أقلام ثقافية
الكاتب ومجابهة الحياة
كثيراً ما يُقارع الكاتب أو المفكّر عناصر الحياة، وهو في حالة صراع وجدانيّ مستمرّ بينه وبين العناصر الوجوديّة المستديمة في حياة هذا العالم. يرى العالم من بريق آخر ويقف عند واجهة تطلّ على كُلّ موجودات الكون الخلقيّة، فيمتدّ بصره وبصيرته ويخترقُ الكثير من تفاصيل الموجودات فيكوّن عالمه الخاص الّذي يحيا لأجله .. يحوّل همومه وأحزانه إلى جرعات متقطّعة يدمجها بمادّة اُخرى فيجعلها مهجّنة كي يستسيغها القارئ ويُرحّب بها ...
هذه الصّناعات تتمّ داخل كينونة الكاتب وتؤثّر فيه ويؤثّر بها. إنّ سلسلة العمليّات الّتي تحصل للكاتب هي سلسلة تتدخّل بصورة مباشرة بأيدلوجيّته وتوجّهاته. كُلّ ما يشعر به ويلامسه يُلقيه كمادة وجب التّفاعل معها كي تكتسي بروح الفائدة الّتي وجدت من أجلها ..
دائما ما تُعبّر المادّة عن حالة كاتبها ومن خلال المتابعة وجدت أنّ الحزن الّذي يُرافق النّصّ غالباً ما يُلامس الأرواح الشّفّافة الرّقيقة المائلة لجانب الاستقامة الروحيّة ..
العالم مليءٌ بالحزن والقلوب مُحمّلة بأنواع الأماني والتّوقعات. ولصوص الأرواح في كلّ مكان فإن مالت الأرواح لسارقيها فترة فلا بُد من أن تعود لأصلها المتُجذّر فيه طعم الاستقامة ومحبّة الحقّ ... إنّها الفطرة والنّشأة الأوّليّة في عالم الذرّ. هي من تعيد الرّوح لما تهفو إليه وتتعطّشه باستمرار ...
لذا فمن واجب الكاتب ونصّه الأدبيّ أن يكونا منجماً مُزيّناً بماسات باهرة كي تجتذبُ القلوب الوالهة وشهداً مُطعمّاً بيراع الحكمة كي تستظلّها أرواح جائعةً لفضائلٍ تَخُصّها، ولم تجدها ناضجةً على مائدتها بسبب موجات البؤس الّتي اجتاحت العالم وانتصرت لكثرة مُقتنصيها .
لم ولن أجِد سِلاحاً للمواجهة أقوى من سلاح القلم ولن أجد موجوداً أكثر شاعريّة وروحاً من الكاتب الحق الّذي يُنمّي عظاماً ويُرممّ أرواحاً ويخلقُ فضائل ويهزّ كياناً ويُرشد هدفاً ويعنو إيماناً ويُسيّرُ دروباً للحقّ ويدعو بعنوان التّقوى. فانّها الكنز الّذي وجب للأعناق أن تشرأب لها ووجب للقلوب أن تطهّر لأجلها .
الموجود الحيّ يبقى حيّاً وإن كَثُر مُعتنقيه وأساءوا إليه فهو يحيا بأحقّية من تناوله من جانبه القويم ودعا لسبيله الرّشيد .. أبجدّية اللّغة وفخامتها لم تُعطِ وهجها وأريجها إلّا أن وظّفت بأيدٍ غنّيةٍ فتغنّت بها. وأوثقتها وصالاً قُدسياً باهراً وحبكتها بخيوط الرصّانة الخُلقية. كي تُعطّي أدبّيتها وتُنعش الحِجا سلسبيلاً صافياً كنبعٍ مُتفجرٍ من صخر
بقلم سجى الجزائري