أقلام ثقافية
ألهاكم التكاثر: بين تحريم السروال وتحريم الإجهاض
تعالت أصوات كثير من الفقهاء والمحافظين هذه الأيام محرمة الإجهاض أو الإسقاط. واصفين إياه بأوصاف لها علاقة بالقتل والإجرام على وجه العموم. موظفين نصوصا من الكتاب والسنة ووجهات النظر الفقهية، قديمها وحديثها. يحلفون بالأيمان المغلظة أن إتيانه كبيرة من الكبائر.
ومناسبة هذه الضوضاء، دعوات رئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري الدكتور شفيق الشرايبي لتقنين الإجهاض وتسليط الأضواء عليه بغية إخراجه من ظلمات التستر والسرية والطابو إلى مجال التقنين والمراقبة والإشراف الذي يصب في صالح صحة المرأة بالدرجة الأولى. فالرقم الذي كشف عنه تقرير الجمعية (أكثر من 1400 عملية إجهاض سرية يوميا بالمغرب) رقم مهول ويدعونا إلى التفكير مليا في الطرق الكفيلة بتقنين هذه العمليات الخطيرة لكي يتحمل كل طرف مسؤوليته بالتمام والكمال.
إن هذه الأرقام المهولة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك وجود رغبة جامحة في جعل الإجهاض حلا لمشكل ما. وغض الطرف عن القيام بالإجراءات القانونية اللازمة سيؤدي إلى الانفلات والتسيب والخطر والبحث عن أشكال أخرى للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه لسبب من الأسباب.
إن الضجيج الذي صدر عن عدد من الفقهاء و"العلماء" والوعاظ والمرشدين، مصحوب بالوعيد والتهديد ورمي أصحاب دعوات تقنين التخلص من الحمل غير المرغوب فيه بالفجور والفسق وفتح أبواب الفساد والدعارة والحرام... وجعلوا من أنفسهم حماة للأخلاق الفردية والجماعية، بل ومدافعين عن حقوق الله نفسه. ولولا فشلهم في بلوغ "التمكين في الأرض" لتجاوزا عتبة تغيير "المنكر بالقلب واللسان" إلى تفعيل تغييره باليد لا قدر الله.
هذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها بعض "الفقهاء" و"العلماء" في وجه رغبات المجتمع وطموحاته واختياراته. والمضحك في الأمر أن هذه الرغبات الجامحة في تجاوز التسلط الديني الأخلاقوي هي التي تنتصر دوما رغم مواجهتها بالنصوص الدينية بشكل رمزي عنيف. ويكفي أن نقول أن أمواج رغبة المجتمع في العيش والحياة والتقدم جرفت، ولا زالت، أكوام الفتاوى المتخلفة التي عرفتها مراحل تاريخية متعددة.
لقد حرم الفقهاء السروال، فارتدته النساء والرجال رغما عن أنوفهم وتأويلاتهم. وحرموا شرب الشاي والقهوة، فداس عليهم الجميع وجعلوهما أفضل مشروباتهم اليومية. حرموا التلفاز فقالوا عنه "شيطان رجيم في بيوت المسلمين" فأصبح أفضل صديق على الإطلاق. حرموا كل شيء جميل: الموسيقى والرسم والنحت والسينما والمسرح، فأقبل عليها الناس بلهفة ولذة. حرموا الإحتفال بأعياد الميلاد وعيد الحب فأصبح الإحتفال بهما أجمل وألذ احتفال. حرموا قيادة المرأة للسيارة، فقادت النساء السيارات والحافلات والقطارات والطائرات رغما عن أنوفهم. حرموا تصويت المرأة وترشحها للانتخابات، فأصبحت المرأة اليوم عضوة في المجالس الجماعية ومجالس الجهة ونائبة برلمانية ووزيرة. حرموا الإتصال بالخطيبة، وتبادل مشاعر الحب، وأخذ الصور، والمظاهرات، والإختلاط و"المال المكتسب من كراء محل لخلاقة الرجال"..حرموا كل شيء.
وما يقدمون على تحريمه تجرفه رغبة الناس في العيش. هذا رغم أن تحريمهم يكون مؤسسا دوما على الاستشهاد بما يرونه من نصوص الدين المختلفة. وعندما لا يعبأ الناس بفتاويهم لا يجدون أي حرج في الرجوع إلى نفس النصوص من أجل تأويلها لكي تؤدي وظيفة الحلال الزلال، بعد أن أدت وظيفة التحريم القاطع.
هم الآن يرفضون تقنين التخلص من الحمل غير المرغوب فيه لسبب من الأسباب، وسنرى في القادم من الأيام كيف سيتحول "الإسقاط" من الحرام إلى الجواز حسب الضرورة ورأي الطبيب وظروف العلاج... كيف لا وهناك رغبة اجتماعية جارفة قوية داست على رغبتهم في التسلط والإستبداد الديني والمذهبي.