أقلام ثقافية

ليليا ماياكوفسكي وشقيقتها الزا اراغون

diaa nafie2ليليا (او ليلي حسب بعض المصادر العربية) وشقيقتها الزا - روسيتان دخل اسمهما في تاريخ الادب الروسي وتاريخ الادب الفرنسي في القرن العشرين، الاولى ( ليليا بريك 1891 - 1978 ) حبيبة الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي، والثانية شقيقتها الصغرى (الزا تريوليه 1896 - 1970) زوجة الشاعر الفرنسي لوي اراغون.

تناولت المصادر العربية هذا الموضوع هنا وهناك ولكن بشكل غير واسع وغير معمق وغير شامل ايضا، ولعل أبرز من كتب حول ذلك هو الكاتب المصري عماد ابو صالح، الذي نشر مقالة شغلت خمس صفحات باكملها في مجلة (الفيصل) السعودية المعروفة، والتي جاءت بعنوان – (ليلي بريك من عشيقة ماياكوفسكي الى عميلة في الشرطة السّرية)، وقد ذكر الكاتب في تلك المقالة معلومات تفصيلية كثيرة عن حياة ليلي وسيرتها الشخصية قبل كل شئ وطبيعة علاقاتها مع ماياكوفسكي ومع رجال آخرين، وعدا ذلك، فان الكاتب ركّز ايضا في مقالته تلك على الموقف السياسي لبريك وزوجها، وأشار الى انها كانت عميلة للسلطة السوفيتية آنذاك (كما هو واضح حتى من عنوان تلك المقالة المثير)، بل انه ذكر ان بعض الادباء الروس الكبار (مثل يسنين وأخماتوفا) كتبوا على باب شقتها كلمات مضادة لها تشجب تعاونها مع الشرطة السوفيتية السرية، لكن الكاتب لم يكتب، بل حتى لم يشر بشكل مباشر او غير مباشر الى المصدر الذي اعتمده بشأن كل هذه المعلومات الخطيرة والغريبة والفنتازية اصلا بالنسبة للوضع السوفيتي المتشدد جدا في موسكو، والذي كان سائدا في عشرينات القرن العشرين آنذاك بعد ثورة اكتوبر 1917 كما هو معروف .

لم تتوقف المصادر العربية كافة عند تأثير هاتين الشقيقتين على ابداع ماياكوفسكي وأراغون، او الى التفاعل الحيوي الكبير لهما مع تلك القصائد المهمة في تراث الشاعرين الكبيرين، وهو موضوع يقتضي التعمق في دراسة ابداع ماياكوفسكي واراغون طبعا، واذا كان اراغون قد أبقى لنا دواوين وقصائد ترتبط باسم الزا (مثل عيون الزا او مجنون الزا )، فان الامر أصعب بالنسبة لماياكوفسكي . المصادر العربية ركّزت على العلاقات العاطفية الشخصية بين هؤلاء بالدرجة الاولى، اذ نظرت ب (عيون شرقية جدا !!!) الى الموضوع (والحليم تكفيه الاشارة !)، وبالغت فيه، وأضافت اليه طبعا ( كثيرا من التوابل !!!)، ولم تأخذ تلك المصادر بنظر الاعتبار بتاتا انهم ابناء مجتمع آخر يختلف اخلاقيا – وبشكل جذري – عن الاخلاقيات السائدة في مجتمعاتنا، ولم يخطر في بال هؤلاء الذين كتبوا حول ليليا وشقيقتها الزا اسئلة من قبيل – (كيف استطاعت امرأة روسية ان تصل الى باريس وتتزوج من شاعر فرنسي كبير مثل اراغون، وان تتحول هي نفسها بعدئذ الى اديبة فرنسية يشار اليها بالبنان كما يقول تعبيرنا الشهير، وان تكتب نتاجات بلغة فرنسية شفافة؟)، او – (لماذا كتب شاعر فرنسي بمستوى أراغون تلك الدواوين والقصائد المليئة بالعواطف والاحاسيس الجيّاشة حول هذه المرأة بالذات، والتي لازال القراء وفي كل انحاء العالم يطالعونها بكل حب وتعاطف ولهفة؟؟)، او - (كيف استطاعت امرأة روسية ان تكرس حياتها في موسكو بعد انتحار ماياكوفسكي لمسألة حفظ تراث الشاعر هذا من الضياع، والاشراف على متابعة طبع نتاجاته، وكيف كتبت بشجاعة وثقة الى ستالين نفسه - وفي تلك السنوات العجاف - حول عرقلة البيروقراطية الروسية لخططها بشـأن هذا الموضوع، وكيف تعاطف ستالين معها فعلا ؟؟؟)، او - (لماذا كتب ماياكوفسكي اسمها في وصيته قبل ان ينتحر، طالبا من الدولة ان تعتبرها ضمن افراد عائلته؟؟؟).....وهناك الكثير من المواضيع، التي ترتبط باسم هاتين الشقيقتين في تاريخ الادبين الروسي والفرنسي، والتي تقتضي البحث والتأمل والتقصي من قبل باحثينا .

موضوع ليليا وشقيقتها الزا ينتظر الباحثين العرب وموضوعيتهم.   

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم