أقلام ثقافية

العرب ومعضلة المفاهيم!!

يعيش العرب معضلة إضطراب المفاهيم وعدم وضوح المسميات، بسبب غياب دور المفكرين والمثقفين في حركة المجتمع، وفقدانهم للقدرات الإدراكية اللازمة لصياغة النظريات الوطنية والحضارية المتفقة مع جوهر بلدانهم، وطبيعة تكويناتها المتنوعة الأطياف الجغرافية والتأريخية والحضارية والبشرية.

ولهذا فأن الجهل التأريخي والحضاري والواقعي هو السائد، ويترتب عليه وجود سائب سائل القوام يتخذ شكل الوعاء الذي يوضع فيه، مما يجعله بلا ملامح ولا هوية أو مناهج حياة وصيرورة إنسانية ذات قيمة ودور معاصر.

إن غياب المفاهيم الواضحة المعاني والدلالات أو المضطربة، يساهم في صياغة التفاعلات السلبية المشوشة للرؤى والمعززة للمخاوف والتوجسات من الآتيات، وتجعل الشك سلطان وديدن ما يتحقق من تواصلات وما يترتب عليها من نتائج خسران.

فكأن الأزمة الحقيقية الجوهرية العاصفة في الحياة العربية هي مشكلة مفاهيم حياة، وعندما تغيب هذه المفاهيم أو تتشوه فأنها تنعكس على الواقع اليومي، الذي تتوالد فيه وتعيش وتؤسس لمناهج تفاعلات.

والحضارات كافة لم تنطلق إلا من مفاهيم محددة ذات مشاريع توصلها لأهدافها المبينة في مفاهيمها، والتي يمضي على هداها حَملتها.

فالحضارة الإسلامية كانت ذات مفاهيم راسخة يتم التعبير عنها وفقا لمعطيات عصرها ومكانها، وبهذا التوافق الإدراكي أسست لحضارات متنوعة في أصقاع الدنيا المختلفة.

وفي أيامنا الحاضرة تجدنا في مآزق الدعوات المشوِّهة للمفاهيم والمُبلدة للمدارك، والمُساهمة في تأجيج العواطف والإنفعالات، التي تأخذها إلى جحيمات سلوكية لا تُرتجى منها قيمة حضارية أو إنسانية، مما يصنع واقعا غثيانيا مهلكا للجميع.

وعليه فلا بد من مراجعة المفاهيم، والإستيقاظ من نومة العدم والضياع، والتفاعل مع التحديات بمفاهيم تستوعبها وتتمكن من إبتكار السبل الكفيلة بتجاوزها، والخروج من أصفاد ومحن ردود الأفعال، إلى منطلقات المبادرة والإقدام.

ولا يتحقق هذا الوعي النهضوي الحضاري إلا بتفاعل عقول الأمة المدركة الرشيدة المقتدرة، وعملها الجاد والمجتهد في تحديد المفاهيم وتعريفها بوضوح، والإرتقاء بالمعارف الإجتماعية والإنسانية إلى مصاف العصر وما بعده، وما تتطلبه الأجيال من ميادين تستوعب تطلعاتها وما يتوقد في خيالها من أحلام منيرة.

فهل سيتمكن العرب من إعمال العقول ولجم العواطف في عصرٍ تصدّح فيه المَدارِك بالإبداع المطلق؟!!

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم