أقلام ثقافية

أكلَ الضوءُ الورق!!

العقود الثلاثة الأخيرة أحدثت تطورات تكنولوجية غير مسبوقة، ونقلت البشرية إلى مدارات تواصلية ما عهدتها من قبل.

كان الناس في المجتمعات المتحضرة يرافقهم الكتاب أينما حلوا ورحلوا، في القطار، الطائرة ومواقع الإنتظار، وغيرها من الأماكن التي توفر بعض الوقت.

وما أن أطل القرن الحادي والعشرون حتى إنقلبت الأمور، فما عاد للكتاب وجودا، وإختفى منظر الشخص والكتاب، ووجدتنا في العقد الثاني منه، وقد إلتصق الناس بالشاشات بأحجامها المتنوعة، فكسدت تجارة الكتاب، وأغلقت العديد من متاجره أبوابها، وتحول إلى بضاعة بائرة ترقد في ظلمات المخازن والرفوف.

ومعارض الكتب رغم كثرتها، لا تبيع كما كانت في العقود السابقات، فالعلاقة بين الناس والكتاب أصبحت من الباليات.

ففي الوقت المعاصر يمضي الناس معظم وقتهم محدقين في الشاشة، وخصوصا الصغيرة منها، وكأنهم مدمنين عليها، فلا تفارقهم ولو لبرهة، وإن فارقوها إنتابتهم مشاعر الخوف والرعب، وعادوا هلعين يبحثون عنها.

والتخاطب بين الناس ما عاد شفاهيا بل شاشويا، وكل ما يحتاجونه تقدمه لهم الشاشة الصغيرة، فلكل سؤال جواب فيها.

وبخصوص الكتاب، فما يريد الشخص قراءته يجده عبر شبكات الإنترنيت، والعديد من المدمنين على القراءة من الذي أعرفهم، يحملون شاشات متوسطة الحجم يقرأون فيها ما يرغبونه من الكتب.

والمشكلة التي تسببت بها هذه الشاشات أن دفق المعلومات أصاب التركيز بالإضمحلال، فالبشر اليوم لا يمتلك القدرة على مواصلة قراءة أكثر من صفحة، ويريد معلومات مكثفة ودالة ببضعة كلمات وحسب، وربما ستنتقل البشرية إلى إبتكار لغة رمزية جديدة تتفاعل بواسطتها.

والكثير من المخضرمين، وهنت علاقتهم بالكتاب، وما عادوا قادرين على الصبر والمجالسة مثلما كانوا سابقا.

ولهذا فأن التوجه نحو الكتابة الضوئية السبيل الكفيل بالتنوير، ويبدو أن المستقبل سيكون منسوجا على حبات ضوء، وربما البشرية ستتعرى من أولها إلى آخرها على الشاشة، وذلك اليوم ليس ببعيد!!

فهل نترحم على الورق، ونعلن وفاة "الكاغد"؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم