أقلام ثقافية

جيناتنا الحضارية!!

قبل يومين كنت في مهاتفة مع أحد أصدقاء الصبا، فسألني : لماذا في رأيك الدول الغربية تفتح أبوابها للمهاجرين وكأنها خططت لذلك؟!!

فتذكرت مقالة كتبتها قبل أ كثر من عشرة سنوات، وخلاصتها، أن الدول الغربية ستزداد حضارة وقوة بتوافد المهاجرين من ديارنا إليها!!

وحجتي على ذلك أن أن هذه الدول تكتسب جينات حضارية نادرة كنيزة، ستتفتح فيها، لأنها تمتلك قدرات توفير الظروف الملائمة لإنطلاقها والتعبير عما فيها من جواهر الإبداع الأصيل.

وهذا يؤكده الدور الخلاق للعقول القادمة من ديارنا في بلاد المهجر، حيث تراها في مقدمة الآخرين ومن المتميزين.

إنها ثروة بشرية نادرة المحتوى، فلماذا لا تتسابق عليها الدول؟!!

ومشكلتنا الجوهرية أن مجتمعاتنا بأنظمتها لا توفر الظروف اللازمة لإطلاق طاقاتنا الجينية الحضارية، وإنما تدفعها للإنحراف إلى ما يعيقها ويبددها.

فجميعنا يكنز جينات متعلمة متحضرة متميزة خبيرة، ومنذ آلاف السنين، وهي تنتقل عبر الأجيال والعصور، وكلما تفاعلت مع جينات أخرى، تمكنت من الحصول على حرية التعبير عن طاقاتها.

ولهذا فأن المستقبل سيشهد تفتح جيناتنا في محيطات أخرى، بسبب التفاعل الحر القائم ما بين أبناء الدنيا،

ومن الأمثلة القريبة عى هذا التفتح الحضاري المنير، أن " ستيف جوبز"مؤسس شركة "أبل"، نصف جيناته من ديارنا، فأبوه سوري الأصل.

وهذا يشير إلى أن الجين الذي كان كامنا في الأجيال التي سبقته، قد وجد الفرصة المؤاتية لكي يترجم ما فيه من الأفكار والطاقات.

وما يجري في بلداننا، إنما تعبير عن سلوك الجينات المخنوقة، الممنوعة من الوصول إلى إظهار دورها وفعلها الحضاري في المحيط الذي هي فيه، ولهذا تراها تميل إلى التفاعلات المدمرة الماحقة لوجودها الذاتي والموضوعي.

أي أننا نحمل جينات ذات نوعية حضارية عالية، تشهد عليها المسيرات التأريخية الطويلة بعطاءاتها المتوالية، فأجدادنا الذين إنطلقوا في مسيرتهم، قد أنشأوا وأوجدوا، جينات تعاظمت ثقافتها وقدراتها وخبراتها وتواصلت مع الزمن، وبتعاقب الأجيال، إزدادت نضجا وقوة وخبرة، وهي التي تبرمج الفرد الذي يختزنها للقيام بالسلوك المعبّر عنها.

وسلوك الجينات كأي سلوك آخر، عندما لا يجد الظروف التي تؤهله لكي يتحقق، فأنه يكمن أو ينحرف. وبما أن طاقات الجينات التي فينا ذات إرادة عالية وطاقة فائقة، فأن كبتها يكون صعبا، ولهذا فهي تنبعج في إتجاهات متعددة، تؤدي بنا إلى الوقوع في صراعات وتفاعلات سلبية، في حقيقتها عبارة عن إنسكاب عشوائي، وتبديد لطاقات حضارية تريد أن تبني معالم وجودها المتميز، وهذا يفسر الكثير من سلوكياتنا، وما يجري في واقعنا.

فهل سنعي هذه الحقيقة الحضارية، ونسعى لتوفير الظروف اللازمة للتعبير عن طاقات الجينات الكامنة فينا، لا أن نقتلها ونهجّر أصحابها؟!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم