أقلام ثقافية

الوجودية

ربما لم يشهد التاريخ فلسفة أقامت الدنيا رأسا على عقب كما فعلت هذه الفلسفه التي لا تزال حتى يومنا هذا تحتل مساحة هائلة من الدراسات والكتابات والابحاث  وأيضا الاتهامات والانتقادات والثورات الفكريه.

وسر هذه الاهمية التي يوليها العالم للوجوديه : انها تيار فلسفي يميل الى الحريه التامه في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الانسان، وانه صاحب تفكير وحريه وارادة واختيار ولا يحتاج الى موجه، وتركيزها على ان الانسان كفرد يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته ومن ثم مسئول عن أفعاله الحرة

ترجع جذور المذهب الوجودي الى الفيلسوف الدانمركي (سورين كيركيجارد) وقد طور آراءه وتعمق فيها الفيلسوفان الالمانيان (مارتن هيدجر، وكارل ياسبرز)

وقد اكد هؤلاء الفلاسفة ان فلسفتهم ليست تجريديه عقليه،بل هي دراسة ظواهر الوجود المتحقق في الموجودات.

والفكر الوجودي لدى كير كيجارد عميق التدين،ولكن هذا الفكر تحول الى فكر ملحد إلحادا صريحا لدى الفرنسي (جان بول سارتر) واخرين.

واهم الافكار الوجوديه،التي يدور كل شيء في فلكها عند الوجوديين هي (الوجود السابق للماهية)،اي انه يصنع نفسه بحرية لا محدوده، وتنظر الى الشخصية الانسانيه كأنها لوحة فارغة عند بداية الحياة،اي انها تكون لوحة بيضاء مع ولادة الانسان،وصاحبها رسامها او فنانها الذي يقوم برسمها تدريجيا  ووضع ألوانه ولمساته طيلة مراحل حياته.

ولفهم معنى الوجوديه كمصطلح،لابد لنا من فهم المعنى الاصطلاحي لكلمتين أساسيتين تعدان الاساس في فهم معنى الوجوديه، وهما (الوجود) (والماهية) .

الوجود وهو تحقق الشي في الذهن او في المنطق،ويقابل عند المدرسين الماهية او الذات،باعتبار أن الماهية هي الطبيعة المعقولة لشيء وان الوجود هو التحقق الفعلي له.والماهية هي مايقوم به الشي او هي ما يميز الشيء عن غيره من الاشياء.

والماهية البشرية هي ما يميز الانسان عن غيره حق الموجودات.

وعلى الرغم من ذلك فإنه يوجد في تاريخ الفلسفة الطويل تقديم الماهية على الوجود كما هو حاصل في نظرية المثل لافلاطون،وبعده ديكارت،الذي اثبت الوجود عن طريق الفكر.

وهكذا انتقلت الوجودية بالانسان من درجة البهيمية الى درجة التأله، بل جمعت له بينهما،وأصبح الانسان في وصفهم واجب الوجود قديما،متعاليا.

وتنفر الوجوديه من المذهب والمذهبيه، وتقتصر على وصف الظواهر النفسية.مع ملاحظة ان فهم فلسفة سارتر يستلزم دراية بفلسفة هيدجر وكير كيجارد.

وقد شاع بين بعض الناس ان كل الوجوديين ملحدين،وهذا غير صحيح،فسارتر وهيدجر وامثالهم ما تغلب عليهم الصبغة الالحاديه، ولكن غيرهم من الوجوديين يؤمنون بالله، مثل الفيلسوف الدنماركي الشهير كيركيجارد والفرنسي جابرييل مارسيل.

وقد تسربت الوجوديه الى كل المجتمعات، وانتشرت وراجت وسط العامه، حتى تحولت الى حقول الادب والفن،وامتزجت بالرواية والمسرحية لانها وجدت فيهما الوسيلة المثلى لتحليل واقع الانسان والكشف عما يحدق به من التحديات . كما ان كثير من الادباء ساروا وفق النهج الوجودي في رسم رؤاهم وشخصياتهم  وكان من ابرز ادبائه فيودور دوستويفسكي الذي غاص في اعماق النفس البشريه وقد حلل بطريقة ذكية اهم الاسئلة الفلسفية الكبرى التي تتحدث عن الايمان والغفران والاخلاق والاخلاص.

وجان بول سارتر الذي ترك عددا كبيرا من القصص والروايات والمسرحيات مثل (الايدي القذرة،وموتى بلا قيود،والدوامة،والذباب)

ومن الادباء الوجوديين ايضا (البير كامو) الذي كان يدعى فيلسوف العبث ومن مسرحياته(سوء تفاهم،والعادلون،والحصار ) وفي رواياته (الطاعون والموت السعيد)

ومنهم تلميذت سارتر (سيمون دي بو فوار، و ت. س. إيليوت) واخرين.

وغنتها الفرنسية (كوليت جريكو) فوصل غناؤها الصحاري والغابات في العالم

 

احمد حامد

 

في المثقف اليوم