أقلام ثقافية

محرقة الأموات ورائحة الحياة

akeel alabodفضاء مفتوح من الخضرة الممتدة ترتمي أجزاؤها عند أركان بقعة يصعب تحديد إطرافها بسهولة تامة. قصاصات صغيرة من قماش الألوان مسندة بأسلاك وأعواد نحيفة تكاد ان تكون على شاكلة الاعلام، تلك التي يحملها مراقبو كرة القدم اثناء السباق.

هي نفسها علامات تنتشر عند بساط ذلك الامتداد المترامي من الصفاء، لكأنها خارطة تم اعدادها بحسب قوافل الحروف الأبجدية، لتحكي للزائرين قصصا تحتاج أحداثها الى تدوين.

وهنالك ايضا مع انبساطها المتموج، معاني البلد الذي نحن فيه، طقوس عائمة تحمل بين طياتها تقاليد تتعلق بعض مشاهدها بكيانات ثقافات قديمة -احراق الموتى موضوعة تمتد جذورها الى ازمنة قديمة. 

مساحات تحت تجاويفها ذرات غير مرئية. تراب من أعمق أنحاء الارض يتنفس من نسيج التربة أقحوان الحياة.

التركيب الضوئي عملية تعانق ارصفة ماض انقطع حاضره عن اداء نشاطه الفيزيائي، فتحول الى جزيئات قابلة عناصرها للتفاعل.

المستقبل لحظة يغادر تابوتها غرفة الانعاش، جسد تجتمع في  مكوناته شروط زجاجة يتسع رمادها لاحتواء تلك الكتلة الكثيفة من فيزياء كائن، رماده الان مثل انية، صحونها تشبه تجويف فرن اصم من أفران مصانع صهر الفولاذ.  

الانسان حقيقته تلك البقايا المتطايرة من الألوان الداكنة، يجمعها الأخضر، والأحمر، والازرق، والأصفر، تلك التي ما انفكت مع أديم هذه الخصوبة التي (من) بفتح الميم يطل على أحشائها، يشعر ان هنالك كينونة نصابها ما زال تجمعه اروقة الطيف الشمسي.

هنالك وانت بجوار هذه الخصوبة، ثمة زجاجات مدفونة، اجساد في داخلها ارواح تطايرت صورها اللامتناهية، بينما كثافاتها المتناهية  بفعل تلك الحزم الخارقة من النيران، استعادت كياناتها المادية وفقا لمعايير كبرياء يصعب تصوره.

لذلك من جديد تحولت هذه الكيانات الى هذه الأكمام من الرماد.

هي نفسها تلك التي  ذات ازمنة مضت، روح الحياة عبر شرنقاتها تنفست، ومن ذراتها ايضا بعد حين، اشتاق الجسد هذا الذي عاد معانقا انطباعه الآدمي الى كينونته الاولى، ملتصقا برحم هذا النسيج الذي من أعمق أنحائه تنبت الارض.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

في المثقف اليوم