نصوص أدبية

باسم الحسناوي: ستّ قصائد

العارف

بجنونٍ يعشقُ العارفُ لا

يطلبُ العارفُ حباً عاقلا

وكذاكَ القتلُ إن يُقتَلْ فقد

تجدُ المقتولَ كانَ القاتلا

أكلَتْهُ البيدُ لمّا أزفَت

ساعةُ الموتِ فأمسى راحلا

شاءَ أن يصبحَ مأكولاً ولم

يتقدَّمْ ليكونَ الآكِلا

عاشَ ما عاشَ سنيناً جمةً

راكباً أحصنةً أو راجلا

ثم ماذا، صارَ تاريخاً مضى

بعدَ أن كانَ بمجدٍ حافِلا

كان يدري أنَّ هذا المجدَ لا

يمنحُ الروحَ أماناً شامِلا

ولهذا فرَّ من أعضائِهِ

وتلاشى عاجلاً أو آجلا

**

مناجاة

ما شربنا منكَ إلا جرعةً

ففقدنا كالمجانينِ العقولا

كيفَ لو أنا شربناكَ ولم

نبقِ شيئاً ثمَّ كدنا أن نزولا

مثلَ معصومينَ نغدو كلُّنا

شرطَ أن يبعثَكَ اللهُ رسولا

ولْتَخُضْ فينا حروباً جمةً

بين عينيكَ فإنا لن نقولا

اذهبِ الآن فقاتل إننا

قد تقاعسنا وأصبحنا كهولا

بل نخوضُ الحربَ لا نعبأ لو

قد تساقطنا جريحاً وقتيلا

اعطِنا خيلَكَ كي نركبَها

أنتَ تدري أننا نهوى الصهيلا

ولكونِ الخيلِ من أحبابِنا

قد تجرَّأنا وقبَّلْنا الأسيلا

**

مصالحة

لا تسحبِ النصلَ الذي قد جَرَحا

دعهُ بقلبي ثابتاً لأفرَحا

فإن خشيتَ أن أموتَ هكذا

منتكساً يكفيكَ أن نصطَلِحا

بقبلةٍ سريعةٍ ساخنةٍ

تنسي فؤادي الألمَ المبرِّحا

ولتطمئنَّ لن أموتَ دونَ أن

أشربَ من خدِّكَ هذا قَدَحا

قد متُّ مراتٍ وعدتُ ثانياً

كالمتنبي كلَّما ماتَ صَحا

أخسَرُ في تجارتي بحيثُ لا

أبغي الثمارَ فاهتمامي باللِّحا

لكنْ أعدُّ ما خسرتُ لم أجدْ

خسارةً فكلُّ بيعي رَبِحا

لو لم أجِدْ من الأنامِ لاحياً

شطرتُ نفسي عاشقاً ومَنْ لَحا

**

قلبٌ حجري

لما بكى استهزأتِ الدِّيارُ

ولم تثرْ أشجانَها الأشعارُ

صاحبُنا يرثي الديارَ، كلُّ ما

يرجوهُ أنَّ الشِّعرَ يُسْتَثارُ

قالت لهُ إن كنتَ تبكي صادقاً

على الديارِ تنطقُ الحجارُ

لكلِّ قلبٍ حجريٍّ قصةٌ

محكمةُ البناءِ يومَ ساروا

تذكرُ لي خمارَ محبوبٍ نأى

كأنَّ عارضَيهِ جلَّنارُ

سافرةُ القوامِ كلُّ غادةٍ

في نظرِ الشعرِ فما الخِمارُ

والشعرُ سكِّيرٌ بحكمِ طبعِهِ

فكلُّ بيتٍ خمرةٌ تُدارُ

إني شربتُ الخمرَ من رضابِ مَنْ

أحبُّهُ فانتحرَ الوقارُ

**

إعصار

فضلُ إعصارِ الغرامِ صرصرُهْ

وأفضلُ الشِّعرِ كلامٌ تضمرُهْ

أرهقَني الصِّدْقُ فلستُ خجلاً

من قولِ شِعْرٍ كاذبٍ أزوِّرُهْ

فمثلاً أنتِ برأيي عنَبٌ

وإنَّني كخمرةٍ سأعصرُهْ

ولستُ أعني غير أني ساجدٌ

بينَ يدَي ربِّي الذي أكبِّرُهْ

أو أنَّ إسرائي دنا ميقاتُهُ

لكنَّني لحِكْمةٍ أؤَخِّرُهْ

أو أنَّني أستغفرُ اللهَ ولا

أريدُ محوَ الذَّنْبِ إذ أستغفرُهْ

بعضُ الذنوبِ منهجٌ مقدَّسٌ

يحبُّهُ اللهُ لذا أوقِّرُهْ

**

ضياع

كراكبِ البحرِ بلا أيِّ حمى

أو كالقتيلِ نحوَهُ السهمَ رمى

أو كالجدارِ حينَما أصغى إلى

مستندٍ متيَّمٍ تهدَّما

أو كالكتابِ باعَهُ بدرهمٍ

مؤلِّفٌ يموتُ جوعاً بينَما

طفلٌ لمسؤولٍ حقيرٍ جاهلٍ

سيشتري بيتي إذا باعَ الدُّمى

أعملُ في أرضِ العراقِ راعياً

أهشُّ لكن لا أرى لي غَنَما

في يومِ قيظٍ قد نصبتُ خيمةً

معلِّلاً نفسي بألطافِ السَّما

جاؤوا وفي أيديهمو مشاعلٌ

فأحرقوا فوقَ دماغي الخِيَما

قالوا الخيامُ عندَنا ممنوعةٌ

إلا إذا ماتَ الفتى من الظَّما

***

باسم الحسناوي

في نصوص اليوم