أقلام ثقافية

بين خشبة المسرح وشاشة التلفاز

akeel alabodبين ثقافة إشاعة الحب والحياة، وفضائيات ترويج القتل والمفخخات، كان للمسرح ايام زمان دورا فاعلا في بناء الشخصية العامة للإنسان، ذلك بحكم وجودها وتأثيرها الاجتماعي، فهو يؤسس لمؤثرية هذا الوجود في الحياة العامة للمجتمع، هذه المؤثرية كان لها نمطا معينا من السلوك، يتقوم على أساس علاقة الانسان مع نفسه اولا، وعلاقته مع الآخرين ثانيا، فعندما يشاهد الجمهور عرضا عن لغة الدكتاتور وعلاقته مع شعبه، او مشهدا يستعرض صراخ ضحية على أيدي الجلاد، مع أنشودة احتجاج مثلا، يصرخ بأعلى صوته معبرا عن أنفعاله بعاصفة من الصراخ والتصفيق، وذلك ما اسميه الحيز، او المناخ، او الجسر الذي يربط بين مشاعر الجمهور من جانب، وتعاطفه اي الجمهور مع الفنان او المشهد الذي يعبر عن ذائقته من جانب اخر، ما اسميه بالمطابقة او التطابق بين الحس والمشهد، باعتبار ان هنالك لغة احترام من قبل المخرج لمشاعر الجمهور، فالمنطق لا يمكن ان يستوعب صورة جلاد يساعدا فقيرا او محتاجا، بل يرفضها، ولذلك يصبح هنالك نسبة بين الموضوع والذات، بين العرض المسرحي ومشاعر المشاهد.

وبحكم هذه النسبة يرتقي المسرح حيث يصبح أشبه بالمراة التي تعكس افكار المتلقي ومشاعره ووجدانه، وليس هذا فحسب، بل بفعل ذلك يصبح للمسرح دورا في استنهاض الهمم وشحذ العزيمة والإرادة، حيث بفعل خشبة العرض ونوع الأداء وما يرافقها من هندسة الضوء والإضاءة، ينفعل الجمهور، حتى يصل هذا الانفعال الى الذروة، بغية القيام بدور فاعل في توعية الاخرين، او اتخاذ قرارا وإعلان انتفاضة هنا، اوهناك، لهذا قيل (أعطني خبزا ومسرحا أعطيك شعبا مثقفا).

بيد ان المسرح هذه الأيام أخذ بالتراجع والانحسار خصوصا بعد ان تفشت ظاهرة العروض التلفازية واستخدام شبكات الإنترنيت ومفرداتها المتعددة. وبهذا خسر الجمهور مناخ الوعي الملتزم مقابل فوضى مناخات ما يسمى بوسائل العولمة، هذه التي قيل عنها ان بفعل استخداماتها صار العالم أشبه ب (قرية كونية)، هذه القرية الكونية بحكمها تعددت الفضائيات التي شغلت، اوتشاغل حيزا مهما من عقل الانسان ومشاعره، صارت تودي أوتستخدم لتنفيذ خطط مؤسسات واجندة تصرف أموالا طائلة لتدمير منطقة هنا وأخرى هناك، حضارة هنا وأخرى هناك، والأنكى ان الوجه الجميل والصوت الرقيق الذي كان يتم اختياره في المسرح ايام زمان لأداء دور جميل وبثينة، او قيس وليلى، صار يتم استخدامه لصالح التبويق الإعلامي لأجندة تشيع ذبح الانسان وإحراقه بعد موته، بل تشيع كل ما له علاقة بتخويف الناس وتخريب عقولهم .

لقد اثار انتباهي مقابلة لفيصل القاسم مقدم احد برامج الفضائية المذكورة مع واحد من الناطقين والممجدين لداعش والبغدادي، بحيث انه وبكل صفاقة يحرص الاثنان على إلغاء الدور القبيح لداعش، بل وحتى ما تم تسميته من قبل ضيف البرنامج بعد الموافقة عليه من قبل المقدم(دولة الخلافة)، ما يشير الى ان هنالك محاولة لتطبيع وترويض ذائقة المتلقي على مفردات العنف والتفخيخ بفعل هكذا نمط من العرض الإعلامي .

   

في المثقف اليوم