أقلام ثقافية

مجنون بثينة.. أسطورة الحب العذري الخالدة

محمد فتحي عبدالعالبثينة تلك المرأة الفاتنة الّتي استولتْ على قلبِ جميل الفارس الشّاعر من قبيلة عذرة ,هي امرأةٌ اسمٌ ينطبقُ على المسمى لأنّ بثينة هي رمزٌ للمرأةِ العفيفة الرّقيقة الصّابرة والحنونة ولا بدّ أن نذكر الجمالَ حيثُ قالَ جميل :

هي البدرُ حُسناً والنساءُ كواكبٌ وشتّانَ ما بينَ الكواكبِ والبدرِ .

لو سألَ سائلٌ عن جميل بن معمر العذري لوجدتَ الجوابَ يحتاجُ إلى زمنٍ . أما من يسألُ عن جميل بثينة سيقفزُ الجوابُ إلى اللسانِ ناطقاً هو الشّاعر الّذي أحبّ تلك الفتاة السّليطةِ اللسانِ , والّتي لا تسكتُ على الضيمِ لبيبة فهّامة

أحبّها جميل رغم سبابها ورغمَ قساوة الموقف فبعد هذه المَسَبَّة تظهرُ المحبّة . هو الكلام المهين الجارح يشعلُ جذوة الحبّ ليجد لها الأعذارَ .

وأولُ ما قادَ المودةَ بيننا

بوادي بغيض يابثين سبابُ

فقلنا لها قولاً فجاءتْ بمثلهِ

لكلّ كلامٍ يا بثين جوابُ

ويشتد الهيام بينهما فيلتقيان وتنسجُ قصة حبّ تستمرُ لمئات السنين . المرأة العربيّة الأصيّلة عُرِفت بالعفةِ ومن المعيبِ أنْ يكتب الشّاعرُ بها شعراً ويذاعُ بينَ الناس وهذا ما كسرَ أيقونةَ اللقاء الّتي كلمّا حاولَ العاشقان اللقاء التهبَ الحبّ في القلوب وتوهجت جذوة نيرانه .وتظهر في الحكاية بثينة متزوجه من رجلٍ آخر وتلتقي بحبيبها وأيّ ألسن تحكي القصص وتنسجُ من ريشة الخيال المكائد وكلام الريبة , هلْ يجتمعُ اثنان إلا والثالث الشّيطان . السلطان مروان بن الحكم هدده بقطعِ لسانهِ

أتاني عن مروانَ بالغيبِ أنّهُ

مُقيدٌ دمي أو قاطعٌ من لسانيا

الدول والسياسات لا تبقى ولكن حبّهما باقٍ ورغم الظنون كتبَ جميل بثينة أجملَ الكلمات وأصدقها في عاطفةٍ جياشةٍ صادقة ملتزماً بمحبوبتهِ بثينة فهي المنى والرجاء .

يا صاحِ عن بعضِ الملامةِ أقصرِ

إنّ المنى للقاءُ أمّ المسورِ

يا ليتني ألقى المنيةَ بغتةً

إنْ كانَ يومُ لقائكم لم يقدرِ

لو تعلمينَ بما أجنُّ من الهوى

لعذرتِ أو لظلمتِ إن لم تعذري

لا تحسبي أنّي هجرتكُ طائعاً

حدثٌ لعمركِ رائعٌ أن تهجري

والله ما للقلبِ من علمٍ بها

غيرُ الظنونِ وغيرُ قولِ المخبرِ

يهواكِ ما عشتُ الفؤادُ فإنْ أمت

يتبع صداي صداكِ بينَ الأقبرِ

هذه الأبيات تجمعُ الكثير من سماتِ الحبّ العذريّ الّذي تزعمهُ جميل من التغني بعذاب الحبّ والرضى من المحبوبةِ بالقليل و رغم فقدان الأمل بالظفر باللقاء بها سيبقى يحبها بعدَ الموت أيّ حبّ يسمو بهذه الروح الّتي تترفعُ عن الغرائز وتكتفي بالرّوح وامتلاكها كم هو جميلٌ هذا الحبّ بجميلِ بثينة . وتبقى النهاية والقبر الّذي هو المنزلُ الأخير رحلَ المحبوب ليترك بثينة في حزنها تنشد

وإن سلوي عن جميل لساعة

من الدّهر ما حانت ولا حان حينها

سواء علينا يا جميل بن معمر

إذا مت بأساء الحياة ولينها .

لعلنا نتعلمُ من قصصِ الحبّ السمو والتّرفع عن الغرائز البهيميّة وعدم ظلمِ المحبين , وكم من نفسٍ ظلمتها المكائد وكلام الناس , ويبقى البعدُ يؤجج نار الشّوق وحرقة الحبّ .

ومن الحب والعشق نرحل الي العلم ونسأل سؤالا طريفا؟ في غالبية قصص الحب نجد الحبيبة هي من تبكي الحبيب ؟ فهل عمر المرأة أطول من الرجل؟!!

الاجابة التقليدية ان المجهود البدني الذي يبذله الرجل في عمله والمسؤوليات التي تقع علي عاتقه فضلا عن ميل الرجل للاساءة الي صحته بالتدخين ..قد تبدو هذه الاجابة مقنعة في الماضي حينما كان الرجل هو عصب العمل والاسرة ولكن اليوم قد تغير الواقع وأصبحت المرأة شريكة للرجل في العمل وفي البناء الاسري ومن السيدات المدخنات الكثير الان..

الاجابة الان ومع الكشوف العلمية صارت مختلفة في اسبابها ولكنها مقررة لحقيقة ان المرأة اطول عمرا من الرجل فالصبغيات او الكروموسومات ضمن كل خلية تكون في شكل ازواج فتحمل المرأة كروموسومين من النوع اكس بينما الرجل يحمل كروموسوما واحدا اكس وكروموسوم اخر هو واي ..

يوجد علي الكروموسوم اكس العديد من الموروثات التي تدير كثير من الوظائف في اجزاء عديدة من الجسم ولان المرأة لديها نسختين من كروموسوم اكس فلو حدث في احداها تلف فأن النسخة الثانية تكفي في تغطية النقص مما يقيها من الامراض وقد تكون حاملة للمرض ولكن دون اعراض مرضية ظاهرة ..العكس في الرجل فلو حدث تلف في كروموسوم اكس لديه فلا يوجد لديه نسخه اخري فيصاب بالمرض .

ثمة اسباب اخري ومنها ان هرمون الذكورة في الرجل التستوسترون يعزز من خطر سرطان البروستاتا كما يؤدي الي ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين في مراحل متقدمة من العمر اما لو نظرنا للمرأة فالهرمون الانثوي الاستروجين هو اكسير الحياة لها فهو مضاد للتأكسد يزيل المواد الكيميائية السامة التي تسبب اجهاد الخلايا ...

كون الرجال اكثر طولا من النساء في حالات كثيرة هو من سوء طالع الرجال فالخلايا تتزايد في اجسادهم الطويلة مما يعني تعرضهم لطفرات ضارة اكثر بالمقارنة بالنساء كما يؤدي الطول الي حرق طاقة اكبر لذلك فالرجال هم الاكثر عرضة للاخطار علي المدي الطويل

 

د. محمد فتحي عبد العال الكاتب والباحث المصري

والاستاذة راغدة شفيق محمود الباحثة السورية في علم اللغة

 

 

في المثقف اليوم