أقلام ثقافية

أقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي

إلى الشاعرة الأردنية جنوب بنت طريف ..

(بقنعتها السوداء، وعرنينها الأشم، وعطرها البدوي . وأحزن لها، وأشجن، إذ حرمت الكتابة، وظلت تحفر أخاديد حروفها الجميلة على رمال وادي عربة، وصدى همهمات أماعزها، ونفح قهوتها، في انتظار حرية خبأتها جنوب الصوائف، ودبور الشواتي).

يمتد الطريق طويلا، وعلى جانبيه تنفرش حصى صغيرة سوداء، تبتلع ما تشاء من أشعة الشمس، وتعكس ما تبقى خيوطا ذهبية تدخل بلا استئذان. يمسح رفيقي جبهته بطرف هدب شماغه، "أقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي .. يا مهدبات الهدب غنن على وصفي .."، يستعيد بعض روحه، بعض شقاوة الصحراء، وصمتها، وحزنها . ويدندن بصوت شجي " ان صار الطخ طرخ طرخ ... الذيب ما يصل الشلية " .

- كم بقي من الوقت؟ ويضحك .

- ما تبقى من العمر !!

ويرفع عقيرته "قوموا العبوا يا شباب، والموت ما عنه، والعمر شبه القمر، ما ينشبع منه " .

تتهادى المرسيدس قريبا من الخيمة، ينسل طيف ثالثنا، يعدل وضع نظارته الطبية. تتعلق عيناه بنا، ويطلق ابتسامة عريضة . أمس على مشارف عمان، كان يضع قدميه في قلب الحداثة، وما بعدها، ويصرخ: أما آن للمجتمع البدوي أن يغوص في مقلاتها، جميل أن تتزاوج الصحراء مع الحداثة فتنتج طبقة حاكمة تعيد للإنسان بعض اعتباره، وللوطن كرامته . ويهدج صوته : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

تخلع الشمس ثوبها، فارعة بدوية. مطوي حشاها، ملتف فخداها، ناهد صدرها. تنحدر مشتاقة إلى ليلة دافئة ..تطول الليلة، وتشتعل نار الغضا .

من وراء الأفق البعيد، المكتظ بالعتمة، والترقب، والمجهول يرتفع العواء، يتوحد الجميع مع قداسة الصحراء، ونبلها، وينفلت شعور غامر بالحنين والظمأ. تستيقظ قداسة الحياة والغضا، وينطلق النداء راسخا:

ياذيب وش عواك جوف الذيابه :: قصدك ظما ولا سبب جوع ياذيب ياذيب ياللي جر صوت عوا به. :: اقرب لنا وتلقى جميع المطاليب يا ذيب لا تقهرك. عنا المهابه :: يامجــفل الغزلان حنا المــعازيب

تدور "فناجين" القهوة، معتقة ساخنة، عربية اصيلة، ترقص الروح نشوانة بالنصر، وتحفل بمقدم الغائبين، وحدها جنوب يتردد صدى صوتها:

"يحرم علي أبدلك بالغير

ريحة هلي منك يا وجه الخير

بالله لو رحت المسايا طير

مسي عليهم، طالت الفرقة

مسي عليهم، طالت الفرقة"

وحدها جنوب يملؤها الغياب والفقد .. ويضيع الصدى..

 

منصور ضيف الله / الأردن

 

في المثقف اليوم