بعث الإمكانات الكامنة فيه للعيش في مختلف الظروف والأحوال.

الترجمةُ في الوقت الذي تخترق فيه الحدودَ تعمل بموازاة ذلك على محوِ الحدود وبناءِ جسور بديلة عنها، بالغوص بعيدًا في الأعماق لاكتشافِ الصوت الذي تنطقه كلُّ لغات العالم، وينكشف فيه ما هو مشترَكٌ في الكينونةِ الوجودية للإنسان، وما تعكسه من احتياجاتٍ أبدية لا تكفُّ عن طلب إشباعِها في كلِّ زمانٍ ومكان، وما تنشده من قيمٍ كونية أساسية لإنتاج معنىً لوجودِ الإنسان وحياته.

كان نقلُ كتاب "مقدمة في علم الكلام الجديد" للغة الفارسية محصلةَ جهود اثنين من المترجمين، بدأ الترجمةَ الدكتور علي زاهد بور، وهو يتحدث العربيةَ كأهلها، ومتمرّس بمطالعة أدبها، ويمتلك ثقافةً تراثية وحديثة واسعة، وبعد أن نقل ثلثي الكتاب تقريبًا للفارسية، باغتته ظروفٌ شخصية أعاقت إتمامَه العمل، فبادر الدكتور حميد رضا تمدن مشكورًا بإكمال ما تبقى من الترجمة، وتمدن أستاذ جامعي للفكر العربي الحديث، ويتكلم العربية بلغة صافية، وهو مؤلف ومترجم لعدد من الكتب والمقالات. وأخيرًا تولى الدكتور محمد سوري مقابلةَ النسخة الفارسية على الأصل، وتحرير الترجمة وتنقيحها وتدقيقها. ومحمد سوري يتكلم العربيةَ الفصحى، وله دراية بالفكر العربي الحديث، وهو متخصّصٌ بالتصوف وخبيرٌ بمسالكه، رحّالةٌ سائحٌ لا يقيم بموطن، يسقي عقلَه وقلبَه وروحَه التخّلُق والتأملُ والصمت.

بهذه الترجمة يولد كتابُ "مقدمة في علم الكلام الجديد" ولادةً أخرى بالفارسية، وحين يهاجر هذا الكتابُ أو غيرُه من لغتِه الأم ويتكلم لغةً جديدة، تمنحه هذه اللغةُ إمكاناتِ وجود، ودلالاتٍ إضافية، وتبعث فيه حياةً جديدة، وتطبع النصوصَ المترجَمة إليها بصمتُها الخاصة، وتتكلم معجمَها الاصطلاحي. اللغة الفارسية تغتني بثقافةٍ عرفانية خصبة تختزن ميراثًا غزيرًا. هذا الكتاب لم يهاجر إلى فضاءٍ غريب عنه، إنه يتحدث إلى لغةٍ يتوطن فيها علم الكلام الجديد منذ عشرات السنين، إذ يحضر بكثافةٍ في كلماتها ومعجمها الحديث ومفاهيمها ورؤى العرفان الغنية فيها. عندما يتخذ هذا الكتابُ موضعَه في نسيج النصوص الفارسية، ويكتسي أساليبَ بيانها وتضيؤه آدابُها، تجعل هذه اللغةُ مفاهيمَه تتغذى في فضائها، وتتحدث كلماتِها وتتداول مصطلحاتِها، وينخرط شيءٌ منه في أفقِ رؤيتها للعالم، ويحقّق حضورَه متناغمًا مع إيقاعِ موسيقاها الداخلية، إنه يولد ولادةً جديدةً في سياق هذه اللغة.

اللغة الفارسية واحدةٌ من لغات العالم المشبَع قاموسُها بميراث العرفاء، وهي من أثرى اللغات بهذا الميراث، وأغناها بآدابِه، وأكثرها شغفًا بشعرِ العرفاء الرؤيوي الذي أبدعته قريحةُ شعراء عظام كجلال الدين الرومي، وحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي، وسنائي الغزنوي، وعين القضاة الهمداني، وفريد الدين العَطّار، وعُمَر الخَيّام، وأمثالهم. لم أقرأ شعرًا يرسم صورَ الحُبّ بألوانٍ فاتنة وينشد أغاني العشق الإلهي البهيجة كما في مثنوي جلال الدين الرومي ودواوين العرفاء. استطاع الشعرُ العرفاني أن يتوغل بعيدًا في أعماق الروح، ويصنع لها ما تتطهر به، فجعل الروحَ تعانق عوالمَ الملكوت وهي تتذوق أغاني العشق الإلهي، وكأنها استفاقت بعد أن اغتسلت بالأنوار الإلهية.

الخبير بآثارِ العرفاء وشعرِ جلال الدين الرومي واستبصاراته يعرف التأثيرَ الاستثنائي لها في إيقاظِ الحياة الروحية في الإسلام وتنميتِها وتكريسِها، وبناءِ الرؤية الجمالية للعالَم، والكشفِ عن تجليات جمال الأسماء الإلهية في الوجود. في ضوءِ ذلك نعرف كيف أصبح العرفانُ رافدًا غزيرًا يستقي منه علمُ الكلام الجديد شيئًا من مقولاته، ويستلهم من عناصره بعضَ مكونات رؤيته ومواقفه، واهتمامه ببناء صلةٍ بالله تتأسّس على المحبةِ المتبادلة، والدعوةِ لتدين أخلاقي يرسي أسسَ العيش المشترك في إطارِ التنوع والاختلاف. في المثنوي لجلال الدين الرومي وآثارِ العرفاء نقرأ بوضوحٍ أن التنوعَ يعكس الطبيعةَ الإنسانية، وهذا التنوع يفرض الحقَّ في الاختلاف بطرائق الفهم والتفسير والرؤية للعالَم والمعتقدات، وهو ما يكشف عنه تعدّدُ اللغات والثقافات والأديان في حياة الإنسان أمس واليوم.

صدرت الطبعةُ الأولى لكتاب "مقدمة في علم الكلام الجديد" ببيروت سنة 2021، فاشتدّ الطلبُ عليه حين اعتُمد مقررًا دراسيًا في أقسامِ الفلسفة والإلهيات والمعارف الإسلامية في جامعاتٍ عربية متعدّدة. وفي السنة ذاتها أصدرتْ طبعتَه الثانية دائرةُ الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة ببغداد، وكانت هذه الطبعةُ مزيدةً أكثر من خمسين صفحة، وصدرت الطبعةُ الثالثة ببيروت نهاية السنة الماضية 2022، وهي مزيدة فصلًا إضافيًا، والترجمة الفارسية هي للطبعة الأخيرة المزيدة والمنقحة.

نتطلعُ أن نتعرّفَ في كتابٍ قادم على آراء المتكلمين الجدد في إيران، ثم العالَم العربي، فقد ظهرت الدعوةُ لتجديد علم الكلام في الإسلام الهندي منذ القرن التاسع عشر كما دللنا على ذلك في هذا الكتاب، وانعكست أصداؤها في إيران بوقت مبكر، وسرعان ما تبلورت بوضوح في آثار مجموعة من المفكرين الإيرانيين، ممَنْ بلغ الكلامُ الجديد بجهودهم مرحلةً متقدمة، وكانوا الأكثرَ درايةً بتوظيف رؤى العرفاء ومقولاتهم في بنائه، والأسبقَ في الانتباه إلى ولادة الكلام الجديد في آثارِ مفكري الإسلام في الهند.

***

د. عبد الجبار الرفاعي

...................

* تقديم الترجمة الفارسية لكتابنا: "مقدمة في علم الكلام الجديد"، يصدر قريبا.

 

عمل جديد صدر لعالم الأديان التونسي د. عزالدين عناية بعنوان "المسيحيّة والإسلام في ظلّ العولمة". وهو كتاب يتركز بالأساس على متابعة آثار العولمة على الدين، وتحديدا على المسيحية والإسلام. فما كانت قضايا التجاور والتضايف والتعايش مطروحةً على الأديان بهذا الإلحاح، كما هو عليه الحال اليوم. فالذات المؤمِنة أمام تساؤلاتٍ تمليها التبدّلات الجارية في العالم الراهن، تحثُّ أتباع الأديان على إعادة النظر في تمثُّلِهم للعالم وفي حضورهم فيه، بعد أن عصفت بالحدود التاريخية تبدلات عميقة. تَراجَع التباعد إلى مستوى، غدت فيه الحدود وطيئةً ورخوةً بين التقاليد الدينيّة.

وبالمثل ما عاد يفيد الأديان التحصّن وراء حواجز "منيعة"، بعد أن صار الوافد حاضرًا بالداخل، فعلًا وقولًا وقيمًا، يسائل عيشَ الذات ورؤيتَها، ويشاركها واقعَها ومصيرَها. إذ ساهمت العولمة في زعزعة الحدود الجغرافية والمادية، التي جعلت من ذلك الإيمان الديني أو غيره لغة الخلاص لشعوب وحضارات إنسانية بأسرها، وليتماهى ذلك الإيمان مع أرض ومع أمّة بعينها.

فلا مراء أنّ العولمةَ اليوم قد أضحت واقعًا معيشًا، يؤثّر على نمط سيْر حياة شعوب كثيرة، سواء رضيت تلك الشعوب بذلك التحوّل أم أنكرته. حيث تنعكس الأوضاع المستجدَّة والسائرة نحو التطوّر المتسارِع على الأديان وعلى أتباعِ الأديان أيضا. فالعولمة تُؤثّر على الأديانِ بفعلِ ما تُخلّفه من أثرٍ على تقلّص الانغلاق الإيماني وانعزاله في حيز جغرافي، بما جعلَ بعض الأديان بمثابة الهويات المميّزة لجماعاتٍ عرقيّة وإثنيّة دون غيرها؛ وهي تؤثّر كذلك على المؤمنين بتلك الأديان، بما تخلّفه من تغيّر في شكل الاعتقاد، من حيث البسط والقبض، والشدّة واللّيونة. وكذلك في معاني الاعتقاد، من حيث الانحصار والاستيعاب، والضيق والاتساع. وربّما إلى حدّ مضامين الاعتقاد المستجدّة، جرّاء الاحتكاك بتجارب روحيّة ومعيشيّة أخرى، ما عادت نائية في ظلّ حركة التواصل المتسارِعة.

ذلك أنّ تأثير العوْلمة حاصل على الأديان وعلى أتباع الأديان، ولا يقتصر على الأديان الإبراهيمية أو أديان الهند والصين واليابان، بل نعاين تأثّر الأشكال الجديدة من أنماط الاعتقاد التوليفية أيضا، بما يعني أنّ التأثير يطالُ الأديان المهيكَلة عقديّا ومؤسّساتيّا، وغيرها ممّن تفتقر إلى تلك البنى الصلبة والصارمة.

والمسلمون من جانبهم لم يَبقوا نشازا في ما يجري من تحوّلٍ دينيّ في العالم، وما عاد بوِسعهم أن يظلوا بمنأى عن تأثيرات تعولم العالم، الدافع باتجاه التكتّل والقبول بالانتظام وفق قواعد جامعة، الأمر الذي انعكست آثاره على الرؤية الإسلامية لذاتها وللآخر. صحيح أنّ الاستعدادات بين الأديان وبين المؤمنين، متفاوِتة من تقليد ديني إلى آخر، ومن وسط اجتماعي إلى غيره، من حيث القدرة على التعايش مع المعطيات الجديدة المتّصلة بالعوْلمة الدينية، أو من حيث توظيف الإمكانات المتاحة، أو استغلال محاسن هذا الواقع الجديد أو درْءِ مساوئه؛ ولكن برغم هذا التفاوت تبقى سائر التقاليد الدينية معنيّةً بما يجري من تحوّل هائل في الساحة العالمية، بما يمسّ بنى الأديان وضروب أنشطة أتباعها ذات الطابع الدينيّ.

وبعد تعوْلم قضايا الإسلام تردّدَ في الأوساط الغربية سؤال: هل يُشكّل الدين الإسلاميّ عقبة للاندماج في العالم؟ وهو سؤال طُرِح في العديد من المنابر ضمن طروحات الاستشراق الجديد ذات المنزع السياسيّ، أتى ذلك ضمن تتبّعِ، إلى أيّ مدى يمكن للمنظور الإسلامي تقبّل الديمقراطية؟ ومن حيث تفهّم مدى تلاؤم مضامين المكوّن التشريعي الإسلامي مع الدولة المدنية. وهي طروحات تدَاخَل فيها المنصِف بالمغرِض، لكن السّمة الغالبة على مجمل التساؤلات يظلّ ورودها ضمن سياق التوتّرات الأمنية، التي عاشتها الأوساط الغربية مع تشظّيات الإرهاب في العالم.

لم تكن التساؤلات ولا الأحكام صادرة عن دراية عميقة بالمخزون الحضاري، جرّاء التراجع الذي شهده الاستشراق الغربي في العقود الأخيرة، بل عن رصد ظواهري متسرّعٍ وإقرار حصريٍّ بفشل "الإسلام الصِّدامي" في التعايش مع العالم. ومن هذا الباب جاء الحكمُ بعدم قدرة الإسلام على التعايش مع الدولة المدنية، ومع القِيم الكونية التي باتت سائدة في عالمنا، ومن ثَمّ مع الحداثة بوجه عامّ، نابعًا من إسقاطات إيديولوجية.

الملاحظ بشكل عام، في ظل مناخات العولمة المستجدة، أن الأوضاع في العالميْن الإسلامي والغربي، في الراهن المعاصر، لا تسير سيرًا متوازيًا على جميع الأصعدة، مع ذلك ثمّة ارتباطات مصيرية بين العالمين، تفوق ما كانت عليه الأمور في وقت مضى، قبل استفحال ظاهرة العوْلَمة. ورغم الاختلاف البيّن لِمسار انبناء الدولة الحديثة ضمن السِّياق الغربي عن نظيره في السِّياق الإسلامي، فإنّ قضية علاقة الدين بالسياسة وبالمجال العمومي، هي من الإشكاليات المطروحة على الجانبين وإن تفاوتت الأشكال والمضامين.

فمنذ نصف قرن أو يزيد، طرأ تبدّلٌ هائلٌ على الأوضاع في العالميْن الغربي والإسلامي في ما يخصّ قضايا الدين. وفي الحقبة التي نعيشها ثمّة نمطٌ للدولة الحديثة مشبَع بالنزْعة الحداثيّة وبالأبعاد العلمانيّة، فَرضَ نفسه أو فُرض قسرًا، لمّا نتحدّث عن الدولة الغربيّة والدولة المغرَّبة، بات هو السائد؛ وبالمقابل ثمّة فَوران للدّين يتّخذ أشكالا عدّة وتمظهرات شتّى، بات قادرا على التأثير على الخيارات الكبرى، كما حصل في أوروبا مع حدثيْن بارزين، عند طرح موضوع تضمين التراث المسيحيّ اليهوديّ من عدمه ضمن مسودة الدستور الأوروبيّ، وكذلك مع التلكُّؤ في ضمّ تركيا إلى المجموعة الأوروبية؛ وهو كذلك قادر على التأثير الفاعل في مسارات حراكات الشعوب، كما حصل مع موجة الربيع العربي.

وفي ظلّ واقع معولَم ما عاد قبول المعرفة الدينية مستمَدًّا من سياق إيماني وحده، يفي بالغرض. وهو ما يضع تلك التحولات وغيرها أمام تساؤلات مصيرية في شأن حضور الدين خارج فضائه الإيماني المعهود؟ فهل التعليلات التي يعلّل بها مقولاته هي بحقّ تعليلات كونية؟ وهل خطابه تجاه المغاير هو خطاب عقلاني وواقعي؟ تلك بعض القضايا التي أراد الكاتب معالجتها في هذا الكتاب.

نبذة عن المؤلّف

عزالدين عناية، أستاذ تونسي يدرّس في جامعة روما/ إيطاليا، متخصّص في دراسات الأديان. صدرت له مجموعة من الأبحاث منها: "الدين في الغرب"، "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، "الاستهواد العربي"؛ فضلا عن عدد هام من الترجمات منها: "المنمنمات الإسلامية" لماريا فيتوريا فونتانا، "علم الاجتماع الديني.. الإشكالات والسياقات" لسابينو أكوافيفا وإنزو باتشي، "علم الأديان" لميشال مسلان.

الكتاب: المسيحيّة والإسلام في ظلّ العولمة

المؤلف: عزالدين عناية

الناشر: مجمّع الأطرش- تونس

سنة النشر: 2023

عدد الصفحات: 240 ص

بمناسبة صدور أعماله الكاملة

من بين الكتب التي قرأتها العام الماضي باستمتاع كتاب "المشي فلسفة" للفيلسوف الفرنسي المعاصر "فريدريك غرو" المولود عام 1965 والمتخصص في ميشيل فوكو، ويعمل حاليا استاذ الفكر السياسي في معهد الدراسات السياسية في باريس. وقد صدر لغرو بالعربية ثلاثة كتب هي "ميشال فوكو " – ترجمة محمد وطفة وكتاب "العصيان " – ترجمة جمال شحيذ " وكتاب " المشي فلسفة " – ترجمة سيعيد بوكرامي –

يقال دائما ان الفلسفة ولدت مع المشي، وان فعل التفلسف يتوافق مع التأمل، وكان الراحل مدني صالح يحب ثلاثة اشياء " المشي مسافات طويلة.. والصمت الطويل.. والصيام بلا انقطاع عن الطعام مدة أيام طويلة "

في تاريخ الفلسفة اليونانية نجد ان الفلسفة ارتبطت بجولات المشي التي كان يقوم بها طاليس المولود عام " 624 ق.م، حيث كان من عادته ان يسير في طريقه لا يلتفت إلى أحد، لم يكن يسير كما يفعل معظم الناس ممن يعرفون هدفهم ويتأكدون من مواضع أقدامهم. فقد كان رافعاً رأسه الى السماء ومشغولاً بتأمل النجوم. ويخبرنا ديوجينيس اللانرتي في كتابه حياة مشاهير الفلسفة – ترجمة امام عبد الفتاح امام – ان طاليس كان يخرج كل يوم من بيته يسير وهو يتأمل النجوم، وذات يوم وقع في حفرة واخذ يصرخ طلبا للعون، فشاهدته امراة عجوز، فردت عليه بقولها " أي طاليس، كيف تزعم ان بوسعك ان تعرف كل شيء في السماء، وانت عاجز عن رؤية ما هو تحت قدميك". سؤال المراة الساخر كما يقول ارسطو هو الذي دفع المفكرين الاوائل إلى التأملات الفلسفية.

من السعادات التي عشتها في الايام الماضية هي قراءة الاعمال الكاملة للفيلسوف العراقي "المشاء" مدني صالح والتي صدرت عن دار الشؤون الثقافية بجهود الاساتذة الدكتور فيصل غازي مجهول والدكتور محمد فاضل عباس وباشراف الصديق الدكتور عارف الساعدي. ولعلني اعتبر نفسي سعيد الحظ بتعرفي على بعض الاساتذة الاعلام وكان مدني صالح واحدا منهم، وكانت علاقتي بهم تتباين بتباين اهتماماتي في القراءة، فعندما كنت انغمس في قراءة الفلسفة وتدور اسئلتها في رأسي، اجد الحل في اجابة مدني صالحة الممزوجة بالدقة العلمية والسخرية المحببة، كنت آنذاك اقرأ مقالاته المنشورة في صحيفة الجمهورية، واسأل نفسي: هل سأتمكن يوما ان اكتب بمثل هذه الطريقة الفذة، واصحوا من هذياناتي على صوت مدني صالح يردد:" مدني صالح احسن ناثر فني في الادب العربي المعاصر ".

من الصعب تخيل مدني صالح انسانا مجاملا، او مترددا في قول كلمة الحق، ينطبق عليه بيت الشعر الذي كتبه ابراهيم ناجي  " واثق الخطوة يمشي ملكاً "، نرجسي من طراز خاص، كريم في العطاء:" اتباهى بالذي اعرفه، فاعرضه على الناس كي اكسب حسن ظنهم بي ". ساخر على طريقة الساخطين، يتخذ من الصدق سبيلا، يعترف ان حرفته في الحياة هي الثقافة التي يعتبرها هواية وغاية.في معظم كتاباته اراد أن يؤكد ان المعرفة تسخر من المعرفة ذاتها، حين تتحول المعرفة الى أداة بيد من لا يعرفون قيمتها الحقة. يؤمن بأن الفلسفة ليست نقاشا بيزنطينيا، ولا جمهورية للعاطلين، ولا كتب ونظريات وإنما هي ممارسة تضيء جوانب الحياة المظلمة وتؤسس لإرادة القول التي يمكن لها أن تمهد الطريق لإرادة الفعل.

في المرات التي كنت التقي فيها مدني صالح سواء في المكتبة التي اعمل فيها او في كلية الفنون حيث كان الراحل يٌلقي محاضرات لطلبة الدراسات العليا عن فلسفة الجمال، احاول ان اشاكسه، واحسب ان الراحل الكبير كان ينتصر على مشاكستي بقدرته على الجدل النافع، والمثير، فقد كان يتقبل المشاكسه بروح علمية حيث يرى فيها وسيلة من وسائل التعبير عن حماستي " الزائدة " احيانا، ومدني صالح كان بطبيعته يميل الى المشاكسة التي ينظر اليها بوصفها محاولات لادامة حرية النقاش ونقد الآخرين فهو القائل عن نفسه:" اتباهى وابهر الجميع بقدرتي على تبسيط مسائل الثقافة باسلوب لا اجمل منه، وبروح استاذية عالية، عالية في الخوف من الخطأ ".

في مرات كثيرة اسأل نفسي: ماذا لو ان مدني صالح بيننا الآن، يقرأ ما نكتب  في الفلسفة ؟ بالتاكيد سنسمع منه كلاما غير محايد، فقد عاش طوال حياته صريحا، لكنه  دائم الحنو حتى مع الذين يختلفون معه:" لم ار نفسي قط إلا ما يضاعف احساسي بالازدهار، فإني دائم الخضرة، دائم الاازدهار "، وربما سينشغل عنا في كيفية أن يظل فكره حاضرا في دائرة الحوار. يتحفظ على ما يسمع ويعطي لنفسه فرصة ثم يسأل ثم يظهر اهتمامه وبعدها يتجلى استعداده للالفة بعدها يفكر بما آلت اليه حياته وهل كانت لهذه الحياة من مغزى وسط الاضطراب العام الذي عاش فيه وهل اقترب حلمه من مدينة فاضلة على غرار مدينة فيلسوفه الاثير " الفارابي، وان يحقق امنيته التي اختصرها بالقول:" ان يكتب جملة واحدة تحدث تحولاُ يعتز به وينفع الناس ". كانت الكلمات هي اداة الحياة والابداع في عالم مدني صالح، ومن خلال الكلمات كان يبدو كأنه  مشعل حرائق يسعى لتدمير الابنية البالية للفكر الفلسفي، ويشعل الشك في الموروث الادبي، ويزعزع الاوهام التقليدية حول فهم الثقافة.

في مسرحيته الشعرية " بقايا التجربة " نجده يتأمل حياته:

انت بعد اليوم سلوى

وحيال في كتاب

اسفا صليت في حضنك واشتمت

عيوني قدميك

انت يامن انت من صيرتني فصل كتاب

اسفاً ابتاعني الناس كتابا في يديك

وانا اقرا المجلدات الستة التي ضمت مؤلفات مدني صالح تساءلت مع نفسي، هل سيتحول مدني صالح الانسان المفكر الى مجرد كتاب تتناقله ايدي محبيه وتلامذته. بالتاكيد انه اكثر من ذلك ألم يخبرنا ذات يوم انه لا يحب الجرائد والمجلات إلا كونها جامعات للتعليم والتثقيف، وكان يبهجه أن يجد نفسه استاذا نافعا في الكتاب وفي الصحيفة وفي الجامعة، وفي محاورة الآخرين. فهذا المعلم الذي هبط علينا من هيت، والذي عاش حياته كما يهوى في عزلته وايامه البسيطة التي اختارها لنفسه غير عابئ للشهرة والمجد، وقد كان يرى في الانعزال " طريق في الانفتاح على العالم كله، والناس اجمعين ".سنظل ندين له جميعا بالفضل لأنه انزل الفلسفة من عرشها ليفترشها الباعة على ارضفة الشوارغ في صحف ومجلات لا زالت تحمل نكهات حروفه البديعة والعجيبة والمدهشة وروحه السمحة ووصاياه بان نتثقف جيدا، وأن نقرأ في امهات الكتب:" اقرأ لافلاطون وارسطو وللفارابي وابن سينا وللغزالي وديكارت، اقرأ في ديوان المتنبي والمعري ولطه حسين وادم سميث وماركس، اقرأ كتبا في النسبية، وقّلب في كوميديا دانتي وفي فاوست جوته وفي دون كيشوت سيرفانتيس.. لكن تذكر ان الثقافة لياقة وتألق ونقاء قبل أن تكون قراءة وكتابة وتقليباً في المجلدات " – مدني صالح الاعمال الكاملة الجزء السادس

القراءة تانقا وتالقا ونقاء..فمن يعيد قراءة مدني صالح من جديد بعد ان صدرت اعماله الكاملة..  يعيده الى الواجهة بمزيد من الفهم، والدراية، والاكتشاف، والادراك الى اهميته انسانا ومثقفا واستاذا في حياتنا الثقافية كان يقول ان ما يبهره في نفسه: " الخروج على المألوف السائد "

***

علي حسين

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

عن مؤسسة أهوار للنشر والتوزيع، دار ومكتبة أهوار، تم إصدار كتاب جديد بعنوان المناضل الصغير للكاتب والمؤرخ الموسوعي الأستاذ محمد حسين النجفي، قدم له الأستاذ الدكتور محمد عبد الرضا شياع، والكتاب ب ١٢٥ صفحة من القطع المتوسط، بضمنها كلمة أخيرة للأستاذ النجفي، وهي أشبه بمقدمة يستشهد بها صاحب الكتاب عن الغاية من تأليف الكتاب كشاهد عيان لمسيرة قوافل من الشهداء رحلت خلف قضبان السجون، ودهاليزها المظلمة.

هنالك مع حقبة من السنين لم تزل تداعياتها، فقد العراق خيرة أبنائه، ثمنا لعقول لم يتسن لها الطريق لأن تحمل مشعل الحرية.

غادر المناضلون، مع أفكارهم دون أن يعلم بهم أحد، وتلك إشكالية ما زالت تحكمها قبضة الطغاة.

فقد العراق عشرات الآلاف من أبنائه، ولم يحق لعوائلهم حتى إقامة مراسيم الفاتحة على أرواحهم.

فهرست الكتاب تندرج تحته العناوين الرئيسية التالية: الطفولة السعيدة، المناضل الصغير، الانتكاسة الكبرى، مقالات وآراء، مع المحاور الفرعية، والتي هي عبارة عن مقتطفات قصيرة معززة بالصور تحكي حياة المؤلف، وتجربته السياسية والاجتماعية.

النجفي استطاع أن يرسم للقارئ سيناريوهات، ومشاهد سينمائية مضافا إليها إنشاءات خبرية، تم صياغتها بطريقة التقطيع الصوري، وفيها من تجارب الحياة ما يجعلها قابلة لأن تتزين بنصوص أدبية كتبت بطريقة فنان أدرك حقيقة السياسة منذ بداية حياته، حاملا معه نعش التجربة، ومرارة السجن، والنضال السلبي ضد طغمة، وسياسات حكمت العراق لأكثر من ربع قرن.

الكتاب يلخص ملامح حقبة مظلمة من تاريخ العراق الحديث، ليكون شاهد عيان عن تجارب الحرس القومي، ووجهه المخيف، إعدام سلام عادل، تحول النوادي الرياضية إلى معتقلات، مع أحداث كتبت بنكهة التحليل البارع الذي تم إيجازه عبر التقييم الخاص بثورة عبد الكريم قاسم.

تنتهي الخاتمة بجملة أسئلة تحتاج إلى بحث من ضمنها (هل كانت هنالك ضرورة ملحة لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨)، أما خاتمة الكتاب، فتنتهي بخلاصة التجربة السياسية للكاتب إبان حقبة من الزمان تحتاج إلى أن يشتغل الباحثون في مساحاتها التاريخية، أملا باكتشاف مسميات وحقائق جديدة.

***

عقيل العبود

 

(كان الإشراق في ذلك الوقت أمراً  سيئاً و"شدة الحزن" أمراً سيئاً و "المرح الزائد" أمراً سيئاً، بمعنى أنه كان ينبغي لك أن تحيا دون أن تكون شيئاً، ودون أن تفكر، فإن فكرت ينبغي أن لا يبدو تفكيرك على المستوى السطحي الظاهر، ولذلك كان الجميع يغلقون على اأفكارهم ويحفظونها في تجاويف أعماقهم).. آنا بيرنز من روايتها " مِلكمَن " منشورات دار أثر

كانت اول كاتبة من شمال ايرلندا بجائزة مان بوكر التي تعود على صاحبها بالشهرة وارتفاع المبيعات.

"مِلكمَن" او "بائع الحليب" هي الرواية الثالثة  للروائية آنا بيرنز التي ولدت عام 1962 في مدينة بلفاست بايرلندا الشمالية، قالت بعد اعلان فوزها بالجائزة عام 2018: انها " سعيدة جدا، ليس من اجل الرواية، وانما من اجل قيمة الجائزة التي ستساعدني على تسديد ديوني".

تعترف بفضل الأدب الانكليزي عليها، وتخص الشاعر ت.س. اليوت بتحية لانها تعلمت منه  إنه لا يمكن أن تصبح عالميا دون أن تكون محليا خالصا. كانت قد صرحت للغارديان اثناء وصول روايتها الى القائمة القصيرة انها لم تستطع إخفاء دهشتها عندما سمعت اسمها بين الروايات الست المرشحة لأكبر الجوائز البريطانية.

رئيس لجنة تحكيم الجائزة قال عن فوزها: "لم يقرأ أحد منّا شيئا كهذا من قبل. إن صوت آنا بيرنز المميز تماما يتحدى الشكل والتفكير التقليديين بنثر مدهش وطاغٍ. "إنها قصة عن الوحشية والاعتداء الجنسي والمقاومة مطعمة بدعابة لاذعة. إن الرواية التي تدور أحداثها في مجتمع منقسم على نفسه تستكشف الأشكال الخفية التي يمكن أن يتخذها القهر في الحياة اليومية".

تدور أحداث "مِلكمَن"، في مدينة لا تذكرها الرواية بالاسم خلال الاضطرابات الدامية في أيرلندا الشمالية، وتروي حكاية فتاة تبلغ من العمر 18 عاما تعرف بأسم "الأخت الوسطى"، تتعرض للتحرش  الجنسي من قبل شخص  يطلق عليه اسم  بائع  الحليب رغم انه لا يمارس هذه المهنة، كان في السابق  عسكريا شديد القسوة.

مثل ابن بلدها جيميس جويس، ارادت ان تقدم حياة الناس في بلدتها:" "لقد نشأت في مكان مليء بالعنف وانعدام الثقة والارتياب والشعور بالاكتئاب من قبل أشخاص يحاولون التنقل في هذا العالم والبقاء فيه بأفضل ما يمكن".

استمدت بيرنز، التي ولدت في بلفاست وتعيش الآن في شرق بريطانيا، خبراتها الخاصة التي نشأت في ما وصفته "بالمكان الذي ينتشر فيه العنف وانعدام الثقة والبارانويا". بينما يضغط رجل الحليب على التقدم الذي أحرزه على أخته الوسطى المترددة، تبدأ الشائعات بأنها تواجه علاقة غرامية معه. "لكنني لم أكن على علاقة مع رجل الحليب. لم يعجبني رجل الحليب وكان خائفاً ومربكاً بسبب سعيه وراء علاقة غرامية معي"

قالت للغارديان عن شخصية بائع الحليب:" لا اعتقد انه يمثل شخص محدد، انه مجتمع باكمله تدور حياته حول القسوة والعنف.. في الرواية لم يعمل في مهنة بائع الحليب، لم يكن هناك حليب عنده."

تعمدت الكاتبة عدم إطلاق أسماء على شخصياتها في الرواية، حتى من تقوم بالسرد فيها تشير إلى نفسها بأنها "الأخت الوسطى".

وفي حديثها بعد فوزها، قال آنا بيرنز لبي بي سي: "الكتاب لا يحقق المطلوب من خلال الأسماء فقط".

وأضافت:"أعتقد أن الأمر له علاقة بالعمل، هناك افتقار إلى الأمان في أن تكون صريحا في الكتاب وتعلن من أنت، ولكن في الحقيقة، إذا ذكرت الأسماء فقد فقدت قوتها، وفقد أيضا الجو العام".

وعن تأثير تجربتها الحقيقة على كتاباتها، قالت "لقد نشأت في بلفاست، وكان لها تأثير كبير على الكتاب، حيث كتبت عن مجتمع بأكمله تأثر بالعنف والحياة تحت ضغط شديد ".

في نفس العالم 2018 حازت رواية " "بائع الحليب" على جائزة النقاد البريطانيين وفي عام 2019 تحصد جائزة جورج أورويل لروايات الخيال السياسي".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

كتاب فلسفي صادر عن دار غيداء الاردن 2022 معروض مع ما يزيد على 15 عنوان مطبوع بالفلسفة على معرض بغداد الدولي للكتاب.

الاهداء

الى ابنتي الغالية بان اليوسف

المحتويات

المقدمة

الفصل الاول: نظرية السلوك اللفظي وتوليدية جومسكي

الفصل الثاني: الادراك الصوري الواقع وتعبير اللغة

الفصل الثالث: العقل واللغة في تخليق الوجود

الفصل الرابع: العقل في الفلسفة المعاصرة

الفصل الخامس: الفكر واللغة في تعبيرهما عن الوجود

الفصل السادس: المثالية النقدية الاميريكية.. الطبيعة والعقل والاخلاق

الفصل السابع: طبيعة العقل الجدلي وهم هيجلي

الفصل الثامن: غياب ادراك الزمن في وهم الدلالة

الفصل التاسع: ادراك الوجود بدلالة الجوهر

الفصل العاشر: المعرفة الفلسفية والتقاطع البرجماتي

الفصل الحادي عشر: الوعي القصدي في الفلسفة المعاصرة

الفصل الثاني عشر: صوت اللغة خاصية التعبير عن المعنى

الفصل الثالث عشر: انطولوجيا الادراك وحقيقة الكينونة

الفصل الرابع عشر: بروتاغوراس اسقاط السفسطائية على الفلسفة البرجماتية والحداثة

الفصل الخامس عشر: الان تورين.. الذات ومسؤولية الحرية

الفصل السادس عشر: الطبيعة والجوهر

الفصل السابع عشر: اشكاليات فلسفية

الفصل الثامن عشر: ماهية العقل التجريدية في بيولوجيا الجسم

الفصل التاسع عشر: هيدجر وتشتيت الكينونة

الفصل العشرون:  الطبيعة والفلسفة النقدية الامريكية

الفصل الواحد والعشرون: فائض المعنى في الوعي واللغة

الفصل الثاني والعشرون:  المادة والنفس وازلية الجوهر

الفصل الثالث والعشرون: تخارج العقل المعرفي والجدلي في المادة والتاريخ

الفصل الرابع والعشرون: الوعي القصدي سلوك ادراكي لغوي

الفصل الخامس والعشرون: مصداقية تعبير اللغة وقصور الفكر

الفصل السادس والعشرون: وعي الذات الخالص

الفصل السابع والعشرون: مغالطات  حوارية في الفلسفة المثالية

الفصل الثامن والعشرون: الوجود ادراك لغوي

المقدمة:

يبدو لدى غالبية الفلاسفة الغربيين والعرب مثل هذه العنونة غريبة على الفلسفة الغربية المعاصرة مفتعلة على احسن الفروض، فالفلسفة تجريد إفصاحي لغوي نوعي إجناسي يختلف عن التجربة العلمية والعملية والادبية والفنية وتطبيق الايديولوجيا في الوصاية على تاريخ الانسان والحياة.

الفلسفة ليست نوعا ثقافيا ادبيا تجنيسيا يتقبل (ثيمة) الالتزام علما ان الفيلسوف الفرنسي الشهيرسارتر طرح مثل هذا التساؤل في كتابه ما الادب؟ اذ أوصل صدى ما طرحه سارتر في نهاية الستينيات من القرن العشرين إبان إزدهار الفلسفة الوجودية الفرنسية ان بادر الكاتب الروائي الكبير سهيل ادريس صاحب مجلة الاداب اللبنانية بداية السبعينيات دعوة عميد الادب العربي طه حسين تلبيته رغبة اتحاد ادباء لبنان القائه محاضرة حوارية نقاشية امام بعض  الحضور من ادباء ومثقفي لبنان يناقشون فيها معه مسالة الالتزام بالادب من وجهة نظر فلسفة سارتر. في محاولة رفض الادباء والفنانين والشعراء تحديدا اتخاذهم موقف المعاداة الزام الاجناس الادبية والفنون من غير الفلسفة تبني ثيمة الالتزام بالانسان والحياة علما ان مناقشة الالتزام بالفلسفة ليس واردا اطلاقا والى يومنا هذا. خاصة بعد هيمنة فلسفة اللغة المشهد الفلسفي عالميا.

تجريد الفلسفة اللغوي وإن كانت تلتقي معه بلغة التعبير التجريدي الاجناس الادبية  من شعر وقص ورواية ونقد الا ان ذلك يبقي على انفصال تجريد تعبير لغة الفلسفة لا يلتقي تجريد لغة الاجناس الادبية في ثيمة الالتزام بمعناه الانساني السيسيولوجي قائما حضوريا عبر احقاب تاريخية من عصور الفلسفة. المفارقة كانت في محاولة بعض الفلاسفة ربط الفلسفة بالعلوم الطبيعية تارة والرياضيات والفيزياء تحديدا ولم يفكروا ربط الفلسفة بالادب عبر ثيمة الالتزام او ثيمة الجمال في الفن كموضوع فلسفي وليس اندغاما تكوينيا بالسرد الفلسفي..

لذا تكون تهمة الفلسفة انها ترف الطبقات النخبوية المتعالي بضمنهم بعض المثقفين والفنانين الذين نعيش تطرفهم اللغوي وتعبيرهم التجريدي بالادب والفن بما يلغي حضور الفهم والاستيعاب الجماهيري لما يعبّرون عنه في محاولتهم الالتقاء مع ماتقوله الفلسفة من ابهام تجريدي لغوي عصي على المتلقي. امرا واردا واقعا نعيشه..

ربما يبدو غريبا ان يشغل طرح قضية الالتزام بالادب اليوم سابقة لم يشهدها تاريخ الفلسفة لعقود تاريخية طويلة ماضية لاسباب تجعل من الاجناس الادبية قبل الفلسفة فعاليات يتوزعها الاهتمام الشعبي الاستقبالي الواسع كون الاجناس الادبية بعد منعطفها الحداثي في النصف الثاني من اربعينيات القرن العشرين عندنا بالوطن العربي ما جعل ايديولوجيا الاحزاب العربية السائدة عصرذاك تتقاطع مع ثقافة الادب والاجناس الثقافية الاخرى وتقف مختلفة معها بفواصل عقائدية دوجماطيقية  بين مستويين احدهما رفض الالتزام بالادب عموما كون الاستجابة لهذه الدعوة هو اعطاء مشروعية الايديولوجيا السياسية للاحزاب السياسية تطويع مجمل الثقافة العربية في حقها الوصاية على الشعر والاجناس الادبية الاخرى مثل القصة والرواية وبعض الفنون التشكيلية التي فقدت ملامح الهوية العربية بالانغماس غير المتحفظ الواعي بالصرعات الفنتازية الاجنبية كما وردت في السريالية والبرناسية والدادائية وفي الحداثة التجريدية مؤخرا.

اصبح الخروج التام على كل بنية شعرية وغير شعرية تكتب لجمهور وليس لنخبة كما هو الحال بالفلسفة وهو ما حصل في شعرية التجديد العربي منذ بداية الخروج العربي على عمود الشعر كونه حداثة ملزمة لمواكبة العصر منتصف اربعينيات القرن العشرين..

ولا يعني هذا التعميم انه لم يجر التزام ادبي خاصة بالشعر الجديد والرواية العربية في تمرد جريء مناوئ الايديولوجيات العربية بكافة اشكالها التضليلية واستغفالها الجماهير في التسلط ونهب خيرات تلك البدان العربية في تواطئها مع الانحرافات الحزبية المتتالية التي جعلت من فقر وجهل وقطيعية الاذعان في المجتمعات العربية ظاهرة لم يسبقها مثيل.

وفي ضروب الثقافة الغربية الاجنبية عموما جاءت ردة الفعل المتطرفة على صعيد المروق على فنون عصر النهضة في البداية التي غادرت اعمال عمالقتها ليوناردوا دافنشي ومايكل انجلو، رافاييل، غويا، وفان كوخ وماتيس ومانيه وغيرهم من الذين استهوتهم رغبة كسر جميع انواع المحددات المحذورة التي تجعل من اللوحات الفنية استنساخا فوتغرافيا للواقع الذي يماليء التوجه الديني في خدمة الطبقات الارستقراطية التي كانت تتطير من مفهوم ان يكون الادب والفن للعامة من الناس وتحاربها بضراوة في رشوة الطبقة الارستقراطية غالبية الادباء والفنانين في العصور الوسطى والنهضة.. كي يكون جل اهتمامهم تنفيذ رغائب الطبقات الارستقراطية والغنية.

فكان ان ظهر تبشير كاندنسكي في التجريد الفني التجديدي إيغالا غير مسوّغ في دفن رغبة ان يكون الفن بخدمة العامة فظهرت السريالية الفنية في الرسم لدى بيكاسو وسفادور دالي وآخرين غيرهما متماهية مع تجريدية الشعر من خلال تحطيم النسق اللغوي الدارج التي كان تزعمها ريتشارد بيرتون في مقولته الشهيرة القصيدة الشعرية يجب ان تكون حطاما للعقل..

الاتجاه الثاني المناويء لمنهج الالتزام الادبي عندنا فقد ابتلعها الموروث العربي المستمد من مرجعية وصاية الاحزاب السياسية وهيمنة رجال الدين الرافض لكل تجديد يطال اي منحى بالحياة ونكاد نقول اليوم انه لازال الموروث ذي الخصائص الهوياتية العربية الراضخ تحت الهيمنة المتدينة سياسيا يعيش قابعا في جوف الحوت  الذي أعقبه قيء  يونس حيّا من جوفها بعد ثلاثة ايام.

السؤال طالما كانت الفلسفة تجريديا يماثل الالتقاء مع تجريدية الشعر والتي ايد هذا التكامل كلا من هيدجر ومن بعده فوكو فماذا اضاف هذا التلاقي على صعيد البنية المضمونية بالنسبة لثيمة الالتزام بالفلسفة؟ ولماذا فشل هذا المسعى الذي عبّر عنه هيدجر وفوكو ان عوالم الشعر التجريدية وضعت بصمتها الجوهرية في تداعيات لغة اللاشعور في كل من لغة الشعر وتكاملها الوجودي الفلسفي مع لغة الجنون واعتبرا هذا التعبير الخارج على نظامية تحقيق المعنى اللغوي في التواصل هو اصدق تعبير عن عالمنا الزائف بكل شيء منها تعبير لغة الفلسفة في تضليلها العقل. واعتبرا حقيقة الوجود هو ما يمثله الجنون والشعر في تعبيرهما عن لغة تداعيات اللاشعور. وهذه الثنائية بين لغة الشعر السائبة بلا معنى تحت راية تقليد الحداثة الغربية، وهذاءات وغطرفة لغة المجانين في اصوات ايضا لامعنى لها في التزام نيتشة وهيججر وفوكو والشاعر الالماني هولدرين. ان هذه النماذج من القول الفارغ بلا معنى معناه هو الذي يمثل الوجود الحقيقي بما نطمح تحقيقه في ازاحة وجودنا الزائف الذي نعيشه بنفاق كاذب.

الى هذا الحد يمكن تمرير هذا الهوس باسم التجديد على الصعيد الفلسفي في نظرية المعنى والتحول اللغوي وعلوم اللسانيات، لكنما كيف يمكننا تمرير وجوب ربط الفلسفة بالعلم او ربط الفلسفة بالرياضيات او ربط الفلسفة بالمنطق وعلوم الطبيعة والفيزياء التي ترى في حضور العقل هو ان نجعل من تجريد الفلسفة بلا معنى لغوي يعني امتلاكها مقبولية فكرية تداولية تلقى الاستقبالية الشعبية؟

وإن كانت هذه الطروحات الطوباوية فاشله وأن افتراض نجاحها الفلسفي لم يكن ليلغي حقيقة ثيمة الالتزام بالنسبة للفلسفة ليست اكثر من مطالبة تعجيزية لا تقبلها الفلسفة نفسها فهي رازحة تحت وطأة أن الفلسفة للنخبة الاكاديمية وتلامذة الجامعات من النوابغ وبعض الفلاسفة الفرنسيين والاوربيين قاطبة..

بعد منتصف القرن العشرين تسّيدت فلسفة اللغة وتلتها عشرات الاتجاهات الفلسفية التي قامت على اهمية مراجعة تصحيح تاريخ الفلسفة بضوء تصحيح تاريخ اللغة التضليلي معرفيا في نظرية المعنى وفي علوم اللسانيات ما نتج عنه تشعب تيارات فلسفية جعلت من التفكير في مسالة الالتزام بالفلسفة سذاجة لا يقبلها عصر ما بعد الحداثة الذي كفر بكل ايقونة ثابتة وردت بتاريخ الفلسفة الملازم للحداثة مثل اللغة، الذات ، السرديات الموروثة في الدين والماركسية والتاريخ. حتى وصل الحال انكار وجود العقل عند فيلسوف العقل واللغة جلبرت رايل الذي كان سبقه التبشير به ديفيد هيوم. في مقولته لا يوجد شيء يسمى عقلا يمتلكه الانسان أبدا.

كما برزت لنا فلسفات عديدة قامت بتعميق الشرخ الفاصل بين الفلسفة والالتزام في ابسط معانيه ابرزها الفلسفات الفرنسية فقط مثل تاويلية بول ريكور وتفكيكية جاك دريدا وعدمية فانتيمو. اعقبهم العشرات من الفلاسفة الاميركان امثال ريتشارد رورتي ،جون سيرل، سيلارز، سانتيانا، نعوم جومسكي ، سكينر، وكارناب ، وفينجشتين المحسوب على فلسفة بيرتراند راسل الانجليزي قبل احترابهما الابيض بينهما بعد نيل فينجشتين شهادة الدكتوراه في فلسفة اللغة تحت اشراف راسل واصرار راسل الحفاظ على وصيّة فريجة وجوب عدم تضييع فرصة دمج الايقونات الثلاث الفلسفة واللغة والرياضيات في توليفة واحدة رأى كلا من فينجشتين وجورج مور وفلاسفة امريكان لا حصر لهم ان راسل يهذي بهذا التعجيز الفلسفي ليقابلهم هو بالرد ان الفلسفة الاميريكية البراجماتية نذلة وخسيسة..

الفلاسفة الذين رأوا بعد خلاص الفلسفة من هيمنة الابستمولوجيا (المعرفة) السيدة الاولى بالفلسفة على امتداد تاريخ ثلاثة قرون فلسفية تحت تأثير من ديكارت في القرن السابع عشر. ودخول العالم بعدها في سلسلة من التطورات التاريخية التي بدأت في ايطاليا القرن السادس عشر لتنتشر باشكال علمية ودينية ومعرفية لا سابق لها اوربيا سميت بعصر النهضة الحداثية.

بمجيء عصر ما بعد الحداثة التي تبنت بداياتها الاولى الفلسفة البنيوية التي كانت ثورة هوجاء على كل ما جاءت به الحداثة وعصر الانوار من اعلاء قيمة الذات الانسانية ونيل كرامتها وتنحية تدخلات رجال الدين بالعلم وضرورة افلاس سرديات التاريخ الكبرى في مقدمتها الماركسية وكتاب راس المال.. فكان موت التزام الفلسفة سريريا حقيقة فكرية مجتمعية صادمة لا تقبل المعالجة خاصة في طغيان طروحات فلسفة بنية اللغة هي نسق ذاتي مستقل يوازي الواقع والحياة ولا يقاطعهما ولا يعمد الاسهام بصنعهما ابدا. حتى ذهب بعض الفلاسفة أبعد من ذلك التطرف حين ارادوا اثبات كليّة النسق اللغوي المستقل خارجا عن فهمه الخاص أن اللغة جوهر انساني يمتلك خاصية الانسان التواصلية والحوارية بنوعه في اعتماد  خاصية متفردة أن اللغة  صوت ذو دلالة يحمل معنى.

في عبارة اخرى حين يصار الى تجريد اللغة من معناها الفكري القصدي والمعرفي والتواصلي فماذا يبقى للفلسفة ما تتاجر به أن اللغة فائض معنى نبحث عنه في قراءات متعددة بامكانها تصحيح مسار تاريخ الفلسفة الوهمي التضليلي للعقل وقضاياها الزائفة المتوارثة عبر العصور.

التيه العدمي الذي وضع نيتشة الانسان فيه منذ نهايات القرن السابع عشرفي مقولته الاستفزازية الملغمّة موت الاله أستقبلته البنيوية في أعتمادها مرتكزين الاول أن الانسان كوجود مأزوم قلق ليس من المتاح أنقاذه في المدى المنظور بل ولا أهمية تسترعي الاهتمام به كبؤرة مركزية تدور في فلكها الفلسفة والعلم والمعرفة واللغة والحياة .، والمرتكز الثاني هو تطرف فلسفة علم اللغة كمفهوم مستحدث خارج منظومة الحياة وصناعة التاريخ الحضاري للانسان. البنية اللغوية نسق تنظيمي مستقل لا علاقة تربطه بما أصطلح تسميته السرديات التاريخية الكبرى من ضمنها سردية الدين وايديووجيات السياسة والفلسفات التي انجبتها الحداثة....

كلا المفهومين الانسان كوجود ومنظومة اللغة بنية مستقلة في إنفصالها عن الانسان والواقع جرى أقصائهما العمد على لسان دي سوسير مخترع لعبة اللغة القائمة على إزدواجية المفهوم وليس أزدواجية المعنى التي كانت مفتتح تجربة جديدة في إستقبال الايديولوجيا الفلسفية المستمدة من نيتشة وغادمير في توظيف اللغة كأداة هدم وتقويض زادت عليه البنيوية تطرفا أسلوب (القوة الناعمة) بالفلسفة اللغوية والتاويل وهو مصطلح يعود نحته لأول مرة بضوء هذا الترسيم الفلسفي الذي أرادته البنيوية عسى أن يحظى بمطابقة الإحالة الصحيحة في التقويض البنيوي- التفكيكي لعالم الانسان من دون ارادة الانسان كجوهرفاعل في الطبيعة والحياة.

من الجدير الاشارة الى أن آراء فينجشتين وفريجة في نظرية المعنى وفلسفة اللغة انما جاءتا متأخرتين على بدايات دوسوسير وليفي شتراوس. فريجة اعتبر عدم ربط الفلسفة بالرياضيات وصمة عار مخجلة بحق تاريخ الفلسفة وضعها امانة في عنق بيرتراند راسل ووايتهيد اللذين اقتنعا بالفكرة واشتغلوا على ما اطلقوا عليه الوضعية التجريبية التحليلية قوامها تزاوج اللغة والرياضيات وخالفهما هذا المسعى جورج مور.. وشتراوس استغرق بحثه الفلسفي دراسة اقوام ما قبل التاريخ الذين لا تاريخ لهم كونهم لم يعرفوا معنى التدوين(الرسومات اللغوية والكتابة) وما يطلقونه من اصوات تواصلية دالة اكتشفها شتراوس من دراسة اركيولوجيا الحفريات الاثارية.

وبهذا الترسيم العدمي البعيد جدا عن إعتماد إيديولوجيا السياسة التي إستهلكت نفسها على هامش نقد الفلسفة الفضفاض إذ لم تعد أيديولوجيا السرديات الكبرى وسيلة هدم وبناء كما هو المرجو منها فأستأثرت الفلسفتان البنيوية - التفكيكية تحديدا ملء فراغ الهدم والتقويض اللغوي دونما البناء في إعتمادهما أسلوب قوة اللغة الناعمة في تنفيذهما المطلوب بانقلاب ابيض،وسرعان ما تبنّى أقطاب البنيوية كلا من بارت وفوكو ولاكان والى حد ما على صعيد ما نقصده منطلقات فلسفة اللغة الناعمة في المراجعة والتقويض إنضمام كلا من شتراوس في الانثروبوجيا(اثنولوجيا الاقوام البدائية) تاريخا وكلاما على اعتبار لا اللغة الصوتية الابجدية ولا مدوناتها الاشارية كانت مخترعة قصديا من انسان ذلك العصر السحيق للوصول الى لغة تواصلية تقوم على الصوت بذلك الوقت، وهي حقيقة لا يمكن دحضها.

والتوسير في إستهدافه السردية الماركسية الكبرى الشاخصة في كتاب رأس المال.. ومثله فعل ليفي شتراوس وبفهم سارتر في هجومه على الماركسية في عمودها الفقري كتاب راس المال أيضا. لكنهم جميعا توصلّوا الى اختلاق ماركسية بلا ماركس وبلا راس المال في هالة من التنظير الفارغ المحتوى.

وبارت على صعيد الادب في مقولته موت المؤلف، ولاكان في نقده علم النفس الفرويدي ، وفوكو في أستهدافه كل شيء يطاله بدءا من إلغائه الانسان والعقل وليس انتهاءا بالجنسانية والجنون وسلطة القمع والمنع والسجون..

إذا ما سمحنا لأنفسنا تجاوز المسار الفلسفي المعقد المتشعب لأقطاب البنيوية سنجد أنفسنا نتوقف أمام تداخلاتهم مع أبرز إمتداد فلسفي لتطويرمفهوم علم اللغة واللسانيات في مشروع بول ريكور في فلسفة التاويل الهورمنطيقا الذي يقوم بالاساس الاشتغال على تطوير منحى التاويل البنيوي الذي جاء تتويجه حين وجد ريكور مشروعه التاويلي اللغوي يستثمر أتجاهات الفلسفات الغربية الحديثة جميعا، البنيوية،الوجودية،التاويلية،الماركسية ، العدمية ،ونظرية الثقافة، والتفكيك، والتحليل اللغوي ونظريات علم اللغة، وأخيرا انثروبولوجيا الدين.. يعتبر الآن كلا من ريكور وجاك دريدا رائدا العبث في فلسفة اللغة بتطرف لا معنى له زاد في تجريد الفلسفة تجريدا اضافيا زاد في انغماس الفلسفة باللغة بما هي لغة نحو وصرف وقواعد وليس كما هو المعلن تصحيح تاريخ الفلسفة بوسيلة تصحيح معنى اللغة .

وقد أفاد بول ريكور في منهجه البنيوي التأويلي أيضا من ميراث فلاسفة التاويل غادمير، وشلاير ماخر، وأخيرا دلتاي.. كانت التاويلية لعبة ارادت تاصيل فائض المعنى المدخّر في ايجاد نسق كلي خاص في مجانسة لغوية قائمة لوحدها فقط بعيدا عن التكامل المعرفي مع الواقع بل في التوازي مع كل الموجودات والمفاهيم التي ترافق بنية اللغة ولا تقاطعها بشيء يخدم الحياة.

تاولية بول ريكور في البحث عن فائض المعنى المدّخر في متوالية قرائية مستقلة لا غبار عليها يدينها. اما ان اللغة تجريد يوازي الحياة ولا يقاطعها فهي بذلك حفرت فلسفة اللغة قبرها بيديها. وتفكيكية جاك دريدا التي ارادت بناء امجاد فلسفية لا يمكن تحقيقيها في ابتداعه ان التقويض والهدم استراتيجية تحكم النص اللغوي بما لا نهاية له في الوصول الى معنى يرتبط بمرجعية (ميتافيزيقية) مرفوض سلفا الاحتكام بها.

الإنفصامية المرضية فلسفيا التي وضعت الانسان كوجود مركزي طارد في مأزق الإحتضار السريري التي كانت البنيوية أضطلعت بالمهمّة الكبرى تنفيذه في حقنها ذلك المريض المحتضرالانسان كوجود مركزي بالحياة بمصل الموت الرحيم الذي خرج من محنة الحداثة وما بعدها في تقويضهما كل مكتسباته التي حققها له عصر النهضة والانوار والحداثة، نقول عمدت البنيوية  تشييئها الانسان الإلغائي كوجود محوري تدور في فلكه كل ماسمّي بالمعارف والعلوم والسرديات الكبرى على ما شابها من قصور لم يكن الانسان مرتكز ذلك القصور كسبب ولكن كان المساهم الاكبر الوحيد الذي ناء بحمله عواقب ذلك القصور لزمن طويل وصل الى اليوم في تحميلهم عبء العقل القاصر وخيانة المعنى اللغوي... وكلا الافتراضين لا اساس لهما من الصحة.

هذا الإنفصام المرضي الفلسفي الذي تبنته البنيوية بضراوة كان إعتمادها مفهوم الاكتفاء الذاتي في منظومة اللغة الانفصال التام عن الواقع الانساني بغية الوصول الى معرفة حقيقية للعالم على وفق قراءة لغوية بنيوية نسقية جديدة تنقذ اللغة من إحتكار علاقتها بالواقع وإستئثارها التعبير عنه وحدها.. ..

ولم تعد اللغة مرتهنة وظيفيا وسيليا في تجسير فهم الواقع بتعبير اللغة السطحي المعتاد على حد سوق ذرائع البنيوية كفلسفة حضور لمفاهيم ما بعد الحداثة..وهذا الإنفصام جعل من الأنظمة اللغوية في البنيوية وتأويلية بول ريكور وتفكيكية دريدا أنظمة مغلقة مكتفية ذاتيا تنطوي ضمنا على جميع العلاقات الممكنة بداخلها، وبالتالي لا يبقى من علاقة ضرورية تجمع اللغة بالعالم الخارجي في تمثّلات اللغة له.

واضح المقصود بالخارج اللغوي هو العالم الواقعي الخارجي للانسان بما هو الحياة في تمثّلات اللغة التعبيرية عنه تداوليا كلام تحاوري مجتمعي.. وليس بالمعنى الفلسفي الذي عّبر عنه دي سوسير أن اللغة تمتلك نظامها الداخلي الخاص بها ولا حاجة للواقع الخارجي التعريف بها ،وكذا الحال معكوسا أن الواقع بكل منظوماته التكوينية له يحقق الكفاية الذاتية بمعزل عن أهمية اللغة الاسهام بهذا التوضيح الاسهامي لمعنى الحياة.. وعندما تبطل وسيلية توظيف اللغة ويجري إنسحابها من ميدانها ألمألوف في مهمة التمثلات الواقعية للعالم الخارجي فهي تكون أنساقا لغوية خاصة بما هي منظومة علائقية تجريدية قائمة داخليا بعالمها الخاص بها خارج مهمتها التعبير عن الواقع ما يرتّب ذلك أن الواقع الانساني الحيوي يكون التعبير عنه بالكلام الشفاهي وليس باللغة المكتوبة التي تكون لوحدها خطابا يبحث في العلاقات النسقية للاشياء بما هي صيرورات متداخلة متنوعة داخل بناها اللغوية وليس في عالمها الخارجي المرتبط بالانسان الذي أصبح لا يمتلك سوى اللغة في توكيد وجوده الانساني والتي عمدت فلسفة اللغة ونظرية المعنى والتحول اللغوي مصادرة عائديتها الخصائصية بالانسان كوجود نوعي تنتظمه اللغة..

هذه الواقعة المعتمدة بنيويا بموجبها تعتبر نفسها فلسفة نمطية نسقية كليّة من التفكير الجوّاني الذي يعتمل ويتكوّن داخل السيرورة اللغوية بما هي نسق معرفي مستقل له احكام وضوابط خاصة يهتم بعوالمه المخترعة لغويا ولا قيمة للواقع والانسان في علاقة الربط بينهما وبين اللغة...

هذا النمط النسقي اللغوي ( يكون تفكيرا يتخطى جميع الاشتراطات المنهجية، حينها لم تعد اللغة وسيطا بين العقول والاشياء) على حد تعبير ريكور. فقد تم إغتيال الواقع الحياتي ملاذ الانسان الاخيربأستعداء اللغة عليه وركنه جانبا خارج إهتمامات الفلسفة..بعيدا عن كل إشتراط منهجي عقلي مخالف لهذا التوجه المنحرف..

هناك حقيقة متداولة عمرها عشرات القرون هي أن اللغة تفكير العقل المدرك في معرفة الاشياء والتعريف بها، واللغة هي الوسيط التعريفي بين العقل والاشياء في تعالقهما إدراكا معرفيا.. هذا الفهم إعتبرته البنيوية ومن بعدها التفكيكية في إعتمادهما منظومة علوم اللغة واللسانيات والتاويل والتحليل والإحالة والإرجاء مرتكزا فلسفيا في فهم العالم والانسان في عالمه الخارجي لم يعد له تلك القيمة المطلقة التسليم بصحتها وحقيقة الانسان خارج المنظومة اللغوية لاشيء كما هي اللغة من دون الانسان لا معنى لها لا معرفيا ولا فلسفيا.. هذا التوجه في أخراج الانسان من الحياة والتاريخ قاد مأزق الانسان الوجودي بالحياة الى أكبر منه ، فاللغة هي تجريد علاماتي خطابي في فهم الانسان وعالمه الخارجي، فكيف باللغة عندما تكون في الفلسفة البنيوية والتفكيكية تجريدا مضافا لتفسير تجريد سابق عليه في الإنفصال التام التعبير عن الواقع الانساني والحياة؟ انفصال اللغة عن الحياة كما هو متداول اصبحت نسقا لغويا ادخلت تاريخ الفلسفة في نظرية فائض المعنى وقصور اللغة في متاهة البحث عن معنى كل شيء في وضعه امام علامة استفهام لا تجد اجابة لها.

فنجشتين فيلسوف اللغة المعروف أراد إخراج اللغة من عنق الزجاجة كما يقال الذي هو النفق الذي أدخلته البنيوية ومن بعدها التفكيكية فيه حين أعتبرتا النظام اللغوي المكتفي بصنع عوالمه الذاتية المستقلة كنسق يسير في توازيه مع الواقع المعيش هو منظومة اللغة أو الخطاب الواجب الإهتمام به... وليس من مهمة هذا الخطاب اللغوي المنعزل عن تفسير العالم الخارجي ومركزية الانسان فيه الذي بشّرت به الحداثة لأكثر من قرن...ولا أهمية يمتلكها إنسان ما بعد الحداثة ليحتكر محورية التفكير بالحياة والوجود والتاريخ فلسفيا وعلميا وسياسيا ايضا....لذا نجد الفلسفة التي انتزع الاميركان سيادتها من الفرنسيين طرقوا ابوابا غريبة على تاريخ الفلسفة في محاولة تعويض الضياع الزمني في عقم وعجز التجديد. ونجد هذا في اقتراب الفلسفة من قضايا علم الاجتماع بمثابة النجاة من الغرق.

أمام هذا الفهم الفلسفي البنيوي التهميشي الذي زرع بذرته الاولى فينجشتين في كتيبّه (رسالة منطقية فلسفية) عن قصور فهم وليس عن خطأ متعمّد مقصود حاول تصحيحه لاحقا لكن تلك الأخطاء التي تضمنتها المخطوطة مهدّت لبروز ظاهرة التطرف اللغوي في البنيوية والتفكيكية من بعده، وأستثمرته البنيوية والتفكيكية والعدمية بعد وفاة فينجشتين إستثمارا سلبيا بشعا حتى بعد طرح فينجشتين في كتيبه الاخير(تحقيقات فلسفية) الذي حاول فيه تصحيح أخطائه في رسالته المنطقية... ويبدو بفضل نقودات عديدة وجهت لمخطوطته الفلسفية الاولى في الرسالة المنطقية تراجع فينجشتين عن بعض طروحاته التي وجدها لم تكن ناضجة وأراد التصحيح في كتابه التالي تحقيقات فلسفية قائلا ما معناه أن تمثّلات اللغة للواقع هو تلك الحيوية الخلاقة التي تبعثها اللغة في جسد ذلك الواقع المعيش في الوقت نفسه التي تكتسب هي- اللغة - حيويتها الحضورية في تطوير نظامها اللغوي بتأثير من الواقع الذي تحكمه الصيرورة أيضا كما تحكم الواقع بذات الحين..

وفي حال العجز من تحقيق هذه المهمة فسوف لن يكون للغة معنى يمكن حضوره وعليه يكون صمت اللغة في العجز أجدى وأكثر حيوية من التعبير عن اللامعنى في التشبث بنحو وشكلانية اللغة من حيث هي لغة فقط على حساب إلغاء المضمون الفلسفي المرجو تحقيقه في حل إشكاليات مفاهيم الفلسفة العالقة بوسيلية تعبير اللغة الإلتباسي المعقد وليس حل مشاكل نحو اللغة بما هي تجنيس في الادب على حساب تنحية مفاهيم الفلسفة عن طريق ماسمّي التحول اللغوي كتجديد فلسفي تاريخي .هذا التحذير الذي نادى فينجشتين به أن اللغة لا تستمد فعاليتها القصوى إلا في صيرورة الحياة وجريانها المجتمعي المتدفق والانسان جزء هام من هذه المنظومة التي هي مصنع الحيوية البشرية للحياة والوجود..والذي تبنته الفلسفة التحليلية الانجليزية عّبررفضها والتقاطع مع رائد فلسفة التاويل اللغوي بول ريكورالذي هو أمتداد وتطوير منطلقات البنيوية في اللغة قوله ( لم تعد اللغة بوصفها صورة الحياة كما أراد لها فينجشتين ، بل صارت نظاما مكتفيا بذاته يمتلك علاقاته الخاصة به) . وكان سبق لأقطاب البنيوية أن أخرجوا اللغة بوصفها خطابا لا تتحدد مقاصده في تعابير المفردات اللغوية المنفصلة التي لا ينتظمها سياق الجملة وموقعها في بنية النسق الخطابي داخليا..وعبّر عن هذا المعنى دي سوسير(أرجحية الكلام على اللغة بأعتبار الكلام فردي تعاقبي وعارض، واللغة أو اللسان هو الاجتماعي والتزامني والنسقي لذا يكون الخطاب بدلا من الكلام).

منطق دي سوسير هو تنحية الكلام عن مهمته واسطة التعامل المتحاور مع الواقع الحياتي، في أزاحته التنافسية عن طريق فهم اللغة أنها منظومة خطاب متكامل مكتف ذاتيا في تصنيعه عوالمه اللغوية، ويرى سوسيرالكلام فرديا تعاقبيا عارضا، أي أنه محاورة مجتمعية من الكلام الشفاهي ، تسمه بصمة فردية المتكلم، والتعاقب الحواري في تنوع المصدر الفرد المتكلم وما يحمله من محمولات الحديث العابر، وهو أي الكلام أخيرا عارض مؤقت زائل لإنتهاء دوره الإستعمالي التوظيفي في التواصل الحواري التخاطبي التداولي مع إنتهاء وتفرّق المتحادثين المشاركين في إنتاجية وإستهلاك الكلام الجماعي في التحاوربينهم.

فالكلام يختلف عن اللغة الصوتية أنه لا يصلح لتدوين مكتوب يلازمه ملازمة تدوين الكتابة اللغوية.بينما تكون اللغة حسب فهمنا عن دي سوسير خطابا تدوينيا ثابتا مكتوبا في الغالب حين يكون نصّا لغويا تعبيريا.. يحكم ذلك الخطاب نسق من العلاقات الداخلية التي تجعل منه بؤرة مركزية ثابتة الفهم والقيمة على المدى البعيد على خلاف الكلام الذي يستهلك نفسه في الشفاهية التحاورية في وقتية زمنية زائلة يطالها التزامن العرضي..

نعود الآن الى مبتدءات فهمنا معنى الكلمة أو المفردة هو أنها لفظ صوتي مسموع دال وصوري مكتوب خال من المعنى ما لم يكن متضمّنا دلالته المحمولة بمعناه القصدي سلفا،وفي هذا تجد البنيوية تبسيطا مخّلا عندما لا يكون معنى المفردة مستمدا من سياقها المنتظم في جملة نسقية تشي عن عبارة تحمل معنى متكاملا ونجد تعبير ريكور بهذا المعنى (الجملة وحدة الخطاب الاساسية التي تشمل وحدات أكثر تعقيدا، وتعاقب الكلمات بالجملة لا معنى ينتظمها ما لم تكن ضمن وحدة نسقية تحمل الدلالة بلا قطوعات معاني المفردات المنفردة التي هي الجملة .).

هذه المفارقة التي حاولت البنيوية تكريسها إنما وجدت ضالتها في التماهي الهيدجري معها الذي أيّد منطلق أن تكون اللغة أصبحت فلسفيا حقيقتها مكفولة في إنفصالها عن الواقع وتمّثلاته ويؤثر هيدجر ويفضّل (الشاعر – ويقصد به شاعره الاثير هولدرين الذي يمتلك نفس الحفاوة لدى فوكو – كونه يقول الوجود بلغة الوجود الاصيلة). لنا شرح مفصل في مبحث منفصل لوحده من هذا الخطاب يحتويه الكتاب على هذا االطرح السطحي الغافل..

هنا الوجود الاصيل الذي يقصده هيدجر هو الذي ينفرد التعبير عنه بمكنة خاصيّة لغة الشاعر التعبير عن (اللاوجود)، أي بمعنى الوجود القائم على تصورات التهويم الخيالي في تفكيك نسق اللغة التداولي الذي يقصي سلطة العقل على المعنى تماما في رقابة اللغة الشاعرية، فيكون بهذا تعبيرالشاعر الشعري عن الوجود الاصيل إنما هو تداعيات الخيال في اللاشعور الذي تتفكك اللغة فيه وتخرج عن نظامها الدلالي المألوف الى حد طغيان اللاشعورفي تعبير اللغة.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

حزيران 2022

تحتل الموضوعات الفكرية والثقافية الحيز الأكبر من نتاج العلّامة الشيخ محمد علي التسخيري؛ إذ أثرى المكتبة الإسلامية بعدد كبير من المؤلفات والبحوث والمقالات التي تقارب شتى مجالات الفكر والثقافة والشأن الإسلامي الحركي والدولي، وكان كثير منها إضافات نوعية، عالجت قضايا إشكالية أساسية، وخاصة تلك التي ظهرت بالتزامن مع تجربة التطبيق الإسلامي المعاصرة.

ومما ظل يميز المسيرة الفكرية للعلّامة التسخيري، طوال خمسة عقود، هو إفساحه المجال لزملائه ومساعديه وتلاميذه، بإنتاج بحوث مشتركة معه، أو تحت إشرافه، في إطار تعاون علمي غير متعارف كثيراً في الساحة العلمية، ومن يطّلع على بعض نتاجاته المنشورة؛ سيجد اسم آية الله التسخيري مقرونة بأسماء أُخر، وهو ما كان يعدّه كسباً للساحة الفكرية؛ لأنّ النتاجات المشتركة، كما كان يقول: «تمثل ثمرة تعاون علمي وفكري وثقافي جماعي، يثري البحث ويوسع آفاق المعالجات».

ومما صدر له في هذا المجال: مشروع «تفسير القرآن الكريم» الذي بدأه بمباركة أُستاذه الإمام السيد محمد باقر الصدر، ومشروع «الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة»، و«دراسات فقهية مهمة»، قدم أغلبها إلى مجمع الفقه الإسلامي، وكذا بحوث فكرية وثقافية صدرت في كتب أو في الدوريات العلمية والبحثية. ولعلّي أكثر مستشاريه وتلاميذه استفادة من هذا المبدأ، أي مبدأ كتابة البحوث المشتركة معه؛ بسبب العلاقة القريبة والطويلة زمنياً، وتفرغي للعمل الفكري إلى جانبه فترة من الزمن.4683 مقاربات

وهذا الكتاب الذي يحمل عنوان: «مقاربات في الفكر والثقافة والأدب»، هو جزء من ثمرة علاقتي الفكرية والعملية بالعلّامة التسخيري، وتتلمذي المنهجي والعلمي عنده، خلال ثلاثة عقود. وأقول جزء؛ لأنّ الدراسات والمقالات التي ضمّها الكتاب هي جزء مما كتبناه بشكل مشترك، وليس كل ما كتبناه، وربما سأنشر جزءاً آخر منها مستقبلاً. وقد نُشرت بعض دراسات هذا الكتاب باسم الشيخ التسخيري، وأُخر باسمي، وثالثة باسم بعض المؤسسات، كما أنّ بعضه غير منشور.

والحقيقة أنّ فكرة إصدار هذا الكتاب المشترك هي فكرة قديمة، ربما تعود إلى عشر سنوات سبقت رحيله، وقد فاتحت بها سماحته حينها، لكنّ عامل الوقت كان سبب التأخير والتجميد؛ لأنّ عملية الإعداد تحتاج إلى تفرغ ووقت ليس بالقليل. بيد أنّ رحيل شيخي وأُستاذي التسخيري (في 18 آب/ أغسطس 2020م)؛ حفّزني على الوفاء له بجملة من الأعمال، منها إعداد هذا الكتاب، وكتابين آخرين، الأوّل بعنوان: «التسخيري المواطن الإسلامي العالمي»، والثاني: «ذاكرة التسخيري».

وربما تحتاج مسيرة علاقتي بالعلّامة الشيخ محمد علي التسخيري إلى كتاب لوحدها؛ فهي علاقة لها خصوصية معنوية وعملية. ففي العام 1979، حين سمعت باسمه للمرة الأُولى من مسؤولي الحركي، وأنا في النجف، بات حلمي أن أراه وحسب، وكذا آخرين من روّاد الحركة الإسلامية العراقية، وهو ما حصل بالفعل في العام 1980، حين رأيته للمرة الأُولى، وحتى بداية العلاقة عبر مجلة «التوحيد» في العام 1984، ثم ترؤسي تحرير المجلة، خلفاً له وتحت مسؤوليته المباشرة في العام 1991، وحتى أصبحتُ مستشاره وضمن فريق عمله ومرافقاً إيّاه إلى كثير من دول العالم، بدءاً من العام 1998. وتتوّجت مسيرة تتلمذي له وتعاوني معه خلال مرحلة إشرافه على أُطروحتي الماجستير بعد العام 1999، ثم الدكتوراه بعد العام 2003.

وكنت ولا أزال أقول: إنّ أغلب ما لديّ في حياتي؛ يعود فضله إلى الله (تعالى) أوّلاً، ثم إلى شيخي التسخيري؛ ليس في الجانب العلمي والفكري والثقافي وحسب، بل في الجانب العملي والوظيفي والاجتماعي والعائلي أيضاً؛ لأنّ الشيخ لم ينظر إليَّ يوماً نظرة أُحادية ترتبط بالجانب الوظيفي أو الأُسري أو الفكري؛ بل كنت أحظى بتبنّيه وعنايته الشاملة. ولطالما عبّرت له عن خجلي وشعوري العالي بالمسؤولية تجاه هذه الرعاية، وكان يجيب بأنّ هذا هو منهج أُستاذه الإمام السيد محمد باقر الصدر. ويشهد الله أنّ شيخي التسخيري لم يحسسني لحظةً بالمنِّ أو بأنّي تلميذه أو موظفاً عنده، أو أنّ هناك فارق عشرين عاماً من العمر بيننا، وفارق سنين أكبر في المستوى العلمي والفكري، أو يتشدق بأنّه تلميذ الإمام الصدر والإمام الخميني؛ بل كان يردّد دائماً كلمة (تعاون) و(نتعاون). ويكفيه عظمةً أنّه بذلك يزرع الثقة في نفوس تلاميذه ومقرّبيه، ويعطيهم فرصة النمو الروحي والنفسي والعلمي. وكان جوابه لمن كان يستفهم منه: «كيف تضع علي المؤمن رئيساً لتحرير مجلة التوحيد، أهم مجلة فكرية بحثية، خلفاً لك، وأنت من أنت، وهو لم يبلغ 27 عاماً من عمره؟». فكان جوابه يخجلني كثيراً؛ لأنّه يصفني بما لا أستحقه، تعبيراً عن ثقته ودعمه وتحفيزه. وكنت أدعو الله دائماً أن أكون عند حسن ظنّه، وأن لا أتسبب في إحراجه يوماً، وأحمد الله أنّه ظل يفتخر بثمار هذه الثقة حتى قبل وفاته بأيام معدودات.

وبالنظر لكون مسيرة التبنّي هذه، هي تجربة إنسانية وعلمية مميزة ومفيدة؛ فقد أفردت لها جزءاً من كتاب: «ذاكرة التسخيري»؛ علّها تكون أُنموذجاً يحتذي به رموز العلم والفكر مع المحيطين بهم من الشباب.

لقد تم تقسيم دراسات هذا الكتاب ومقالاته تقسيماً موضوعياً، ثم توزيعها على ستة فصول، وخمسة ملاحق.

حمل الفصل الأول عنوان: (قواعد تجديد الفكر الإسلامي)، واحتوى على مقاربتين، الأُولى: (التجديد في الفكر الإسلامي ومعالم المرونة في التشريع)، تناولت موضوعات مظاهر التجديد والمرونة في الشريعة، ومنافذ الفكر البشري إلى المساحة المشروعة، وقواعد ضبط التجديد، والطريق إلى التجديد للحاضر والمستقبل. أمّا المقاربة الثانية: (تجديد الشريعة الإسلامية واستدعاءات المستقبل)، فهي حوار تداولي مشترك تناول علاقة التراث بالمستقبل، وضرورات تجديد علم الكلام، ومنهجية فلسفة الفقه، وقراءة الشريعة بذهنية المستقبل وتطوير فقه المقاصد.

فيما حمل الفصل الثاني عنوان: (مرجعية أهل البيت الإسلامية)، وضمّ مقاربتين، الأُولى: (المرجعية العلمية والتفسيرية لأهل البيت)، وبحثت في المرجعية العلمية للمسلمين في القرآن والسنّة، والمكانة العلمية لأهل البيت في الواقع الإسلامي، وأُسلوب المناظرة والحوار في حياة أهل البيت العلمية، والإنتاج العلمي لأهل البيت، وتكريس أهل البيت علمهم في خدمة مصالح الأُمّة. وتناولت المقاربة الثانية: (مرجعية رسالة الإمام السجاد في الحقوق)، ولا سيّما الحقوق الإلهیة وحقوق النفس والحقوق العامة.

وتناول الفصل الثالث (الواقع الإسلامي وتحدّيات التنمية المستدامة)، وتم إدراج ثلاث مقاربات، الأُولى: (الإسلام في الألفية الثالثة)، درستُ فيها موقع الإسلام في الثقافة العالمیة ومفهوم الثورة الثقافية الإسلامية. في حين حملت المقاربة الثانية عنوان: (الإسلام وتنمیة المجتمع المعاصر)، والثالثة: (مفهوم العلم من منظار الإسلام)، وتناولت مفهوم العلم بین الفكر الوضعي والفكر الإسلامي، والترابط بین العلوم الشرعیة والعلوم الطبیعیة، ونظرة القرآن الكریم إلى العلم الطبیعي، والعلم الطبیعي في الحدیث الشریف، وموقع العلم في مسیرة الحضارة الإسلامیة.

أمّا الفصل الرابع الذي خصّصناه لموضوعات: (الأقلیات المسلمة في الغرب)؛ فقد احتوى على ثلاث مقاربات، الأُولى: (الأقلیات المسلمة في الغرب وتحدّيات الاغتیال الثقافي)، وعالجت المظاهر المتفرعة عنه، وخاصة التربوية والتعليمية والاجتماعية والحقوقية والثقافية والإعلامية، ثم طرحت معالجات وافية في أغلب المجالات الحياتية. بينما تخصصت المقاربة الثانية في معالجة حقوق الأقليات المسلمة في الغرب في ضوء التشريعات الغربية، والثالثة في واقع ومشاكل الأقليات المسلمة في أُوروبا الشرقية بين العهدين الشيوعي والديمقراطي.

بينما تناول الفصل الخامس (حوار الحضارات والأديان والمذاهب)، وعالجت المقاربة الأُولى منه: (قيم الحوار والتعايش في الرؤية الإسلامية)، وتناولت قيم الحوار ومبادئه وأنواعه وأطرافه وآدابه وأخلاه من وجهة نظر اسلامية، إضافة إلى نماذج من حوارات الرسول والأئمة^. وحملت المقاربة الثانية عنوان: (المسلمون والعلاقة المتوازنة بين الحضارات)، وعالجت موضوعات الحاجة الإنسانية للحوار، وكونه مبدأً إسلامياً، وقدرته على تحقيق هدف الأمن والسلام، وخيارات البشـرية لتحقيق الأمن والسلام، وعالمية الإسلام، ومسؤولية الأُمّة الإسلامية تجاه السلام العالمي والتمهيد لحكومة السلام العالمية. في حين تناولت المقاربة الثالثة: (مستقبل الحوار الإسلامي ـ المسيحي)، ودوافع الحوار بين الأديان والإرهاب، وبيئة ظهور الإرهاب وعوامل اجتثاثه.

وكان الفصل السادس محطة ثقافية أدبية، عنوانها: (أدب أبي فراس الحمداني وسعدي الشيرازي)، ومقاربته الأُولى حول: ( تصالح المتعارضات في شعر الأمير العربي أبي فراس الحمداني)، وتحديداً ثنائيات: الفخر بالعشيرة والشكوى منها، والغرور والتذلل، والعفة والتحلل، وكبرياء الأمير وبكاء الأسير، والتدين والجبروت. أمّا المقاربة الثانية فكانت حول: (التفاعل بين الأدبين العربي والفارسي)، والتي أخذت أدب الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي أُنموذجاً؛ فقد درست التكامل الثقافي بين العرب والإيرانيين والتفاعل بين الأدبين العربي والفارسي، وشعر سعدي ونثره المعبرين عن هذا التفاعل.

وفي الختام، أتقدم بهذا الجهد إلى روح شيخي وأُستاذي المفكر والفقيه والقائد العلّامة محمد علي التسخيري، عرفاناً مني بفضله الأكبر في حياتي بعد الله (تعالى)، وإحياءً لذكرى رحيله الأُولى. إذ لا يزال الشعور بالألم والغصة برحيله تملآن الروح والعقل، الأمر الذي يدعونا إلى مواصلة منهجه ومسيرته الفكرية والثقافية.

***

علي المؤمن

 

 

رغم تمتع الكثير من مصممي الأغلفة بطاقات ابتكارية مبهرة ورائعة، أنتجت الكثير من الجمال الأخاذ الذي يتوافق عادة مع مضمون الكتاب، وهو ما وجدته لدى أكثر من مصمم تعاملت معهم في عملي على إصدار مؤلفاتي التي فاق عددها السبعين في عدة بلدان عربية فضلا عن العراق، إلا أن القلق يساور روحي كلما نويت أن أصدر كتابا جديدا ولاسيما إذا ما كان الكتاب أدبيا، خوفا من أن لا نوفق في تصميم غلاف يتوافق كليا مع مضمون الكتاب ويدل عليه لنطبق المقولة الدارجة: "الكتاب يقرا من عنوانه" حرفيا.4674 صالح الطائي

من هنا تجدني حينما نويت إصدار مجموعتي الشعرية الجديدة "تنهدات على عتبة السبعين"، كنت في غاية القلق بشأن موضوع تصميم غلاف يتوافق مع المضمون بشكل انسيابي لا أبهام فيه، ولاسيما العثور على لوحة فنية يطابق مضمونها مضمون المجموعة، وبعد جهد جهيد، وبحث شديد، لم أوفق بالعثور على شيء مناسب، وصادف أن اتصل بي أحد أصدقائي؛ الذي لمس عدم تجاوبي معه مثلما أفعل في كل مرة، فسألني عن سبب اضطرابي وقلقي، وحينما أوضحت له الأسباب، بادر بالقول: والله لا أبسط منها، وهناك قامة فنية باسقة بإمكانها أن تترجم كل مضمون المجموعة بلوحة واحدة، قلت: من هذا العملاق الذي لا أعرفه؟ قال: إنه الفنان التشكيلي العراقي الكبير ستار كاووش، وهو فنان من الطراز الأول إبداعا وخلقا وكرما وسخاء، وبالنسبة لي أنا واقعا لم أكن قد سمعت بهذا الاسم من قبل، ربما تقصيرا مني لأني لا أتابع النشاطات الفنية بسبب كثرة انشغالي بالكتابة التي تأخذ جل وقتي، واعترافا مني بهذا التقصير بادرت فورا إلى مراسلة الفنانن مبينا له رغبتي في الحصول على واحدة من لوحاته تحمل نفس رؤى مجموعتي التي تتحدث أغلبها عن مرحلة عمر ما بعد السبعين.

وبيني وبينكم أنا لم أكن واثقا من نوع ردة فعله على طلبي الوقح هذا، ولاسيما وأنه لا يعرفني، وقد يكون لم يسمع بي من قبل، ولا يعرف شيئا عني أصلا، ولذا توقعت أن يهمل رسالتي، ولا يلتفت إليها، وفي أفضل الأحوال أن يعتذر تأدبا، وهذا وذاك من حقه. لكن المفاجأة لم تكن بسرعة رده على رسالتي وحدها فحسب، بل وبالموافقة على اعطائي واحدة من لوحاته بلا مقابل، وأرسل لي فعلا لوحتين جميلتين، ثم أردفهما بثالثة، هذه اللوحات الثلاث لم تجد طريقها إلى قلبي رغم جمالها، ربما لأني لم أفهم مضمونها، أو لأن فيها بعدا عن مضمون المجموعة، فأخبرته بمشاعري، وشرحت له فكرة المجموعة الشعرية، وحينها بادر وأرسل لي لوحة مغرقة بالحركة وكأنها تنبض بالحياة، وجدتها قد دخلت قلبي ما إن رأيتها، بل وجدتها تعج بمضامين المجموعة، ولاسيما وأنه أرفق معها شرحا مبسطا، قال فيه:  "بالنسبة لما يمكن أن أقوله عن هذا العمل إنه يمثل  رجلا وامرأة يحتضنان بعضهما، ويستعيدان ذكريات وتفاصيل ومحبة من أيامهما التي مرت، ولم يتبق منها سوى كم الذكريات الحلوة والمرة. في هذه اللوحة يتداخل الجسدان ببعضهما، وتتحول المرأة الى ملكة؛ وهي في حضن الرجل الذي يشرد بنظراته بعيداً، وكأنه يستعيد في ذاكرته كل تلك الأيام الجميلة التي قضاها مع محبوبته، فيما التمعت نقطة ضوء في العتمة التي على اليسار لتعطي للتكوين بعض التوازن. استخدمت هنا تقنية تقترب من تقنية الحفر على الخشب، لأمنح العمل تعبيرا ووضوحا وتأثيرا أكبر".

هكذا فهم الفنان كاووش مضمون المجموعة ومحتواها، وعبر عنه بلوحة تكوينية فريدة فيها الكثير من الرمزية، تمكنت من الإمساك بكل خيوط المجموعة دفعة واحدة، فتحولت المجموعة بفضلها إلى لوحة فنية، واللوحة بمحتواها تحولت إلى مجموعة شعرية؛ في تجانس لم أعهده من قبل، حيث تتداخل الأبعاد، بعد المجموعة وبعد اللوحة لتتحول إلى بعدٍ يضج بالمعنى، يستنهض الذكريات، يستفزها، يثيرها، يحثها على التفاعل مع الحاضر لتمنحه بعض ألق الأمس الذي مضى مأسوفا عليه. 

إن لوحة الفنان الكبير ستار كاووش أضافت بعدا آخر جديدا للمجموعة، وحفزت موضوعا جماليا أعلن عن ولادة نهج جديد في عملية تصميم الأغلفة التوافقية؛ أي توافق الصورة من خلال أسلوبها الرمزي مع المعنى، لأنها جاءت مفتوحة على عمق اندهاشي يثير التساؤل ويدعو إلى التفكر والبحث عن العلاقة السيميائية التي تذكر بسلفنا الإنسان الأول القديم؛ الذي اعتاد استنطاق العلامات واصطناع الدلالات منذ فجر التاريخ في محاولته للبحث عن المعنى، حيث تترادف العلامة الرمزية مع العلامة اللسانية، وبتقاربهما المدهش تتضح معاني المقاصد الجذرية بين الريشة والقلم، فالريشة والقلم كلاهما كانا من أقدس الأدوات التي رسمت للإنسان طريقه، وفتحت مداركه، ودلته على جذور المعنى، وخلدت مبادراته، وهي بعملها هذا لا تقل عن جميع أساليب التدريب على القتال من أجل الدفاع عن النفس، فالإنسان ما كان ليخلد كل هذه السنين لو لم يوظف السيف والقلم والريشة لتتولى مهمة ترتيب حياته ورسم خطوات مستقبله.

وبرأيي أن رمزية اللوحة المغرقة بالسريالية؛ التي تنماز بفوق واقعيتها؛ والتي تسعى إلى التعبير عن العقل الباطن ومضمراته بصورة يعوزها النظام والمنطق من أجل رسم نظام ومنطق جديدين، هي الخيار الأمثل لترجمة معنى التلقائية النفسية الخالصة، التي يمكن من خلالها التعبير بصدق عن واقع اشتغال الفكر، وهي بهذا المعنى العميق إنما جاءت لتفصح عن رمزية نص لا تتوافق معه الواقعية والطبعانية، لأن الرمزية تعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة تلميحا وإيحاءً تعبيرا غير المباشر، ولكن فيه من العمق ما يوصلك إلى المعنى المباشر دونما عناء

إذن فالأمر يتعلق حقيقة بقواعد فهم الجمال دون حاجة إلى تحكم خارجي، ولا إلى مراقبة تمارس من طرف العقل وخارجه في محاولة استنطاق المعنى تأويليا، لأنها تعمل على الارتقاء بالشكل الطبيعي للنص إلى ما فوق الواقع المرئي من خلال منهج توافقي بين الرقابتين الداخلية والخارجية، وفي ذلك اعلى مراحل تحفيز العقل لإدراك المعنى.

يذكر أن مجموعة تنهدات على عتبة السبعين ستصدر في الأيام الأولى من عام 2023 عن دار المتن البغدادية.

***

الدكتور صالح الطائي

مع بداية عام 2023، تصدر الشاعرة هيام مصطفى قبلان مجموعتها القصصية  "بَعْدَ أَنْ كَبُرَ الْمَوْجُ"، عن دار الوسط للنشر في رام الله، لتتوّج عامها الجديد بأحد إبداعاتها المميّزة، وقد استهلّت مجموعتها بقصّة تحت عنوان "أفقد نفسي":

"كيف بي لا أهوى السّفر، وأنت من علّمتني أنّ الأسفار تريح الفكر، وتُعلّقنا من أهدابنا كالنّجوم، بعيدًا عن الأرض".

جاءت المجموعة في 120 صفحة من القطع الأقلّ من المتوسّط، وضمّت بين دفتيها 22 نصًّا قصصيًّا، وبلغة شاعريّة مميّزة، حملت عناوين القصص التّالية:

"أفقد نفسي، شغف، ثرثرة، أشتهيك يا موت، العار، جمرٌ وأمرٌ، ضوءٌ متكسّر، سربُ ضجيج، بعد أن كبر الموج، لوم، ذاكرة العسل المُرّ، نقراتُ الكعب العالي، منفضة، رهان، طائرُ النفايات، دون خيار، فوق سرير أبيض، وفاء، مغفرة، هودج الأحزان، خطيئة، وهناء".

واختتمت الشاعرة هيام  مجموعتها القصصيّة بما ورد على الغلاف الأخير:

" الشّوارع مزدحمة، والباعة يتجوّلون ساعات الفجر في الحارات ككُتّاب القصيدة، يُعبّرون عن وجودهم بالهزيمة، تسقط كلّ الأقنعة، وما الشّاعر سوى بائعٍ مُتجوّل يحمل الكشكول، ويركل الحمار برجله. فيما شكلت لوحة الغلاف: لينا صقر مصطفى .

يا للدّنيا الغرورة!

اللّحظات فيها عابرة هاربة، الموجة تتملّص من بين يديّ كلّما عانقت أوراق الرّحيل، عطشي ينبح، وجسدي ينبح دون اكتراث بالمطاردة.

أُقاوم الطُّعم، أرنو من صخرة شهدتْ قراءاتي الأولى وامتصّت نهدَ الرّمال، وأُقرّر ألّا أتبعك، وأن أدخل غرفتي الصّغيرة المتعمشقة على جدرانها أحلامي الورديّة، ويسكنني ليلي وحدي..

أشرب قهوتي، أطالع أخبار الصّباح وحدي، أتسكّع على الأرصفة، تثيرني كلماتُ وأشعار (كافكا)، أعاشر روحًا شهقتني،  وأعود لتلك الطفلة الشّقيّة الّتي تسكنني، لحقيبتي المدرسيّة، لأوراقي، لقصصٍ مثيرة لامست أهدابي، واعتصرها الدّمع"..

هيام قبلان والسّيرة الذّاتيّة

الاسم: هيام مصطفى قبلان، أديبة وشاعرة

السّكن: قرية عسفيا / جبل الكرمل /فلسطين

رقم الهاتف: 00972523765121

ايميل: [email protected]

مراحل دراستي:

أنهيت المرحلة الابتدائيّة والإعداديّة في عسفيا، والمرحلة الثّانويّة في مدرسة راهبات الفرنسيسكان الطليان في النّاصرة، والتّعليم الأكاديميّ للّقب الأوّل في التّاريخ العامّ، في جامعة حيفا 1978، وللّقب الأوّل في اللّغة العربيّة وأدابها في الكلّيّة العربيّة حيفا 1985.

دورات استكمالي بموضوع التربية الخاصّة والعامّة في الكلّيّة العربيّة حيفا 1980، وموضوع ترابيا (العلاج عن طريق الفنون) في كلّيّة أورانيم 1995.

إصدارات:

1. آمال على الدّروب 1975  شعر، مطبعة العتقي - حيفا.

2. همسات صارخة 1981 شعر، دار المشرق - شفاعمرو.

3. وجوه وسفر 1992 شعر، دار المشرق - شفاعمرو.

4. انزع قيدك واتبعني 2002 شعر، مطبعة البلد سمير أبو رحمون- جديدة المكر، الجليل.

5. لا أرى غير ظلي 2008 شعر، بيت الشعر الفلسطيني - رام الله.

الأعمال النّثريّة:

6. بين أصابع البحر/  نصوص أدبية 6 199، دار المشرق- شفاعمرو

7. طفل خارج من معطفه/ قصّة قصيرة 1998 دار اسيا - القدس

8. رواية رائحة الزمن العاري ط1، 2010 دار التلاقي، القاهرة ط2، 2012، دار الريشة، نابلس

إنجازات أدبيّة أخرى:

1. مشاركة بأنطولوجيا مترجمة من اللغة العربية للفرنسية، طبعت في باريس، تضمّ 50 كاتبة وشاعرة من العالم العربيّ، ونماذج إبداعيّة من إعداد وإشراف الشّاعرة السّوريّة مرام المصريّ.

2. مشاركة في كتاب (المرأة وتطوير السّرد العربيّ) نماذج لروائيّات وقاصّات من العالم العربيّ - إعداد النّاقد والباحث المغربيّ محمد معتصم .

شاركت في مهرجانات: شاركت في مهرجانات:

1. مهرجان الدّبلوماسيّة في المغرب .

2. مهرجان أيّام القصيدة الذّهبيّة في تونس.

3. مهرجان تراثيّ هُويّتي في تونس.

4. معرض الكتاب في القاهرة منصّات شعريّة.

5. معرض الكتاب في الإسكندريّة منصّات الشّعر والقصّة والنّقد.

6. ملتقى زرهون للشّعر مولاي إدريس، ملتقى مريرت المغرب، ملتقى تيفلت المغرب.

7. مهرجان الشّعر تطوان في المضيق المغرب وغيرها ..!

شاركت في مهرجانات دولية غربية:

1. مهرجان الشعر الدولي في مدريد أسبانيا

2. مهرجان الشعر والسياسة في نيو كاسل ألمانيا.

شاركت في أمسيات عديدة  داخل البلاد وخارج البلاد:

الأردن، مصر، باريس، المغرب، تونس ودول أخرى!

***

كُتِبت المقالات الواردة في هذا المؤلَّف على فترات متقارِبة نسبيّا، ونُشرت على أعمدة الصحف المغاربيّة والمشرقيّة، وبالمثل في جملة من الصحف الخليجيّة والصحف العربيّة اللندنيّة. كما أنّ المقالات كافة نُشرت في أكثر من بلد وتوزّعت على أكثر من صحيفة، مثل "اليوم" و"الخبر" و"البصائر" (الجزائر)، و"الصباح" و"الصحوة" (تونس)، و"فبراير" (ليبيا)، و"الأسبوع" و"الشروق" (مصر)، و"النهار" و"السفير" و"المستقبل" و"اللواء" (لبنان)، و"العراق اليوم" و"العالم" (العراق)، و"السياسة" (الكويت)، و"الاتحاد" (الإمارات العربية)، و"الشرق" (قطر)، و"عُمان" (عمان)، و"القدس العربيّ" و"الزمان" (إنجلترا). ليس الغرض من إشاعتها توسيع دائرة قرّائها فحسب، بل ما حرص عليه صاحبها أيضا وهو التعريف بدراسات الأديان، التي يُقدِّر أنها لا تَجد العناية اللائقة بها في الثقافة العربيّة.

وفي المجمل تتوجّه هذه المقالات إلى القارئ العربيّ عامة دون حصر. وقد حاولتُ فيها أن أرصد بعضًا من الإشكاليات التي تواجه المسيحيّة العربيّة ونظيرتها غير العربيّة. كما أشرتُ في العديد من المواضع إلى ضرورة تصويب الرؤية في شأن مسيحيّة الداخل ومسيحيّة الخارج. فلديّ حرصٌ على التفريق بينهما، لما لمسته في المسيحيّة الغربية من نزوع للهيْمنة. فتلك المسيحيّة تتعامل مع "الهامش" المسيحيّ غير الغربي، والمسيحيّة العربيّة مصنَّفة في عداده، بمثابة المسيحيّة القاصرة وغير الراشدة. لذلك برغم ما يجمع المسيحيّة في الغرب والمسيحيّة في بلاد العرب من صلات قربى فإنّ بينهما فروقا شتّى.

تحويل الحدث المسيحيّ - وفق مراد المؤلِّف - إلى مقالٍ هادفٍ، وإخراجه من التناول المحصور بالمنابر الدينيّة أو الأوساط الأكاديمية، كان من الأهداف التي تبنّاها المؤلِّف لتقليص الفجوة بين مجاليْ "تاريخ الأديان" و"حاضر الأديان". فبموجب اِشتغال صاحب الكتاب في مجال دراسات الأديان، يدرك ما لهذا التمايز من نفاذٍ وسطوةٍ. فتتبّع الشأن المسيحيّ العربيّ والعالميّ، لا يحوز المكانة اللائقة به في الأوساط الثقافية العربيّة. حيث تفتقر الساحة إلى تقليد "الفاتيكانيست" (الخبير بالشأن الفاتيكانيّ)، أو ما شابهه. كما أن الإعلام الدينيّ العربيّ يبدو شديد التمازج والتداخل بالشأن الدعوي، ما جعله مقصِّرا في أداء دوره المعرفيّ، الحياديّ والرصين.

ومن جانب آخر، لا يمكن أن ندّعيَ المحافظة على كيان المسيحيّة العربيّة، وننشد أداءها رسالتها، وأساليب وعينا بمخزوننا الحضاريّ بالية. فالمسيحيّة إرثٌ جمعيٌّ، وقضاياها ليست حكرًا على شريحة بعينها، بل تتخطّى من يَدِينون بها. كما أنّ هناك خطابًا كارثيّا رائجًا، مشبعٌ بالنحيب عن مصائر هذه المسيحيّة، لا يذهب بعيدا في تلمّس الحلول وتخطّي الصعاب. لا أودُّ المكوث تحت حائط مبكاه، إيمانًا بضرورة تطوير أدواتنا الفكرية في التعاطي مع واقعنا الدينيّ، كسبيل للحيلولة دون حصول الأسوأ. فهذا الظرف الصعب نقدّر أنّه عائد، في جانب واسع منه، إلى افتقاد رؤية حديثة للمسيحيّة في الثقافة العربيّة. ذلك أنّ هذه الديانةَ، سواء كان أتباعها في الاجتماع العربيّ أم خارجه، لا يزال التعامل معهم بمنظور عقديّ، يستوجب تطعيمه برؤى حديثة، بقصد الخروج من ضيقه وأسْره.

نبذة عن المؤلف

عزالدين عناية، أستاذ من تونس يدرّس في جامعة روما (إيطاليا). نشر مجموعة من الأعمال تتناول دراسات الأديان منها: "نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم"، توبقال، المغرب؛ "الأديان الإبراهيمية: قضايا الراهن"، توبقال، المغرب؛ الإمام والكردينال، منشورات المتوسط، إيطاليا. ومن ترجماته: "علم الأديان" للفرنسي ميشال مسلان، المركز الثقافي العربي، لبنان؛ "علم الاجتماع الديني" للإيطالي إنزو باتشي، مشروع كلمة، الإمارات العربية.

فتنة المسيحيّة المعاصرة

تأليف: عزالدّين عناية

دار النشر: مجمع الأطرش، تونس 2022

عدد الصفحات: 146 ص

***

د. عزالدّين عناية

أصدرت دار الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة ببغداد سلسلة كتب تذكارية لتكريم الشخصيات الثقافية العراقية، يساهم في كل كتاب مجموعة من الباحثين يقدمون شهادات ومقالات ودراسات عن أعمال وحياة هذه الشخصية. عنوان هذا الكتاب: "الدين حياة في أُفق المعنى"، وهو التعريف الذي اقترحه عبد الجبار الرفاعي للدين: "الدين حياة في أُفق المعنى، تفرضُه حاجةُ الإنسان لانتاجِ معنىً روحي وأخلاقي وجمالي لحياتِه الفردية والمجتمعية". وفي ضوء هذا التعريف تبتني الأركان والمفاهيم الأساسية لتجديد الفكر الديني لدى الدكتور الرفاعي.

  جاء على الغلاف الأخير للكتاب نص للدكتور عبد الله إبراهيم، وهو مفكر وناقد عراقي حائز على جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الشيخ زايد: "ندرَ أن التقيتُ مثقّفاً يحمل بين جنباته صفات النبل، والنقاء، والتواضع، والطيبة التي لمستها في شخص الدكتور عبد الجبار الرفاعي، صفات تضاءلت، مع الأسف، وانحسرت، وكأنها لم تكن في يوم ما من أخصّ ما يحرص عليه المثقفون في حياتهم، وفي علاقاتهم بالآخرين. في بداية الأمر خلتُ أننا مختلفان الاختلاف كلّه، لاختلاف منابع المعرفة، ومسالكها، وغاياتها، فقد تلقّى الرفاعي تعليماً دينياً رفيعاً، ونال درجة عالية في الفكر الإسلامي، وتوسّع في ذلك، إلى درجة انخرط فيها بتطوير منظور جديد لفلسفة الدين أراد به نزع الغطاء الثخين الذي أطبق على الظاهرة الدينية في القرون المتأخرة. علاوة على صلاته الوثيقة بعشرات المفكرين والمثقفين من دينيين ودنيويين، فإن مجلته "قضايا إسلامية معاصرة" خير سفير لثقافة التسامح والتفاهم بين الأديان والمذاهب. وأثمرت جهوده عن تأسيس "مركز دراسات فلسفة الدين"، وهو من أكثر المواظبين الذين عرفتهم على النهل من العلوم الإنسانية، وشغله الشاغل إسباغ نِعَم الدين على الدنيا، وتغذية الدين بمكاسب الدنيا. أي أنه يريد أن يغمر الدنيا بفيض الدين، ويغمر الدين بفيض الدنيا، وهو رهان شاقّ كما تعلمون. قلبَ الرفاعي الصورة الشائعة عن رجل الدين المنكبّ على المتون العتيقة شرحاً، وتعليقاً، وتفسيراً، وتصنيفاً، وغاية ما يرجوه اختصار شرح، أو الإسهاب في آخر، وأحلّ بمكانها صورة أخرى مغايرة، أحسب أنها الصحيحة التي ورثها من الأسلاف العظام الذين عالجوا الظاهرة الدينية بعدّة دنيوية متماسكة من دون أن تتقطّع صلتهم بها، وما برحت أفكارهم محلّ تقدير ونفع. وهذا مرمى بعيد المنال لغير المتبصّرين بشؤون الدين والدنيا، فغاية ما يرجوه المرء من المعرفة، أيّا كان شكلها، هو انتفاع الناس بها في حلّهم وترحالهم عبر الأزمان من دون إرغام وإلزام، ومن غير قَسْر وقَهْر".

يتوفر الكتاب في معرض بغداد للكتاب في جناح دار الشؤون الثقافية. 

4646 عبد الجبار الرفاعي

                                                      4647 عبد الجبار الرفاعي

              4648 عبد الجبار الرفاعي

 4651 عبد الجبار الرفاعي

4650 عبد الجبار الرفاعي

الاهداء

لابنتي الغالية بان اليوسف

المحتويات

المقدمة

الفصل الاول: صوت اللغة وخاصية التعبير عن المعنى

الفصل الثاني: الصفات والجوهرفي كينونة الانسان وموجودات الطبيعة

الفصل الثالث: ادراك المكان بدلالة الفراغ والامتلاء

الفصل الرابع: الزمن الفلسفي والادراك العقلي

الفصل الخامس: اللغة والفطرة التوليدية النحوية

الفصل السادس: اللغة الوراثة الفطرية والمكتسبة

الفصل السابع: المكان والزمان ادراك المادة والفراغ

الفصل الثامن: التحول اللغوي ونظرية المعنى

الفصل التاسع: مداخلات فلسفية متناقضة

الفصل العاشر: موضوعات فلسفية اشكالية قراءة تحليلية

الفصل الحادي عشر: الزمن: توليفة الذات والنفس

الفصل الثاني عشر: الزمن في تعالق الذاكرة والخيال

الفصل الثالث عشر: الزمان الفلسفي وتحقيبه التاريخي

الفصل الرابع عشر: الزمان الفلسفي والادراك العقلي

الفصل الخامس عشر: العقل والجسد في الفلسفة المعاصرة

الفصل السادس عشر: الفكر واللغة تكامل معرفي وليس منهجا جدليا في التعبير عن الاشياء.

الفصل السابع عشر: كانط والبراجماتية الامريكية

الفصل الثامن عشر: ادراك الوجود بدلالة الجوهر

الفصل التاسع عشر: اللغة فلسفة معنى الحياة

الفصل العشرون: الوعي: الادراك المادي والخيال

الفصل الواحد والعشرون: هيجل وطبيعة العقل في تخليق وهم الجدل فلسفيا.

الفصل الثاني والعشرون: وعي الذات الخالص

الفصل الثالث والعشرون: جاستون باشلار:المعرفة واستذكار المكان رومانسيا

الفصل الرابع والعشرون: مذهب وحدة الوجود في الدين والفلسفة

الفصل الخامس والعشرون: الصوفية الذات والطبيعة

الفصل السادس والعشرون: سارتر وزيف الوجود

الفصل السابع والعشرون: فائض المعنى اللغوي

الفصل الثامن والعشرون: النفس وازلية الجوهر الالهي

الفصل التاسع والعشرون: وحدة الوجود في الفلسفة والصوفية

الفصل الثلاثون: الفلسفة:الادب والجنون

الفصل الحادي والثلاثون: الفلسفة الواقعية الامريكية الجديدة

الفصل الثاني والثلاثون: شذرات فلسفية في كلمات

المقدمة:

مارست النشر في الصحف العراقية والعربية منذ سبعينيات القرن الماضي، وانتقالتي الثقافية النوعية كانت نحو الفلسفة تحديدا في عام 2004 حين اصدرت كتابي الاول سيسيولوجيا الاغتراب قراءة نقدية منهجية طبعة محدودة على نطاق مدينة الموصل ونشر بعدها بطبعتين الاولى عام 2011، عن دار الشؤون الثقافية ببغداد والطبعة الثانية عن دار الموسوعات العربية في بيروت عام 2013، وصدر طبعة ثالثة عن دار غيداء بالاردن وعرض مع مؤلفات فلسفية اخرى لي في معرض بغداد الدولي للكتاب 2022..

إنتقالاتي الثقافية هذه نحو منهج النقد التاريخي الفلسفي المادي، لم تأت حصيلة دراسة اكاديمية، بل جاءت نتيجة تراكم خبرة ثقافية متنوعة مارستها كتابة ونشر لما يزيد على اربعين عاما، اذ كتبت مجموعة شعرية بعنوان (توهج العشق .. احتضار الكلمات) وكتبت في متنوعات الاجناس الادبية في القصة القصيرة والنقد وفي الثقافة عموما فكانت الحصيلة صدور كتابي (جهات اربع .. مقاربة في وحدة النص) صدر عن دار دجلة في عمان عام 2010 واعترف الان انه مجموعة خواطر اردت دمجها في نص اجناسي ادبي غير فلسفي فكانت تنويعات في الادب موزّعة بين القصة القصيرة والشعر والنقد الادبي والخاطرة.

استطيع اختصر لماذا تحوّلت حصيلة مجهوداتي في النشر والتاليف الادبي والثقافي عموما لتستقر في الفلسفة:

الاولى أصبح عندي ميلا ثقافيا فكريا شديدا نحو الفلسفة يؤمن لي هاجسي المدفون في اعماق تجربتي الادبية والصحفية المتواضعة التي وجدتها لا تلبي ما يعتمل في دواخلي النفسية الفكرية من ميل كبير نحو الفلسفة. حيث نضجت تماما عندي في منشوراتي ومؤلفاتي الفلسفية بعد عام 2015 تحديدا.إذ كانت قبلها كتاباتي ومؤلفاتي مزيجا من الادب والفكر والنقد الثقافي تتخللها مطارحات فلسفية عابرة.

الثاني اني لم اكتب مقالا واحدا بالفلسفة متاثرا بالنمط التقليدي الاكاديمي والمترجم في نسخ اجتزاءات من تاريخ الفلسفة تعنى بفيلسوف معيّن بشكل حرفي اكاديمي استعراضي يعتمد مرجعية ومصادر تاريخ الفلسفة في متراكمه الاستنساخي الثابت المعاد والمكرر، كما وردنا في قناعة خاطئة على أن تاريخ الفلسفة لا يحتمل النقد النوعي في التصحيح أو الاضافة بل إعتماد النسخ الاستعراضي التكراري المشبع بالتمجيد المجاني بلا اضافة تجديدية . اقولها بكل صراحة ان هذا التوجه الفلسفي المحصور بين مزدوجتين في اروقة الجامعات قادنا ان نكون شراح وطلبة استنساخ لافكار غيرنا بما يعتاش عليه اكاديمي تدريس الفلسفة.

راجعوا تاريخ الفلسفة في مقارنة مع اصدارات الفلسفة عربيا الكتب المترجمة كلها. والمؤلف الذي لا يترجم عملا فلسفيا الى العربية نجده يلوك النسخ عن النص الاجنبي الفلسفي.

وكان السائد قبل ظهور فلسفة اللغة والعقل ونظرية المعنى منذ بداية 1905 على يد رائد الفلسفة البنيوية ليفي شتراوس ومجموعة فلاسفة ما بعد الحداثة، أن تاريخ الفلسفة هو من القدسية التي مرتكزها الثابت إعادات وتكرارات لسير ذاتية تخص حياة ومنجزات فلاسفة قدامى ومحدثين منسوخة اعمالهم في الترجمة الحرفية العربية اشبعت تناولا فلسفيا عند عشرات من الاكاديمين العرب العاملين على ترجمة قضايا الفلسفة الغربية في غياب منهج النقد من جهة والشعور بعدم الندّية المتكافئة مع آراء اولئك الفلاسفة بالحوار الموضوعي فلسفيا. وغالبا ما تخون الترجمة الى العربية اصالة النص الاجنبي الفلسفي المترجم وتلقى مسؤولية تهمة الخيانىة في تعبير اللغة القاصر وليس تفكير فلسفة المؤلف القاصر..

 بخلاف هذا المعنى والتوجه مارست الكتابة الفلسفية (نقدا) منهجيا عن يقين ثابت لافكار كبار فلاسفة غربيين وجدت في ثنايا مقالاتهم وكتبهم الفلسفية المترجمة الى العربية ثغرات خاطئة لا يمكن التسليم والاخذ بها وتمريرها كمسلمات دون مراجعة نقدية صارمة لعيوبها المستترة خلف اسم وفخامة و سمعة الفيلسوف الاجنبي فقط في غض النظر عن مناقشة افكاره بل الانبهار بمنزلته في الاوساط الاعلامية كنجم هوليودي. واترك مسالة التوفيق والنجاح في مسعاي النقدي الفلسفي في كتاباتي ومؤلفاتي للقراء والمتخصصين في الفلسفة.

من الجدير الذي اود التنويه عنه اني كنت في مسعى المنهج النقدي الفلسفي وهو مشروع مارس الكتابة فيع عدد محدود من المفكرين العرب متواضع صائب في تقديري سبقني به غيري بنهايات مفتوحة تتقبل النقد الاضافي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر،

إن تاريخ الفلسفة الغربية قديمها وحديثها مليء بالمغالطات والاخطاء القاتلة وميتافيزيقا الافكار ومقولات فلسفية وهمية سفسطائية لا قيمة حقيقية لها تقوم على مرتكز مخادعة التفكير الفلسفي ذاته وليس مغالطة معنى اللغة في التعبير عنه كما هو الحال حين اصبحت فلسفة اللغة هي الفلسفة الاولى منذ النصف الثاني من القرن العشرين ولا زالت الى اليوم حائزة السيادة مزيحة عن طريقها فلسفة الابستمولوجيا التي وصلت عصرها المبتدئي الذهبي الذي تسيّد الفلسفة قرونا على يد ديكارت في القرن السايع عشر..

اذ كانت البداية الحقيقية في نظرية التحول اللغوي ومتابعة فائض المعنى اللغوي علي يد فيلسوف البنيوية دي سوسير عام 1905بعد توصية جاتلوب فريجة عالم الرياضيات بوجوب ان تكون الرياضيات قرين اللغة في تحقيق انتقالة تصحيح معنى اللغة مفتاح تصحيح ومراجعة مسار تاريخ الفلسفة.

ليعقبها بعد ذلك عدد كبير من الفلاسفة الفرنسيين بعدهم جاء ظهور فينجشتين كطالب فلسفة ومن بعده اصبح فيلسوف لغة بهوية انجليزية وليس فيلسوفا نمساويا مستقلا نشأ في رعاية بيرتراندراسل ونال شهادة الدكتوراه بالفلسفة تحت اشراف راسل ومور ووايتهيد اقطاب الفلسفة التحليلية الانجليزية قبل ان يصبحا الاخوة الاعداء في تعليلهما الاختلافي حول دور اللغة في تجديد تاريخ الفلسفة الخاطيء بمجمله.

 اول من ابتدع نظرية التحول اللغوي هم فلاسفة البنيوية وعلماء اللغة تلتها الوضعية المنطقية حلقة فينا اعقبتها تاويلية بول ريكور وتفكيكية جاك دريدا ليستقر مقام فلسفة اللغة التي اصبحت الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة الحديث منتصف القرن العشرين بعد تنحية ابستمولوجية فلسفة ديكارت كفلسفة اولى جانبا والتي استمرت قرونا طويلة الى جانب تشكيلة فلسفية لمجموعة فلاسفة جميع افكارهم كانت تدور حول نظرية المعنى وفلسفة اللغة.

وبعد استلام فلاسفة وعلماء اللغة الاميركان راية فلسفة اللغة من الفرنسيين والالمان والانكليز حلقة اكسفورد في فلسسفة اللغة التحليلية الوضعية بزعامة براتراند رسل ، جورج مور ، كارناب. فينجشتين، وايتهيد وغيرهم.

خلاصة كل هذا التطور في تاريخ الفلسفة كان هاجسه تاكيد حقيقة أن تاريخ الفلسفة معظمه كان افكارا وهمية ومطارحات فلسفية تجريدية سببها المباشر الاول عدم دقة فهم تعبير معنى اللغة الدقيق في تناول قضايا فلسفية مفتعلة لا قيمة حقيقية واقعية لها، ولم يتم التنبيه الى معالجة اخطائها الفادحة الا في وقت متأخر مع ظهور فلسفة اللغة والتحول اللغوي في نظرية المعنى.

ولي عدة مقالات منشورة وموزعة في ثنايا مؤلفاتي ومواقع الكترونية عربية رأيا توضيحيا في معنى التحول اللغوي وفلسفة اللغة والى ماذا اوصلت تاريخ الفلسفة في نهايات سائبة ربما يتاح لي عرضه تفصيلا لاحقا.

فلسفة العقل واللغة لدى الفرنسيين والاميريكان جعلت منذ نهايات القرن العشرين فلسفة اللغة هي النسق البنيوي الكلي الذي يوازي الواقع الحياتي ولا يقاطع مسيرة الحياة وصنع التجديد في الوعي الجمعي كما فعلت الاجناس الادبية من شعر وقص ورواية ونقد وخير من توّج هذا الانحراف الاهوج كلا من جاك دريدا ليقتفي اثره بول ريكور وعدد من فلاسفة الانجليز بزعامة بيرتراند راسل في التحليلية الوضعية التجريبية المنطقية. مثل رورتي، وايتهيد ، جورج مور، كارناب، فينجشتين قبل انشقاقه عنهم، وسيلارز ، وسيريل، واخرين. فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات اصبحت هي الفلسفة الاولى بعد النصف الثاني من القرن العشرين.

انا ومنهج النقد الفلسفي

أقولها بأمانة وصراحة أني في كل كتاباتي المنشورة ومؤلفاتي لم اكن سوى طالب معرفة فلسفية لا زلت امارس رغبتي هذه من منطلق استزادة الاطلاع على مباحث فلسفية اجنبية غربية تحديدا، ولم أبلغ مستوى التبّحر العميق في أغوار التراث الفلسفي الغربي الذي لا يسعني استيعاب النزر اليسير منه بما يحتويه من متراكم خبراتي فلسفي تاريخي لا يمتلك رغم ضخامته تزكية الصواب المليء بالحشو الزائد.

كما ان الغبن الزمني الذي وقع عليّ حيث اتجهت نحو الفلسفة عام 2004 جعلني متاخرا كباحث فلسفي وسط امواج متلاطمة من تمجيد اعلامي كاذب وشراء شهادات وغيرها من الاعيب خبيثة جعلت من الفارغين فلسفيا هم رواد الفلسفة العربية المعاصرة بما حملوه من امجاد اعلامية زائفة وليست فلسفية حقيقية هيمنت على وظائف التدريس الجامعي والى يومنا هذا.. ولم يتمكنوا وضع لبنات فلسفة عربية مستقلة لها ميزتها العصرية. هذا التهويم الخبيث لا يقتصر على قضية الفلسفة وحدها بل نجدها في جذور غائرة في الاوساط الثقافية عموما في تلميعها الدعي الكاذب الفارغ ومحاربتهم المستميتة لكل بادرة ابداعية اصيلة وحقيقية.

أستطيع القول في نقاط:

* أن انتقالاتي في الكتابة الفلسفية التي لا تتمحور في غالبية مؤلفاتي في منحى فلسفي واحد تعطي إنطباعا لا أنكره على نفسي وبعض الاساتذة الباحثين في المجال الفلسفي اني استطعت تجاوز حاجز الكتابة التخصصية في موضوع فلسفي معين واحد يتمركز حول اجترار معاد ممل لا يفتح آفاقا فلسفيا جديدة يمكنها التطور الى فلسفات مجددة ناضجة ذات هوية عربية مائزة..

*  منهجي الفلسفي الذي إعتمدته بكتاباتي هو التفكير المادي المعرفي كمنهج وليس عقيدة ولا نظرية الجدل المتداول ماركسيا الذي تحكمه الضوابط المنهجية التالية:

عدم التزامي المنهج الاكاديمي الذي يعتوره إستنزاف مجهود الباحث في تغطية سطحية التناول الإستعراضي (مرجعية ثبت هوامش المصادر والمراجع) باللغات الاجنبية في التناول الفلسفي الذي يعتمد الترجمة الحرفية بتقديس مسرف لما يقوله الفلاسفة الغربيون على أنه يمّثل حقائق الامور. الفلسفة أكاديميا في التدريس والتلقي عند الطلبة في الجامعات العربية من أسوأ أخطائها أنها غيّبت الحس النقدي الممنهج على حساب ترسيخ إعتياد الحفظ والاستظهاراليقيني الساذج بعيدا عن الرؤية المنهجية النقدية في ممارسة نقد الفلسفة بما يخدم تغيير الوعي الجمعي المتخلف والمضلل وفتح باب الاجتهاد الفلسفي عربيا.

كذلك اعرف العديد من حملة الشهادات العليا في بغداد والجامعات العراقية لا يعرفون ولا اهلية ولا كفاءة اكاديمية لهم سوى استنساخ ملازم محاضرات يلقونها على الطلبة ويكون فيها لا الاستاذ يفهم ما يقول ولا الطلبة تفهم ما يريد.

عمدت الابتعاد التام الكامل عن كتابة العروض الهامشية لافكار فلسفية وردتنا بهالة من المكابرة الفارغة التي أسبغناها عليها، في إهمالنا أهمية ممارسة النقد الفلسفي وبذر نواته لدى طلبة الفلسفة واساتذتها اننا لا يجب ان نتهيب اسم الفيلسوف في اعدام حقنا المكتسب ضرورة ممارسة منهجية النقد في دراساتنا الفلسفية. نحن مسبوقون باحقاب زمنية طويلة عن تاريخ الفلسفة الغربية وتطوراتها المعاصرة حقيقة لا يمكننا نكرانها.

واستطيع القول بكل ثقة وامانة اني لم اكتب مقالة فلسفية واحدة لم امارس فيها منهج النقد الفلسفي المادي في مقارعة الحجة بالحجة من منطلق التكافؤ الفكري لا من منطلق مشاعرالاحساس بالدونية الفلسفية التراتيبية كما يروج له البعض ويمارسه من عتبة الادنى بالنسبة لفلاسفة غربيين.

ولم أقرأ لفيلسوف غربي أجنبي لم يلازمني هاجس النقد لافكاره في بعضها وليس مجملها رغم كل إعجابي به كفيلسوف صاحب نظرية فلسفية خاصة به فيها جوانب ليست نتيجة بهرجة وتسويق وتلميع اعلامي وصل حد التسليع.. لا بد لي في نهاية هذه المقدمة الاشارة لماذا لم اكتب في الفلسفة العربية الاسلامية واقول بعد ظهور بوادر خلاص اوربا من عصور تخلف القرون الوسطى وبداية اكتشاف القارة الامريكية الذي زامن سقوط غرناطة 1492. اضافة الى بروز خلاف مستحكم اشار له الفيلسوفين محمد عابد الجابري ومحمد اركون وبعض مفكري وفلاسفة المغرب العربي المعاصرين بين العقل المشرقي المستقيل الذي كان حجر عثرة في ترسيخه الجمود ومحاربة الاجتهاد الفكري الثقافي عموما خلاف ما إمتاز به العقل المغربي العربي الخلاق القائم على موروث حضارة الاندلس اكثر من اعتماده الموروث الفلسفي المشرقي الذي غلبت عليه نزعة التصوف الديني والاشتغال الفقهي الاسلامي في النقل وليس العقل.. وتغييب الوعي الجمعي ومنع الاجتهاد الفلسفي.

لعلي لا اكون متجنّيا متنكرا لميراثنا التاريخي بمجمله هو اننا لم نجد على مدى عصورنا أن قام بعض مفكرينا وفلاسفتنا باكثر من محاولة تطويع الفكر الفلسفي اليوناني المترجم المنقول الى سجنه خلف قضبان المنع والتحريم وتحاشي عدم التقاطع مع مفردة فقهية اسلامية واحدة باسم تغليب مفردة الفلسفة على فقه الدين. وكذا الحال مع ترجمات الفلسفة الهندية والصينية والفارسية للعربية .

فكان ما نطلق عليه فلسفة عربية اسلامية لا يستطيع المفكر امتلاك حرية الاجتهاد الفلسفي من جهة كما ولا يمتلك امكانية الخروج على نوع من توفيقية مخاتلة تلفيقية في مهادنتها الفكر الديني في مرجعية تسييس الدين لخدمة الحاكم المستبد الجائرلا تستطيع فيه النخبة الفلسفية تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية، فبقيت اسيرة شروحات غير خلاقة ولا مبدعة في مجال تحقيق ملامح هوية فلسفية عربية اسلامية خاصة. عديدة هي اسماء الفلاسفة المشرقيين شراح الفلسفات الاجنبية وكتابه الهوامش لها. مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابو حيان التوحيدي وغيرهم. ولنقارن هذه الاسماء مع فلاسفة من المغرب العربي مثل ابن رشد وابن طفيل وابن باجة وابن خلدون وغيرهم من فلاسفة الاندلس والمغرب العربي ممن اعتمدوا فلسفة العقل في مؤلفاتهم.

واذا سمحنا لانفسنا المقارنة بين الفلاسفة المسلمين المحافظين وبين فلاسفة الصوفية المنكوبين الذين تمت تصفيتهم ببشاعة رهيبة لادركنا جيدا لماذا تسّيد منطق الجمود الفكري والفلسفي وحتى الادبي وغلبته منطق وفلسفة التجديد والانفتاح عند الفلاسفة العرب الذين حاولوا التوفيقية التلفيقية بمداهنة سطوة الفقه الاسلامي الوضعي مدعومة من الحاكم السياسي المتنفذ بسطوة السيف في محاربته العروض الفلسفية خارج تطويع الفلسفة بما يخدم رغبات الحاكم الاستبداية الظالمة وليس خدمة الدين في اصالته.

وغالبا ما كان الاجتهاد الفلسفي العربي الاسلامي يحتجب خلف مرويات من القص الذي تتسيده لغة الالغاز والايهام في إعتماد اللغة على لسان الحيوانات وقصاصات الشعر الملغز. الذي كان جنسا ادبيا- فلسفيا كان اسهام العرب المسلمين لا يستهان به مشرقيا حتى وإن كان الاقرار ان بعضه كان مستفادا من ترجمة الفلسفات والاداب الفارسية والصينية والهندية والبيزنطينية.

ما نعيشه اليوم في التطاحن المذهبي على لبوس الانتفاع المالي باسم الدين في وقت نجده راسخا في مجتمعات العالم قاطبة ان التعايش السلمي بين الاديان هو العلمانية التي توازي الدين كذهنية لا قبل للانسان المشرقي اليوم التخلي عنها. وقد تبلور هذا النهج الذي بدأته فرنسا منذ عام 1905 في وثيقة ترسيخ المنهج العلماني الذي يتعايش فيه الدين مع العلمانية ولا يقاطعها. لافي الحرية ولا في حقوق الانسان ولا مقاطعة منجزات العلوم فكانت هذه الارهاصات التي بدات بالنهضة الانسانية التي انبثقت اولا في ايطاليا في القرن السادس عشر الميلادي.

ولا يزال هذا المنهج المتوازي بين العلمانية والدين ساريا في جميع دول العالم عدا المتخلفة منها التي تسفك الدماء من اجل ان يتسيّد مذهب على آخر في الدين الواحد. هل توجد دولة واحدة بالعالم اغلقت الكنائس والاديرة والمساجد واماكن العبادة لانها تعارض فصل سلطة الدين ووصايتها على مؤسسات الدولة؟ الجواب عندنا في العجائب والغرائب في محاربة تغيير الوعي الجمعي الضال تحت مسمى حرمة كل شيء بالحياة لا يمرعبر فلترة رجال الدين له غالبيتهم من الفاسدين.

عن تجربة ثقافية مررت بها ربما لا تصلح ضمن مقدمة هذا الكتاب الفلسفي اقول الفكر لا يفتش لا عن الاصدقاء الذين يمتدحونه ولا عن الاعداء الذين يكرهونه. فكلاهما يحضران مأدبة تقاسم القدح والمدح ربما بلا روّية يحكمها الضمير والعقل.

مصداقا لبيت الشاعر العظيم المتنبي:

انام ملء جفوني عن شواردها........ ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

على مر تاريخ التراث العربي بمجمله كتاريخ الذي تركه لنا اجدادنا العرب كثيمة هوية حضارية كلفت الامة نزفا طويلا من الدماء وهدرا كبيرا من الثروات ومشاكل لاحصر لها من العداوات الكارثية. نجده اليوم في اسقاطنا هذا الموروث الذي ازداد ترهله في متراكم يقوم على تكرار شرح المشروح للمرة الالف على مشهدنا الثقافي العربي اليوم لنجد غرائب وعجائب الزمان المتداولة كعرف ناشز ثابت عندنا في رفع وتلميع سلعة مفكر او اديب او فنان هابط فكريا لا اهلية ولا قدرات ثقافية يمتلكها واقصاء عطاء ذاك الآخر والتعتيم على منجزه الذي يستحق الوقوف عنده والاهتمام بما هو أهل له. في تجربتي الكتابة الفلسفية لم اجد نزاهة التعامل المبدئي الذي سبقتنا فيه دول العالم كافة. حين اجد مثل كانط هذا الفيلسوف العظيم يقول (لقد ايقظني ديفيد هيوم من سباتي الدوجماطيقي) وعندما يقول نيوتن (كل منجزاتي في الفيزياء العلمية ادين بها لكبار سابقين تعلمت منهم واخذت عنهم الكثير). وهكذا في استشهادات عمالقة الفكر الغربي يحملون نظافة الضمير الاخلاقي، ونحن حين يتحاور مفكرينا بينهما نجد كل منهما حاملا سيفه لقطع عنق غريمه.

اعرف جيدا ان العطاء الذي لا يأخذ حقه في عصره حتما يكون السبب فيه عاملين اولهما التناطح والاحتراب حتى في اعتماد ادنى واحط الوسائل في النيل من الاخر على صعيد تعامل المثقفين في البلد الواحد. والسبب الثاني هو في تدني الوعي الجمعي الثقافي الذي تنخره اللامبالاة تجاه الاهتمام الثقافي امام الحصول على لقمة العيش. والثاني من تغييب الوعي الجمعي هو في المشهد الثقافي هو القتال فيه لمن يكون اللامع بقوة منطق العشيرة ووسائل تعاملها المتخلفة.

في القرن العشرين والى يومنا هذا وجدت ان اختلاف الراي لدى المثقفين العرب يتم حسمه بوسائل الاحتراب وتصفية الحساب على لاشيء الذي يجعل من مؤلف او كتاب فلان افحم فلان الاخر على مستوى المفكرين وكانما التضاد المعرفي من اجل سيادة مثقف على اخر وليس من اجل نقل الوعي الجمعي الى مرتبة متقدمة من فهمها الاسلوب العصري بالحياة. لا يمكننا التقدم الى امام في مجتمعات يرى مثقفيها الانتصار في الاحتراب على صعيد النخبة في بناء امجاد زائفة لا تخدم تقدم الوعي الجمعي بشيء. جرى معي ان القائمين على بعض وسائل الاعلام والصحف والمواقع الالكترونية يريدون ان يشتروني في حصر ما اكتبه لهم وبلا مقابل. وغالبية المفكرين العرب في المهجر هم من يمتلكون تسليط الاضاءة عليهم ولهم مريديهم من الذين يمتلكون ويجيدون وسائل تلميع الفاشلين وتقديمهم انهم مفكري الامة ومثقفيها الذين تنهال عليهم بلا روية الاحتفاءات والمهرجانات والتكريمات ومنح الجوائز والدعوات الحاتمية لالقاء المحاضرات البائسة تحت عناوين لا قيمة حقيقية لها مجتمعيا ولا حتى على مستوى النخبة.

اجد من اهم الاسباب التي كرست تخلف الوعي الجمعي السائد في مجتمعاتنا العربية هو في الاحترابات الفارغة بين المتناحرين المفكرين في تمجيد انتصار ممثلي هذا التيار او هذا المذهب الديني تاركين شعوبهم يفتك بها الفقر والجوع والمرض والجهل.

في تجارب عالمية لدى شعوب العالم الثالث كان الازدهار الثقافي ينبت ويطلع للنور من تحت انقاض الخراب ومن حاضنة التخلف المجتمعي يتنامى تدريجيا ويرى النور والحضانة والامان في رموز ثقافته انهم قادة السياسة وقادة الازدهار الثقافي. عندنا استطيع القول ان المفكرلا يكون ازدهاره الثقافي لانه سابق عصره وزمانه في هيمنة سلطة المثقفين الفاشلين وفي تغييب الوعي الجمعي الحضاري الذي ينشد الحرية وحقوقه الانسانية بحياة كريمة افضل.. امثلة ذلك نجدها في الاوساط العربية الثقافية االيوم في سجن التعامل الثقافي النظيف في غياهب دهاليز التعتيم وفي ممارسة ابشع انواع التسويق التسليعي المبتذل للفاشلين من المثقفين ومن دعاة الفكر الفلسفي شأنهم شأن تسويق الجسد جنسيا.

في بلادنا العربية وفي بلدان العالم اجمع رحل عباقرة افذاذ وفي صدرهم تئن حسرة وألم غمط حقوقهم بالحياة انهم الاكفأ من غيرهم ثقافيا. يتساؤلون لماذا لم ياخذوا حقهم المشروع المؤهل بالحياة في حين اخذ حقهم الثقافي من لا حق له في الهيمنة على مزادات وأد الابداع الاصيل في اساليب نفاق ودجل المرابين من القائمين على سوق الكتابة والثقافة التي اصبحت اليوم باجناسها المتنوعة شغل من لا شغل ولا موهبة ولا قدرة له تسعفه.اليوم اقولها بصراحة العقل الحق ان الهبوط والانحدار الثقافي بلغ في بعض الاقطار العربية اسوأ مما بلغته ومارسته بعض الانظمة العربية الاستبدادية الدكتاتورية التي حكمتهم سياسيا.

كلمة لا بد لي من قولها ان الافساد الاعلامي والثقافي العربي فاق بما لا يقاس دكتاتوريات الساسة العرب وفسادهم وبيع بلدانهم لاجنبي يحتقرهم وهم يدينون له بالطاعة والولاء. اعرف اسماء بالعشرات يطلقون مريدوهم عليهم لقب فيلسوف او مفكر او باحث فلسفي او استاذ اكاديمي بالفلسفة ويعامل في الاوساط الحكومية العربية وفي المرافق العلمية والثقافية وتخصص له الدعوات الاحتفائية به بكل التبجيل وتسليط اضاءات وسائل الاعلام المنافقة عليه وعلى امثاله التي باعت ضميرها لمن يدفع اكثر. الذي لا يعرف صاحب هذه الحفاوة من امتلاكه الاستحقاق الفكري ان لا يزيد في معرفته الفلسفية اكثر من طالب ثانوية عامة.

لقد وجدت نفسي بالكتابة طيلة اربعين عاما ذهبت سدى في مئات من المقالات واكثر من 15 كتابا مطبوعا في حينها يتوزعها الشعر والقص والنقد الادبي ومقالات السياسة. واليوم عبرت حاجز 25 كتابا فيها مايزيد على 15 مؤلفا بالفلسفة فقط.. بعد ان تجاوزت السؤال السطحي لماذا تكتب بالفلسفة الصعبة الفهم وتترك الكتابة بالسياسة سهلة الفهم.

ان كفاءتي وقدراتي الثقافية وحبي الكتابة بالفلسفة تحديدا جعلتني اهجر كل الاجناس في الكتابة الادبية عن قناعة وتجربة عشتها لاختص بالكتابة الفلسفية وكان اول كتاب طبعته لي دار الشؤون الثقافية في بغداد عام 2011 بعنوان (سيسيولوجيا الاغتراب.. قراءة منهجية نقدية في فلسفة الاغتراب).

بعدها توالت اصداراتي الفلسفية وانا محارب في مدينتي مسقط راسي الموصل ومنعزل عن اصحاب عاهات النقص والغيرة في التشهير بغيرهم من اصحاب المواهب الثقافية الجديرة بالاهتمام. وعدم مجاراتي الكتابة الفلسفية حتى على مستوى اساتذة اكاديميين اختصاصهم تدريس الفلسفة بالجامعات العراقية والعربية مع كل احترامي للاكفاء منهم وهم قلة قليلة يعرفون جيدا قيمتهم الفكرية.

بهذا الكتاب نضج عندي منهج النقد الفلسفي في تناولي مواضيع مختلفة من تاريخ الفلسفة حيث وجدت نفسي ملزما مراجعة اخطائي وتصحيحها اينما وجدت في مقالاتي ومؤلفاتي الفلسفية. لكن الاهم من ذلك لم اجد باحثا في مجال الفلسفة تعاطف معي محكوما بدوافع الغيرة وعدم الاهلية بالتكافؤ الفلسفي مع كتاباتي الفلسفية.

لهذا اعتمت طاقتي الذاتية في مراجعة نقدية صارمة لكتاباتي. مفارقة مؤسية كنت ضحيتها اني دخلت النصف الثاني من السبعينيات وانجزت طباعة ما يربو على 25 مؤلفا لم يكتب احدا عن تجربتي لا من المفكرين الفارغين ولا من المثقفين التافهين الذين يجدون في قامة فكرية تقزيم لحجمهم القزم المنافق وتفكيرهم السطحي في الابتعاد جدا عن مهمة الثقافة في انتشال الشعوب من وضعها الماساوي انها تعيش القرون الوسطى الاوربية بتفكيرها المتخلف.

اثناء كتابة مقالاتي ومؤلفاتي التي لاقت اقبالا قرائيا لعدد كبير من المتابعين على اكثر من خمسة مواقع الكترونية عربية بلغت بالمئات بل الالاف كما هو على موقع الحوار المتمدن وموقع المثقف وموقع كوة المغربي حيث قرائي بالمئات واكثر.

هذا الانجاز الفلسفي الذي اعتز به اجبرني على عدم تكرار نفسي بما اكتبه من ناحية وعدم نسخ افكار وآراء غيري من فلاسفة غربيين واميركان واكتب هوامش على سيرتهم الذاتية بما لا قرابة تجمعها مع اراء ذلك الفيلسوف.

لذا عمدت مبدأ ان يبقى ما اكتبه بالفلسفة مميزا من ناحية استقبال المتلقي القاريء . في الكتابة التي لها وقع حسن في ممارستي نقدا مكافئا رأي فلسفة المنقود الاجنبي. اذ ان تخصصي في الكتابة الفلسفية قادتني الى مناقشة فلاسفة معاصرين فرنسيين والمان وامريكيين ومن جنسيات عالمية مختلفة. لذا لم اكتب شيئا عن الفلسفة العربية الاسلامية التي هو موروث كتب تحت وصاية الحاكم وتجريم الاجتهاد خارج تطويع كل الفكر الفلسفي المترجم والمؤلف عربيا تحت وصاية فقه التدين الزائف.

ثبت لي واستفدت منه كثيرا ان كل تجديد بالفكر الفلسفي وفي ضروب الاجناس الادبية المنوعة يصطدم لا محالة بجدار اخطاء لم يدركها الباحث او الكاتب الا بعد وقت لاحق على نشرها. لذا كنت حريصا على مراجعة قاسية في نقد ما اكتبه بصرامة منهجية وكانما العمل المنقود لست صاحبه.

اود الاشارة الى مقولة فيلسوف اللغة فينجشتين ان تاريخ الفلسفة هو تاريخ تصحيح اخطاء معنى اللغة. وبدوري اقول ان تاريخ الانسان انثروبولوجيا – معرفيا انما هو تاريخ تصحيح اخطاء ذلك التاريخ اذ وصل الوعي الجمعي اليوم من النضج الاستقبالي في عدم تمرير ما لا يقبله العقل والمنطق في العلوم وفي جميع السرديات النظرية الكبرى. كل هذا واكثر منه جعل المفكرين العرب لا يترددون بكتابة ماهو نسخ استعراضي منقول بنفس وقت عدم تجنبهم كتابات هوامش لشرح افكار فيلسوف اجنبي في نوع من اسراف التبجيل ومعصومية الافكار.

بقيت الاشارة الى ان كتابي الفلسفي هذا انما هو حصيلة تفكير فلسفي بلغ نضجه المقبول لدي غير الكامل بالقياس الى ما اطمح له مستقبلا. اترك للقاريء 36 مبحثا فلسفيا جديرا بالقراءة لمحبي الفلسفة من المتخصصين وطلبة الجامعات والمثقفين عموما. كتاباتي الفلسفية النقدية المنهجية لفلاسفة عالميين كبار تعتمد مسارا فلسفيا بملامح عربية بما انشده في خلق مشروع فلسفي جاد وكفوء في مجارات غيرنا في دول العالم. اترك كما قلت استعراض عناوين فصول الكتاب ليجد القاريء اهمية وجدارة ما يصرف لها من وقت لقراءة مجدية في الفلسفة والمعرفة والثقافة عامة.

***

الباحث الفلسفي المفكر علي محمد اليوسف /الموصل

اب 2022

الخير يستنفد المرء بشدة، كما حذرتُك. فالأشرار يحصلون على قدرِ أكبر من التسلية، ويعيشون عمراً أطول وحياة أفضل من القديسين أمثالك.

ايزابيل الليندي من روايتها "فيوليتا"

تُرجمت كتبها إلى أكثر من 42 لغة وبيعت منها أكثر من 75 مليون نسخة حول العالم. في معظم رواياتها تحاول إيزابيل الليندي استذكار لحظات الماضي الذي بات موحشا بعد رحيل الجميع واخرهم والدتها التي توفيت قبل سيطرة فايروس كورونا على العالم باشهر قليلة. بعد وفاة ابنتها "بولا" اصيبت بالاحباط، وامتنعت عن الكتابة، لكنها ستعود عام 1994 برواية "باولا" – ترجمها صالح علماني -، قالت: "أردت وصف الألم الرهيب لرؤية ابنتي تموت بينما انا استمر في العيش". إلى جانب الحب والعنف وقوة المرأة وغياب الآباء، يظل الموت يرافقها من "بيت الأرواح" إلى "سفينة نيرودا"، لتعيد سرد حكايته في روايتها التي صدرت مؤخرا بعنوان " فيوليتا " – صدرت ترجمتها العربية عن دار الاداب بترجمة مارك جمال – وفيها تروي حكاية والدتها التي تمنت ان تعيش مئة عام، لكنها توفيت قبل عام واحد من تحقيق امنيتها تقول ايزابيل الليندي وهي تسترجع حياة والدتها وتجربتها في الحياة: "كل شيء يموت، كان من المهم توضيح ذلك في الرواية، أنه كلما طالت مدة حياتك، كلما خسرت اكثر "4429 ايزابيل الليندي

قبل ان يعلن فايروس كورونا عن نفسه كانت ايزابيل الليندي قد بدأت بكتابة رواية " فيوليتا"، واثناء انتشار الوباء لم تكن تعرف اين ستسير الاحداث ؟، فهي منذ كتابة اولى رواياتها لا تزال تتعامل مع شخصيات رواياتها على انهم اسرار غير واضحة، فهم يصبحون بشرا على الورق:" يبدأون في التحدث إلي والقيام بأشياء لم أتوقعها أبدًا. ثم أعرف أن الكتاب قادم ".. الرواية التي انجزتها اثناء الجائحة تروي فيها حكاية امرأة تعيش مائة عام. ولدت في وقت انتشار وباء الانفلاونزا الاسبانية عام 1918، هذا الوباء الذي وصل إلى تشيلي في عام 1920. وستتوفى بطلة الرواية عام 2020، وهذه المرة سيكون وباء كورونا خاتمة لحياتها التي استمرت قرنًا من الزمان.

إيزابيل الليندي التي ولدت في الثاني من آب عام 1942، عاشت معظم حياتها في بيت جدها، دار عجيبة كانت فيها جدتها مغرمة بالأشباح، في هذه الدار خالان غريبا الأطوار، أحدهما أمضى عدة سنوات في الهند ليرجع يعيش حياة فقير هندي يتكلم السنسكريتية ويتغذى على الخضراوات فقط، والآخر كان مهووساً بالقراءة، وبفضله قرأت روايات تولستوي، وأميلي برونتي وفوكنر وديكنز، في الحادية عشرة من عمرها انتقلت مع أمها للعيش في بوليفيا، بعد أربع سنوات من التنقل بين بوليفيا وبيروت والارجنتين، تعود مع اخويها الى تشيلي، لتعيش من جديد في بيت الجد، كانت قد تخطت الخامسة عشرة بأشهر قليلة، تهيء نفسها لأن تصبح راهبة، فقد كانت في قرارة نفسها تعتقد إنها ستعيش طوال حياتها عزباء، في الأربعين من عمرها حين حمل إليها البريد ذات يوم من عام 1982 خمس نسخ من روايتها الاولى"منزل الارواح"، شعرت بالرهبة والخوف من أن يفتضح سرها وخبأتها في درج المكتب. كان عليها الإنتظار أسبوعاً لتجد الصحف تشيد بروائية جديدة، توضع صورتها الى جانب صور ماركيز ويوسا. أحدثت الرواية ضجة بين أفراد عائلتها الذين وجدوا حياتهم مكشوفة أمام الآخرين، وقد كتبت إيزابيل قائلة:"في السنوات الأخيرة تعلمت شيئاً واحداً مؤكداً أن لا شيء يجعل روحي تُغني مثل الجلوس وأمامي ورقة

تدور أحداث " فيوليتا" في باتاغونيا التشيلية، مع لحظات في الأرجنتين وميامي والنرويج، وتتناول الرواية مجموعة من الموضوعات، من النسوية وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى المشاعر العاطفية والخيانة الزوجية وحتى الاحتباس الحراري.

نشأة فكرة الرواية بعد وفاة والدتها التي كانت تتبادل معها الرسائل بشكل يومي:" كنت أكتب لأمي، وكانت هي تكتب لي لمدة عقود كل يوم. استأجر ابني شركة لرقمنة الرسائل، وقد قدروا أنها تبلغ حوالي 24000 رسالة. كل شيء هناك؛،حياة أمي كلها، وكذلك حياتي. ولكن الآن بعدما فقدت أمي، ليس لدي سجل يومي للحياة التي عشتها كل يوم، وأدرك أن أيامي تمُر سريعاً جداً

تقدم لنا ايزابيل الليندي في " فيوليتا " ملحمة روائية نجد لها روابط وثيقة مع حياتها الشخصية: ضياع ثروة العائلة، وزواج عاصف تتخلله علاقات الحب، ومكائد الأسرة والأصدقاء على مدى قرن من الزمان. الاضطرابات السياسية في وطنها، قالت انها ارادت استخدام الاوبئة كنهاية للقرن الذي تعيش فيه فيوليتا وعاشته امها ايضا:" كانت والدتي إنسانة رائعة لكنها لم تكن تتمتع بحياة استثنائية. تعيش فيوليتا بطريقة أتمنى أن تفعلها أمي. كانت والدتي أكثر اعتمادا على الآخرين: فقد اعتمدت أولاً على والدها، ثم على زوجها، ثم على زوجها الثاني. كان لديها رئيس جيد جدا للعمل. كانت مبدعة للغاية، كانت فنانة جيدة. لكنها لم تفعل أيا من ذلك ".

تقول لمراسل وكالة رويترز من منزلها في كاليفورنيا،: "ككاتبة، كان الوباء فرصة للحصول على الوقت والصمت والعزلة ".

منحتها العزلة التي فرضها فايروس كورونا، الفرصة للكتابة بشكل يومي:" لقد كنت في معتكف الكتابة المثالي. في العام ونصف العام الماضيين، كتبت فيوليتا و"روح امرأة"، وانتهيت من رواية أخرى. يبدو أن مصدر الإلهام يختبئ معي في المنزل".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

صدر حديثاً للمؤلف جون فرانزن كتابه الموسوم (نجمة حمراء في سماء العراق- الشيوعية العراقية ما قبل صدام)، وبواقع (403) صفحة من الحجم الوزيري، والكتاب يشير إلى تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. وقد ترجم الكتاب الأستاذ سعود معن الكاتب والصحفي من مواليد الموصل 1994م. وتقديم للكتاب من قبل الكتور الراحل كاظم حبيب. والمؤلف جون فرانزن: محاضر في مادة سياسة الشرق الأوسط في جامعة "ايست انجليا" ومؤلف كتاب "تاريخ العراق الحديث". ويحمل المؤلف شهادة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، وقد نشر العديد من المقالات والدراسات حول السياسة والتاريخ في العالم العربي.

لقد اختار المؤلف موضوع الحزب الشيوعي العراقي بعد أن تعرف على تاريخ العراق والصراعات السياسية والفكرية التي اقترنت به منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة، لكن السيد فرانزن اتهم الحزب الشيوعي العراقي بكتابه بـأن الحزب هو (حزب قومي يساري خلال فترة اغتصاب صدام حسين للسلطة عام 1979)، وأجد أن فرازن ليس على حق بهذا الاتهام، لأن الحزب الشيوعي العراقي حزباً أممياً في نظرته للشعوب والقوميات دون اسثناء، كما أن الحزب لم يجد يوماً تناقضاً كونه أممياً وفي شعبٍ مكون من عدة قوميات يحترمها جميعاً.4426 نجمة حمراء في سماء العراق

ويمكن القول إن الحزب الشيوعي العراقي هو أهم منظمة سياسية في الشرق الأوسط لم تصل قط إلى سلطة الدولة، ولا شك في تأثيرها الهائل على مسار التاريخ العراقي والشرق الأوسط الحديث، ومنذ تأسيسه عام 1934م وحتى زواله التنظيمي في مواجهة اضطهاد البعث عام 1979م، شكل الحزب أحد اللاعبين السياسيين الرئيسيين في العراق، وأثرَّ على السياسة بطرقٍ عدة.

وفي موقع آخر يشير الكاتب فرانزن إلى أن هناك (كانت النجاحات السياسية والايديولوجية للحزب الشيوعي العراقي، هي التي تسببت في سقوطه النهائي. وكونه منظمة سياسية واجتماعية واقتصادية وايديولوجية كانت الأفضل من أي حزب آخر في العراق... مما جعلته منظمة معرضة للخوف والحسد والنسخ والتقليد لمجموعات أخر).

صحيح أن التحالف الجبهوي مع حزب البعث للفترة (1973-1979م) قد أخطأت قيادته في إقامة هذا التحالف مع حزب البعث ونظامه السياسي الديكتاتوري في عام 1973، وخسر كثيراً من جماهيريته ورؤية الناس له ولدوره السياسي، إذ كان الناس يخشون على الحزب من حزب البعث الذي ذبح قادة الحزب وقواعده عام 1963م، لكنه تمكن من استعادة روحه النضالية الجريئة بعد عام 1979وبمصداقية الناس به.

لكن الحزب بقيَّ لفترات طويلة مختلفة من تاريخه النضالي الطويل من حيث القوة والشعبية والدور المهم في قيادة النضال، حاملاً رايته عالياً وشعاره الوطني والديمقراطي الشعبي ما زال فاعلاً في وطن حر وشعب سعيد، ولم تأفل نجمته الحمراء، بل ستبقى مشعّة في سماء العراق، مع واقع استمرار ملاحقة الحزب طيلة وجود حزب البعث في السلطة حتى عام 2003م.

واليوم يمر الشعب العراقي بمحنة ما بعدها محنة في ظل نظام سياسي طائفي فاسد في العراق، أجد على قادة الحزب بضرورة مراجعة ودراسة متأنية للإخفاقات التي حصلت خلال مسيرة الحزب، وخاصة تحالفاته الغير مدروسة مع الجهات الإسلامية المتطرفة التي سببت للحزب فقدان جزء من شعبيته وابتعاد البعض عنه من رفاقه واصدقاءه.

واتمنى من ضرورة الاطلاع والقراءة المتمعنة لهذا الكتاب لما اجده من نظرة نقدية مؤيدة او رافضة لمسيرة الحزب لتطوير واغناء الأفكار والمواقف؟

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

"الأنوار لا تتزاحم" عنوان الكتاب الذي أصدره الباحث والكاتب المغربي محمد التهامي الحراق، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط المملكة المغربية، 2022م.

تأتي أهمية هذا الكتاب، بكونه ينتمي إلى مجال الكتب والدراسات والأبحاث الجادة، التي تعنى بسؤال التجديد والتنوير، في التعاطي مع مختلف القضايا الراهنة، التي ترتبط بأسئلة الدين والتدين والفن والحرية والحضارة والحوار والنهضة... برؤية منهجية تحليلية يغلب فيها، جانب التركيب بنفس نقدي وتحليلي لمختلف الطروحات والرؤى ووجهات النظر الفكرية في مجال الثقافة العربية الإسلامية القديم منها والحديث، فعلى طول الكتاب تحضر نصوص ووجهات نظر لقامات علمية في مختلف مجالات المعرفة المتصلة بالفلسفة الإسلامية أو المتصلة بمجال العرفان والتصوف أو المتصلة بمجال الفلسفة الغربية، أو المتصلة بمجال الفكر العربي...

استحضار نفس البعد التركيبي في بسط موضوعات الكتاب، نابع من وعي صاحبه محمد التهامي الحراق، بالأهمية المعرفية لمختلف المشاريع الفكرية التي جعلت من التفكيك مدخلا أساسيا في قراءة وفهم وتحليل الموروث الثقافي الإسلامي، وقد ملأت هذه المشاريع المكتبة العربية الإسلامية منذ النصف الأخير من القرن العشرين، فلا شيء يتبع التفكيك ويليه غير التركيب، لقد تمكنت الحضارة المعاصرة اليوم من تفكيك كل شيء، وفصل مختلف المكونات عن بعضها البعض، وهي اليوم تعاني من أزمة منهجية حادة في التصورات التركيبية التي تنظر إلى الإنسان والظواهر والأشياء والكائنات في علاقة بعضها مع البعض الآخر، ومن هنا تأتي أهمية كتاب "الأنوار لا تتزاحم" بكونه يقرب القارئ من الأـزمة المعرفية التي تعاني منها الحداثة في نظرتها للحياة والوجود والإنسان، وذلك بإبعادها كل ما هو روحي وغيبي.

لا نقلل هنا من قيمة التفكيك ولكن لا ينبغي التوقف عنده، في سياق الفهم المتكامل لمختلف القضايا، وفي هذا الإطار نذكر بكون القرآن الكريم يضم عملية التفكيك والتحليل لما سبقه من الكتاب، كما هو بين يدي أهل الكتاب، وكذلك في حديثه عن مختلف الحضارات الضاربة في القدم، من قبيل الحضارة الفرعونية، وفي الوقت ذاته فالقرآن يقدم لنا رؤية قرآنية تركيبية للكتاب كله، يحضر فيها التداخل بين عالم الغيب والشهادة وبين عالم الحواس وعالم الروح، فالقرآن ليس همه التفكيك بقدر ما يهمه أن يحيي في الإنسان ويوجهه لأهمية الابعاد الكلية والتركيبية في نظرته لأخيه الإنسان وللحياة وللوجود.

فالسؤال هنا كيف تأتى للدكتور التهامي الحراق الوعي بأهمية التركيب؟ الجواب هنا بالنسبة للقراء الذين اطلعوا على كتابات التهامي الحراق، سيكون شبه بديهي، بكون الرجل مختص في البحث في مجال التصوف والعرفان في بعده الفكري والفلسفي والجمالي، والمقصود بالتصوف هنا لا يتوقف عند الطقوس والعادات... بل بكونه يمنحنا نظرة منفتحة للوجود وللحياة وللعالم، تلك النظرة التي تخرجنا مما هو ضيق إلى ما هو مفتوح ومما هو محلي إلى ما هو كوني، ففي هذا السياق يستحضر المؤلف قول جلال الدين الرومي "أينما كان النور فأنا الشغوف به  وأينما كانت الزهرة فأنا الفراشة، وأينما كان الجمال فأنا العاشق، وأينما كانت الحكمة فهي ضالتي..!"

في سياق الوعي المنهجي بأهمية سؤال التركيب جاء عنوان الكتاب "الأنوار لا تتزاحم" ففي الازدحام تضيق الأنفاس، ويضيق الناس بعضهم ببعض، لأن ما يميز الازدحام هو فوضى الوجهة والاتجاه، فحالة المسجد وهو ممتلئ بالمصلين لا يعد ازدحاما، والحج وهو ممتلئ بالحجاج والمعتمرين لا يعد ازدحاما، لأن وجهة واتجاه المصلين والحجاج والمعتمرين وجهة واتجاه واحد، هو الله الواحد الأحد، فصفوف المصلين وكذلك طواف الحجاج في حالة تكامل وتآلف لا ازدحام. كذلك هي الأنوار تتكامل وتتآلف، ولا تتعارض ولا تتصادم، في هذا السياق نستحضر قول صاحب الكتاب محمد التهامي الحراق (ص.22) قوله:" إن ما نطرحه هنا ينطلق من كون روح الأنوار واحدة في أنوار الإسلام وأنوار الحداثة، مثلها ينطلق من أن ثمة احتياجا متبادلا لانقاد كل واحدة للأخرى من الانحرافات التاريخية التي أدت إلى خيانة الأنوار فيهما معا. لذلك، فالأنوار بهذا المعنى لا تتزاحم، وهي حقيقة فزيائية أيضا" وقوله في (ص.19) " ليس القصد هنا استيفاء الحديث عن معالم الأنوار في المرجعيتين الحداثية الغربية والروحانية الإسلامية، وإنما القصد هو الإشارة إلى ثراء، حضور الأنوار في المرجعيتين، لكن بأفقين مختلفين، أزعم مع الزاعمين أن بالإمكان صياغة أفق ثالث برزخي تلتقي فيه أنوار المرجعيتين بحيث تتلاقى وتتكامل "هذا النص وما سبقه، ومثله كثير على طول صفاحات الكتاب، يكتنز تحريرا منهجيا من معضلة التفكير بمنطق الثنائيات من قبيل: الدين/ العلم. الإسلام/ العلمانية. الغرب/ الشرق

الكتاب يغطي 330 صفحة، ويتكون من مدخل وفصلين، الفصل الأول: طروح نقدية، والفصل الثاني: عبارة عن حزمة حوارات أجرتها الأستاذة سناء بن سلطن مع المؤلف، ولا شك أنه مساهمة جادة في بسط رسالة التنوير.

***

د. صابر مولاي احمد

كاتب وباحث مغربي مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية

 

عن (دار الوسط للنشر في رام الله)، أصدرت الباحثة الدكتورة روزلاند كريم دعيم كتابها الجديد في حُلّته وطبعته الثانية: "عشْتَار الْعَرَبِيَّة- رُؤْيَةٌ حَضَارِيَّةٌ في الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِم"، وأهدته إلى والدتها تريز النابِلسي أمدَ الله بعمرها، وإلى روح والدها كريم الدَّعيم طيب الله ثراه، وإلى أبناء أسرتها نبع المحبة والعطاء، والدعم على تجربة غنية بالأعياد والمواسم والمناسبات، وعلى تحديات كونِيّة طُرِحت أمامها، لتستوعب العالم بنظرة إنسانية دون فوارق بين بني البشر، قبل أن تدرك النظرية، وإلى أبناء مدينتها الجميلة "حيفا" التي يتنازع عليها الكرمل بشموخه، والمتوسط بأمواجه، وإلى أبناء موطنها عمومًا في البلاد والشتات.

وتقدمت د. روزلاند دعيم بشكرها الجزيل لكل من أسهم بإخراج هذا الكتاب إلى النور، بالقراءة والملاحظات والحث على الإصدار والتدقيق، وخصت بالذكر: د. زاهي سلامة، د. رنا صبح، الأستاذة نادرة يونس على دعمهم وتشجعيهم وحثهم اليومي، على القراءة والملاحظات والتدقيق اللغوي، والبروفسور علي صغيّر على قراءة فصل الموحّدين الدروز، وإبداء الملاحظات والاقتراحات، والأستاذة مرلين دعيم عيساوي على ترجمة المقدمة باللغة الإنجليزية، والأستاذة الشاعرة آمال عوّاد رضوان على مرافقتها منذ البداية، ومتابعة الطباعة والتدقيق والنشر، دار الوسط للنشر والإعلام متمثلًا برئيسه ومديره الكاتب والإعلامي الأستاذ جميل حامد، على التعامل المهني خلال المراحل المختلفة لإصدار الكتاب.

وقالت الباحثة في مقدمة الكتاب: "استمد الكتاب فلسفته من المجتمع في لحظة حياته الآنية، وتم جمع جزء من المادة خلال العمل الميداني، ولا ندَّعي في عملنا هذا الكمال، إذ لا مجال لاحتواء كل ما جاءت به الحضارة التراكمية والفكر الإنساني في فصل أو كتاب، فنحن ننهل من حضارة كنعانية ممتدة عميقًا، تمازجت وانسجمت مع ثقافة بابلية، وفينيقية وفِرعَونية لا تقل عنها أصالة وعمقًا، إلا أنها تشكِّل لَبِنَة في فكر معاصر لحضارة راسخة، ولعلها دعوة للباحثين، لتوثيق ملامح إضافية من الحضارة المحيطة بهم، وربما تكون مرجعًا للأجيال اللاحقة".

تبدأ فصول الكتاب الذي جاء في 208 صفحات من القطع فوق المتوسط، بطرح مفهوم الأديان والأعياد والمناسبات والمواسم الدينية بشكل عام وخاص، وما يرتبط بها من نواحٍ وعواملَ وأسس تاريخية ودينية وحضارية، فتضمّن المحتوى ثلاثة فصول مُدرّجة: بأعياد المسيحيين، وأعياد المسلمين، وأعياد الدروز، فشمل المحتوى:

الإهداء، الشكر، المحتوى، المقدمة، مدخل حول الدين والأعياد والمناسبات الدينية، ثم الفصول:

الفصل الأول: أعياد ومناسبات المسيحيين:

1. عيد الميلاد المجيد بين الماضي والحاضر. عيد الميلاد المجيد. رسالة السيد المسيح. الاحتفال بالعيد. بداية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد تاريخيًّا. شجرة الميلاد. شموع العيد، زينة الشجرة وبيئتها الطبيعية، مغارة الميلاد، بابا نويل وهدايا العيد، الطابع الشعبي لعيد القديس نيقولاوس، بطاقات المعايدة والتوال الاجتماعي، مائدة عيد الميلاد، وصلوات عيد الميلاد.

2. عيد رأس السّنة الميلادية، يشمل الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، والتقويم الميلادي.

3. عيد الغطاس أو الظهور الإلهي (إبيفانياEpiphany )، ويشمل الاحتفالات الشعبية في عيد الغطاس/ الغطس في الماء، العجين والخمير دايم دايم، حلوى العيد، الأمثال الشعبية المرتبطة بعيد الغطاس، والقصص الشعبية المرتبطة بعيد الغطاس.

4. عيد القديس ڤالنتايْن: يشمل قصة القديس ڤالنتايْن، أصول العيد الوثنية، مهرجان الخصب؛ العيد الروماني الوثني، مهرجان لوبركاليا الروماني Luper Calia، تقديم الڤالنتايْن على الطقوس الوثنية، احتفالات عيد الحبّ المعاصرة، بطاقات عيد الحبّ، الورود الحمراء، الدببة البيضاء (الدباديب)، والقلوب الحمراء.

5. جولة في حضارة الفصح الفلسطينية بين الماضي والحاضر، ويشمل الصوم الأربعيني الكبير، استقبال العيد، كعك العيد، بيض العيد المسلوق الملون، أرنب الفصح، ديانات عديدة وحضارة واحدة: خميس الأموات والجمعة العظيمة، المعايدة

6. تجليات الزمان والمكان في احتفالات سيدة الكرمل العذراء مريم في حيفا، ويشمل السيدة العذراء، الفترة الافتراضية، الاحتفال بتطواف سيدة الكرمل وبداية مئوية جديدة، الإعلان عن المسيرة، علاقة السيدة العذراء بجبل الكرمل، تطواف سيدة الكرمل التقليدي، الخلفية التاريخية، تمثال السيدة العذراء، الطريق وطقوسها، استقبال الزوار وتكريمهم

7. عيد رفع الصليب المحيي الكريم، شمل القسم الأول: الخلفية الحضارية، والعادات الشعبية في عيد الصليب، ومكانة عيد الصليب في حياة الفلاح الفلسطيني، وعادات زراعية مرافقة لموسم عيد الصليب، والأمثال الشعبية. وشمل القسم الثاني: الخلفية التاريخية، البحث عن الصليب، قسطنطين الكبير، هيلانة القسطنطينية، الإعلان عن إيجاد خشبة الصليب، بناء كنيسة القيامة وكنيسة المهد، سرقة الصليب وإعادته إلى المدينة المقدسة، طقوس وتقاليد قديمة مرتبطة بالصليب، الطقوس الدينية في عيد الصليب، رموز عيد الصليب، الرمان، الرمان بمفهوم الكنيسة، الحبق.

8. عيد اللد أمير الشهداء مارْ جريس الفلسطيني، من الألقاب والأسماء التي ترافقه، حياته وسيرته، مدينة اللد، معالم مدينة اللد، بناء كنيسة اللد، أيقونة القديس جوارجيوس ورموز تحملها، أسطورة القديس جوارجيوس وأصولها البدئيّة، أسطورة أندروميدا في المثولوجيا اليونانية، أسطورة بيليروفون في الميثولوجيا اليونانية، مديحة مار جريس في الأدب الشعبي، احتفال عيد اللد، عيد اللد في الحضارة الفلسطينية، أمثال الفلاح الفلسطيني في عيد اللد، وكيف تمازجت شخصية جوارجيوس جريس مع شخية الخضر في التراث الفلسطيني

9. عيد القديسة بربارة العظيمة في الشهيدات: سيرة حياة القديسة بربارة، يوليانة الوثنية تنال الشهادة، الاحتفالات الشعبية في عيد البربارة، صينية البربارة من القمح المسلوق، الطقوس التنكرية، البربارة في المدائح الدينية، البربارة في الأمثال الشعبية.

الفصل الثاني تضمن أعياد ومناسبات المسلمين، ومفهوم العيد في الثقافة الإسلامية

1. رأس السنة الهجرية، التقويم العربي قبل الإسلام، النسيء قبل الإسلام، الكبس عند العرب، رأس السنة الهجرية، التقويم الهجري، تحريم النسيء، الاحتفال بالمناسبة، الحكمة والتخطيط السليم بين الدعوة الإسلامية والهجرة النبوية، الهجرة الى الحبشة، عام الحزن، الهجرة الى الطائف، يثرب، الدخول في الإسلام، العقبة الأولى، العقبة الثانية، الهجرة الى يثرب، الثقة والأمانة؛ الاستعانة بالدليل عبد الله بن أُرَيْقِط، معجزات الطريق: غار ثَوْر، سراقة بن مالك، قُباء وتأسيس أوّل مسجد في الإسلام، المسجد النبوي، الاستقبال في يثرب، يثرب المدينة المنورة وتأسيس الدولة الإسلامية.

2. ذكرى المولد النبوي الشريف بين الجانب الديني والجانب الحضاري، شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، ولادة الرسول  وسيرة حياته، حادثة شقّ الصدر، بين جدّه وعمّه، الراهب بَحيرى وشارات النبوة، الحجر الأسود، زواجه، رسالته، الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

3. ذكرى الإسراء والمعراج، معنى الإسراء والمعراج، تاريخ حدوث الإسراء والمعراج، الخلفية التاريخية، أحداث الرحلة، والبُراق.

4. لمحات رمضانية بين الجانب الديني والجانب الحضاري، رمضان في الجاهلية، الصوم في رمضان، ممارسات رمضانية بين الدين والمجتمع، الصلاة، صلاة التراويح، المدائح والتوحيشات، المؤذن، مدفع الإفطار، المسبحة، الطعام، فطرة رمضان وزكاة المال، وجبة الإفطار، وجبة السحور، مأكولات خاصة، المسحِّر وفانوسه وطبلته، والفانوس.

5. الحج إلى الديار الحجازية بين الفترة التكوينية والفترة الافتراضية، يشمل: بعد الحج "بمرحلة"، عيد الأضحى المبارك لدى المسلمين والموحّدين المعروفيين الدروز، الحج في الحضارة العربية، الفترة التكوينية للحج، سارة وهاجر، البيت العتيق، وتقاليد الحج المعاصرة.

الفصل الثالث عن أعياد ومناسبات الموحّدين الدروز، ويشمل:

1. الموحِّدون الدروز، ألوان العَلم الخمسة، المقامات والطقوس الدينية في الجليل والجولان، زيارة المقامات في الجليل والجولان، أنواع الزيارات، أهداف الزيارة، تقاليد الزيارة العامة، آداب الزيارة الخاصة، مقام بهاء الدين (صلى الله عليه)، الست سارة (رضي الله عنها)، مقام الست شَعْوانة (رضي الله عنها) في عين قينيا، الجولان، ومقام سيدنا اليعفوري (صلى الله عليه) في مجدل شمس، الجولان.

2. سيدنا الخضر (صلى الله عليه) مخترق الزمان وعابر الأديان، عابر الأديان، مقامات الخضر (صلى الله عليه)، مغارة سيدنا إلياهو الخضر (صلى الله عليه) في حيفا، مقام سيدنا الخضر (صلى الله عليه) في كفرياسيف، أقسام المقام، مغارة سيدنا الخضر (صلى الله عليه) في البعنة دير الأسد، قصص ومعجزات، سيدنا الخضر والاستسقاء.

3. زيارة مقام النبي شعيب (صلى الله عليه) في حطين، النبي شعيب (صلى الله عليه)، زيارة مقام سيدنا النبي شعيب (صلى الله عليه) في حطين، والاحتفالات الشعبية والدينية.

4. كرامات النبي سبلان (صلى الله عليه)، النبي سبلان (صلى الله عليه)، قدسية المكان، بين القصص العامة والقصص الخاصة، من القصص العامة، قصة عين الدِّرِّة، قصة وادي الحَبيس، قصة البَليلة، قصة عنزات النبي سبلان (صلى الله عليه)، قصة شجرات النبي سبلان (صلى الله عليه)، قصة السارق الذي انعقد لسانه.

وتختم البحث بالمراجع والمصادر، INTRODUCTION، وعن المؤلفة د. روزلاند كريم دعيم في سطور .

المؤلفة د. روزلاند كريم دعيم في سطور:

د. روزلاند كريم دعيم من مواليد وسكّان مدينة حيفا.

حاصلة على شهادة الدّكتوراة في الفلسفة، في قسم الأدب العبراني والمقارن، جامعة حيفا.

موضوع الرّسالة: "قصص إيليّا النّبيّ، إلياس والخضر الّتي رواها زائرو مغارة إيليّا الخضر ودير الرّهبان الكرمليّين في حيفا" - دراسة إثنو-أدبيّة.

أستاذة جامعيّة برتبة محاضر كبير في الكليّة الأكاديميّة العربيّة للتّربية، حيفا. وتشغل منصب عميدة شؤون الطّلبة.

باحثة في الحضارة والأدب والإثنوغرافيا الوصفيّة وأدب الأطفال، لها عدّة مقالات وأبحاث منشورة في دوريات محكَّمة.

لها أكثر من دراسة في الأغنية الشّعبيّة للطفل، تعزيز اللّغة والهُويّة لدى الطّفل، وتقديم الأعياد للأطفال في المؤسّسة التّربوية

كتبت عدّة قصص للأطفال، وترجمت عدّة قصص إلى العربيّة.

ناشطة في مؤسّسات المجتمع المدنيّ؛ رئيسة جمعيّة الجليل، للجمعيّة القطريّة للخدمات والبحوث الصّحّيّة، ومقرّها في شفاعمرو (2009-2013)، عضو الهيئة التّمثيليّة للمجلس المِلّي الأرثوذكسيّ، ولجنة المعارف الأرثوذكسيّة - حيفا، وعضو إدارة جمعيّة التّطوير الاجتماعيّ (1986-2005) - حيفا.

ومؤسِّسة ورئيسة (نادي الكنعانيات للإبداع) في البلاد.

***

بقلم: آمال عوّاد رضوان

عندما أجد كتابا عليه اسم المترجم التونسي "ناجي العونلي" اقتنيه على الفور، لثقتي الكبيرة باختيارات هذا المترجم المتميز، يكفي انه تصدى لترجمة واحد من اصعب كتب الفيلسوف الالماني هيغل " فنومينولوجيا الروح"، علما ان كتاب هيغل سبق ان ترجمه الى العربية المترجم الهيغلي الكبير امام عبد الفتاح امام، لكني حرصت على اقتناء نسخة ناجي العولني ايضا.. قبل اسابيع وجدت اسم العونلي على كتاب بعنوان " نقد العقل الكلبي " للفيلسوف الالماني بيتر سلوتراديك من منشورات دار الجمل، ورغم انني لا اعرف الشيء الكثير عن سلوتراديك، فلم يترجم له حسب علمي سوى كتابه الشهير " الانجيل الخامس لنيتشه " وقبل ايام وصلني كتابه " أمزجة فلسفية " ترجمة جميلة حنيفي. إلا ان العنوان " نقد العقل الكلبي " كان مثيرا ومستفزا بالنسبة لي خصوصا انني شغوف بقراءة كل ما يتعلق بالفلسفة الكلبية التي اسسها الفيلسوف " أنتستينس " في القرن الرابع قبل الميلاد والذي كان يعلم تلامذته في ساحة تسمى " الكلب السريع ". وكان أنتستينس هذا قد كرس نفسه لمتابعة سقراط حيث اعجبه استقلال هذا الفيلسوف، واذا عرفنا ان سقراط كان لا يكترث للثروات ولا بمديح الناس له. فقط كان هدفه الحصول على الحكمة الخيرة، فان أنتستينس جعل من الاستقلال مثلا اعلى لحياته، كان يردد ان الفضيلة وحدها كافية لتحصيل السعادة. والفضيلة في نظره هي غياب الرغبة والتحرر من الحاجات، وهي الاستقلال التام. الفضيلة هي الحكمة، غير ان هذه الحكمة تعتمد اساسا على قيم الغالبية العظمى من البشر، اما الثروات والانفعالات، فهي ليست خيرات حقيقية. الفضيلة اذن، هي الحكمة لمن تعلمها، والرجل الحكيم إذا ما تسلح بهذه الفضيلة لا يمكن ان يصيبه أيُ ما يسمى بشرور الحياة.

واعود لكتاب سلوتردايك" نقد العقل الكلبي "، الذي نشره عام 1983 وأصبح  الكتاب الفلسفي الاكثر مبيعا في المانيا وترجم الى العديد من اللغات ووضع صاحبه في مصاف الفلاسفة المشاغبين الكبار، حتى اطلق عليه لقب "النيتشوي الجديد"، وشكل مع السلوفيني سلافوي جيجيك، والفرنسي ميشال أونفري، ثلاثي يثير ضجيجا فلسفيا اينما حل. فهؤلاء الفلاسفة الثلاثة يرون ان الفلسفة يجب ان تفكر بشكل جريء وان يتخلى الفيلسوف عن عالمه الضيق ، لعالم اوسعا افقا ورحابة، وان يخرج من صومعته الاكاديمية الى الناس اينما كانوا.

 ولد بيتر سلوتردايك في السادس والعشرين من حزيران عام 1947 لاب من اصول هولندية وام المانية.. قرأ الفلسفة منذ ان كان طالبا في الاعدادية، اثارته افكار نيتشه الذي قال عنه ان قلبه خفق عندما قرأ كتابه "هكذا تكلم زرادشت" ، حتى اعتبر نفسه "  سليل نيتشوي " مدفوعا بالغرام بديناميت الفلسفة الذي اخبرنا ان لا احد سيفهمه إلا بعد مرور مئة عام على رحيله، وقد حقق سلوتردايك امنية الفيلسوف الالماني الراحل حين القى عام 2000 محاضرة بمناسبة مئة عام على رحيل نيتشه تحولت فيما بعد الى كتاب بعنوان " الانجيل الخامس لنيتشه " – ترجمة علي مصباح – فمن هو نيتشه الذي يريد سلوتردايك استعادته؟.. انه المرشد لروح الحداثة " قائد الاستهواء الممتع في إبداع اشكال حياة " – امزجة فلسفية ترجمة جميلة حنيفي – ولأن نيتشه تحول الى فيلسوف مجرم بعد الحرب العالمية الثانية وما جلبه غرام هتلر بكتاباته من آثام، فان سلوتردايك وجد ان مهمته ان يتدخل ليعرض عمل نيتشه الحقيقي تحت مرآة مختلفة، نرى فيها الفيلسوف الالماني الذي قضى سنواته الاخيرة مريضا الى ان فارق الحياة في الخامس العشرين من آب عام 1900 ـ بصورة مختلفة " نيتشه الواهب، نيتشه الشبيه بشمس الظهيرة التي تلهب وتبهر لا لشيء إلا لتذكرنا بالطاقة اللامتناهية التي تؤسس الحياة." نيتشه الذي يكره المعلمين والمريدين ويطردهم من حوله، ويدعوهم الى التمرد عليه والتنكر له، نيتشه الذي قال ذات يوم:" ادرت ظهري إلى الحاكمين عندما رأيت ما الذي يسمونه اليوم حكما: السمسرة والمساومة على السلطة – مع الغوغاء " – انساني مفرط في انسانيته ترجمة علي مصباح -. ولهذا يرى سلوتردايك ان كل توظيف لنيتشه وفكره سواء من قبل السياسيين او أية مدرسة فكرية ليس سوى سطو واغتصاب.

ومثلما كان نيتشه عصيا على التدجين ومشاغب ومزعج، فان سلوتردايك الذي تعلق بصاحب "هذا هو الانسان" يبدو اليوم مزعجا للمؤسسات الثقافية والسياسية، ومشاغب، يعتبر نفسه فيلسوف كلبي يفتفي اثار نيتشه كما كان نيتشه يقتفي اثار الفيلسوف الكلبي الشهير "ديوجين"، ففي واحدة من تأملاته يكتب فريدريك نيتشه انه كان يتنمى لو عاش في عصر ديوجين:" لكنت وقفت ساعات لمناظرته "، ويضيف لقد كان هذا الفيلسوف هو المبشر بجنس جديد من الفلاسفة  ما ذا سيسمى هذا الجنس؟ سيطلق عليه  الفيلسوف العدمي إميل سيوران اسم " الفيلسوف النباح " الذي لا يتوقف عن النباح في وجه معاصريه، وفي وجه كل قيمة من قيمهم التي تثير الشكوك.

في كتابه " العلم المرح " – ترجمة علي مصباح - يقدم نيتشه قصة ديوجين الذي اشعل مصباحا في يوم مشرق وانطلق الى السوق باحثا عن الانسان، لكنه عند نيتشه نجده يبحث عن الله ليعلن للجمهور ساخراً ان الإله قد مات:" لقد قتلناه انا وانتم ! نحن جميعا قتلناه..إلى اين نسير الآن وسط عدم لا نهائي؟ ألا يتنفس الفضاء الخاوي في وجوهنا؟ ألم يصبح اكثر برودة؟ ألا يجيء الليل باستمرار، اكثر ظلمة وحلكة؟."

سلوتردايك الذي يبدو اليوم اشبه بنجم سينمائي، يريد ان تتحدث الفلسفة الى الناس في جميع طبقاتهم وثقافاتهم  وان تعود للتمرد التي ينبع من تمردها على ذاتها، لتصبح شبيهة  بـ "الكلبية القديمة" التي وضعها ديوجين وجسدها كتجربة تعاش ولا توصف. فهي وحدها الفلسفة الجديرة التي ينبغي العودة إليها والنهل من منابعها الأصيلة حتى تصير الفلسفة تمردا وسخرية ومقاومة.

مثل نيتشه درس سلوتردايك الفلسفة والأدب الألماني  والاغريقي والتاريخ قدم رسالة الماجستير عام 1971 بعنوان "البنيوية بما هي تأويل شعري" وفي سنة 1972 كتب عن فوكو والنظرية البنيوية في التاريـخ، وله الكثير من المؤلفات المثيرة للجدل. وإلى جانب عمله أستاذا للفلسفة وعلم الجمال، نجح في نقل الفلسفة إلي التليفزيون الذي اطلق عليه تسمية " ساحة أثينا الجديدة"  من اجل ان تدخل الفلسفة الى البيوت وتتمشى في الشوارع وتخطب في الساحات، ألم يكن ديوجين يجوب الشوارع والاسواق مرتديا معطفا أسود اللون، مستندا إلى عصاه وهو يقول لكل من يسأله عن هدفه: "أنا أبحث عن الإنسان.". في عام  1976 حصل سلوتردايك على الدكتوراه في الفلسفة باطروحة بعنوان "الأدب وتدبير تجربة الحياة ". بعد نيله للدكتوراه يسافر الى الهند للدراسة على يد الفيلسوف المتصوف " باجون شري راجنيش " المعروف باسم " اوشو " ويعترف سلوتردايك بانه مدين بالكثير لافكار الفيلسوف الهندي وقد بدت تاثيرات هذه الفلسفة في محاولته للمزج بين البوذية والهندوسية والتحليل النفسي. رحلة سلوتردايك الى الهند امدته بقوة ابداعية جعلته يسعى لتغيير النظرة الى المعرفة التي يرى انها سلطة ولهذا نجده  يستدعي ديوجين الذي كان يؤمن بسلطة الفلسفة فنراه " بعكازه وجرابه وفانوسه يحضر بعينين ذاهلتين ندوة حول هيغل ومؤتمرات حول الاستراتيجية النووية وفائض ضريبة الاستهلاك، ويلتقي موجة من المصطافين على الطريق، ويتسكع في شوارع برلين. انه ديوجين الذي " ينتمي الى فلاسفة الحياة الذين تَكون الحياة في نظرهم، اهم من الكتابة والتصنيف " – نقد العقل الكلبي ترجمة ناجي العونلي –

يقوم عمل سلوتردايك في كتابه " نقد العقل الكلبي " على تحديد لفظة " كلبية " بطريقتين، هناك كلبية مشتقة من الارث الفلسفي اليوناني القديم الذي اسسه ديوجين، ويمثل نمط حياة موازي في كل من الفلسفة ونشاط الانسان اليومي. وهناك الكلبية المعاصرة المعبر عنها باعتقادات ساخرة في قوة العقل ويسخر منها سلوتردايك لانها لا تحمل ابدا الحياة محمل الجد، وبالتالي فان الكتاب يريد ان يسلط الضوء على مجتمع خال من المعنى، وعليه فلا بد للعودة الى اتباع تعاليم ديوجين لغرض اعادة توحيد الفلسفة مع الحياة اليومية.

كان ديوجين يشعر بالسعادة حين يطلق عليه لقب "الفيلسوف النباح"، فهو عاش ينبح في وجه معاصريه وفي وجه كل القيم التي تثير الشكوك.

يؤمن ديوجين ان على الانسان ان يقول "لا" حين يجب أن يقولها، اما اذا كنت تقول " نعم " في وقت كان عليك ان تقول " لا "، فانك تحول نفسك الى شخص لا يمكنه إلا ان يقول "نعم" ، حتى حين يكون هذا هو الوقت الذي يجب عليه ان يقول "لا"، إذا خنت نفسك، وتحدثت بالكذب والزور، وجسدت الاكاذيب فانك بذلك توهن شخصيتك، واذا كانت شخصيتك واهنة، فستقضي عليك الشدائد والمحن حين تظهر، وستحاول الإختباء لكن لن يكون ثمة مكان لتختبئ فيه، وحينها ستجد نفسك تفعل اشياء فظيعة

يرى سلوتردايك ان الفيلسوف المعاصر عليه ان يكون صادما وصادقا. ومثل أنتستينس ومن بعده تلميذه ديوجين يؤمن ان مهمة الفلسفة ارشاد ليس فقط اولئك الاشخاص الذين قدموا انفسهم بوصفهم طلابا بل اي فرد كائنا من يكون.الفلسفة كما يفهمها سلوتردايك تضيء بشكل مثير فلسفة تقاوم النظريات ليس بالممارسة، وإنما بالسخرية، فلسفة يطلق عليها تسمية فلسفة الوعي الساخر،  مهمتها مقاومة سلطة المؤسسات وبلورة فكر فلسفي ساخر، والخروج عن المألوف. فالسخرية بامكانها ان تثير الدهشة والتساؤل، وهي تعبير عن الإرادة  الحرة والواعية، حين تمارس قدراتها في تغيير ما هو قائم بالفعل.ولهذا يرى سلوتردايك ان الفلسفة يمكن لها ان تلعب دورا مهمّا في المجتمعات الراهنة. في السنوات الاخيرة وجه سلوتردايك نقدا لسياسات الهجرة، ويرى  ان الارهاب تحول من ارهاب افراد الى ارهاب دول.وان السياسة تحولت إلى شيء لاعقلاني تمليه الانفعالات.، كما يرى ان الديمقراطيات اصيبت بتعفن:" جَو ديمقراطياتنا شبيه بجو جناح طب السرطان في مستشفى كبير، حيث تنعدم ثقة المرضى في الطبيب…صار الحشد من الآن فصاعدا يحلم بنخبة جديدة تتميز لا بالكفاءات وإنما بالميزات التي كانت تنسب في الماضي إلى السحرة المعالجين، وما يقوي هذه الظاهرة هو تضمن السياسة دوما لعنصر إسقاط شبه ديني.".

وفي النهاية هل وجد بيتر سلوتردايك مصباحه الشبيه بفانوس ديوجين؟، لقد استقال من كرسي الجامعة وقرر ان يلاحق الناس في الندوات والفضائيات والمجادلات الحوارية والكتابة وان يقرع طبوله دون ان يخشى احد. انه النيتشوي الكلبي، ألم يصف نيتشه نفسه بالفيلسوف الكلبي وهو وصف حاسم:" ذهل عنه الناس في كثير من الاحيان، وبهذا الوصف صار نيتشه الى جانب ماركس، مفكر القرن الاكثر اهمية ووزنا " – نقد العقل الكلبي -.

عندما سُئل ديوجين لماذا يحب تسميته كلباً، أجاب: "، فأنا أصرخ على أولئك الذين يخافون، وأضع أسناني في الأوغاد".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

يقع كتاب (التُّراث المجهول – إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان؛ في 389 صفحة.

الكتاب إطلالة على العالم التُّراثي الفسيح والمتنوع والمجهول.. وهو تلويحٌ وتشّويق.

وقد أشار المؤلف إلى أن الغرض منه هو استكشاف التُّراث، لا تقديم موسوعة تراثية.

يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة يحدد فيها غاية البحث ومنهاجه مؤكداً خطأ الانتقائية التي درج عليها الباحثين في التعامل مع التُّراث.

في مقدمة عامة يتساءل الكاتب: هل التُّراث مجهول؟ ومن ثمّ يُعلل أسباب اختياره لهذا العنوان للكتاب (التُّراث المجهول). فهو يرى أن التُّراث ما زال مجهولاً. قاصداً بالتُّراث كُلّ ما تركه السَّابقون من كِتابات وكُتُب خَطُّوها بأيديهم أو نسخها النُّسَّاخ على امتداد تاريخ الحضارة العربية الإسلامية الطَّويل. ص 11. يعدد تلك الأسباب في أن: تراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم الواقع لأن إحصاء ما نُشِر منه محققاً أو دون تحقيقٍ ومقارنته بما لم يزل مخطوطاً وبِما ضاع مع الزمان، لا يزيد عن خمسة بالمئة من مجموع التُّراث أو أقلّ من ذلك. وعلى ذلك فالجانب الأعظم منه لا يزال مجهولاً.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم الوعي به، لأننا لا نجد له أثراً في أعمال ومراجع الأساتذة المعاصرين.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم منطق الإلغاء والتَّغييب، هذا المنطق الذي ساد اليوم وأباد النَّظرة الموضوعية للتُّراث. فنرى بعض البلدان التي تأخذ بمذهب معين، تنشر التُّراث المخطوط الذي يؤكد مذهبها، وتُلغي تراث الفرق الإسلامية الأخرى.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم اغترابنا عنه، ذلك لأن التُّراث العربي الإسلامي ظلّ ممتدّاً زمناً طويلاً، ومرَّ بمنحنيات ارتفع فيها وانخفض في معدلات التَّحضر، لكنه لم ينقطع. حتى جاءت الحملة الفرنسية، ومن بعدها الاستعمار، فبدأ الاغتراب عن التُّراث.

وتراثنا لا يزال مجهولاً بِحُكم انعدام الخطّة المنهجية للتّعريف به، فقد صار نشر التُّراث اليوم عملاً تجارياًّ دعائياًّ غثاًّ رديئاً. مع بعض الاستثناءات القليلة. لكن الغالب الأعم هو فوضويات نشر التُّراث.

يتكون كتاب (التُّراث المجهول – إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان؛ من ثلاثين فصلاً، بعضها طويل وبعضها الآخر قصير، بحسب مقتضيات التّعريف بالنّص المخطوط، ومؤلفه، وما يدور حولهما من أفكار، ومع أن جملة فصول الكتاب تسعى لإلقاء نظرة عامة على التُّراث من خلال الجمع بين مخطوطاتٍ من شتى العلوم، إلّا أن مخطوطات العلوم كالطِّبّ والفلك والكيمياء سنراها أكثر من مخطوطات المعارف الدِّينية والأدب والتَّصوف..4357 التراث المجهول

* هذه الفصول الثلاثين للكتاب مرتبة ترتيباً ألفبائياً كما أشار الكاتب، كما يلي:

- الفصل الأول (مخطوطة طبية): (بُسْتَانُ الأَطِبَّاءِ وَرَوْضَةُ الأَلِبَّاءِ) لِابْنِ المُطْرَانِ ( ص 37)

تُعد هذه المخطوطة واحدة من أكثر المجاميع الطَّبية طرافة وتشويقاً، ومؤلفها موفق الدِّين بن المُطران من أشهر الأطباء العرب في القرن السَّادِس الهجري، أصله من دمشق حيث تعلم الطِّب. مارس العلاج في البيمارستان (المستشفى) الكبير في دمشق حتى توفي سنة 585 هـ. والكتاب المخطوطة ملئ بالمعلومات الطّبية والطّرائف العلاجية وتراجم الأطباء السابقين له، وفيه أيضاً ما لا حصر له من أقوال الحكماء وتعريفات المصطلحات والحكايات الشَّيِّقة.

- الفصل الثَّاني (مخطوطة فلكية): (تَحْرِيرُ المَجِسْطِي) لِلْطُّوسِي (ص 45)

كتاب المَجِسْطِي من أهم كتب الفلك عند اليونان، كان عنوانه في الأصل اليوناني: التّصنيف العظيم في لحساب. ومن كلمة (Megal) التي تعني العظيم استمد العرب كلمة المَجِسْطِي. مؤلفه هو العالم الرِّياضي والفلكي بطليموس. وكتاب المَجِسْطِي هو كتاب فلكي معقد جداً ولهذا احتاج العلماء العرب إلى جهودٍ طويلة لترجمته وتحريره، وظلَّ بعد ترجمته في حاجة إلى تحريره، و(التَّحرير) عند العرب يعني المُراجعة والتَّدقيق وإصلاح الأخطاء. ومن أشهر العلماء الفلكيين العرب الذين قاموا بتحريره، العلامة نصير الدِّين الطُّوسي (توفي سنة 672 هـ) في كتابه المخطوطة (تحرير المَجِسْطِي).

عن هذه المخطوطة يقول مؤرخ العلم المعاصر جورج سارتون (تدل على عبقرية الطُّوسي وطول باعه في الفلك، وإن الانتقادات التي وجهها الطُّوسي إلى بطليموس كانت هي الأساس للنَّظرية الفلكية المعاصرة كما قدَّمها كوبرنيقوس). من المعروف أن النِّظام البطليموسي كان يعد الأرض مركز الكون واعتبر أن الشَّمس وسائر الكواكب تدور حول هذا المركز الأرض، لقد أعاد الطُّوسي صياغة كتاب المَجِسْطِي وفقاً للأرصاد الفلكية التي قام بها بنفسه، فصحَّح الأخطاء التي وقع فيها بطليموس، خاصةً أن الطُّوسي كان قد توصل إلى نِظام فلكي أبسط كثيراً من نظام بطليموس المعقَّد، مما سهل له التّوصل إلى نتائج أدق. وقد جعله في ثلاثة عشرة مقالة، ووضع فيه 196 شكلاً هندسيّاً، يشرح فيها نظرياته الفلكية ونتائج رصده لأجرام السماء.

ويذكر المؤلف يوسف زيدان أن هذه المخطوطة (تَحْرِيرُ المَجِسْطِي) لِلْطُّوسِي لم تُنشر إلى ساعة تأليفه هذا الكتاب.

- الفصل الثَّالِث (مخطوطة فُنون عسكرية): (تُحفَةُ المُجَاهِدِينَ فِي العَمَلِ بِالمَيَادِين) لِلْطَّرَابُلْسِي. (ص 53)

المخطوطة عسكرية، مؤلفها هو الأمير المملوكي لاجين بن عبد الله الذّهبي الحُسامي، المعروف بالطَّرَابُلْسِي (توفي سنة 738 هـ). المخطوطة صغيرة الحجم، تقع في بعض نُسخها في 24 صفحة، وتتميز هذه المخطوطة بالرُّسوم والأشكال التوضيحية التي تعرف اليوم بالرسم الكروكي وفيها يوضح المؤلف عمليات التعبئة العسكرية، وطُرق لمبارزة والاقتحام، وأساليب الهجوم والتقهقر.

- الفصل الرابع (مخطوطة طبية): (التَّصْرِيفُ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ التَّأْلِيفِ) لِلزَّهْرَاوِي (ص 63)

مؤلف المخطوطة هو أبو القاسم الزَّهراوي ينتسب إلى بلدة الزَّهراء نشأ في الأندلس (توفي سنة 404 هـ).

وهذه المخطوطة عبارة عن عمل علمي ضخم يقع في ثلاثين جزءاً، بعضها مُخصص للطّب، وبعضها الآخر للصيدلة، وبعضها الأخير للجراحة.. لقد كان الزَّهراوي لحظة مجيدة في التّاريخ العقلي لهذه الأمة.

- الفصل الخامس (مخطوطة فنون عسكرية): (تَفْرِيجُ الكُرُوبَ فِي تَدْبِيرِ الحُرُوبِ) لمؤلفٍ مجهول (ص 71)

هذه المخطوطة وضعها مؤلفها المجهول للملك النّاصِر فرج بن برقوق الذي تولى الحكم من سنة 801 هـ إلى سنة 808 هـ.

- الفصل السَّادِس (مخطوطة كيميائية): (جَامِعُ الأسْرَارِ) لِلْطُغْرَائِي (ص 81)

مؤلف هذه المخطوطة هو فخر الكُتَّاب أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصَّمد، الوزير، الطُّغْرَائِي (ولد سنة 453 هـ وتوفي سنة 515 هـ). ولَقَبَ (الطُّغْرَائِي) مُستمد من كلمة (طُغْرَاء) وهي الطُّرَّةُ التي تكتب فوق الرَّسائل مُتضمنة البسملة، حيث كان الطُّغْرَائِي يقوم برسمها وكتابتها بخطِّه الذي عُدَّ آيةً في الجمال. وقامت شُهرةُ الطُّغْرَائِي على كونه صاحب القصيدة المشهورة (لامية العجم). لكنه اشتهر أيضاً بالصُّنعة (الكيمياء) وترك في ذلك هذه المخطوطة، التي بيَّن فيها العمليات الكيميائية المُعقدة.

- الفصل السَّابِع (مخطوطة صوفية): (جَلَاءُ الخَاطِرِ فِي الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ) للجِيلَانِي (ص 89)

الإمام عبد القادر الجيلاني واحدُ من كبار العلماء الأولياء في الإسلام، توفي سنة 561 هـ. وهذه المخطوطة تشع بالهدى الرَّباني، وتأخذ بيد القارئ إلى طريق الصَّلاح. ونقرأ فيها أن الإمام عبد القادر الجيلاني يُخاطب أهل العلم فيقول: (يا عالم، لو كان عندك ثمرة العلم والبركة، لما سعيت إلى باب السَّلاطين في حظوظ نفسك وشهواتها، العالم لا رجلان له يسعى بهما إلى أبواب الخَلْقِ، والزَّاهد لا يدان له يأخذ بهما أموال النَّاس، والمُحِبُّ لله لا عينان له ينظر بهما إلى غيره (تعالى)، المُحِبُّ الصَّادق لو لقي الخَلق كلهم مَا حلَا له النَّظر إليهم، لا ينظرُ إلى غير محبوبه، ولا تكبُر في عيني رأسه الدُّنيا، ولا تكبُر في عيني قلبه الأخرى، ولا يكبر في عيني سِرِّه غير المولى.. زعاق المُنافق من لسانه ورأسه، وزعاق الصَّادق من قلبه وسِرِّه، قلبه على باب ربِّه عزَّ وجلَّ، وسِرُّهُ داخِلٌ عليه، لا يزال يصرُخ على الباب حتى يدخُل الدَّار.).

- الفصل الثَّامن (مخطوطة أدبية): (جَمْهَرَةُ الإِسْلَامِ ذَاتُ النَّثْرِ وَالنِّظَامِ) لِلْشَّيْزَرِي (ص 95)

مُؤلِّفُ هذه المخطوطة هو أمين الدَّولة أبو الغنائم مُسلم بن محمود الشَّيْزَرِي، أحد أدباء العرب الذين عاشوا في لنِّصف الأول من القرن السَّابع الهجري باليمن. تقع هذه الجمهرة في جزئين، وهي عبارة عن مختارات أدبية من النَّثر والشِّعر (النّظم) العربي. جمعها الشَّيْزَرِي وانتقاها من التُّراث السَّابِق عليه.. والقيمة الحقيقية لها تتمثل في احتفاظها ببعض النُّصُوص والقصائد التي أُصُولها اليوم ضائعة. ولم نعد نعرفها إلّا من خلال هذه (الجمهرة) التي توجد منها نُسخة وحيدة في العالم في مكتبة جامعة (ليدن في هولندة).

- الفصل التَّاسِع (مخطوطة فلكية): (الدَّرَجَاتُ المَعْرُوفَةُ) لِبَنِي مُوسَى بن شَاكِر (ص 105)

هذه المخطوطة، هي موسوعة فلكية، وهي ليست من تأليف شخص واحد، بل هي من تأليف الإخوة الثلاثة أبناء موسى بن شاكر وهُم أحمد ومحمد والحسن (بنو موسى). وكانت أُسرة (موسى بن شاكر) قد تخصصت في علوم الهندسة والحيل (الميكانيكا) والمساحة والفلك والفيزياء، وكان رب هذه الأسرة (موسى) من منجمي المأمون وندمائه. وهُم في مخطوطة (الدَّرجات المعروفة) يقدمون نَصّاً مُهِمّاً في الفلك والرِّياضة.

- الفصل العاشر (مخطوطة أدبية): (دِيوَانُ ابْن الصَّبَّاغ الجُذَامِي ) لابْنِ الصَّبَّاغ (ص 113)

صاحب هذا الدِّيوان المخطوطة هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الصَّبَّاغ الجُذَامِي، عاش في الحقبة الأخيرة من دولة الموحدين، أيام الخليفة المرتضى المقتول سنة 665 هـ. والمخطوطة الوحيدة من هذا الدِّيوان، موجودة في الخزانة الملكية بالرباط في المغرب تقع في 200 ورقة، مكتوبة بالخط الأندلسي. وتبدأ بقصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الدِّيوان كثيرٌ من المدائح النَّبويّة الرَّقيقة، وفيه أيضاً العديد من المقاطع الزجلية، والموشحات الأندلسية، والمُكَفِّرَات، وكلمة (مُكَفِّرَات) من مصطلحات التَّوشِيح، يشرحها لنا ابن سيناء الملك فيقول: (والموشحات يُعمل فيها ما يُعمل في أنواع الشِّعر، من الغَزل والمَدح والرِّثَاء والهَجاء والمُجون والزُّهُد، وما كان منها من الزُّهُد يُقال له: المُكَفِّر، ولا يُعمل إلّا على وزن معروف). فهي نوع من الإنابة إلى الله، والتَّكفير عن أشعار يكون الشّاعر قد قالها في زمن اللهو، فيتوب ويستغفر ربَّهُ عن شِعره السَّابق، بِشِعر المُكَفِّرات، أي يستغفر بالشِّعر عن الشِّعر، ومنها تلك الموشحة التي يُكَفِّر فيها عن كُلِّ بيتٍ بثلاثة أشطر:

شَـجْـوُ الـوُرْقِ فِي الأَفْـنَـانِ *** غَــدَاةَ النَّــوى أَفْـنَــانِي

أَيَــا نَـــــائِـحَ الأَفْـنَــــانِ

بُـكَــــاؤُكَ قَـدْ أَشْجَـــانِي

وَسَهْمُ النَّــوَى أَضْنَــانِي

وَتَـفْـنَى وَكُـلٌّ فَـــــــــــانٍ *** مُـحَــالٌ يَـبْـقـى إِلْـفَــــانِ

كَفْكِفْ دَمْعَـكَ المَطْـلُـولاَ

وَاتْرُكْ نَدْبَـكَ الطُّـلُـــولاَ

وَزُرْ أَحْـمَــدَ الـرَّسُــولاَ

- الفصل الحادي عشر (مخطوطة كيميائية): (دِيوانُ فِرْدَوْسِ الحِكْمَةِ) لِخَالِد بن يَزِيد (ص 121)

يُنسب تأليف هذه المخطوطة إلى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الأمير الأُموي القُرَشي. اختلفوا في وفاته ما بين سنتي 82 و90 هـ . وقد أسهم في حركة التَّرجمة، بنقل كُتُب الطِّبّ والكيمياء من اليونانية إلى العربية.

- الفصل الثاني عشر (مخطوطة تاريخية): (الرَّوْضُ المُغَرَّسُ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِس) لِلْحُسَيْنِي (ص 129)

مؤلف هذه المخطوطة هو تاج الدِّين عبد الوهاب بن عمر الحُسَيْنِي، توفي سنة 875 هـ. تميزت هذه المخطوطة بالدِّقة في وصف بيت المقدس بدءاً من أسماء المساجد وقصة بناء المسجد لأقصى.. وهذه المخطوطة محفوظة في مكتبة الدَّولة ببرلين بألمانيا . ويُعقب المؤلف يوسف زيدان على ذلك قائلاً: "إذا كانت بيت المقدس اليوم أسيرة في يد إسرائيل، فإن مخطوطة الرَّوض المُغَرَّسُ فِي فَضَائِلِ بَيْتِ المَقْدِس أسيرة في ألمانيا."

- الفصل الثالث عشر (مخطوطة أدبية): (الرَوْضَةُ الغَنَّاء فِي اُصُولِ الغِنَاء) لمؤلف مجهول (ص 137)

المخطوطة عبارة عن مجموع من الموشحات والأزجال والنُّصُوص الشَّعرية التي كان يُتغنَّى بها في الأندلس والمغرب. ولا يوجد منها إلَّا نسخة وحيدة نادرة محفوظة في الخزانة العامة بالرِّباط في المغرب. وهي مكتوبة بالخط المغربي.

- الفصل الرَّابع عشر (مخطوطة صوفيّة): (الشَّجَرة لإِظْهَارِ الثَّمَرَة) لِلمَقْدِسِي (ص 145)

مؤلفها هو أبو محمد عز الدِّين بن عبد السَّلام بن أحمد بن غانم المقدِسي. ولد سنة 920 هـ وتوفي سنة 1004 هـ. وهو واحد من مشاهير رجال التَّصوف. وهذه المخطوطة توجد منها نسخة واحدة بمكتبة الإسكندرية بمصر. في هذه المخطوطة يستعرض المؤلف قصة الخلق بأسلوب رمزي أخَّاذ، فينظر إلى الوجود على أنه شجرة نبتت من بذرة الأمر الإلهي (كُنْ) فأورقت حتى ظهرت الثِّمار، وهو يمزج كلامه بالنَّصِ القُرآني مزجاً لطيفاً بليغاً.

- الفصل الخامس عشر (مخطوطة طبيّة): (شَرْحُ تَقْدُمَةِ المَعْرِفَةِ) لِلبَغْدَادِي (ص 159)

مؤلف هذه المخطوطة هو  موفق الدِّين أبو الفضل عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي (توفي سنة 629 هـ) الذي شرح كتاب (تَقْدُمَة المَعْرِفَة). توجد منها نسخة في دار الكتب المصرية.

هذه المخطوطة هي وثيقة مهمّة من وثائق الاتِّصال بين العرب واليونان القديمة من ناحية، وبين العرب وأوربا النَّاهضة من ناحية أخرى. كلمة (تَقْدُمَة المَعْرِفَة) تعني التنبؤ بما سيكون عليه المرض في المستقبل، ويُشار إلى نفس المعنى باصطلاح آخر هو (الإنذار المرضي) وقد اعتمد أبقراط في ذلك على الملاحظة الدَّقيقة ذات الطّابع العلمي، فكان بذلك أحد الذين حرَّرُوا الطِّبّ من الخرافة والكهانة والتَّنجيم. وكتاب (تَقْدُمَة المَعْرِفَة) عبارة عن مجموعة من الفقرات الطّبية الموجزة وقد أقبل الأطباء في العصور المختلفة على شرح عباراته وتأويل مقاصده.

- الفصل السَّادس عشر (مخطوطة طبيّة): (شَرْحُ فُصُول أَبُقْرَاط) لِابن أبي صَادِق (ص 169)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو القاسم عبد الرَّحمن بن علي بن محمد بن أبي صادق النيسابوري، هو طبيب فاضل بارع في العلوم والحكمة كثير الدِّراية بالصِّناعة الطِّبية.

- الفصل السَّابع عشر (مخطوطة فلكية): (صُوَرُ الكَواكِبِ الثَّمَانِيةِ وَالأَرْبَعِين) لِلصوفي (ص 177)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو الحسن عبد الرَّحمن بن عمر الصُّوفي الرَّازي ولد بالرَّيّ بفارس عام 291 هـ. وكان من أعظم فلكيِّي الإسلام. وقد قام الصُّوفي بقياس نُجوم السَّماء طُولاً وعرضاً، وعيَّنَ مواقعها وأقدارها وألوانها، حتى أصبح لدى العرب ما يُشبه الأطلس الدَّقيق الذي يهتدون به في دراستهم، وقد وجد في أثناء قياساته أن بطليموس كان مُخطئاً في كثيرٍ من القياسات فصححها وخرج بكتاب (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين). وفي هذا الكتاب أعاد الصُّوفي الأسماء العربية القديمة إلى حظيرة علم الفلك، وحدَّد النُّجوم التي تشكل منازل القمر الثمانية والعشرين، وقد كان أول من وصف المجرة السَّحابية في المرأة المُسَلْسَلة (مجرة أندروميدا) وسماها اللطخة السَّحابية. مع العلم أن أول مَنْ وصفها من الأوربيين كان سيمون ماريوس سنة 1612 م.. إن تقدير الصُّوفي لم يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم، بل أن العلماء الغربيين أيضاً فعندما اكتشف المرقب - التليسكوب - في مطلع القرن السَّابع عشر، وأخذ الغرب يُسمي فوهات القمر، لم ينس هؤلاء العُلماء أن يُسموا فُوَّهة باسم الصُّوفي (AZOPHTI) منذ سنة 1515 م، تقديراً لجهوده الكبيرة في علم الفلك.

ونأتي إلى كتابه (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين) فنراه يبدأ بمقدمة يؤرِّخُ فيها للبُحُوث الفلكية السَّابِقة، وينتقدها. ثم يعرض في بقية الكتاب لمواقع الكواكب استناداً لأرصاده الدَّقيقة، مع تزويد النَّصّ بالجداول الفلكية والرُّسوم الجميلة التي تصور الكواكب على ما يُرى في السَّماء، وعلى ما يُرى في الكرة، مع بيان اسمه ورمزه.

وتبقى نقطة أخيرة، يُمكن صياغتها في هذا السُّؤال: إنّ تلك الصُّور التي زَيَّنتْ كتاب (صور الكواكب الثَّمانية والأربعين) وغيرها من بدائع فنّ المُنمنمات التي ازدانت بها المخطوطات العربية الإسلامية، ألَا تُكَذِّب الدَّعوى القائلة: أن المسلمين كرَّهُوا التَّصوير، وأن الإسلام حرم الفن؟.

- الفصل الثَّامِن عشر (مخطوطة جغرافية): (صُورةُ الأرضِ المسالك والممالك) لِابن حَوْقَل (ص 195)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو القاسم محمد بن حوقل.

- الفصل التَّاسع عشر (مخطوطة أدبية): (عُقُود اللآل فِي المُوَشحات والأزجال) للنواجي (ص 205)

مؤلف هذه المخطوطة هو محمد بن حسن بن علي بن عثمان، الشَّمس النَّواجي نسبة لنَوَاج بالغربية بالقرب من المحلة بمصر، شاعر الوقت، ولد بالقاهرة عام 785 هـ. وتوفي سنة 859 هـ.

ويقع مجموع (عقود اللآل) في بابين، الأول يضم نصوصاً من الموشحات المغربية والمشرقية لمؤلفين من أمثال: ابن زهر، ابن الرَّقَّاق، ابن اللَّبَّابة، ابن الخطيب، ابن سَهْل.. وهؤلاء من موشحي المغرب. ومن موشحي المشرق اختار النَّواجي نصوصاً لابن حبيب صفي الدِّين الحِلِّي، ابن الدَّهَّان، الشِّهاب الموصلي، سراج الدِّين المَحَّار.. وغيرهم. والباب الثَّاني في الأزجال، وفيه منتخبات كثيرة لزجَّالين من المغرب والمشرق، أمثال: ابن قُزمان، ابن النَّبيه، ابن حِجة، الغباري، الزَّيني الخَرَّاط، ابن مُكَانس.. بالإضافة إلى أزجال النَّواجي نفسه.

وقد انتهى النَّواجي من تدوين مجموع (عقود اللآل) سنة 868 هـ.

- الفصل العشرون (مخطوطة فلسفة ومنطق): (عُنْوَانُ الحَقِّ وَبُرْهَانُ الصِّدْقِ) للأَبْهَرِي (ص 213)

مؤلف هذه المخطوطة هو أثير الدِّين الأَبْهَرِي المفضَّل بن عمر بن المفضَّل، ولد في قرية أَبْهَر قرب قَزْوين سنة 600 هـ، وتوفي سنة 663 هـ. واشتهر في عصره كواحدٍ من كبار الحكماء والمَناطِقة والمشتغلين بعلم الفلك.. وقد ترك في هذه التَّخصُصات العلمية عدة مُؤلفات.

أما مخطوطة (عنوان الحق وبرهان الصِّدق) فهي كتاب في الحكمة بمعناها العام، ويقع في ثلاثة أجزاء. القسم الأول بعنوان القول في المنطق، والقسم الثَّاني بعنوان القول في العلم الطَّبيعي، والقسم الثَّالث والأخير بعنوان القول في العِلم الإلهي.

- الفصل الواحد والعشرون (مخطوطة طبيعيات): (عَيْنُ الحَيَاةِ فِي اسْتِنْبَاطِ المِيَّاه) للدَّمَنْهُورِي (ص 223)

مؤلف هذه المخطوطة هو أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدَّمنهوري الشَّاطبي الشَّاطِر ولد بمدينة دمنهور الغربية عام 1101 هـ. وتوفي سنة 1192 هـ / 1778 م.

وفي مقدمة هذه المخطوطة، يشرح الدَّمنهوري معنى (استنباط المياه) فيوضح أن الاستنباط هو الاستخراج، وعلى ذلك فهذا العلم يقصد به استخراج المياه الكامنة في الأرض للانتفاع بها في إحياء النَّبات والحيوان.. وهو يُلفت النَّظر إلى مسألة طريفة، هي علاقة الإنسان بعناصر الطَّبيعة، فمن ذلك مشابهة نفس الإنسان للنَّار ويستدل على ذلك بأن الإنسان يعيش في المكان الذي تكون فيه النَّار، ويهلك حيث تنطفئ. كما يتحدث عن الرِّياح وطبيعتها واتجاهها، وكيفي تكوُّن السُّحب..

وفي الباب الأول من هذه المخطوطة (في بيان المواضع التي فيها ماء، والتي لا ماء فيها، والتي ماؤها قريب، والتي ماؤها بعيد) فيُعدِّد الدلائل على وجود الماء أو عدمه، ويستخدم في ذلك التجارب الدقيقة بعيداً عن أي تفكير غير علمي، ويشرح خطوات كل تجربة.

والباب الثَّاني (في حفر الآبار وما يتعلق بذلك) وفيه يبيِّن كيفية حف الآبار.

وفي الخاتمة يقدم تصوراً عن أقاليم الأرض وأنهارها وجبالها، ويضع تفسيراً علميّاً لحدوث الزَّلازِل والبراكين.

ويُعدِّد أقاليم الأرض، وخصائص كلَّ إقليم ومساحته، ويصف أهل كلّ إقليم من حيث لون البشرة وطبيعة الأخلاق، ثم يختتم مخطوطته ببعض الوصايا القرآنية والنَّبوية ، ويذكر طرفاً من أقول الحكماء، كقول أفلاطون: (اطلب العِلم يُعظِّمك الخاصَّة، واطلب المال يُعظِّمك العامّة، واطلب الزُّهد يُعظِّمك الجميع).

- الفصل الثَّاني والعشرون (مخطوطة طبيّة): (قَامُوسُ الأطِبَّاء وَنَامُوسُ الألِبَّاء) للقَوْصُونِي (ص 241)

مؤلِّفُ هذه المخطوطة هو رئيس الأطبَّاء، مَدْيَنُ بن عبد الرَّحمن القَوْصُونِي. كان مُديراً للبيمارستان المنصوري في القاهرة المعروف في زمنه باسم دار الشِّفاء. ولقب القَوْصُونِي نِسبة إلى بلدة قَوْص في صعيد مصر. ولد عام 969 هـ وتوفي سنة 1044 هـ.

مخطوطة (قاموس الأطبَّاء) تقع في مجلدين، ومن خلالها نتعرف على بعض المفردات التي يقدمها لنا القَوْصُونِي، وفيها عرض لخلاصة ما انتهى إليه العِلم العربي في ميادين الطِّب والصِّحة العامة وأمور العلاج والفسيولوجيا وتكوين الأعضاء وتشريح العِظام والعضلات والصَّيدلة والموازين الطَّبية وخواص الحيوان.. وقد صيغ ذلك كله بلغة عربية سليمة.

- الفصل الثَّالث والعشرون (مخطوطة طبيّة): (قَانُونُ الزَّمَانِ فِي تَدْبِيرِ الإِنْسَانِ) لابن البَيْطَار (ص 255)

مؤلِّفُ هذه المخطوطة (قانون الزَّمان في تدبير الإنسان) هو أبو محمد عبد الله بن أحمد المَالَقي النَّباتي، ضياء الدِّين، ويُعرف بابن البيطار. ولد عام 593 هـ وتوفي سنة 646 هـ/ 1248 م.

قامت شهرة ابن البيطار على كونه واحداً من أهم الصَّيادلة والعشَّابين في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. لكن في هذه المخطوطة (قَانُونُ الزَّمَانِ فِي تَدْبِيرِ الإِنْسَانِ) سنكتشف ابن البيطار في ثوب الطَّبيب النَّطاسي.

لا توجد من مخطوطة (قانون الزَّمان) غير نسخةٍ واحدة بمكتبة جامعة أوبسالا.

يبدأ (قانون الزَّمان) دائرة كبيرة تحت البسّملة وقبل الحمّدلة، تضم الأقسام الأربعة والأربعين للكتاب؛ وكأنها فهرس دائري، حيث يعرض لبيان العلل والأمراض، والأورام وأصنافها، والأمراض العارضة في ظاهر البدن.

- الفصل الرَّابع والعشرون (مخطوطة فلكية): (كِفَايَةُ التَّعْلِيمِ في معْرِفةِ وَضْعِ التَّقَوِيم) للرِيشي (ص 269)

مؤلف هذه المخطوطة هو أحمد بن غلام الله بن أحمد بن محمد الشِّهاب الرِّيشي القاهري الميثاقي، وتوفي سنة 836 هـ. توجد نُسخة من هذه المخطوطة في دار الكتب المصرية. تقع المخطوطة في 34 صفحة من القطع المتوسط، وتشتمل على ثمان فصول وخاتمة.

- الفصل الخامس والعشرون (مخطوطة أُصُول الدِّين): (لُبَابُ المُحَصِّل) لابن خلدون (ص 277)

مؤلف هذه المخطوطة (لُبَابُ المُحَصِّل) هو أبو زيد وليُّ الدِّين عبد الرَّحمن بن محمد بن محمد الحضرمي الإشبيلي التُّونسي القاهري المالكي. ولد في أول رمضان من عام 732 هـ بتونس، وتوفي سنة 808 هـ ودفن بمقابر الصُّوفية خارج باب النَّصر بالقاهرة.

لَبَابُ المُحَصِّل؛ كتاب مشهور للإمام فخر الدِّين الرَّازي المتوفي سنة 606 هـ، عنوانه (مُحَصِّل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين). وهو كتاب في أُصُول الدِّين وعِلم الكلام. درس ابن خلدون كتاب (المُحَصِّل) وشرع في استخلاص (لُباب) كتاب (المُحَصِّل). وكتاب (لُبَابُ المُحَصِّل) لا توجد منه غير نُسخة واحدة فريدة في العالم محفوظة بمكتبة دير الأسكوريال وهي بخط ابن خلدون نفسه. وقد ألفه في أصول الدِّين وعِلم الكلام. ودراسة هذه المخطوطة كتاب (لُبَابُ المُحَصِّل) تكشف طبيعة الإطار المعرفي الذي نشأ فيه عبد الرَّحمن بن خلدون، والأُسُس الكلامية التي انطلق منها.

- الفصل السَّادِس والعشرون (مخطوطة أُصُول الدِّين): (مَحْوُ الشُّبُهَات) لإبراهيم حلمي القادري (ص 293)

مؤلف مخطوطة (مَحْوُ الشُّبُهَات عن مشروعية طلب المحو والإثبات وزيادة العمر والرِّزق والسَّعادة واستجابة الدَّعوات والكلام في القضاء والقدر) هو الشَّيخ إبراهيم حلمي القادري، الإسكندراني المولد والمنشأ والإقامة والوفاة. ولد عام 1322 هـ، وتوفي وهو يُصلي بتلاميذه تراويح ليلة السَّابع والعشرين من رمضان سنة 1390 هـ. رحمه الله. تقع المخطوطة في 157 صفحة من القطع الكبير، وهي تتناول مشروعية المحو والإثبات وما يتعلق بمسائل الدُّعاء، والحُرّيّة والجبريّة، والقدر، وغير ذلك من القضايا الكلامية المُتعلقة بعلم أُصُول الدِّين.

والكتاب ينقسم إلى قسمين، كل قسم فيه خمسة فصول، في القسم الأول فيه فصول: الاستطاعة، أفعال العِباد، العِلم الإلهي، القضاء والقدر، أُمّ الكِتاب الفاتحة. وفي القسم الثَّاني فيه فصول: المحو والإثبات، تعميم المحو والإثبات، استجابة الدَّعوات، زيادة الآجال والأرزاق ونقصانها، السَّعادة والشَّقاوة.. وينتهي الكتاب بخاتمة حول ليلة البراءة ليلة النِّصف من شعبان، وليلة القدر.

- الفصل السَّابِع والعشرون (مخطوطة سير وترجم): (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) لابن حَجَر العَسْقَلَانِي (ص 301)

مؤلف هذه المخطوطة هو ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد، العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ، نزيل القاهرة. ولد في سنة 773 هـ، وتوفي سنة 852 هـ. ودُفِن في القرافة بالقاهرة.

مخطوطة كتاب (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) عبارة عن تراجم للشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني، تسرد أخبار الإمام عبد لقادر الجيلاني فتحكي عن صلته بمشايخ وقته، وشيوخه في الطريقة والتَّصوُّف، وقد احتوت المخطوطة على بعض النُّصوص الجيلانية الباهرة.

والمخطوطة الفريدة ولعلها الوحيدة من كتاب (مُخْتَصَرُ غِبْطَةِ النَّاظِرِ) محفوظة بالخزانة العامة بالرِّباط بالمغرب، وتقع في 44 صفحة.

- الفصل الثَّامن والعشرون (مخطوطة موسوعية): (مَسَالِكُ الأَبْصَارِ فِي مَمَالِكِ الأَمْصَارِ) لابن فَضْلِ الله العُمَرِي (ص 315)

مؤلف مخطوطة (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) هو شهاب الدِّين أبو العباس أحمد بن يحي بن فضل الله بن مجلى بن دعجان بن خلف، الدِّمشقي الشَّافعي، المعروف بابن فضل الله العُمَرِي لأن أُصول نسبه تعود به إلى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولد عام 700 هـ، وتوفي في عرفات وهو يقف مع الحجيج سنة 749 هـ. درس علوم عصره بالقاهرة ودمشق.

هذه المخطوطة الموسوعية (مَسَالِكُ الأَبْصَارِ فِي مَمَالِكِ الأَمْصَارِ) هائلة الحجم والقيمة، تقع في 27 مجلداً، وتُعد من روائع التُّراث العربي. وتنقسم إلى قسمين: الأول في الأرض، أي الجغرافيا وما يلحقها، والثَّاني في سكان الأرض، ويُقسم هذا الأخير إلى ما يتعلق بالحيوان النَّاطق وغير النَّاطق، فبحث في الأجزاء الأولى منه، في التَّاريخ الطَّبيعي والجغرافية ما يتبع ذلك من مسالك الممالك والرِّياح وعجائب البر والبحر ومواقع مشاهير البلاد، وخصوصاً مصر والشَّام والحجاز، ومنازل العرب، وتراجم الأطبَّاء والعُلماء والفُقهاء، ورجال العِلم والسِّياسة والإدارة. ثم نظر في غير النَّاطق والجماد، وبحث في العلوم الطَّبيعية كالمعادن والحيوان والنَّبات، وتوسع في وصف الطُّيور وسائر الحيوان. وقسم التَّاريخ حسب الأمم والبلدان على اختلاف الزَّمان والأصقاع، حتى 744 هـ، ودقَّق في تواريخ المغول والهنود والأتراك والأكراد، فضلاً عن الأمم الأخرى.

- الفصل التَّاسع والعشرون (مخطوطة فلكية): (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) للشيرازي (ص 329)

مؤلف مخطوطة (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) هو قطب الدِّين محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشِّيرازي، ولد في شيراز عام 634 هـ، وتوفي في تبريز سنة 710 هـ. وقد نشأ في بيت عِلمٍ، فكان لأبيه وعمه اشتغال بالطِّبّ، فقرأ عليهما المعارف الطّبية، وعمل في ابتداء أمره طبيباً بمستشفى شيراز، ثم ارتحل إلى مراغة ليدرس الفلك والرِّياضيات على نصير الدِّين الطُّوسي.

هذه المخطوطة الفلكية (نِهَايَةُ الإِدْرَاكِ فِي دِرَايَةِ الأَفْلَاكِ) للشيرازي، يوجد العديد من نسخها في أوربا، لكن الكاتب اعتمد على النُّسخة الخطية المحفوظة بمكتبة كوبرلى زاده باسطنبول في تركيا وقال أنها نسخة جيدة مزدانة برسوم هندسية دقيقة.

- الفصل الأخير (مخطوطة منطقية): (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) لابن النَّفِيس (ص 341)

مؤلف هذه المخطوطة (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) هو علاء الدِّين علي بن الحرم القَرَشي الدِّمشقي المصري، المعروف بابن النَّفيس، ولد عام 607 هـ بقرية قرب دمشق اسمها (القَرَش) وإليها نسبته، ونشأ وتعلم بالشَّام، ثم وفد إلى مصر وظلّ بها حتى وفاته سنة 687 هـ. وفي القاهرة اشتهر ابن النَّفيس ونال مكانة كبيرة بين معاصريه، حتى أصبح رئيس أطباء مصر.

ولا توجد من (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) غير مخطوطة وحيدة في العالم، محفوظة بمكتبة بودليان بأُكسفورد، وتقع في 200 ورقة من القطع الكبير والورقة صفحتان. وتشتمل (الوُرَيْقَاتُ فِي المَنْطِقِ) على مقدمة تتناول بيان الحاجة إلى المنطق ومنفعته وأقسامه وبعض الشُّكوك على المنطق وحلِّها. وتسعة أبواب تقع في تسعة كتب منها ما ينقسم إلى فصول كثيرة، ومنها ما لا ينقسم. وأوَّلها كتاب (إيساغوجي) هو مدخل ومقدمة في المنطق. والكتاب الثاني هو (قاطيغورياس) أو المقولات. والكتاب الثَّالث هو (بارير مينياس) أو العبارات، ويتناول الألّفاظ المركبة في جمل وأقسام الجملة والقضية، ويتوقف عند (القضية الشَّرطية) بوجه خاص، وهي الأساس الذي يقوم عليه المنهج الاستقرائي، والمنطق الرِّياضي المعاصر (اللوجيستيقا). والكتاب الرَّابع هو (أنولوطيقا الأولى) أو القياس، وفيه يتناول ابن النَّفيس أشكال القياس وضروب كل شكل وهيئة المقدمات والحدود والنَّتائج. والكتاب الخامس هو (أنولوطيقا الثاني) أو البرهان. والكتاب السَّادس هو ( طوبيقا) أو الجدل، ويعرض ابن النَّفيس عبر فصوله لماهية الجدل ومفاهيمه المتعددة، والغرض من الجدل والمطالب الجدلية المختلفة وكيفية الاحتيال في القول، بالإضافة إلى عملية القدح في الحدود والمقدمات. والكتاب السَّابع هو (سوفسطيقا) أو المغالطات والسفسطة. والكتاب الثَّامن هو (رطوبيقي) أو الخطابة وما يخص المتحدِّث منها. وأخيراً الكتاب التَّاسع وهو (قطوريقي) أو القياس الشِّعري، الذي يقول فيه ابن النَّفيس: القياس الشعري فائدته الحثُّ أو القبض بالتَّخييل، من غير اعتبار صدق؛ حتى لو أُستُعمِل فيه الصَّادق اليقيني، لم يكن ذلك شِعراً من جهة ما هو صادق، بل من جهة تخييله؛ فالتَّخيُّل من الشَّاعر بمنزلة الإقناع في الخطابة واليقين في العلوم.

وفي الأخير فإن أفضل ما أختم به هذه القراءة لكتاب (التُّراث المجهول - إطلالة على عالم المخطوطات) للدكتور يوسف زيدان، قول العلامة عبد الرحمن بن خلدون: (إن معرفة التُّراث هي العِلم بكيفيات الواقع وأسبابها).

***

أ. السعيد بوشلالق

فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي

ترجمة: ممدوح الشيخ

***

"هذا الكتاب الرائع يكشف بمهارة عن الطبيعة المتغيرة للدين في الاتحاد السوفيتي، وحدود العلمنة في ظل الشيوعية، والمكانة المهمة للروحانية في القرن العشرين. كما تكشف سمولكين المفارقة اللافتة للنزر في كيف وحدت السلطات السوفيتية نفسها تحاول إحياء الروحانية والعواطف الدينية، حتى عندما كانوا يسعون إلى تدميرها".

بول دبليو ويرث، مؤلف كتاب: "معتقدات القيصر الأجنبية: التسامح"

"هذا كتاب مبتكر، ومهم للغاية، تقدم سمولكين سردية حول تاريخ صنع الإلحاد السوفيتي، وما تلاه من تفكيك.. إنه جدير بالقراءة".

دينيس موزلوف، مؤلف كتاب: "التصالح مع الماضي الستاليني".

صدرت عن مركز تكوين للدراسات والأبحاث - السعودية بالتزامن مع معرض الرياض الدولي للكتاب الترجمة العربية لكتاب: "فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي"، وهو أطروحة أكاديمية للباحثة فيكتوريا سمولكين، وترجمه إلى العربية وقدم له الباحث المصري ممدوح الشيخ. وقد كتبت المؤلفة الكتاب للمرة الأولى كأطروحة حصلت بها على درجة دكتوراه الفلسفة في التاريخ من جامعة كاليفورنيا عام 2010، ثم قامت توسيع الحقبة التاريخية التي تغطيها الدراسة وأعادت إصداره عام 2018. وتتصدر مقدمة المؤلف عبارة نصها: "بحلول نهاية الحقبة السوفيتية، كان الروس شعبًا مشوهًا دينيًا، تعرضوا لأضرار جسيمة، على المستويين الفردي والمؤسسي، بسبب عقود الإلحاد التي رعاها الحزب". واستعرض المترجم في ترجمته ملامح عودة الدين إلى الحياة العامة في روسيت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، مطلع نسعينات القرن الماضي. ويستشهد ممدوح الشيخ برسالة مفتوحة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول "تغلغل الكنيسة الروسية الواسع في جميع مجالات الحياة الاجتماعية"، وقد وجهها في يوليو 2007 علماء روس، بينهم الحائزان على جائزة نوبل للفيزياء: فيتالي غينزبورغ وجوريس ألفيوروف، وانتقد موقعوها تغطية الإعلام المتحمسة للشعائر الدينية التي يشارك فيها رجال الدولة، بينما الكنيسة تتغلغل تقريبًا في جميع مؤسسات السلطة.

ويتناول الكتاب تعليم الإلحاد السوفيتي وطقوس دورة الحياة الاشتراكية في فترة ما بعد الحرب. ويتبع السرد دورتين مختلفتين متداخلتين في الحياة: دورة الإلحاد العلمي الماركسي اللينيني، حيث جرت محاولة لملء الفراغ الذي كان يشغله الدين بمحتوى روحي سوفيتي واضح، ودورة حياة المواطن السوفييتي الذي تم ترتيب حياته بهدف جعلها ذات مغزى عبر معتقدات وطقوس سوفيتية. وقد ناقشت سمولكين جهود الدولة السوفييتية لوراثة المؤسسات الدينية، ودرست أسباب فشل الإلحاد رغم أجندته الأيديولوجية الشاملة، ورغم الطقوس الاشتراكية التي اختُرعت ونُشرت على نطاق واسع حتى عصر خروتشوف. وقد أصبح الأيديولوجيون السوفييت – متأخرًا – أكثر وعيًا بالتناقضات التي كشفت عن نفسها عندما حاولوا تحويل المعتقدات والطقوس الأيديولوجية إلى قناعات وممارسات يومية. ونتيجة لذلك، أصبح الاهتمام المتجدد بالحياة الروحية لـ "المادة البشرية" للثورة مركزيًا لتفسيرات الماركسية اللينينية، وكذلك لمصير التجربة السياسية السوفيتية. وقد درست فيكتوريا سمولكين في أطروحتها الأكاديمية على نطاق أوسع، أهمية طقوس المجتمع الحديث ووظائفها، وكما حاولت أن تقيم مدى قدرة الدولة السوفيتية على توجيه هذا الجانب من حياة الفرد والمجتمع.

والكتاب لا يشمل دراسة "نظرية" للإلحاد، وبدلًا من ذلك يقدم سردية شديدة الثراء لحقبة أخفيت الكثير من وثائقها لعشرات السنين، وكانت موضوعًا للإنكار والنفي المتكرر في أدبيات عديدة استهدفت نفي الطبيعة الإلحادية للتجربة السوفيتية، ومن الحقائق المؤسفة أن المكتبة العربية كان نصيبها كبيرًا من هذه الكتابات المضللة التي استهدفت بشكل مقصود "تبييض وجه الشيوعية". وبسبب غياب هذا الجانب النظري مر المترجم في مقدمته على بعض المفاهيم الرئيسة في الإلحاد الشيوعي. وبحسب: "المعجم العلمي للمعتقدات الدينية" وهو "ثمرة جهد مجموعة من العلماء والمتخصصين من الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية استغرق عدة سنوات"، "مركزية الإنسان في الكون" هي "مفهوم ديني مثالي يضع الإنسان في مركز الكون ويجعل منه الغاية النهائية من خلقه. وتؤكد هذه النظرية أن هناك أهدافًا وذرائع موضوعية متعالية عن البشر (إلهية) وراء خلق العالم .. .. .. .. وقد يتمثل الشكل النهائي لنظرية "مركزية الإنسان في الكون" في اليهودية والمسيحية والإسلام. وقد قوض العلم الطبيعي – ممثلا في كوبرنيكوس وجاليليو ودارون وأينشتين – جنبًا إلى جنب مع الفلسفة المادية، أسس هذه النظرية". و"الإلحاد الماركسي" هو "مرحلة جديدة من حيث الكيف في تطور الفكر  الإلحادي، . .. .. وظهر بوصفه النظرية العلمية الحقة التي تعبر عن مصالح تلك القوة الثورية والتقدمية (أي الطبقة العاملة) على نحو متماسك ومتسق. ويصف لينين جوهر الإلحاد بقوله: "الماركسية هي المادية وهي بصفتها تلك مناهضة على نحو لا يعرف الهوادة للدين".

ومن بين سمات المجتمع الشيوعي التي لفتت نظر المراقبين الغربيين باستمرار كانت السياسة السوفيتية الطموح التي تهدف إلى تغيير الشخصية البشرية. لقد فرضت الأيديولوجية السوفيتية أن يتم إنشاء "الشخص السوفيتي الجديد" ليكون: محبًا للسلام، عالميًا، وطنيًا، ملتزمًا بالقانون، جماعيًا، مجتهدًا، وملحدًا متشددًا. ولتعزيز الإلحاد أنشأت سلطات الدولة والحزب الشيوعي برنامجًا تعليميًا شاملاً يُترجم على أنه: "التنشئة الملحدة". وقد كانت تلك النواة الصلبة للمخططات العامة لتكوين الشخصية التي ابتكرتها السلطات السوفيتية، كما تصورها ونفذها خبراء الحزب الشيوعي، وتضمن هذه المخططات "جهودًا متعددة الأوجه عبر العمر لتغذية الإلحاد، وتحويله إلى طريقة تفكير لكل مواطن سوفيتي".

وفي سياق الثقافة الإسلامية، يتقاطع موضوع الكتاب بشكل واضح مع قضيتين: الأولى تركيز المؤلفة على الكنيسة الأرثوذكسية – بشكل رئيس – كهدف لسياسات الترويج الرسمي للإلحاد، رغم أن مسلمي روسيا كانوا ضمن المكونات الدينية التي استهدفتها الدعاية الإلحادية السوفيتية. والقضية الثانية طبيعة التأثيرات التي انتقلت إلى عديد من الدول العربية المسلمة بتأثير المد اليساري الكبير في خمسينات وستينات القرن العشرين بصفة خاصة. وبحسب الباحث البريطاني براين ويتاكر، كانت اليـمن الـجنوبي النـموذجَ الوحيدَ للحكـم الـمـاركسيّ اللينينيّ "الحرفي" في الـمنطقة. وكانت حكومتها تطمح لبناء مـجتـمعٍ "عقلانيّ اشتراكي"، ووجدت نفسها مضطرةً لـمواجـهة مسألة التعامل مع الإسلام، فاتـخذت إجراءاتٍ صارمةً، وعنيفة أحيانًا، ضدّ الـمؤسسة الدّينية كتأميـم الأوقاف وتوظيف رجال الدّين لدى الدولة. والسيطرة على الـمؤسسات الدّينية. وقد انتهج النظامُ القائـمُ نهجًا معقدًا، بـمشورة سوفيتية على ما يبدو، ويقال إنَّ اللجنة الـمركزية للحزب الوحدويّ الاشتراكيّ بألـمـانيا الشرقية أوصتِ النظامَ اليـمنيَّ بـالآتي: "الدّين يُستعمل كسلاح ضدّكـم، فلمـا لا تستعملون السلاح ذاته ضدَّ أعدائكـم؟ لـمـاذا تتخلون عن الـمبادرة لـحساب الرجعيين والانتهازيين؟ لـم لا تكون الـمبادرة للتقدميين؟ لـم لا تقولون إننا ضدّ الرأسـمـاليّة الاستغلاليّة؟" وقولوا "إن سيدنا مـحمدًا كان ضدّ الرأسـمـالية الاستغلالية؟". دفع ذلك الـحكومةَ لترويـج إسلام اشتراكـيّ يـُحتفَلُ فيه بـميلاد "لينين" مع احتفالات دّينية تقليدية. الإسلام الاشتراكيّ يشبه حركة "لاهوت التحرير" بأمريكا اللاتينية. وفي دراسة عن التعايش الهشّ والـمضطرب بين الإسلام والدولة باليـمن الـجنوبي، قال نورمان سيجار "إنَّ الاشتراكيين اليـمنيين تعاملوا مع الإسلام كـظاهرةٍ اجتـمـاعيةٍ اقتصاديةٍ معنيةٍ بعالَمنا فقط"، و"تـجاهلوا أو ربّمـا هـمّشوا الـجوانب الأُخرى من الإيـمـان".

وفي النهاية، كان الهدف النهائي للماركسية السوفييتية "تطوير بيئة نقية حيث تكون تأثيرات الإيمان الديني محدودة جدًا بحيث يصبح الفراغ في المجال الديني مستدامًا ذاتيًا. وفي التصور الأيديولوجي، يمثل مثل هذا الوضع بيئة نقية حيث يمكن أن يحدث تطور الشخصية الكاملة للشخص الشيوعي الجديد دون عوائق". وقد كان الهدف النهائي للتنشئة الإلحادية ما أسماه الكتاب السوفييت: "نظرة علمية إلحادية للعالم"، وبذلت الدولة كل ما في وسعها "للتغلب" على الدين، لجعله "يذبل"، ولكن عندما فشلت مساعيها "البناءة"، كانت مستعدة لنشر مجموعة واسعة من أجهزة الرقابة الاجتماعية للقضاء على العادات الدينية. وبعد عقود من "الإغواء" و"القمع" انهار الحزب الشيوعي السوفيتي ومشروعه الإلحادي.

*** 

الكتاب: فضاء المقدس لا يعرف الفراغ: تاريخ الإلحاد السوفيتي.

المؤلف: فيكتوريا سمولكين.

ترجمة وتقديم: ممدوح الشيخ.

الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث - السعودية.

عدد الصفحات: 560 صفحة من القطع الكبير.

تاريخ النشر: 2022.

A Sacred Space Is Never Empty

A History of Soviet Atheism

Victoria Smolkin

2018

Princeton University Press

UK

عن منشورات الجمل، التي يديرها الشاعر المبدع خالد المعالي، صدر للباحث وألأكاديمي العراقي الأستاذ الدكتور إسماعيل نوري الربيعي، كتاب الوليمة الباردة العراق؛ رهانات الهوية المتشظية. الوليمة الباردة. ذلك هو حال العراق، الذي ما انفك يعيش أحوال الفريسة التي ينقض عليها الجميع. وصفه المؤرخ الإغريقي هيرودوت بــ سرج الرياح، كناية عن ساحة الحرب الناشبة بين الحضارات والأمم والقبائل والدول والمجتمعات. وليمة تكالب عليها اللئام والطامعون والحاذقون والمستذئبون، وكل ما خلق الله من أنواع. وليمة مرّ عليها الكافرون والملحدون، الفسقة الفاجرون. المؤمنون الصالحون، والعابدون الزاهدون. العقلاء والمجانين، الراسخون في الجهل كما الراسخون في العلم، المقبلون طرا نحو هذه الأرض (المزار المشتهاة) بحسب تعبير الشاعر كاظم الحجاج. لكنها ظلت وليمة، وباردة.

على الرغم من حرارة أفئدة أبنائها، ودفء مشاعر أهليها، وسخونة عواطف مواطنيها. إلا أن الفقد والكرب والحزن، يبقى فاردا قلوعه على فضاءاتها ومساحاتها وأشيائها الكثيرات. بلاد لا ترعوي عن محو حوافر خيل الغزاة، وما ترددت يوما عن تكسير سنابك جيوش الفاتحين. أرض تشرئب للمحن، تداوي عللها بالصبر، وتضمد جراحها بالمروءة. إن غدت اليوم وليمة باردة، تستهدفها الوحوش الكاسرة، راغبة في إذلالها والسطو على عنفوانها، إلا أن أبناءها الصيد الميامين، ما لبثوا ينهضون، مقارعين الأحوال والأهوال. مشرئبين للقادم من الأيام، بكل ما فيها من ألوان وأحداث وأجداث، ومصاعب وأفراح ومسرات.

وليمة باردة، هكذا يتراءى لمن لا يعرف هذه البلاد عن كثب. يظن فيها الظنون. ويعتقد حتى يدخل في روعه أنه قد تمكن منها، وهيمن على مقدراتها، وجعل منها رهينة لإشباع نزواته ورغباته وشهواته. لكن هذا القنوط والبرود والتداعي، سرعان ما يتهاوى عبر لحظة لحظة اليقين التي تقوم عليها هذه البلاد. فهي ليست باللقمة السائغة، ولا النطيحة المتردية. إنها البلاد التي يجوسها الأمل، وتينفس بين ظهرانيها الخشوع والتبتل والحِلم. بلاد ينهض فيها الوليد، يستحث إرادة الحياة، يستنهض المروءات والاعتزاز والحبور والفخار. بلى هذه البلاد تعيش أحوال قنوطها في لحظتها الراهنة. لمنها تبقى مرفوعة الرأس بأبنائها الغر الميامين.

الوليمة الباردة؛ العراق رهانات الهوية المتشظية، عنوان كتاب يعالج القضية العراقية، تلك التي ما فتأت تحضر إلى الواجهة لمبررات جمة وشتى.

عالج الفصل الأول مسألة الدستور العراقي الذي صدر عام 2005، في أعقاب التغيير الذي شهده العراق. دستور عقد عليه الأمل في بناء عراق ديمقراطي، يقوم على مبدأ الدولة المدنية وتجليات المجتمع المدني والشفافية والمساواتية والعدالة، وتكريس الحقوق الأساسية للإنسان العراقي. إلا أن القراءة الفاحصة، والتدقيق الهادي في تفاصيل هذا الدستور سرعان ما يكشف عن نزوع صدر من قبل المشرعين، يقوم على المحاصصة البغيضة، والحرص الشديد على تكريس نفوذ النخبة الحاكمة. دستور يقوم الاستهلال فيه على المزيد من الشحنات العاطفية، والتراكيب اللغوية التي لا تمت بأي صلة باللغة الدستورية والتشريعية، المستندة إلى الوضوح والمباشرة. دستور وضع نفسه حبيسا في الماضي، وأضاع التاريخ.

الفصل الثاني: التفاوض حول العراق؛ قراءة في ضوء نظرية الخيال السوسيولوجي. حاول من خلال منهجية الخيال السوسيولوجي التي أسس لها عالم الاجتماع والفيلسوف رايت ميلز، رصد اللحظات التاريخية التي سبقت الإعلان عن الكيان العراقي. والطريقة التي تفاوض بها الساسة (البريطانيون تحديدا) حول طريقة بناء هذا الكيان السياسي، والتركيز على حساب الحقل والبيدر والجدوى الاقتصادية، وحساب المصالح. لحظة برع فيها لويد جورج في تفاوضه مع الفرنسيين، وعمل على تنفيذها الدقيق ونستون تشرشل. فيما تبقى اللواحق والتوابع تشير إلى حضور لــ برسي كوكي والمس بيل.

الفصل الثالث: حاول التوقف عند ثورة العشرين العراقية، بوصفها منعطفا تاريخيا في حياة العراق السياسية. المعالجة توقفت عند مفهو الذاكرة، وطريقة التعاطي مع الأحداث التاريخية. حيث التطلع نحو نزع القداسة عن الماضي، مع أهمية التعاطي مع الحدث بروح تاريخية علمية، تقوم على الإعلاء من شأن التفكير الناقد النائي بنفسه عن المسلمات والمقدسات. مع أهمية الإقرار بأن الحدث التاريخي، غنما هو يقوم على الصناعة الإنسانية، بكل ما فيها من تفاصيل ومدركات ورؤى وتصورات.

الفصل الرابع: ركز على قراءة ؛ رهانات الهوية المتشظية قراءة في التقرير السري للملك فيصل الأول عام 1932. والذي لخص فيه رأيه بالوضع العراقي بصراحة غير معهودة، وآراء صادمة تصل إلى الاحباط. وعلى طريقة التداعي الحر، أفرغ الملك فيصل مكنون نفسه، حول الحالة العراقية. لكن كل هذا الجهر، كان قد انطوى على الكتمان والسرية. فكل ما صرح به الملك فيصل الأول لم يزد في الواقع عن مذكرة داخلية (شديدة السرية) توجه بها إلى رجال النخبة الحاكمة، من حاشيته المقربين.

الفصل الخامس: حاول دراسة موضوع دولة السطوّ الشرعي، تشريع الكلبتوقراطية في العراق في ضوء نظرية العدة الأيديولوجية للدولة، حيث التوجه نحو قراءة ظاهرة الفساد الإداري، التي انتشرت في عراق ما بعد 2003 بشكل لافت ومريع. لا سيما بعد أن توطنت فكرة المحاصصة في مفاصل الدولة العراقية. حاولت القراءة تتبع أصل الفساد وأسبابه والعوامل التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة المريعة والمقيتة.

خاتمة الكتاب: ركزت على قراءة مابعد الديمقراطية ؛ المعرفة بوصفها سلعة لها فائدة، وسعت إلى تتبع الركائز المعرفية التي تقوم عليها فكرة الديمقراطية، والتطورات التاريخية والفكرية التي نالت من هذا المفهوم. الواقع أن الخاتمة حاولت الوقوف على مفهوم (ما بعد الديمقراطية) والتي يشكل مدارا نقديا، ظهر مؤخرا على يد كبار المفكرين والمنظرين السياسيين. دراسة ما بعد الديمقراطية لها ما يبررها في أن تكون خاتمة للكتاب، باعتبار أن التغيير الذي نال العراق، إنما يقوم على فكرة الدمقرطة التي بشرت بها الولايات المتحدة، في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، وبروز ظاهرة القطب الواحد الذي تمثل في الولايات المتحدة، والتنظيرات المرافقة لها، لا سيما على يد الفيلسوف السياسي فوكوياما حول الديمقراطية بوصفها النموذج النهائي للسياسة في العالم.

***

صدر حديثا عن دار الفرات للثقافة والاعلام - العراق - بابل 9-9-2022 بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع كتابي الموسوم: (الفرهود - ظاهرة اجتماعية عامة في  المجتمعات الغارقة في التخلف - العراق انموذجا) وهو اول دراسة لظاهرة الفرهود في العراق. الكتاب تضمن (612) صفحة من الحجم الوزيري، وكُسِرَ على (11) فصلاً.

الفصل الأول تضمن الفرهود في العهد السلجوقي، أما الفصل الثاني كُسرَ بواقع حال الفرهود في العهد المغولي، كما احتوى الفصل الثالث الفرهود في عهد الدولة الإيلخانية. أما الفصل الرابع فقد وضح حال الفرهود في العهد العثماني الأول في العراق، والفصل الخامس دَونَّ الفرهود في العهد العثماني الثاني، والفصل السادس أوضح حالات الفرهود في العراق نهاية القرن الثامن عشر. أما الفصل السابع فقد سلط الضوء على حالة الفرهود وغارات الوهابيين على العراق. أما الفصل الثامن فقد تضمن حالات عمليات الفرهود في عهد سليمان الكبير. أما الفصل التاسع فقد أحتوى حالات عمليات الفرهود في عهد العراق الملكي. والفصل العاشر سلط الضوء على حالات الفرهود في حقبة نظام البعث 1968-2003م، أما الفصل الحادي عشر فقد نقل واقع حال الفرهود بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، وفي النهاية اختصار حالات الفرهود في العراق لما ذكرنا في الكتاب واحتوته الخاتمة.4235 نبيل الربيعي

غالباً ما يسعى أرباب الحركات الوضعية التغييرية إلى إحداث تغيير جذري ينقلب فيه على واقع الشعب نظاماً ومنهجاً وسلوكاً وقيماً، لأنهُ يتحرك في حدود الفعل وردة الفعل المبنية على تفاعلات فكرية وعاطفية وعصبية وثأرية، بما يمس صميم إنسانية الإنسان وخطوط مسيرته التكاملية، فيلجأ إلى العمل على تحديد نُظم حياة جديدة بحسب رؤى ومتبنيات بشرية قاصرة ومقصرة تدفعها الميول والأهواء والمصالح والعواطف والرغبات والعصبيات والتحزبات، فتمارس لأجل تحقيقها سياسة الترغيب والترهيب والحيلة والخداع والوعود الزائفة، من أجل خطف إرادة الشعب وتذويبها ضمن إرادة دعاة التغيير، التي لا تخرج في واقعها عن تسييس المجتمعات وفق أهداف ضيّقة تُمزق وحدة المجتمع مرة بعد أخرى، وبالتالي تسلب (تفرهد) منه ثرواته وإرادته.

حينما نتكلم عن العراق بموضوعية في إطار زمن محدود لا يُمكن لنا أن نتجاوز المحطات المفصلية المؤثرة في طبيعته عبر التاريخ، لأنّ لها دوراً تراكمياً كبيراً في تركيب شخصيته، وتغيير بوصلة اتجاهه تبعاً لقوة جاذبيتها المتسلطة عليه ولو في جهة من الجهات، وقد ثبت أنّ حركة الأمة متغيرة بفعل ما يطرأ عليها من حوادث واقعة عليها قهراً أو بمحض إرادتها، سواء كانت من الداخل أم من الخارج، وواقع الحال يكون التغيير مختلفاً بطبيعته من جهة إلى جهة باختلاف مناهجه وقوة تأثيره ومساحة بسط نفوذه، وآليات عمله ومدى استجابة الجماهير له. وعلى ضوء ذلك تتم عمليات تسقيط التوجهات السابقة واستبدالها بأخرى، لتحديد هوية جديدة، وانتماء ذي طابع مغاير لسابقه، فتجد حينئذ تغيرات حاصلة في المبادئ والقيم والأخلاق والنُظم، بل حتى المعتقدات والشعائر العبادية والطقوس والرجال الدعاة، ومن هنا يجري توظيف قادة وزعامات جُدد يتفاعلون مع هذه المتغيرات، حتى تكتمل عندهم دائرة التحول الاجتماعي داخل الأمة، ضمن إطار الهوية الحديثة، وهذا البناء الجديد للأمة والصياغة المستحدثة لها، تبعاً لإرادة جديدة مهما كان توجهها، لا تقوم عادة كما هو الواقع التاريخي إلا بتحطيم الرموز القديمة، وتهديم بنائهم ونظامهم بكل الوسائل الممكنة، ورفع أنقاضه، ووضع خارطة عمل وبناء يتناسب وتطلعات الحركات التغييرية القائمة بالأمر، والتي لا يعني أنها تعتمد التغيير الايجابي الذي يتناسب مع تطلعات وطموح الشعب، تبعاً لتطور الزمان وتغير المكان بل غالياً ما كان التغير سلبياً، لأنه يسير وفق قناعات الجماعات الحاكمة المستبدة التي تسعى جاهدة لتغيير البُنية الاجتماعية لدى شعوبهم، وفق إرادة وإيمان الحاكم القاصر والمقصر، وبفعل قوة الحاكم الذي يتسلط على إمكانيات الدولة من الجيش والشرطة والقضاء والسجون ومنافذ الحياة الاقتصادية المهمة، وكذا خشية الجماهير على مصالحها وحقوقها من الضياع والمصادرة وشعورهم بالضعف اتجاه الحاكم وزبانيته وتجنبهم ضرره حتى صار الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون على دين ملوكهم.

وهكذا مرَّت أدوار هزيلة على الشعب العراقي عبر التاريخ وإلى يومنا الحاضر، لكونه عاش أدواراً متضادة ومتناقضة في صميم حياته الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، ففي كُل دولة من الدول المتعاقبة تتبنى غالبية الجماهير وجهة نظر تلك الدولة حتى أثَّر ذلك على طبيعة الشعب وسلوكه وتصرفاته وسهولة انقلابه وتغيره وكأنه اعتاد وتطبع على هذا المنهج في التحول، واستساغ حالة التقمص ولعبة الأدوار المختلفة وازدواجية المواقف والتحالف مع الأضداد. ونأمل أن يكون هذا الكتاب قد ساهم برفد المكتبة والمجتمع بدراسة عن مراحل الفرهود في العراق، لعلها تكون نافعة بتوثيق بعض المعلومات، وبيان الواقع الغالب على طبيعة المجتمع العراقي.

الفرهود كما جاء في لسان العرب لابن منظور: ولد السبع وقيل ولد الوعل، ويقال أيضاً للغلام الغليظ، وصرفوه فقالوا: تفرهد إذا سمن. وهو مصطلح غريب في اللغة العربية، لم تذكر القواميس العربية هذا المصطلح ولكن الفرهود يعني السلب والنهب وهذه صفة ملصقة بالمجتمع البدوي حسب تفسير العلامة علي الوردي، بأن البدوي نهاب وهاب، وقد يكون نهاب فهذه الطبائع موروثة بشعب العراق دون غيرة، وتشير بعض الدراسات منها للمهندس البريطاني وليم كوكس: (إن أحداث الفرهود هي من خصال الشخصية العراقية وطبيعة وادي الرافدين في معرض تمييزه لها عن نهر النيل، وما أشار إليه من اختلاف في مناسيبها التي ترتفع بصورة مفاجئة وخلال فترة السنة. فتدمير للمحاصيل الزراعية وتحطيم للسدود وقنوات الري، الأمر الذي يؤجج الصراعات والتنازع بين السكان والعداء والاقتتال)، إن تعرض الإنسان المعاصر في العراق لمثل هذا التناقض الصارخ والمتعارض مع الحقيقة التاريخية المثبتة التي تؤكد أن بلاد الرافدين هي المكان الذي نشأت وكُتبت وطبقت فيه منذ أكثر من أربعة آلاف سنة أولى القوانين في التاريخ البشري لحماية حقوق وحرية الإنسان مثل قانون اشنونا وقانون لبث عشتار وقانون أورنمو وقانون حمورابي والقوانين الآشورية وغيرها، وهنا تبرز الحقيقة المفجعة فأقدم القوانين قد ظهرت في العراق بينما هدر الحقوق والكرامات يتواصل في العراق، وهذه الدراسة لم تستبعد السلوكيات للمجتمع العراقي وخاصة المجتمع البدوي الذي بدء أبناؤه ينسحبون إلى المدن وينقلون عاداتهم وتقاليدهم الغير صحيحة معهم في التجمعات السكانية، وأعمالهم في الدوائر الحكومية والتنظيمات السياسية في العراق الجديد وسلوكيات أبناء المجتمع البدوي.

تضمن الكتاب على المقدمة والتمهيد والخلاصة وإحدى عشر فصلاً،

لا بد من توجيه الشكر وأسمى آيات العرفان إلى كل من الصديق صباح السماك، والباحث محمد علي محي الدين لمراجعة الكتاب والتصويب والتعديل والتنقيح، إذ كان لهما الأثر الواضح والحميد في مواصلة العمل لإخراج هذا الكتاب إلى النور ووضعه في متناول القراء.

***

نبيل الربيعي/ حلة/ 6 ايلول 2022

الباحث التجاني بولعوالي يقارب الإسلام في الغرب من زوايا فكرية متنوعة

يواصل المفكر والباحث المغربي د. التجاني بولعوالي مساره الفكري بإصدار جديد تحت عنوان: "الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب" عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة. ويندرج هذا الكتاب الجديد في إطار مقارباته العقلانية والاستشرافية للعلاقة بين الإسلام والغرب. ولا يمكن فهم هذا العمل منفصلا عن أعماله السابقة (المسلمون في الغرب، صورة الإسلام، الإسلاموفوبيا، المسلمون وفوبيا العولمة، الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب)، التي اشتغل فيها على مختلف قضايا الإسلام والمسلمين في أوروبا والغرب. وتشكل هذه الدراسات حلقات ومداخل نظرية وتمهيدية لمشروع موسع ومعمق قيد الإنجاز والبحث والتطوير. ويتضمن هذا الإصدار الجديد سبع مراجعات فكرية، تختلف من حيث وقت كتابتها، إذ تمت صياغتها خلال فترات مختلفة في العقدين الماضيين. ثم إنها تتنوع من حيث القضايا التي تتناولها كالعلمانية والعولمة والتربية والتطرف والربيع العربي وغيرها. وعلاوة عن ذلك، فإن المؤلفين يتباينون إلى حد كبير من حيث توجهاتهم الدينية والإيديولوجية (مسلمين وغير مسلمين)، وسياقاتهم (غربيين وعرب)، وأعمارهم (صغارا وكبارا).

ويستحضر الباحث بولعوالي في مقدمة الكتاب حوارا يعود إلى عام 2007، كان قد أجرته معه جريدة الوقت البحرينية حول مختلف قضايا الإسلام في الغرب، كالاندماج والتعليم والتجديد وغيرها. وقد ميّز حينها بين وجود غربين أحدهما إيديولوجي يحيل على مفاهيم الاستعمار والهيمنة والاستعلاء والقوة، والآخر غرب حضاري يقدّم للإنسان شتى القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة، وهو أيضا ذلك الغرب الذي هيّأ ملاذاً دافئاً لملايين المهاجرين واللاجئين المسلمين والأجانب. وقد اكتشف لاحقا أن هناك أيضا من الباحثين من يميز بين هذين النمطين المتعارضين من الغرب كمحمد أركون وزكي الميلاد.

ويعتقد بولعوالي أن هذا التقسيم من شأنه أن يشكل مخرجا منهجيا في التعامل مع الغرب، الذي لا ينبغي أن يوضع كله في بوتقة واحدة، وينظر إليه بعين الريبة والسلبية والخوف، فالغرب متعدد في كينونته وسياقه وتاريخه وتعامله مع الآخر. ومن الضروري أن ندرك قيمة هذه التعددية الإيجابية التي تمكننا من التمتع بالحقوق والمكاسب والمنجزات، التي يوفرها لنا ذلك الغرب الإنساني والحضاري. ويقتضي هذا في المقابل أن لا نظل في موقف "سالب" كما كان الأمر طوال عقود الهجرة الأولى، بقدر ما ننخرط في الواقع عبر الإسهام والمشاركة والمواطنة والحوار. ولعل هذا ما تشدد عليه مختلف الدراسات الراهنة، التي تنظر إلى العنصر الإسلامي بكونه جزءا لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية والغربية المعاصرة، رغم تصاعد المد العنصري اليميني الرافض لما هو إسلامي في مقابل خطاب التطرف الذي يهدد استقرار تلك المجتمعات.

ويتضمن هذا العمل سبعة فصول تتوزعها سبع مراجعات. تعالج المراجعة الأولى كتاب اللاهوتي الأمريكي بيلي كرون هل الإسلام دين حرب أم سلام؟، الذي يظل وفيا للجدل اللاهوتي التقليدي الذي كان يجري بين المسلمين وأهل الكتاب من النصارى واليهود، لاسيما في العصرين الأموي والعباسي ولاحقا في الأندلس. فهو يستحضر فيه الأحكام السلبية القديمة حول الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعيد إنتاجها بشكل مسفّ، بل ويحشوها بشتيت من المغالطات التي لا تمت بصلة إلى الموضوعية والواقعية.

تناقش المراجعة الثانية كتاب دليل حول الإسلام للمفكر الكاثوليكي الأمريكي جيمس بفيرلي، الذي يحاول من خلاله تقريب الإنسان الغربي من مختلف قضايا الإسلام العقدية والتعبدية والتاريخية. رغم أن هذا الكتاب يوحي بأنه دليل تعريفي بالإسلام، غير أنه في الحقيقة يشكل مقاربة فكرية وفق فيها الباحث بين التوصيف الموضوعي لجملة من الحقائق الإسلامية الجوهرية وبين التفسير الشخصي لاسيما للقضايا ذات الطابع الإشكالي في السياق المعاصر، كالمرأة والإرهاب والقضية الفلسطينية.

تتعرض المراجعة الثالثة لكتاب الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل الذي هو بمثابة نقاش بين باحثين عربيين (تركي علي الربيعو وزكي الميلاد) حول العلاقة بين الإسلام والغرب. خصّص الربيعو بحثه لظاهرة الخوف من الإسلام من خلال قراءة أربعة أعمال فكرية مهمة لجعيط وأركون والجابري وإدوارد سعيد، في حين بحث الميلاد في إمكانية تأسيس منظور معرفي لعلاقات مستقبلية إيجابية بين الإسلام والغرب.

تتناول المراجعة الرابعة كتاب أبي، ماذا يعني أن تكون مسلما؟ للروائي المغربي الطاهر بن جلون، وهو مؤلف يوضح للأجيال الناشئة حقيقة الدين الإسلامي ومختلف جوانب الحضارة العربية الإسلامية قصد تقديم صورة ما حول الإسلام بصفة عامة. لذلك سوف نرصد من خلال ما يأتي الكيفية التي يقدم بها الكاتب هذه الصورة، حيث نثبت بعض الجوانب الإيجابية لهذا العمل، لكن دون التغاضي عن بعض المغالطات التي انزلق الكاتب في مطباتها.

تنفتح المراجعة الخامسة على موضوع مهم ينطر إليه على أنه من قضايا الساعة، وهو الربيع العربي الذي تم تناوله من خلال كتاب الصحافي الهولندي يان أيكلبوم: الربيع العربي، تقرير لشاهد عيان. والغرض من انتقاء هذا الموضوع هو رصد جانب من النظرة الغربية الراهنة إلى ما يجري في المنطقة العربية وشمال إفريقيا منذ ديسمبر 2010.

تقارب المراجعة السادسة كتاب الناشطة والفاعلة المدنية الباكيستانية ملالا يوسفزي: أنا ملالا الفتاة التي ناضلت من أجل التعليم وأطلق عليها طالبان النار، التي تركز في تناولها على البديل التربوي وتعليم المرأة كمخرج لآفة التخلف التي يتخبط فيها العالم الإسلامي. وقد أدركت أهمية هذا الجانب منذ أن كانت طفلة، فاستمرت في دعوتها رغم التهديدات الإرهابية التي كادت تودي بحياتها. ومع ذلك، فهي ماضية في مساعيها الإصلاحية التي أصبحت تتخذ اليوم بعدا كونيا.

تشتغل المراجعة السابعة والأخيرة بكتاب هل هذا هو الإسلام الآن؟ للإمام والمثقف خالد بنحدو، الذي خلق نوعا من الجدل على الصعيد الفلامانكي. وهو يطرح في مقاربته الإسلام العقلاني بديلا لمختلف أنماط الإسلام (السلفي، التنويري، الأوروبي، الإخواني، الراديكالي). وقد تمت مراجعة أهم جوانب هذه المقاربة مع مناقشة بعض الرؤى الخلافية والإشكالية.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التجاني بولعوالي يعتبر إحدى الكفاءات الفكرية والأكاديمية المغربية الأصل التي تقيم في أوروبا منذ حوالي ربع قرن. بعد أن استكمل دراسته الجامعية في اللغة العربية وآدابها، غادر المغرب عام 1999 طالبا إلى هولندا، حيث استقر في مدينة أمستردام طوال خمسة عشر عاما، تلقى فيها مختلف التكوينات المهنية والأكاديمية في شتى الحقول المعرفية من لغات ودرسات إسلامية ولاهوت وعلوم تربية وإعلام، درس في جامعة أمستردام التي تخرج منها بشهادتي ماستر، أحدهما في علم اللاهوت والدراسات الدينية، والأخرى في الرعاية الروحية. ويعيش الآن في منطقة الفلاندر في بلجيكا منذ حوالي عشرة أعوام، حيث عين أستاذا في التعليم الثانوي لدى وزراة التعليم والتكوين الفلامانكية، وبعدها محاضرا ومدربا لأساتذة الدين الإسلامي في المعهد التربوي بمدينة خانت، ويعمل منذ خمسة أعوام في كلية اللاهوت والدراسات الدينية، جامعة لوفان في بلجيكا منسقا لماستر الأديان العالمية والإسلام والدراسات الدينية، وأستاذا في الدراسات العربية والإسلامية، وهو التخصص الذي نال فيه شهادة الدكتوراه من كلية الآداب من جامعة لوفان نفسها، في موضوع: المرجعيات الكتابية في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الهولندية.

صدر للباحث التجاني بولعوالي أكثر من ثلاثين كتابا في مختلف المجالات من فكر إسلامي وتربية ونقد أدبي ودراسات إعلامية وترجمة وإبداع، منها عشرون كتابا مستقلا، وعشرة كتب مشتركة. ونشير هنا إلى أهم العناوين: المسلمون وفوبيا العولمة (فاس، 2018)، صورة الإسلام في المقاربة الأكاديمية الهولندية (دبي، 2013)، الإسلام والأمازيغية، (الدار البيضاء، 2009)، المسلمون في الغرب (القاهرة، 2006). بالإضافة إلى ذلك، ساهم الأستاذ بولعوالي بعشرات المقالات المحكمة ومقالات الرأي والمراجعات والحوارات، كما شارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات والتكوينات والمحاضرات والمبادرات الفكرية والإعلامية والمؤسسة.  

معلومات الكتاب:

الكاتب: د. التجاني بولعوالي

العنوان: الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب

الناشر: روافد للنشر والتوزيع، القاهرة

سنة النشر: 2022

عدد الصفحات: 166

بـ 1380 صفحة الحرثُ الشعريُّ لعدنان الصائغ، في ربع قرنٍ من الكتابة.

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ودار سطور في بغداد، صدر هذا العام 2022 ديوان (نَرْدُ النَصِّ) بـ 1380 صفحة. وهو نص طويل مفتوح، للشاعر عدنان الصائغ. استغرق العمل فيه أكثر من ربع قرن (1996-2022 / بيروت - لندن)

وهو حرثٌ شعريٌّ؛ مثير وخطير، في متون المسكوت عنه وفي هوامشه، بجرأة كبيرة، وتعمق وتفحص واسعين، حافراً ومتسائلاً ومستقصياً الكثير من المفاهيم في السياسة والدين والجنس والميثولوجيا والسوسيولوجيا والموروث والآداب. وانعكاسات ذلك على حالنا ومآلنا الذي وصلنا إليه.

وهو أيضأً رحلة مدهشة مفتوحة على مصراعيها مع تقلبات النرد، في سديم المطلق وداخل حيواتنا، في التاريخ الشخصي والتاريخ العام، وفي الأفكار والثقافات العامة، والذاكرة الشعبية والشفاهية، والمتداول والغائص والغاطس من الاحداث، والهامش الذي يصبح متنا، والمتن الذي يصبح هامشاً.

4219 نرد النص عدنان الصائغ

يقول الشاعر والناقد حكمت الحاج: "بعين تغمرها الدهشة، يجب النظر الى ما أنتجه الشاعر عدنان الصائغ في مشروعه الشعري المتشعب (...) فعلى مدى 1380 صفحة، تتهادي قصيدة شعرية مسترسلة طويلة، أطلق عليها شاعرها عبارة "نص مفتوح طويل"، دون فواصل أو وقفات أو استراحات، فيها كل ما يمكن ان يخطر على بالك شكلاً من استعمال امكانات الطباعة والريازة والتنضيد والتنميق والزخرف والرسم والتشكيل والكاليغراف (...) أما من حيث المضمون، فلا يمكن على الإطلاق اختصار مظاهر الجنون الشعري المتضمنة في "نرد النص"، في هذه العجالة، على ان تكون لنا اطلالة متأنية على هذه القصيدة- النص- الحدث - العجب، هذا على افتراض ان بالإمكان حقاً وصدقاً، قراءة 1380 صفحة من الشعر المصّفى، دون ارتكاب خلل عقلي (...) لقد قضى الشاعر عدنان الصائغ في "نرد النص" هذا، على كل احتمال للتجريب ضمن مغامرة الكتابة الشعرية العربية، وأظن إنه في كتابه الشعري هذا إنما يقول للشعراء أن يذهبوا ويبحثوا لهم عن مخططات جديدة، ومغامرات شكلانية، وتجريبات لغوية، غير تلك التي ألفناها قبل صدور نرد النص".

ويقول أحد الشعراء والكتاب، في صحيفة "الزمان":

"قبل أن تبدأ بقراءة هذا الديوان، ضعْ قربك علبة باراسيتول ومنشفة ونسخة من القرآن الكريم.

الباراسيتول للصداع، والمنشفة لمسح التراب الذي ستثيرهُ الكلمات، والقرآن لتقسم على عدم قراءة عدنان الصائغ مرة أخرى".

****

The Arab Institute for Research & Publishing in Beirut, and Dar Stoor in Baghdad, are opening the new year 2022 with:

The Arabic edition of The Dice of The Text - A long open poem in one volume with 1380 pages, written by Adnan Al-Sayegh.

It is a bold poetic exploration of the main taboos of the Arab-Islamic heritage and customs (as well as the rest of the world) of politics, religion and sex. The book also delves into topics of contemporary reality, challenging many concepts. This poetic work took more than a quarter of a century to complete.

***

(ثقافات : بيروت/ بغداد/ لندن)

صدر للكاتب والباحث المغترب المقيم في باريس د. جواد بشارة كتاب " الثالوث المحير: الله، والدين، والعلمّ بثلاثة أجزاء، عن دار نشر داريبوكس في كندا[email protected].

 العنوان الفرعي للجزء الأول" لغز الألوهية" أما الجزء الثاني فهو تحت عنوان فرعي" الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي" فيما حمل الجزء الثالث عنوان فرعي " المواجهة بين العلم والدين"

هذه محاولة للغوص في هذه المفاهيم الجوهرية الوجودية الثلاثة التي حكمت حياة البشر عبر آلاف السنين

ناقشت هذه الدراسة البحثية المستفيضة  مفهوم الله أو الإله وكيف نشأ في التاريخ القديم والحديث وخاصة الصورة التي قدمته بها الأديان السماوية ونصوصها المقدسة كما ناقشت موضوع الدين وكيفية نشوء الأديان بمنطق تفكيكي وتحليلي نقدي بعيداً عن القدسية وتطرق الكتاب إلى التساؤلات الوجودية الكبرى عن الأصل والمصير  ومحاولة سبر أغوار  الجانب الخفي من الحقيقة الكونية وأصل الحياة ومصيرها وذلك خارج مملكة الله السماوية  وفي أعماق التعدد الكوني  الأزلي والأبدي  فالكون في حقيقته متسامي ومطلق  والإنسان فيه ضئيل وأقل من لاشيء  فالكون لايهتم بالانسان وليس موجوداً من أجله  وقد عرض الكتاب لمسألة وحدة الوجود الصوفية  وحقيقة الكون المتسامي كما تناول موضوع الكائنات التي تملأ الكون وهي كائنات غير بشرية  وقدم رؤية مغايرة لقصة الكون المرئي وناقش موضوع الصراع بين العلم والدين وكسر مسلمة تقديس السماوات من خلال عرض  مفهوم الله بين العلم والفلسفة والدين  وعرض بعض المطارحات الفلسفية والعلمية عن الكون والله وتناول مسألة التعاطي مع العقل  عند الأديان  ومن وجهة نظر العلم وهل العقل قادر وحده على اكتشاف الحقيقة وإثبات وجود أو عدم وجود الخالق؟ من خلال دحض الأوهام والخرافات التي لعبت دوراً في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات ودحض الرؤية الغيبية والماورائية عبر مناقشة إشكالية الخلق والأزلية ولم يتردد في نقد الآيديولجية الدينية وحقيقة الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان وكشف معضلة الوجود بين العلم والخرافة في الكون المرئي.

تناول المؤلف في الجزء الأول موضوع في غاية الحساسية ويتعلق بلغز الألوهية وماهية الله من الناحية الفلسفية والثيولوجية الدينية أو اللاهوتية والعلمية عبر صفحاته الــ 460 صفحة وأحتوى هذا الجزء على مدخل ومقدمة وتمهيد قبل الخوض في صلب الموضوع منذ الفصل الأول الذي جاء بعنوان:" الله ذلك المجهول هل هو فرضية زائدة في العلم؟ والفصل الثاني حمل عنوان" العلم والفلسفة يستجوبان الإله.  ثم يستمر الكاتب في التعمق في مسألة الألوهية عندما يخصص للفصل الثالث عنوان استفزازي هو " هل الله من اختراع البشر؟" ثم يمضي إلى ابعد من ذلك في الفصل الرابع الذي تتوج بعنوان" هل نستطيع إثبات وجود أو عدم وجود الله؟ عالج الفصل الخامس ثيمة فلسفية ودينية بعنوان " الله والشيطان ومعضلة الشر" التي أرقت البشر ونخبهم المثقفة ناهيك عن بسطاء الناس. واستمر الباحث في تناول الموضوعات المتعلقة بلغز الألوهية في الفصل السادس الذي جاء بعنوان " نشوء الإلحاد والملحدين" والفصل السابع تحت عنوان"الطبيعي والخارق للطبيعة، أما الفصل الثامن فكان بمثابة عرض موجز لــ " علم الكونيات الملحد" وفي الفصل التاسع يعود الكاتب لتطوير " إشكالية الآلهة والألوهية والله الواحد" في الفصل التاسع ويكرس الفصل العاشر لــ" بحث في الإلحاد".

الله، من حيث المبدأ، كان وما يزال وسيظل لغزاً يصعب سبر أغواره من قبل البشر، في الوقت الحاضر على الأقل. ولقد تبارى الفلاسفة وعلماء الدين وعلماء الطبيعة كل من زاوية اختصاصه التعاطي مع هذا الموضوع الشائك كل ما لدينا لحد الآن مجرد إنشاء ومسلمات مفروضة وغير مثبتة وفرضيات لا حد لها حاولت وتحاول رسم صورة بورتريه لهذا " الله" الغامض المجهول والمعلوم في آن واحد والذي يحير ذوي العقول الواعية والعاقلة الذكية والمفكرة التي تتأمل في سره وماهيته وحقيقة وجوده أو عدم وجوده.

الجزء الثاني من كتاب "الثالوث المحير: الله والدين والعلم" تميز بعنوان ثانوي هو " الصراع بين العقل الثيولوجي والعقل العلمي. وعادة ما يذهب بنا التفكير إلى أن العقل الثيولوجي هو العقل الديني الذي تهيمن عليه الخرافة والأساطير وبالتالي فهو عقل خرافي عموماً يؤمن بالخرافات والمعجزات وانتهاك أو خرق القوانين الطبيعية وعلى امتداد 454 صفحة يتعاطى الباحث في مقدمة الجزء الثاني مع الحتمية والإرادة الحرة بين العلم والدين. ثم بعد ذلك يأتي الفصل الحادي عشر بعنوان" التطور والداروينية مقابل الإله التوراتي الخالق وتخريجة التصميم الذكي. في الفصل الثاني عشر هناك إصرار من المؤلف على اعتبار إن " الله فرضية زائدة في العلم" في الفصل الثالث عشر هناك تركيز على مفهوم الدين كنص وابتلائه بآفة االقداسة وهو عبارة عن دراسة تفكيكية نقدية بعيدة عن التقديس للنص القرآني. تضمن الفصل الرابع عشر " تساؤلات وجودية كبيرة" حاول الكاتب الإجابة عليها ولو على نحو نسبي متواضع. وفي الفصل الخامس عشر تغلغل الباحث إلى " الجانب الخفي من الحقيقة في مسألة الكون والحياة". ثم تحرر من أطر التقييد وسبح في الفصل السادس عشر " خارج مملكة الله: في أعماق التعدد الكوني الأزلي والأبدي". وهذا الأخير هو الكون الكلي اللامتناهي الذي تبوأ عنوان الفصل السابع عشر " سمو الكون المطلق ونبالة الكون المرئي وضآلة البشر" وبالتالي لابد من مناقشة موضوع" الإنسان ماله وماعليه في الكون المرئي" الذي يعيش فيه كما جاء في عنوان الفصل الثامن عشر. ويمضي المؤلف قدماً في التعاطي في الفصل التاسع عشر مع موضوع وحدة الوجود وحقيقة الكون المتسامي في حين يعود في الفصل العشرين إلى طرح " سؤال قديم وسيبقى إلى الأبد ألا وهو هل نحن وحيدون في هذا الكون؟" كمثال للإجابة على هذا السؤل كان بديهياً أن يكون عنوان الفصل الحادي والعشرين " كائنات الفضاء الخارقة ونهاية التابو المحرم والكوزمولوجيا غير البشرية الأوميين نموذجاً وهي المرة الأولى التي يكون بوسع القراء الإطلاع على حضارة كونية غير بشرية بتفاصيل مشوقة. ثم عودة إلى صلب موضوع الجزء الثاني من الكتاب في الفصل الرابع والعشرين " الله والكون بين العلم والفلسفة والدين". ومن ثم مراجعة معمقة في الفصل الخامس والعشرين من خلال " مطارحات فلسفية وعلمية عن الكون والله ومعضلة الشر" ومعضلة الأدين في تعاطيها مع العقل في الفصل السادس والعشرين ومناقشة " الأوهام الخطرة ودور الدين في تعطيل العقل وترهيبه بالخرافات" في الفصل السابع والعشرين وفي خاتمة الجزء الثاني مناقشة لــ " دعوة اللاهوت الرعوي بناء دفاعات جديدة" للدفاع عن فكر الرب الخالق إذ ظهر الإله Dieu متأخراً في تاريخ البشرية. فالإنسان الموجود على الأرض منذ عدة ملايين من السنين لم يكن يمتلك فكرة واضحة ودقيقة عن شيء أو كينونة تدعى " الله أو الرب أو الخالق" ومن الناحية العلمية تشير التنقيبات الأثرية الآركيولوجية أن أول تمثل لفكرة الألوهية ظهر قبل حوالي عشرة آلاف سنة. كانت هناك ربات أنثوية déesses سبقت ظهور الإله، أو الآلهة. أما الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، كما يقول المسلمون، والذي يعبد في أركان الأرض اليوم، بفضل الأديان التوحيدية الثلاثة الرئيسية، اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد ظهر متأخراً. وأول فكرة توحيدية كانت قد تبلورت في زمن الفراعنة في مصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد تحت حكم الفرعون أمنحتب الرابع Amenhoteb، الذي غير اسمه إلى " أخناتونAkhénaton «إشارة إلى عبادة إله الشمس والذي فرضه الفرعون كإله وحيد " آتون Aton " لكن عبادة الآلهة المتعددة سرعان ما عادت بعد وفاة الفرعون آخناتون، واحتاج الأمر انتظار منتصف الألف الأول قبل الميلاد كي تختبر الديانة التوحيدية في إسرائيل من خلال عبادة يهوه Yahvé، وفي بلاد فارس من خلال عبادة آهورا مازدا Ahura Mazda. فالأقوام البدائية في حقبة ما قبل التاريخ لم يعرفوا مفهوم الإله أو الآلهة. فلا توجد آثار آركيولوجية أحفورية أثرية عن الدين الذي يسير حياة البشر آنذاك. وهي الحقبة التي سبقت التحول العصر الحجري الحديث Néolithique قبل حوالي إثني عشر ألف عام عندما بدأ أسلافنا بالتوطين والاستقرار في بقع أرضية وتأسيس تجمعات على هيئة قرى، تطورت فيما بعد إلى مدن، ولكن توجد بعض المؤشرات التي تسمح لنا بتصور ما عن وجود معتقدات يمكن أن نسميها " دينية" لدى إنسان ما قبل التاريخ. أهم تلك المؤشرات طقوس الموت.

يكرس الباحث الدكتور جواد بشارة الجزء الثالث من كتابه" الثالوث المحير: الله والدين والعلم" لموضوع " المواجهة بين العلم والدين" كعنوان فرعي على امتداد 646 صفحة هي عدد صفحات هذا الجزء. ففي الفصل الثامن والعشرين نجد" دردشة تأملية مع الغيب والماوراء" وفي الفصل التاسع والعشرين يتطرق إلى " إشكالية الخلق والأزلية" وفي الفصل الثلاثين" التعاقب الحضاري للبشر واختلاق الديانات. بينما يتناول الفصل الحادي والثلاثين " نقد الأيديولوجية الدينية والبحث عن جذور الإله الواحد" ثم يمثل الاعتقاد الديني في الفصل الثاني والثلاثين كما لو إنه " فيروسات الإيمان بالله وبالأديان" الفصل الثالث والثلاثين حمل عنوان «وهم الوجود بين الواقع والخيال عند الإنسان: نحو مستقبل كوني لانهائي" وفي الفصل الرابع والثلاثين محاول للبحث في " سر الوجود بين كيف ولماذا وأين ومتى أو الماوراء بين علمي الفيزياء والميتافيزياء. وفي الفصل الخامس والثلاثين عرض لــ " تطورات الكون المرئي فيزيائياً وثيولوجياً" وفي الفصل السادس والثلاثين معالجة لــ " معضلة الخلود بين العلم والخرافة في الكون المرئي" ويتناول الفصل السابع والثلاثين " العلم وسر الكون المغلق" و يتسائل الفصل الثامن والثلاثين " هل الحياة ظاهرة أرضية أم كونية؟ " وبعد ذلك يعود السؤال الفلسفي للطرح في الفصل التاسع والثلاثين" هل كان الله مخيراً في خلق أو عدم خلق الكون؟" وفي الفصل الأربعين نكتشف أن " الحياة والكون وحدة لا تنفصم فهي جزء جوهري من الكون المرئي" وبالتالي تواجه الأديان مشكلة التعاطي مع العقل في هذا الموضوع كما عرضها الفصل الحادي والأربعين ويختتم أطروحته بــ" الكون بين الأطروحة العلمية والأطروحة الدينية".

 

 

صدر حديثًا عن مركز دراسات فلسفة الدِّين- بغداد بالتعاون مع دار التنوير كتاب "المواطنية والديمقراطية في مجتمعات مأزومة (دراسة في سوسيولوجيا الدولة)" للدكتور محمَّدحسين الرفاعي.

يُقدِّمُ الرفاعي الوعيَ بالمواطنية والديمقراطية في المجتمعات العربيَّة، بالاِنطلاق من فكرة التعدُّد المجتمعيّ والاِختلاف الآيديولوجيّ والتنوُّع الهوياتي، بقوله:

"الديموقراطيةُ نتاجُ صيرورةِ تاريخٍ- ومجتمعٍ. أعني بذلك أنَّها صيرورةٌ مجتمعيَّةٌ، من داخل المجتمع، تضعُ المجتمعَ، بعدَ فتراتٍ طويلةٍ من الصراع، ضمن حدود [الحُكمِ- بـ- التعدُّد]. ولكنَّ [التعدُّدَ- بوصفه- أصلَ- الديموقراطية]، وماهيَّتَها الجذرية، هو كيفيَّة وعي، وفهم، ووجود. يوفِّرُ التعدُّدُ حقولَ وجودٍ مجتمعيَّةٍ مختلفةٍ، ومتنوِّعَةٍ، ومتعدِّدَةٍ. كما أنَّه، من جهة كونه اِختلافاً، يوفِّرُ [إمكانَ الفعلِ المجتمعيِّ] خارجَ التحديدات المجتمعيَّة القَبليَّة. وهكذا، اِنطلاقًا من كون المجتمع الديموقراطيّ أساسَ النظامِ الديموقراطيِّ، نكونُ أمامَ [التغيُّرِ- الدائمِ- في- التحديدِ- المجتمعيِّ] الذي من شأن الفعاليَّة المجتمعيَّة، بعامَّةٍ، والفعل المجتمعيّ، بخاصَّةٍ...".

كما يبني الرفاعي العلاقةَ بين الآيديولوجيا وبنية الثقافة المجتمعيَّة على النحو الآتي: "تتغير الآيديولوجيا من خارجها بواسطة أدوات ووسائل التثاقف بين المجتمعات البشرية، من جهة، وعَبرَ فكرة [وحدة- العالَم]، من جهةٍ أخرى. كما أنَّها تتغير من داخلها بواسطة القوى المجتمعيَّة- السياسية التي تقع خارجَ السلطة، من جهة، وتلك القوى المجتمعيَّة- المعرفيَّة التي يقع على عاتقها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، تحديد الوعي المجتمعيّ، من جهةٍ أخرى.  ومن جهة أن [الدَّولةَ- مؤسسةُ- المؤسّسات- مجتمعيَّة]، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، ومن حيثُ إنَّها تقوم على أسس البيروقراطية والحفاظ عليها، من جهة أولى، وهي تقوم، من جهة ثانية، على الآيديولوجيا المجتمعيَّة، وعلى وحدة العلاقة بين محدِّدات الآيديولوجيا المجتمعيَّة، من الداخل، ومن الخارج، من جهة ثالثة، فإنَّ الديموقراطيةَ توجد، اِنطلاقًا من الهَويَّة المجتمعيَّة- وتكونُ، اِنطلاقًا من الذَّات المجتمعيَّة- فتصير، اِنطلاقًا من الفعل المجتمعيّ، والإنوجاد المجتمعيّ عَبرَ التعدُّد المجتمعيّ، في كل ضرب من ضروب ممارستها، بوصفها نمطاً من أنماط ممارسة السلطة. ولكن، لا يمكن أن يكون ذلك إلاَّ بعد دَمَقْرَطَةِ المجتمع: أي جعل المجتمع ديموقراطيَّاً. فكيف يُفهم ذلك؟".

تجدر الإشارة أن د. محمَّدحسين الرفاعي هو مفكر عراقي وأستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف، في مواد علم الاِجتماع والفلسفة، ولديه ست كتب مطبوعة قَبلَ هذا الكتاب هي: كتاب إشكاليَّة التُّراث والحداثة في الفكر العربيّ المعاصر 2016، وكتاب إبستيمولوجيا السُّوسيولوجيا 2018، وكتاب مفهوم الآيديولوجيا 2020، وكتاب ما هو المفهوم؟ 2020، وكتاب المعرفة والآيديولوجيا 2020، وكتاب بِنيَة البحث العلميّ في الفلسفة وعلوم المجتمع والإنسان2022. ولديه مساهمات نظرية ومنهجية في إعادة بناء موضوعات علوم المجتمع والإنسان، كموضوع الدولة، والمجتمع، والهَويَّة، والآيديولوجيا، والاِقتصاد الإنتاجي، والسياسات الاِقتصادية، والتنمية والتنمية المستدامة، والديمقراطية، والسلطة... وإلخ.

 4108 محمد حسين الرفاعي

 

عبد الرضا عليعن دار (كنوز المعرفة للنشر والتوزيع) في عمّان/ الأردنّ صدر قبل أيام قليلة كتاب الصديق العزيز الدكتور سعيد جاسم الزبيدي الموسوم بـ (علي جواد الطاهر لغويَّاً)، وهو كتابٌ قامَ على تتبّعٍ دقيق لجهودِ أُستاذنا الطاهر في: اللغة، والنقد، وتنقيةِ ألسنة دارسي العربيّة من خطلِ الكلام، أو فساده .

وقد قلتُ فيه بعد استقرائي لِما وثَّقه الزبيدي في تتبعهِ ذاك ما يأتي:

هذا كتابُ وفاءٍ (تكريميّ) صاغته مروءةُ مريدٍ قلَّ مثلاؤه في هذا الزمن الذي يشكو من قلَّةِ الذين يوفون بالعهدِ والاعتراف بالجميل، لأنَّ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ)⁽¹⁾ يحسنونَ السمعَ، ويبسطون جناحَ الرحمة، ولا تعاني ضمائرُهم هبوطاً حادَّاً في المحبَّةِ، ولا يتوارثونَ الخطيئة، ولا يكذبون.

ومثلُ هذه الكتب التي تخصّصُ لتكريمِ العظماء، والعلماء، والرموز الإبداعيَّة يشتركُ في تأليفها (كما جرت العادة) جمعٌ من المحبّين، أو الباحثين الجادِّين، أو ممَّن كانوا قد تلمذوا على المكرَّم، فضلاً عن أنَّ التي تتولّى إصدار تلك الكتب هي جهات حكوميَّة، أو مؤسَّسات ثقافيّة، أو علميَّة،كما في الكتاب التكريمي (محمّد مهدي الجواهري ـ دراسات نقديّة) الذي أعدَّه فريق من الكتّاب العراقيين، وأشرف على إصداره المرحوم هادي العلوي، وكما في كتاب (السيّاب في ذكراه السادسة) الذي أصدرته وزارة الإعلام العراقيّة سنة 1971م، وكما في (كتاب تكاري ـ نازك الملائكة، دراسات في الشعر والشاعرة) الذي شارك فيه نخبة من أساتذة الجامعات العربيّة، وكان من إعداد وتقديم واشتراك د. عبد الله أحمد المهنّا، ونشرته شركة الربيعان للنشر والتوزيع، الكويت ـ 1986م، وكما في غيره ⁽²⁾.

4070 عبد الرضا علي

والأستاذ الدكتور سعيد جاسم الزبيدي (مؤلّف هذا الكتاب) غنيٌّ عن التعريف، لأنه باحثٌ حصيفٌ، وشاعرٌ سامق، وأديبٌ موسوعيٌّ تعدّدت إنجازاتُهُ العلميّة وتنوَّعت، فهو لغويٌّ ثبتٌ، والدليل على ذلك كتابه (الخليل صاحب العين) ، و(نظرات في كتاب العين) ، و كتابه المهم (من معجم الجواهري) وغيرها.

وهو نحويٌّ شغوفٌ بالقديم والجديد، كما في كتبه: (القياس في النحو العربيّ)، و (نحويٌّ مجهول في القرن العشرين)، و(النحو عند غير النحويين)، و (قراءة جديدة في كتاب سيبويه)،و(قطرب النحوي .. رؤية جديدة) وغيرها.

وهو باحثٌ جاد في التفسير، والقراءات، ولعلّ ما يثبتُ ذلك الأجزاء الأربعة التي أصدرها بعنوان (سؤال في التفسير)، فضلاً عن كونهِ أديباً مرموقاً كما في إنجازاته: (أبو حاتم السجستاني الراوية)، و (أبو حيّان التوحيدي)، و(أبو الفرج الأصفهاني)، و(في مواجهة النصِّ) .

أمّأ في الشعر فله سبعة دواوين مطبوعة هي: (وأرى العمرَ يضيء)، و(أُفقٌ يمتدُّ)، و(نوافذ)، و(على رصيف الغربة)، و(صوت بلا صدى)، و(التفعيلة الأخيرة)، و(لملمْ حروفك).

4071 كتاب الطاهر

في كتاب الوفاء هذا الموسوم بـ (عليّ جواد الطاهر لغويَّاً) تابع المريدُ الدكتور الزبيديّ شيخه العلاّمة الدكتور الطاهر متابعةً دقيقةً في كلِّ ما أنجزَ من أسفارٍ ، أو دراسات، أو مقالات سواءٌ أكانت في منهج البحثِ، أم في النقدِ والنقّاد، أم في الفنِّ السرديِّ، أم في نظريّة الأدب، وما إليها، أم في ما ذكره عن الترجمة وشؤونها، كما أنَّ الزبيدي كان أميناً، وموضوعيَّاً حين ذكر جميع الذين سبقوه في الكتابة عن الطاهر، سواءٌ أكانت كتاباتهم أسفاراً، أم مقالاتٍ نُشرت في بعض الدوريّات العربيّة.

أمَّا متابعة الزبيدي لشيخه الطاهر في الذي كان يراه من ضرورةِ ضبط النحو في مفرداتِ الشعر،ونسيجه اللغوي، ومتابعته في الذي ذكره في نطقِ العوامِ، وبعضِ الخواص لاسيّما في حروف: الثاء ، والجيم، والضاد،  والظاء، والقاف، فهي وإنْ كانت قد وردت في سياق عام، فإنَّ تلك المتابعة دلّت على حرص الشيخ الجليل على تنقية ألسنة من أصابتهم حرفة الأدب، والدارسين عموماً من اللحنِ، والخَطَل في الكلام، إلى جانب ما كان للطاهر من عناية فائقة بالأفعالِ: ضبطاً، وتصريفاً، وتصحيحا.

وبعدُ، فلصديقي العلاّمة الدكتور سعيد جاسم الزبيدي أجمل التهاني وأجزل المباركة على منجزهِ العلمي هذا، راجياً من المؤسَّسات الثقافيّة، والعلميَّة في بلداننا العربيّة جميعها أن تنحو نحوه، وتحذو حذوه  في تكريم الجهابذة من الرموز العلميّة، والإبداعِيّة ، والفنيّة في حياتهم قبل أن يرتحلوا إلى عالم الغيب، فلولاهم لما كانت الحياة الثقافيّة مستساغة.

***

أ . د. عبد الرضا عليّ

..........................

إحـــــالات

(1) الرعد: 20.

(2) ـ كما في الكتاب التكريمي (عبد الوهاب البياتي في بيت الشعر) الذي نسّقه، وقدّمه المنصف المزغنِّي، وكان من منشورات وزارة الثقافة التونسيّة، وبيت الشعر التونسي سنة 1999م.

 

صدر عن دار المصورات السودانية للنشر والتوزيع في الخرطوم كتابٌ للأديب السوداني الدكتور طلال قطبي، أستاذ النقد الأدبي الحديث في جامعة الطائف بالمملكة العربية السعودية عنوانه:

حضور النص الأدبي: دراسات في أدب الدكتور علي القاسمي

 وقد كتب على غلافه الأخير النص التالي:

النص في إبداع الأديب والروائي والمفكر الأكاديمي بروفسور علي القاسمي حضور وحياة، فهي نصوص زاخرة بشتى الصنوف والألوان، خلابة كالطبيعة، ساحرة كجمال سحرها منفتحة على الحياة واخضرارها، بسيطة وعميقة في الوقت ذاته، تمتع العقل والنفس معاً.

وهذا الكتاب مقالات ودراسات كتبت بعد صحبة طويلة مع العالم العلامة بروفسور علي القاسمي عانيت فيها ألم الكتابة متنقلاً كما النحلة بين زهور إبداعه اليانعه ارتشف رحيق معانيه . وهي أربع دراسات تناولت الدراسة الأولى حضور النص الأدبي في أدب البروفسور علي القاسمي فكان كتابه (طرائف الذكريات) فتحاً جديداً في القصة العربية الحديثة . وناقشت الدراسة الثانية الترجمة واستراتيجياتها عند البروفسور على القاسمي مبينة جهوده الثرة والقيمة في هذا الجانب الهام والحيوي. كما تناولت الدراسة الثالثة النزعة الإنسانية وتجديد الفكر عند البروفسور علي القاسمي وذلك من خلال سعيه إلى ترسيخ القيم ونبذ الظلم والاستبداد، والحرص على الحريات ، وتحدثت الدراسة الرابعة عن النقد المبني على الشخصية وهو نقد يقوم على دراسة الشخص نفسه ومن ثم وصف الانطباعات والأحاسيس التي تتركها قراءة النص الأدبي في نفس الناقد وهو قليل في أدبنا العربي.

وبعد أتمنى أن كون ضيفاً خفيفاً على القارئ الذي هو بلا أدنى شك قارئ متذوق حصيف وبالله التوفيق.

***

د. طلال الطاهر قطبي بشير

مُعالجة تحليليّة سيميائيّة لرواية: «مملكة الأُمنيّات» للأديبة ندى مهري

صدر عن منشورات مؤسسة المكتب العربي للمعارف بالقاهرة في مصر، خلال هذه السنة2022م، كتاب جديد للباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة؛ الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عنابة، بعنوان: « تحليل الخطاب الأدبي المُوّجه إلى الأطفال - مُعالجة تحليليّة سيميائيّة لرواية: «مملكة الأُمنيّات» للأديبة الجزائرية ندى مهري-»، وقد ناقش في القسم الأول منه مجموعة من القضايا المهمة التي تتصل بأدب الأطفال، وفي القسم الثاني منه، والذي يُشكّل المساحة الأكبر من الكتاب، قام بتحليل رواية: مملكة الأمنيات، وقد أوضح الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة في مقدمة الكتاب أن دراسته الأدبية هذه تنصرف إلى تحليل الخطاب الأدبي المُوجه إلى الأطفال على وجه التحديد، وتُحاول استثمار بعض أسس السيميائيات من خلال البحث عن الدلالات المُضمرة في النص القصصي العربي، وذلك من خلال رواية (مملكة الأُمنيات) للأديبة الجزائرية المتميّزة ندى مهري. إذ تتوجّه إلى المتلقي والمهتم بحقل الرواية الموّجهة إلى الأطفال، وتحليل النصوص السّردية على وجه خاص، وإلى المهتم بمجال الدّراسات الأدبية بوجه عام؛ وذلك بغرض بثّ وتنمية ملكة تذوق النّصوص السّردية الموّجهة للأطفال، وتحليلها تحليلاً يتّسم بالفهم الدّقيق، والقدرة العميقة على تلقيها بجدارة والتّفاعل معها، ومُحاورتها؛ من أجل الوصول إلى دراسة تحليليّة عميقة تتسم بمنهجيّة علميّة صارمة، فالقراءة السيميائية تُحاول تسليط الضوء على النّص الغائب، والقبض على المعاني المختفيّة، كما تُوضح الأنظمة العلاميّة التي يُبنى عليها النّص الإبداعي، وتسعى كذلك إلى إعادة صياغة دواله ومدلولاته، عن طريق تركيز الاهتمام على مستويات الدّلالة، وطرائق تولّد المعاني.4025 محمد بوفلاقة

وتتجلّى أهمّيتها في جمعها بين الجانب النّظري، والشق التّطبيقي التّحليلي، فهذه الدّراسة تنتظم ضمن إطار للتحليل يهتمّ بدراسة النّص السّردي العربي المُوّجه للأطفال بأدوات إجرائيّة حديثة، متّخذا له أنموذجا للتحليل، والتشريح (مملكة الأمنيات)، إذ تمّ الاعتماد في تحليل هذا الأنموذج على مرجعيّة نظريّة تمثّلت في مبادئ وأسس السّيميائيات السّردية، ولم يمنعنا الاعتماد على هذا المنهج من الإفادة من مناهج أخرى متنوعة، لعل أبرزها: المنهج التداولي، و بعض دراسات النقد الثقافي، الذي يستعين به كل باحث ودارس، فقد حاولت في دراستي هذه مستنداً إلى التحليل، والتعليل، والمحاكمة، والاستدلال؛ أن أجمع بين التّصور النقدي النّظري، والدّراسة التطبيقية التي تعمل على التدليل عليه، ولذلك فقد اتخذت رواية: (مملكة الأمنيات) أنموذجاً للتطبيق.

مصعب قاسم عزاوييلخص مبدأ القطيعة المعرفية القانون الجمودي القائل بأن «الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف»، وأن الاتِّباع نهج العقلاء في تفسير طبائع الأمور وعلائقها فيما بينها، وأن التفكير والتفسير والاجتهاد الإبداعي مهمة ناجزة قام بها الأولون، ولم تعد مطلوبة أو محبذة إذ أنها قد تفتح «باباً لا بد من سده» في وجه «الشيطان الرجيم» الفكري ليتسرب منه ويلوث بخبثه ووسوسته عقول البشر وسلوكياتهم وحيواتهم؛ وذلك نهج انغلاقي سائد فكرياً في غير موضع من أرجاء الأرضين، وراسخ بقوة إفقار وتهميش المجتمعات المظلومة المغلوبة على أمرها التي لا حول لها ولا قوة في معادلة التسليم بأن العين لا تقاوم المخرز إلا بمصابرتها على ألمها، ومحاولة إيهام نفسها «بحظها الحسن» إذ ما زال لديها عين أخرى لا زالت تستطيع الإبصار بها بعد أن فقأت صنوها مخارز الجلاوزة والطغاة والمستبدين بحيوات كل المظلومين  المستضعفين وأحلامهم ومستقبلهم ومن سوف يأتي من بعدهم من ذريتهم.

وهو الواقع المر الذي أفصح عن نفسه في خواء معرفي واجتهادي فكري في غير بقعة من أرجاء المعمورة، قد يكون أكثرها إيلاماً تلك التراجيديا المقيمة في حال الثقافة الناطقة بلسان الضاد، التي أصبح نتاجها الفكري من الناحية الكمية كحد أدنى لا يرقى لنتاج مقاطعة صغيرة مثل كتالونيا لا يتجاوز عدد سكانها بضعة ملايين في دولة مثل إسبانيا تعتبر بالمنظار الأوروبي النموذج الأكثر نصاعة للاقتصادات الضعيفة والمجتمعات المتخلفة التي لا زالت تحمل في بناها الكثير من بقايا وعقابيل القرنين التاسع عشر والعشرين.

والحقيقة الراسخة في مجال الإبداع الفكري بمختلف أشكاله تكمن في أن «العقلاء يبدؤون من حيث انتهى أسلافهم» في نهج منطقي وعقلاني ينظر إلى المعرفة البشرية بكونها سلسلة تراكمية لا تنقطع من الإبداع المعرفي الذي يتصدى لحمل مشعله فئة من المجتهدين في زمن ما، يقومون بتسليم المشعل لمن سوف يأتي بعدهم حينما يحل دور أولئك الآخرين بيولوجياً في القيام بدورهم الوظيفي المناط بهم إبداعاً واجتهاداً. وذلك هو النسق المعرفي الذي مثل تبنيه الجوهر المحرك لكل ما وصلت إليه الحضارة البشرية راهناً، بالاتكاء على مثل ما أبدعته حضارة الفينيقيين في بلاد الشام منذ الألف الثاني قبل الميلاد متمثلاً في دمج تقنية الكتابة المسمارية بأبجدية تتألف من حروف لا مقاطع صوتية كما كانت في الطرق السابقة لها عند السومريين، أو الأكاديين، أو البابليين،  أو الكلدانيين، أو الآشوريين، أو على شكل تصوير رسمي كما في الطريقة الهيروغليفية في مصر الفرعونية القديمة من الألف الثالث قبل الميلاد. وهي الكتابة باستخدام الأبجدية التي مثلت القفزة التي مكنت البشر من تسهيل توثيقهم لتراكم خبراتهم ومعارفهم بشكل يمكِّن من سوف يأتي بعدهم من هضمه معرفياً بشكل ميسر دون الحاجة لتعلم ذلك لفظياً عبر الاستذكار والتلقين كما كان مفضلاً عند سقراط مؤسس الفكر اليوناني الحديث، لينتقل من بعده عبر أفلاطون مكتوباً إلى الأجيال من بعده بأبجدية يونانية هي تحوير عن الأبجدية الفينيقية التي استقوها من تواصلهم الحضاري مع مبدعي تلك الأبجدية من أهل بلاد الشام.

وهو الفكر اليوناني الذي تم إحياؤه وإعادة إنتاجه ونقده وتشذيبه باجتهادات الكثير من المبدعين والعلماء العرب والمسلمين إبان الدولة العباسية في نتاج بيت الحكمة في بغداد، منذ أواخر القرن الثامن الميلادي مع عهد هارون الرشيد، لينتقل بعدها بشكل طبيعي إلى مراكز الإبداع الفكري الحضاري باللغة العربية التي أسسها العرب والأمازيغ في الأندلس، والتي مثل نتاجها الفكري الدعامة التي بنى عليها مجتهدو عصر النهضة الأوربية في المدن/الدول الإيطالية في فينيسيا وفلورنس وجنوا أسس فكرهم النهضوي، إذ كان نتاج ابن رشد في «تلخيص منطق أرسطو» وغيره من مؤلفاته الفكرية منبعهم الأساسي في فهم الفلسفة اليونانية، و كانت مؤلفات ابن سينا العلمية، و خاصة كتابه الموسوعي «القانون في الطب» أس المراجع العلمية لتدريس الطب في أوربا حتى مطلع القرن الثامن عشر.

والحقيقة المرة هو عدم عقم المبدعين والمجتهدين الناطقين بلسان الضاد، وإنما تحول جلهم إلى مناضلين لمقارعة الاستبداد ومفاعيله من تلاوين الإفرازات القيحية للدول الأمنية العربية وطغاتها وبصاصيها وعسسها وجلاوزتها وجلاديها ورقبائها الذين قد لا يعلو في سلم أولوياتهم مهمة على واجب قمع حرية التعبير والتفكير التي قد تفتح «الباب الذي لا بد من إغلاقه» للتفكر بآليات الانعتاق والتمرد على ذلك الواقع المجتمعي البائس المتغول على كل حيوات البشر المتشاركين في الحطام الاجتماعي والهشيم البنيوي الشامل عمقاً و سطحاً، و الذي قد يمثل إنجاز الفساد و الإفساد الأسمى للدول الأمنية العربية.

وذاك الواقع البائس أفضى إلى فراغ وشح في مستوى وكم الإبداع الفكري للكثير من المبدعين والمجتهدين العرب، الذين تحولوا بقوة الظروف القاهرة في كثير من الأحيان إلى مدافعين عن حقوق الإنسان الأولية في الحياة وحرية التعبير، ومناضلين يوميين مشغولين بالدفاع عما تبقى من نسيج اجتماعي واه في مجتمعاتهم، وهو دفاع محفوف دائماً بمخاطر الاصطدام مع الآلة القمعية الوحشية للدول الأمنية، وما قد يستتبع ذلك من تذويب وإفناء وإعدام جسدي وفكري محتمل لكل منخرط في عملية الدفاع تلك، وهو ما أفصح عن نفسه في خواء الفكر العربي من أي «اجتهادات على شكل منظومات فكرية أو فلسفية كبرى» كما هو الحال في كل الثقافات الناطقة بلغات أخرى في أرجاء الأرضين، إذ أن جل المفكرين والفلاسفة والمثقفين العرب لما يتمكنوا بعد من حل جزئي أو كلي للمعضلة الفكرية الكبرى التي اشتبك معها شيخ المنورين العرب عبد الرحمن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» حتى ينتقلوا إلى حل غيرها.

وفي هذا السياق يبرز مشروع «عقول عظيمة» بكونه محاولة متواضعة لتجميع وتكثيف خلاصة المرتكزات الفكرية لرهط واسع من المفكرين العالميين، وهو مشروع يهدف أساساً لتحفيز القارئ للاندفاع إلى قراءة النتاج الإبداعي والفكري لأولئك المفكرين كاملاً، ودون التوقف عند تلك الخلاصات التي لا يمكن لأي منها الإلمام إلا بالقليل اليسير من جهود أولئك المبدعين.

ولقد تم تجميع المادة العلمية الخاصة بمشروع «عقول عظيمة» من مصادر موثقة ومعتد بها، وتم إعدادها بشكل ميسر للقارئ العادي الذي لا بد أن يتحلى فقط بالميل العفوي والشغف للاطلاع وتوسيع الأفق المعرفي وليس سوى ذلك من مؤهلات أو أرضية معرفية. والشكر موصول لإدارة دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن التي تفضلت مشكورة بتحمل أعباء تعريب النص الأصلي لمشروع «عقول عظيمة» من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، وتقديمه بشكل مجاني تماماً للقارئ العربي، وهو جهد تنويري يستحق كل الثناء والعرفان.

 والأمل الدائم يكمن في أن استنهاض «العقل العربي المستقيل» بقوة وعسف وقهر مستبديه وطغاته وجلاديه، لا بد أن يبدأ بخطوة ما في رحلة آلاف الأميال التي لا بد أن يقطعها ليلحق بقطار أمم العالم الأخرى التي سبقته بأشواط كبيرة، ولا بد أن تكون تلك الخطوة واثقة أكثر في حذوها إن كانت مرتكزة على نسق من الاتصال المعرفي مع خلاصة ما أنتجه الأسلاف، والذين لا بد أن يكونوا فخورين وسعداء بأن يستلم «مشعل التنوير» من بعدهم أخلافهم المجتهدون المستنيرون.

وفي الختام آمل أن يكون مشروع «عقول عظيمة» بعد تعريبه إضافة مفيدة للمكتبة العربية، وهدية يستحقها كل قارئ مُكَرَّمٍ بلغة الضاد.

مقدمة النسخة المعربة من كتاب عقول عظيمة

مفاتيح الاتصال المعرفي مع الفكر العالمي

تأليف: مصعب قاسم عزاوي

تعريب: فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن

الطبعة الثالثة – 2022

***

د. مصعب قاسم عزاوي

ضياء نافعايرنبورغ والسلطة -  هوعنوان لكتاب صدر في روسيا عام 2018 ضمن سلسلة (اصدارات علمية)، ويقع هذا الكتاب في 215 صفحة من القطع المتوسط  وعدد النسخ المطبوعة منه هو مئة نسخة فقط .

  عنوان هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا، اذ اني أعرف، ان ايليا ايرنبورغ ولد عام 1891، اي انه عاش في الامبراطورية الروسية 26 سنة باكملها، وبعد ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية عاش في دولة الاتحاد السوفيتي 50 سنة باكملها، وكان ايرنبورغ طوال حياته مراقبا دقيقا لما كان يحدث في الامبراطورية الروسية وفي الاتحاد السوفيتي، فعن اي سلطة يدور الحديث في هذا الكتاب، السلطة القيصرية ام السلطة السوفيتية ؟ هذا هو السؤال الاول الذي طرحه عنوان الكتاب، وثانيا، أنا أعرف ايضا، ان ايرنبورغ كان في صباه وشبابه مشاركا – وبفعّالية ونشاط -  في معترك الحياة السياسية العاصفة قبل ثورة اكتوبر 1917، وكان مرتبطا بالحياة الحزبية المعارضة آنذاك، وتم الحكم عليه نتيجة مساهماته السياسية تلك، ولكنه ابتعد عن هذا المعترك السياسي بعد هجرته و حياته في باريس بالعشرينيات،،وانا أعرف ايضا، ان ايرنبورغ بقي (قريبا وبعيدا في آن واحد !!!) من السلطة السوفيتية و رجالاتها بعد عودته الى روسيا السوفيتية، وانه حافظ على هذا الموقع المتميّز طوال حياته رغم كل الصعوبات المرتبطة بهذا الموقف غير الحزبي في دولة عقائدية واضحة وصريحة المعالم ايديولوجيّا مثل الاتحاد السوفيتي، وأثار انتباهي حول هذا الكتاب، ثالثا، (عدد النسخ المطبوعة !) من هذا الاصدار، اذ ان هذا العدد (اي مئة نسخة مطبوعة فقط) يعني ان هذا كتاب محدود التداول جدا، وليس للقراء عامة، فلماذا هذا التحديد في التداول بالنسبة لهذا الاصدار؟، ولهذا، وبحثا عن الاجابات لكل تلك التساؤلات، قررت، انه  يجب عليّ الاطلاع حتما على هذا الكتاب غير الاعتياي والمثير بعنوانه وخصوصيته، وعندها بدأت بالاطلاع على الفهرس اولا، وبعد الفهرس قلت بيني وبين نفسي، انه كتاب يستحق القراءة حتما، وهكذا  بدأت ب (التهامه !)، واريد في اطار هذه المقالة التعريفية الوجيزة ان أدردش قليلا مع القراء العرب عن انطباعاتي حول هذا الكتاب غير الاعتيادي فعلا، الذي صدر ضمن (اصدارات علمية)، اذ ان ايليا ايرنبورغ معروف  للقارئ العربي بنتاجاته الابداعية وآرائه النقدية ومواقفه الفكرية .

 يحتوي هذا الكتاب – بالاساس - على وثائق حول العلاقات المتبادلة بين ايليا ايرنبورغ ورجالات السلطة السوفيتية الحاكمة في زمانه، (اي انه يتناول علاقة ايرنبورغ بالسلطة السوفيتية فقط)، وهم من الاسماء الكبيرة جدا والمؤثّرة جدا في مسيرة الاحداث في الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية في العالم ايضا، وهذه الاسماء هم كل من -  بوخارين وستالين وخروشوف وسوسلوف، وفي هذه (الوثائق) الدقيقة حول علاقة ايرنبورغ برجالات السلطة هؤلاء  تكمن - بلا شك – اهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية وطرافته ايضا، اذ ان العثور على هذه الوثائق في عصرنا المتشابك اصبحت مهمة ليست بسيطة ابدا .

الاسماء الاربعة هذه تجسّد واقعيا اربعة مراحل مختلفة في التاريخ السوفيتي فعلا، فبوخارين يمثّل المرحلة السوفيتية الاولى بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917، وهي المرحلة التي انتهت باعدامه عام 1938 من قبل ستالين، والمرحلة السوفيتية الثانية تسمى المرحلة الستالينية بكل ما فيها من اعتقالات واعدامات ومعسكرات وسجون، والتي انتهت بوفاته عام 1953، حيث ابتدأت المرحلة السوفيتية الثالثة، عندما فضح خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الجزء الاكبر لما حدث آنذاك زمن ستالين، وتسمى هذه المرحلة حسب عنوان رواية ايرنبورغ القصيرة – ذوبان الجليد، أما المرحلة الرابعة (ما بعد خروشوف)، عندما كان بريجنيف على رأس السلطة السوفيتية، فان سوسلوف كان المنظّر الايديولوجي لتك المرحلة . وهكذا سيعرف قارئ  الكتاب، ان بوخارين كان رفيقا لايرنبورغ في المدرسة، وكيف ساعده للتخلص من السجن، وكيف بقي ايرنبورغ وفيّا لذكراه حتى بعد اعدامه، وسيعرف القارئ مواقف ستالين بشأن الادب في العالم وكيف اراد قيادته لصالح الايديولوجية السوفيتية، وسيعرف محاولة ستالين قبيل وفاته بتجميع اليهود السوفييت، وهي محاولة مهمة جدا بالنسبة لمصيرهم، ولمصير اسرائيل، التي قامت لتوّها آنذاك، وتعدّ هذه القضية في غاية الاهمية لبلداننا العربية، والتي تتطلب دراستها من قبل المتخصصين عندنا و بموضوعية تامة، وبعيدا عن (الهتافات والكلمات الطنانة !)، التي (غرقنا بها !) مع الاسف، وسيعرف القارئ ايضا، ان خروشوف ليس ذلك الشخص، الذي كان يمكن ان يسير الى النهاية في تنفيذ كل الوعود، التي اطلقها في بداية مجيئه للسلطة، اذ ان البناء الايديولوجي لحكم الحزب الواحد لم يتغيّر في الاتحاد السوفيتي عندها، وسيفهم القارئ ايضا، محدودية افكار سوسلوف  ...

كتاب – ايرنبورغ والسلطة، محاولة مهمة في تجميع المواد الضرورية للبحث العلمي اللاحق في تاريخ العلاقة بين السلطة والابداع الفني، بغض النظر عن الدولة والمبدع، وما أحوجنا نحن الى هذه الاصدارات العلمية، نحن، ابناء هذه البلدان، التي ابتلت بوباء حكم هؤلاء، الذين (يدسّون!) انوفهم في تفاصيل حياتنا، او، حسب تعبير الشاعر ناظم حكمت – (.....شواربهم في حسائنا ....) .

***

أ.د. ضياء نافع

 

الصفحة 2 من 4

في المثقف اليوم