أقلام ثقافية

ثامر الحاج امين: كريم العراقي.. البداية الرصينة

قلة هم الشعراء الذين لم تكن للمحافل الشعرية ولا منصات الانشاد دورا في تسويقهم وانتشارهم ومن بينهم الشاعر (كريم العراقي) الذي غادرنا مؤخرا بعد معاناة طويلة مع المرض، ذلك ان الجمهور عرف العراقي وردد قصيدته الذائعة الصيت (فتاة الجسر) وبطلتها " بهيجة قبل ان يعتلي العراقي منصة الشعر ولأول مرة في مدينة الديوانية عام 1972، فقصيدته المذكورة جسدت بطولة الفتاة الثورية  " بهيجة " التي استشهدت برصاص السلطة الملكية على الجسر في التظاهرة المنددة بمعاهدة بورتسموث عام 1948، ويومها انتشرت هذه القصيدة بشكل واسع وصارت ايقونة الشباب اليساري يرددونها في احتفالاتهم وتجمعاتهم ويتغنون ببطولات فتاتها والتي لحن كلماتها لاحقا الفنان " كوكب حمزة "، بهيجة الفتاة الشجاعة التي لم تهاب رصاص القتلة عندما وقفت على الجسر بين المتظاهرين تجسد البطولة ووحدة المعاناة وهي تصرخ:

يا صدري كل للفرح

أوف الشعب أوفي

دم بالضمير اشتعل

شيلني يجفوفي

......

........

هيه يا رصاص وهلا

وطرزلي نفنوفي

شو جني ليلة عرس

تتراكص زلوفي

قبل سنوات ظهر الشاعر كريم العراقي في مقابلة على قناة السومرية يستذكر فيها بداياته مع الشعر حيث ذكر انه اعتلى منصة الشعر ولأول مرة في الديوانية، وفعلا كان ذلك في مهرجان قطري انعقد في صالة سينما الخيام وكنت من بين الحضور الذي شهد استقبال الشاعر كريم العراقي من قبل جمهور الديوانية والذي كشف به عن هويته اليسارية حيث كان الشاعر العراقي وكما اسلفت معروفا من خلال قصيدته " بهيجة "، صعد ذلك الشاب النحيف المسرح بقميصه الفضفاض ويبدو عليه الخوف والارتباك رغم الاستقبال المهيب له وقد ادركت لاحقا ومن خلال ما أدلى به في تلك المقابلة انه وقبل توجهه الى الديوانية للمشاركة في المهرجان حذره بعض اصدقائه ان تكون بدايته القراءة في الديوانية لأنها ــ وحسب قوله ــ  فيها (شعراء كبار ومثقفون كبار) وربما كانت اسباب تلك الرهبة التي ظهرت عليه وهو يقف خلف المنصة لا تعود الى صعوبة البداية فحسب انما لحساسيته من الوقوف امام جمهور كان يتمتع بذائقة شعرية لا تهضم ولا تستقبل الا الشعر الجميل والرصين وقد ظل الجمهور في تلك الجلسة الشعرية متحمسا لسماع شيء من قصيدة بهيجة مرددا ومستفزا ذاكرة ببعض ابياتها:

خدي بحلاة الخبز

والدم شتل حنطة

يا وجهي رد اللهب

دخان للشرطة

الا انه ولحساسية القصيدة وطبيعة الجلسة تدارك الشاعر بذكاء انشادها في ذلك المحفل الذي انفرط منذ يومه الأول وانتقاله الى مدينة السماوة بسبب الاصطفاف السياسي الذي ساد القائمين على المهرجان.

وبرحيل الشاعر كريم العراقي يكون السرب قد فقد طائرا جميلا ياما صفق بجناحيه مغردا في سماء الشعر راسما بألوانه الجميلة قوس قزح شعري.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم