أقلام ثقافية

التبسّم واجب اجتماعي ودرب من دروب المناعة النفسية!!

hamid taoulostيقول صلى الله عليه وسلم : "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، لما للابتسامة من إيجابيات كثيرة ومزاياها عديدة، يصعب على إحصائيات العالم قياس دفأها، لكونها اللغة الوحيدة التى تفهمها جميع الشعوب دون ترجمة، لما تحمله من معلومات قوية تستطيع التأثير على العقل البواطن للإنسان، والنفاذ، دون إستئذان، إلى أعماق نفسه، وادخال السّعادة على قلبه المفجوع، وبلسمة جراحه العميقة،، وانعاش أعضائه ونشر الارتياح بدواخلها، ومنحها الأمل والتفاؤل .

رغم أن الابتسامة هبة من الله عز وجل للطبيعة البشرية، وسلوى من همومها، تفتح مغلق علاقاتها الإنسانيه وتذيب خلافاتها مع الغير .

ورغم ما للابتسامة من المزايا والفضائل الكثيرة -التي وهبها الله عز وجل للطبيعة البشرية – التي تسلي الإنسان عما يتعرض له من ضغوط الحياة المعاصرة -على قصيرها الذي لا تستاهل هدرها في البكاء على أي شيء - المتشابكة المزعجات، المعقدة المُنغِصات،  نجد في مجتمعنا، مع عظيم الأسف، من يعمل - ربما عن غير قصد منه- على زعزعت ثقة الناس في مفعولها السحري، الذي أقرته الشرائع والأعراف، وذلك عبر بعض السلوكيات المجتمعية السلبية، ممثلة في عبارات التيئيس، التي يزخر بها قاموس التعامل المجتمعي عندنا، والتي يرددها،القريب قبل الغريب، على مسامع كل إقترف الإبتسام، فتأسر إرادة التبسم لديه، وتثبط الرغبة فيه عنده، وتقيد تطلعه للبشاشة، وتعمق الإحساس بالضعف على اقترافها، وتجعل منها فعلا مشكوكا في فعاليتها وعواقبها،  عبارات تبدو بسيطة طريفة في ظاهر منطوقها، لكنها خطيرة في تأثيرها على المتلقي، بما تحمله بين طياتها من مدلولات قادر على التسلل، دون استئذان، إلى أعماق المعني بها، فتغير رؤيته لفعل الإبتسام، وتجعله ينظر إلي الإبتسامة نظرة يائسة بائسة، تؤثر سلبا على شخصيته، وتعظم آلامه وأوجاعه،  وتحوله إلة كائن هش منكسر.

فإذا نحن ألقينا نظرة على كيفية تعاطي المجتمع عامة، والأسر والعائلة والوالدين، على وجه الخصوص، مع الإبتسام مع الغير عمة ومع الأطفال خاصة، فإننا ندرك حجم المأساة التي نزرعها بيننا وفي أولادنا عن غير قصد، والتي تشب معهم وتترسخ في مبادئهم وأفكارهم، فتغير نظرتهم للعديد من الثوابت ومن ضمنها نظرتهم للابتسامة ومفعولها، الذي ساهمت ماديات العصر، وعولمة القيم، وتعدد الوسائط، إلى تحويلها إلى نكتة ورمزا للقيم البالية المتجاوزة، وإلى فعل  مشكوك في غاياته..

ومن تلك العبارات، الطريفة والخفيفة، المرهقة والهدامة للنفوس،في نفس الآن، المسؤولة على التغيير الجدري، الذي لحق بمنظومة القيم الإنسانية، والتي كانت وراء كتابتي لهذه المقالة، اسرد بعض مما اتسقر منها في ذاكرتي من عهد الطفولة، رغما عني،  وكادت، أن تجردني من هذه النعمة التي من الله بها على الإنسان، رحمة به .

فكثيرا ما نسمع الرجل الشعبي يقول لمن يجهد نفسه حتى يكون بشوش المحيا، باسم الوجه، الين الكلام، تحببا وتلطفا مع الناس، إيمانا منه بأن الإبتسامة هي الطريق الاقصر الى قلوب الاخرين : تيضجك غير على خلاها،

ثم كثيرا ما نسمع الأخ يقول لأخيه، جهرا أو همسا أذا جاءه مبتسما : آشنو باغي عاود ثاني ؟

كما تقول الأم لإبنها إذا هو أبتسم لها: آشنو درتي ثاني آآلمسخوط ؟

أما إذا تبسم الإبن لأبيك فيقول له : ماعندي فلوس يا المفلس، فين الي عطيتك البارح؟

وحين  يبسم أحدهم للغريب فيقول له : واش كتعرفني؟

وإذا أنت تبسمت تأدبا أو مجاملة لأنثى، فيتهمك بالتحرش وقلة الأدب وتقول لك : غير خلي صحكتك عندك، راكم عيقتو!! 

وإذا تبسمت لمسؤول في ادارة ما، فينهرك قائلا : خلي الضحك را الإدارة وقبط الصف !!

وإذا حدث وأوقفك شرطي مرور، وتبسمت في وجهه تأدبا، فيواجهك بقوله : عطيني لوراق وما تضحك لي ما نضحك ليك !!

أما إذا كنت دائم الإبتسامة فتسمع من يقول عنك، ضاحك على خلاها !!

أما إذا اعترتك لحظة سعادة في مجتمعك البائس البئيس، وتبسمت لنفسك، تعبيرا عن متعة، أو سعادة، أو تعجب، فستسمع من يقول عنك : مسكين "أهبيل" تيضحك غير بوحدو !!

ما جعلنا نقتنع أننا في الشعب لا يستحسن الإبتسامة إلا بعد الموت فيقول؟ سبحان الله مات وهو مبتسم !!

الرحمه يا بشر، كفوا عن مثل هذه السلوكات السلبية، والعبارات المحبطة، رغم طرافتها، واعلموا أن الابتسامة واجب اجتماعي ودرب من دروب المناعة النفسية ..

 

حميد طولست 

 

في المثقف اليوم