أقلام ثقافية

المثقف العربي بين الواجب والواقع

nabil ahmadalamirتوجد في كل مجتمع شريحة اجتماعية متمييزة عن باقي شرائح المجتمع، تكون مؤهلة للتأثير في ذلك المجتمع سلباً وايجاباً وقد تأخذ بعضها مواقع ريادية في رسم هوية وشخصية ذلك المجتمع بشكل جماعي .

وفي المقابل تتحمل هذه الشريحة مسؤلية كبيرة في تحديد اتجاه تكامل هذا المجتمع نحو الرشد والنضوج في جميع مجالات حياته من خلال بث الوعي داخل صفوفه وممارسة النقد البناء والايجابي للافكار والثقافات الاجتماعية والسياسية وغيرها، وتبني قضاياه وتحديد اولوياته .

وهؤلاء النخبة هم من يُعرفون في اوساط مجتمعاتهم بــ (المثقفين) .

وفي اغلب مجتمعاتنا العربية والاسلامية تعيش هذه النخب حالة من الانعزال والانكماش والتقوقع من خلال شعورها بالتهميش والتغييب والالغاء، وعدم الاهتمام والتفاعل من باقي شرائح المجتمع، مما يعطلها ولا يفسح لها المجال للقيام بمهامها الملقات على عاتقها .

وفي المقابل تكثر الشكوى من ابناء مجتمعاتها من غيابها وعدم تفاعلها واللامبالاة التي تعيشها هذه النخب بانكفافها على ذاتها واهتمامها بشأنها الداخلي وتخليها وتماسكها ونظرتها الفوقية التي تفوت عليها دورها الحقيقي في الوسط الاجتماعي . بل ان الكثير من ابناء المجتمع يتهم هذه النخب بالانحراف (الفكري) وتبني افكار وعقائد فاسدة .

ونحن ما بين شكوى المثقف وما يقابلها لدينا حقيقة ثابتة على ارض الواقع وهي قيام أغلب الحكومات العربية والإسلامية بتعطيل هذه الشريحة المهمة عن القيام بمهامها وتبوء موقعها الريادي في داخل مجتمعاتها سواء كان ذلك ناتج عن غيابها خوفاً او تغييبها قصراً .

ولكن بقدر ما تمثله هذه النتيجة من حقيقة في الواقع العملي الا انها وفي بعض جوانبها تحتاج الى بيان وتوضيح لكشف بعض الملابسات غير الواقعية التي احاطت بها سواء كانت من جانب المثقف او المجتمع او الحكومات وأصحاب القرار .

غير ان العنصر الاهم في غربة المثقف هو المكونات الثقافية التي تغير ثقافة الافراد، فما يحمله المثقف من ثقافة عالية تجعله يشعر بالغربة الحقيقية لانها تتعارض في أغلب الاحيان مع الواقع الاجتماعي الذي يعيشه، فللمثقف رؤية وقراءة مجتمعية لايستطيع الجميع قرائتها مثله، وعندما نغوص في عمق الازمة نجد ان غربة المثقف هي تجليات لمرجعية ثقافية مهزوزة قد يتبعها البعض، فالمثقف العربي الإسلامي لم يفرغ لحد الان من تشكيل مرجعيته الثقافية بصورة واضحة وصريحة والتي في ضوئها ينبغي له ان يمارس نشاطه في دائرة الواقع، فالمرجعية الثقافية ينبغي ان تُبنى على اساس صحيح، وتتكون من مقولات وأفعال تعكس رؤية حقيقية للقيم والمبادئ المجتمعية والدينية، وتشخيص حدود الهوية الثقافية .

اما الجانب الاخر من المعادلة وهو المجتمع فلابد له من فسح المجال للمثقف من القيام بدوره المطلوب من خلال التخلّي بقدر الامكان عن ثقافة الرفض التي توجد حياته الثقافية، حيث لازال المجتمع ينظر ان سعي المثقف في طرح أفكاره في كتاباته ولقائاته للوصول لحالة الكمال النموذجية، ماهي إلاّ خطوات مدفوعة الثمن من ذاك السياسي او تلك الحكومة .. خصوصاً أننا نجد إن أغلب المجتمعات العربية والإسلامية تعتبر ان سلطاتها الحاكمة هي سلطات غير سرعية لانها لاتمثل العدالة الاجتماعية في مجتمعاتها، لكن تبقى الثقافة الحقيقية ثقافة لا تُباع ولا تُشترى، رغم وجود بعض المتملقين من أشباه المثقفين للتربّح من إمكاناتهم لصالح آخرين .

وهنا اود أن اُسجّل ان المثقف ليس بالضرورة ان يكون اكاديمي، كما ينظر المجتمع لهذه الثنائية اليوم .. رغم انه يمكن ان نقترب اكثر من هذه الفكرة عندما نقول ان حملت الشهادات الاكاديمية هم اكثر من غيرهم مؤهلين (لما يحملون من مستوى علمي في مجال اختصاصاتهم) لان ينتموا لهذه الشريحة الاجتماعية المميزة، ولكن المثقف وكما يصفه احد الباحثين هو من توفرت لديه ثلاث عناصر رئيسية وهي (المعرفة) و (الوعي) و(الموقف)، في منظومته الثقافية والإجتماعية .

كما ان الثقافة لا ترتبط بتخصص معين يجب عليك دراسته ومعرفته لتصبح مثقفا .

ولتصبح مثقفا عليك أن تكون قادرا على التناقش والتحاور في كل جوانب الحياة المختلفة، كما يجب أن تكون مرناً واسع الصدر والعقل لتستطيع التواصل مع الناس باختلاف أنواعهم وطباعهم، وقدرة التحاور سعة الصدر والعقل لايرتبط بمستوى تعليمي معين ودرجة جامعية محددة، فالكثير ممن يحملون الدرجات لايستطيعون التواصل والتحاور مع الآخرين والعكس صحيح أيضاً .

فالإنسان المثقف هو الانسان الذي خضع لعملية ما ساهمت في تعزيز قدرته العقلية على العمل بفعالية في حالات مألوفة وجديدة في الحياة الشخصية والفكرية . ومن أجل العمل بفعالية في مثل هذه الحالات يحتاج المرء للحصول على معلومات عامة (المعرفة)، وقدرات تفكير عامة، خصوصاً المعلومات المعنية ببناء المعرفة ونقد المعرفة، وقدرات لغوية عامة لازمة للاتصال بشكل واضح ودقيق، وفعال للأغراض المعرفية، والقدرة على التعلم المستقل، بما في ذلك القدرة على الانخراط في وسائل عقلانية للتحقيق، وقبل كل شيء الارادة العقلية التي تحقق كل ماذكر من قبل .

فكلمة الثقافة كثيراً ما تتطرق على أذهاننا ولكن لم نحدد معناها الأصلي، فهي كلمة لاتينية تعني زراعة الأرض، وفي اللغة العربية تعني التمكن من إدراك كافة العلوم المختلفة في مختلف جوانب الحياة . وبعد استعراض مفهوم الثقافة ومفهوم الشخص المثقف ربما نجد أن الأمر صعبا ليكون الانسان مثقفاً، لكن متابعة أحداث العالم وثقافاته وتحليلات المختصين في كل الإختصاصات، تجعل عقلك أكثر مرونة واتساعا لما يحدث وتصبح أكثر قدرة على التواصل والتحاور مع الآخرين في الكثير من الأمور، كما ان حضور الندوات والمؤتمرات المختلفة يزيد من ثقافة الفرد، ويفضل أن تنوّع من الندوات وأن تتضمن الندوات مختلف أمور الحياة لكي تكتسب معلومات مختلفة بشكل سهل وبسيط، كما ان استخدام التكنولوجيا الحديثة (الانترنت) بشكل مفيد يمكن ان يعطي الباحث معلومات كثيرة وكبيرة وقيّمة دون تعب كبير، حيث  البحث عن مواقع مفيدة في مختلف الأمور .

لكن يبقى التواصل مع الناس والدخول الى عقولهم ومناقشة أفكارهم ومساعدتهم على تطوريها هو المحك الحقيقي للمثقف الذي يسعى لرقي مجتمعه، فالسؤال عن كل شيئ ومحاولة فهم كل شيئ هو المفتاح الحقيقي لفتح باب الثقافة بالمجتمع، لمعرفه قيمة المعلومة وتصنيفها بين التافه والمهم .

وللموضوع بقية . . .

والله من وراء القصد .

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم