أقلام ثقافية

علي حسين: حين تُغير الكتب حياتنا

كان الروائي الفرنسي ستندال يقول لرفاقه إن االكتب هي التي تجعله يحب الحياة. وصف سارتر هذه الحالة في يومياته"الكلمات": "كان يبدو لنا طبيعياً أن تنمو الكتب كما تنمو الأشجار في حديقة" ".

كثيرا ما يطرح عليً سؤال من بعض الاصدقاء وهم يشاهدون اكوام الكتب تحيط بي: هل قرأت كل هذه الكتب؟، وتكون اجابتي التي تعلمتها ذات يوم من الراحل الكبير جبرا ابراهيم جبرا والتي تعود ان يقولها للذين يتدهشون من حجم مكتبته لقد إطلعت عليها كلها.. لم يكن الكتاب بالنسبة لي سوى ضرب من العشق واتذكر مقولة فرنسيس بيكون الشهيرة " بعض الكتب وجد لكيما يذاق، وبعضها لكيما يبتلع، والبعض القليل لكيما يمضغ ويهضم " قال لي الراحل جبرا ذات يوم ان الروائي الانكليزي  د.ه. لورنس عندما دخل يوماً الى مكتبة اكسفورد وجد انها تحوي على  مائة الف كتاب وفي ثلاث سنوات من الدراسة تعرف عليها جميعا هذا التعرف بمفهوم جبرا هو أساس الكثير من المعرفة، وهو الذي يدل القارئ الى الاتجاه الذي عليه أن يسير فيه لطلب المزيد من المعرفة.. لنا ان نتذوق الكتاب اونبتلع بعضه او نمضغه ونهضمه ببطء في كل الأحوال نحن نعيش حالة عشق لاتملها النفس

في الفصل الاخير من من كتابه "اعترافات روائي ناشيء"، - ترجمه الى العربية سعيد بنكراد - والذي عنوانه "كتب.. كتب.. كتب" يحدثنا امبرتو إيكو عن الكتب قائلا: هناك في العالم كتب أكثر من الساعات التي يمكن تخصيصها للقراءة. نحن بالتالي نشعر بتأثير عميق للكتب التي لم نقرأها، التي لم يتوفر لنا الوقت لقراءتها.. يتعيّن عليّ أن أعترف بأني لم أقرأ (الحرب والسلم) إلا حين بلغت الأربعين من عمري. لكنني كنت أعرف سلفاً مجريات الرواية الأساسية. هكذا نستطيع أن نرى بأن العالم مليء بالكتب التي لم نقرأها، لكننا نعرف جيداً محتوياتها. وعندما نلتقط الكتاب أخيراً، نكتشف أنه مألوف. كيف يحدث ذلك؟

يكتب جبرا في مقال بعنوان " عشق من نوع آخر": " كانت تراودني فكرة اشبه بالحلم فكرت في كتابتها منذ اكثر من اربعين سنة، وهي عن رجل كان يعشق الكتب اشترى بقعة نائية على كتف عال لتلة صخرية، مشرفة على واد كثير التعاريج والشعاب، وبنى عليها فندقا جميلا يجتذب الناس اولئك الذين يريدون الاختلاء بالطبيعة البعيدة عن ضوضاء المدن طلباً للتعمق في ذواتهم، مقابل أجور معقولة وكان ذلك جزءاً من خطة وضعها لنفسه. فهو ينفق معظم ربحه في كتب يشتريها بالمئات. وفي بضع سنوات تجمع لديه من المال ما يكفيه أخيراً لان يحول الفندق الى صوامع، رتب فيها الكتب على رفوف لا تنتهي وجعلها داراً مفتوحة لكل من يريد أن يقرأ ويكتب، شريطة أن ينتهي ما يكتب الى مؤلفٍ يزيد من حس الانسان بروعة الوجود ". في روايته " ظل الريح يكتب الاسباني كارلوس زافون :" لقد علمني ذلك الكتاب أن القراءة تمنحني فرصة العيش بكثافة اكبر، وانني قادر على الابصار بفضلها. وهذا يفسر كيف غير حياتي كتابٌ اعتبره الآخرون بلا جدوى ".

في اليوم العالمي للكتاب علينا ان نتذكر الكتب التي ساهمت في تغيير مسار حياتنا.

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية 

في المثقف اليوم