أقلام ثقافية

حينما تتراكم الاحزان

jawadkadom gloomلم يجانب الصواب معالجي وطبيبي حينما توسل بي راجيا اول الامر ان اصمّ اذنيّ وابعد عن كل ما ينغّص بقية حياة مازالت بصحبتي والاّ اعكر صفوها بالأخبار المؤلمة وأنباء الدماء وأعداد الموتى والجرحى واتساع المعارك والحروب والمنازعات التي لاتنتهي على الاقل في الوقت الحاضر ، ففي بدني ما يكفي من الاهوال والأسقام التي لم تعد تحصى تماما مثل تئنّ وجعا وتشيع آلاماً

غير اني انسى نصائحه وانا وسط معترك الاحداث وأهوال الحروب وكل مايثير الانسان من توترات عصبية ونفسية تفعل فعلها في النفس وتشيع فيه الاحباط والنكوص وتتركيني حزينا يائسا ؛ اتشبث بخيط ولو رفيع من الامل عسى ان يبدد شيئا ولو قليلا من ثقال الهم والكدر ويخفف العبء الثقيل الكامن في النفس فأرمي عرض الحائط رجاء الطبيب وتوسلاته وأغوص في معترك الاحداث وأتتبع الاخبار فليس من طبائعي ان اعمي بصري واغلق مسامعي عما يشوب عالمنا كله والعربي والإسلامي خصوصا والذي يعيش صنوفا من الاستثناءات وانقلاب الموازين والغرائب والعجائب مقارنة بما يجري في العالم المتمدن من خطوات واثقة في السير نحو النماء وتحقيق ارقى نظم المجتمع المدني وترسيخ الديمقراطية السليمة القائمة على المساواة واحترام صوت الانسان وخياراته

يتفاقم وجعي وتزداد عللي وأعود لزيارة صديقي الدكتور فيكيل لي اللوم كل اللوم لاني السبب الرئيس في تدهور حالتي الصحية وتراجعها الى درجة خطيرة فيلجأ الى الحزم والصرامة والتهديد والوعيد بما لايحمد عقباه بدلا من الرجاء والتوسل والاستعطاف

ومن الاخبار التي زادت مرضي عللا اخرى وأوجاعا لم اعتد عليها قبلا ؛ ماقرأته قبل بضعة ايام في خبر يبدو صغيرا عابرا وهو عن قيام هيأة النزاهة في بلادي بإصدار احكام قضائية في تهم فساد لمسؤولين سابقين في دولتنا النموذجية جدا لكن الغريب في الخبر ان هذه الاحكام كلها غيابية -- باستثناء حكم واحد – صدرت في عدة قضايا وكل المدانين قد حزموا حقائبهم وعبأوا ارصدتهم ولاذوا بالفرار ليقيموا خارج البلاد فجلّهم -- ان لم يكونوا كلهم -- يحوزون جنسيات مزدوجة وكأن هيئتنا الموقرة تسابق الريح خارج الحدود لكنها بجناح مهيض في محفل العراق الحالي الغارق بالظلامة وعاهري الفساد وأوصيائه ومريديه

هل زرقتِ يا نزاهتنا الحبيبة بإبر منشطة الى هذا الحد وشمّرتِ عن ساعديك يا سيدتي لتقاتلي طواحين وناهبي المال العام بطريقة " دونكيشوتية " مثيرة للسخرية ؟ ! ، وامامك فتوّات الخمط وبلطجية الحرام ... دعوني اذكر امرأة واحدة من مجموع المدانين في احكام 26 قضية من هذا النوع واحدى المدانات كانت موظفة تعمل مديرا عاما في دائرة الموازنة في وزارة الدفاع ووصلت مدة عقوبتها " الغيابية طبعا " الى احكام بالسجن 173 / عاما بالتمام والكمال

اية شجاعة انبثقت فجأة لتطيح بهذه الاشباح البعيدة التي لاتنوشها يد العدالة !! ، وهل عجزت هيئتنا الموقرة ان تطال قماقمة وخراتيت السرقات الهائلة وهم يعيشون بين ظهرانينا حتى هذه الساعة يسرقون وينهبون " عيني عينك " وبكل صلافة وإمعان ووقاحة وتحت مسمع ومرأى الملأ المتعب ولا من سوط يلسع أو أيدٍ تردع أو سيف يمنع

لاتقولوا لي خفف الوطء على عافيتك واتركْ هؤلاء يغنمون من الحاضر لذّاته واهتم اولا بصحتك وتناسَ ما يحيط بك من رزايا وبلايا تنخر جسدك وتُذبل روحك

لقد اعتدتُ الاّ اغمض عينيّ عن باطل وأصرخ بملء فمي لأفضح كل سارق سافل وكل مجرم قاتل وهاأنذا اقولها لهيئة النزاهة واغلب عامليها من الشرفاء والكرماء ومن يضع بلاده في الصفوف الاولى من مراتب قلبه ؛ مثلما انشغلتم بادانة المدانين الهاربين ؛ عليكم اولا برؤوس الفساد الرابضين هنا على صدورنا ولم يعد العجز مبررا خاصة ونحن الان نحقق انتصارات ترفع رؤوسنا عاليا للقضاء على زمر الارهاب وخطونا خطوات مباركة لتطهير اجزاء من بلادنا من زمر داعش وذيولها السامة فلاتهنوا ولاتتراخوا وأنتم ذوو البأس والقوة العادلة ، وقارعوا الظلم والظالمين بسيف العدل والحق والقانون فهؤلاء الذين امامكم من عتاة السحت مجرد هياكل وحوش لاتخيف ففي جوفها خواء الجبن والرعب والاتعاش والهلع وسيكون دوائي الشافي وبلسمي المُعافي ان تطيحوا بتلك النمور الورقية والأسود الهلامية المنخورة أرواحها بالدناءة والطمع ليهنأ العراقيون التعبى بثرواتهم وليبنوا بلادهم اعمارا نفخر به ويزرعوا حقولهم الخضر ثمرا وافرا ويديروا ماكنات مصانعهم بسواعد ابنائنا النجباء

الطريق الى الصواب يبدأ بخطوة جريئة واثقة فأقدموا عليها أيها الاوفياء الشجعان العازمون

 

جواد غلوم

في المثقف اليوم