أقلام ثقافية

الإعلام الديمقراطي؟!!

الإعلام الديمقراطي، إعلام وطني حر، يرتكز على المصلحة الوطنية الخالصة، وأخلاقياته ذات معايير وقيم وطنية إنسانية، تراعي الثوابت والضوابط اللازمة لمسيرة تفاعل الأجيال وتواصلها، وإطلاق ما فيها من القدرات الإبداعية الحضارية لبناء الوجود الوطني الأرقى.

ولا يمكن للإعلام الديمقراطي أن يكون متطرفا، أو معبرا عن وجهة نظر حزبية أو فئوية أو مذهبية ، بعيدا عن المصلحة الوطنية الجامعة العليا.

ولا يمكنه أن يكون إعلام صراعات وتبادل إتهامات ووجهات نظر ضيقة وتصفية حسابات سياسية.

الإعلام الديمقراطي إعلام وطني معتدل!

ينشد الحقيقة والمعرفة والتنوير العقلي، ولا يؤسس للتضليل والأفك والأكاذيب والخداعات، والتبريرات اللازمة لمواصلة السلوك المشين.

الإعلام الديمقراطي، يجب أن يكون خاليا من المفردات الضارة بالنفس والسلوك، وأن يكون تحت رقابة مستشارين نفسانيين ولغويين مهرة محنكين، يدرسون تأثير المفردات على المتلقي.

وهو لا يمكن أن يتحقق في مجتمع تكون القيادات الحاكمة فيه ذات توجه متطرف وفئوي، ولا تملك الثقافة الكافية للتعبير عن الديمقراطية بسلوكها السياسي.

ومما يثير الدهشة والإستغراب، أن مجتمعاتنا حسبت الإعلام الديمقراطي، أن تتكلم على هواك، وتعبر عن إنفعالاتك وعواطفك، وغضبك، وعدوانك عبر الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئيات، وكأن الديمقراطية، أن تتحلل من الضوابط والمعايير الأخلاقية والوطنية والمسؤولية الإنسانية والسلوكية.

وأصبح الإعلام عندنا يتسم بالملامح الغابية، ويعبر عن سمات جاهلية بدائية، مشبعة بالأمية والإنفعالية والإندفاعية، والسلوكيات التهجمية التهكمية المشحونة بطاقات العواطف السلبية، مما تسبب في تحويله إلى سوح تلاحي وإضطراب وتشويش وتشويه للحقائق، وتسويغ للبدع والأكاذيب، ففقد الناس ثقتهم بالإعلام، واضطربت مفاهيمهم، وتفاعلاتهم وفقا لما يتم حشوه في رؤوسهم، بواسطة هذا الإعلام السيئ المبرمج والموجه لقتل الإنسان!

ولا يمكن الخروج من هذا المأزق التدميري للإنسان والوطن والمعتقد، إلا بالإلتزام بالمعايير الصحيحة الصالحة لبناء الوطن والإنسان، فلا يمكن لإرادة الحزب أو الفئة أن تعلو على إرادة الوطن والشعب كحالة واحدة، ذات قيمة حضارية ومسؤولية مشتركة عن الحاضر والمستقبل.

فالإعلام الديمقراطي عندنا بحاجة إلى تنقيح ثقافي، بمعنى إعادة تركيب الوعي، ويقظة القائمين على الإعلام، بالإلتزام بالكلمة المعتدلة النقية الطاهرة، الطيبة الساعية إلى الخير والمحبة والألفة والأخوة والسلام والأمن، والتفاعل الوطني الأصيل، بعيدا عن أي توجه للإضرار بالحياة، ويمكن إختصار فلسفة الإعلام الديمقراطي بالقول أن "الكلمة الطيبة صدقة".

فاصدقوا في كلماتكم، وتخيّروا أطيبها للكتابة والقول والخطابة!!

وأية خطوة غير ذلك ستكون لا ديمقراطية، ولا يمكن لحكومة تتكلم بمفردات سلبية أن تصنع إعلاما ديمقراطيا مهما حاولت، فلتبدأ الحكومات بنفسها أولا، وتراجع وتراقب مفرداتها ومحتويات خطابها، وتشذبه من جراثيم البغضاء والكراهية والتحزبية، وتداويه بالمفردات الوطنية الساطعة الناصحة الشافية، لعلل السلوك الدامي الأليم!!

وعندها فقط يحق لنا أن نقول بأن إعلامنا ديمقراطي!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم