أقلام ثقافية

رؤية حالمة للصداقة

علي المرهج

مكانة الصداقة عندي هي أخوة، تنتمي للقول المأثور "رُبَ أخ لم تلده لك أُمك"، وإن كان في الأخوة بحكم صلة الدم دفاع فطري تقتضيه صلة الدم والتكوين البيلوجي والقبلي عنها، فلا نقبل النيل منه وإن كان في أنفسنا غضاضة أو بُغض لبعض أو كثير من تصرفات أخواننا طبقاً لقاعدة بدوية (آني وأخوي على إبن عمي، وآني وإبن عمي على الغريب).

وفي الصداقة حين الرفض عند بعض من الذين لم يتقنوا الوثوق بالعلاقة و(صدق الصداقة) ممن لا يقبلون النقد إعراض واستهجان، فيشيحون النظر عن كل نقد فيُقابلوه بالتغافل، أو التشكيك بصدق الصداقة بالتغاضي أو بتهوين النقد وتضعيف لقيمته بحكم مرور الزمن والاعتماد على طوي الأحداث في ذاكرة النسيان. فيتأففوا ويتأسفوا لأنهم صادقوا شخصاً كشف عن عُري بعض من مقولاتهم، ليصل بهم التأسف حد الحقد والتحامل أو البُغض لبعضهم البعض، وربما أنا من الذين ينطبق عليَ الوصفين معاً، فأنا بشر يبحث عن مدح ووجود وفعل تأثير في مُحيطه الداخلي والخارجي، فأنا ـ كما أظن ـ ممن أثر في مُحيطه الداخلي، فكان ليَ بعض أو كثير من الحضور والتأثير في مُحيطي الداخلي، في أخوتي وعائلتي، وليَ بعض تأثير في بعض من طلبتي وبعض ممن عملوا معي في الإدارة في مُحيطي الخارجي

بعض الأصدقاء يتواصلون معي بشكل يومي، و بعض منهم بشكل مُتقطع بحسب المُتاح من وسائل الإتصال الاجتماعي، ففي عوالم التواصل الاجتماعي لي أصدقاء كُثر، ولكن في حياتي الواقعية خارج تأثيرات عوالم "الفضاء السيبراني" فليَ أصدقاء يُمكن عدهم، ولمن هو صديق ليَ في عوالم التواصل الاجتماعي تقدير واحترام، ولكن لمن ليَ تواصل معه في عوالم الواقع صلة التواصل الوجداني والعقلاني في التعبير عن التوادد أو التبادل الفكري والحوار في قضايا الثقافة والفلسفة للتثاقف لا التحذلق وفق المنطق (السفسطائي) كما أُشيع عنه في التصورات الإفلاطونية على أنه "منطق مُغالطة"، فإنتصر الإفلاطونيون في جعل السفسطائية خارج التصور التأملي لليقين وجعلوا كل مُناصريها من ذوي التوجه "الأنسني" من الذين يدعمون نسبية الحقيقة خارج البناء الوجودي لها رغم أنهم من بُناتها في عالم الوجود لا الماهية. تحكم في بناء التصور المثالي للصداقة بوصفها من عالم المثال كل الإفلاطونيين ومن لحقهم من اللاهوتيين المؤطرة عقولهم بسياج دوغمائي من الذين غيبوا الواقع وتبنوا اليقين المعرفي والدفاع عنه في ضوء تصورات لهم وفق مثال سبق كامن في الذهن، لا مصداق له في الواقع المُتغير ولا في نسبية الاعتقاد في الدفاع عن تصور تبناه دُعاة اليقين المُطلق في تصورهم لمثال سبق في عالم "المُثل" لا حضور ولا تأثير فيه لتحولات من عاشوا في عوالم (الكهف الإفلاطوني) من الذين ظنوا وتماهوا مع زيف الحقيقة في ظلالها، فصيرنا ضلال تصوراتنا أنها "الحقيقة ذاتها".

فعشنا حروباً مُتتالية، قبلها بعضنا ورفضها من كان له بقية من عقل، ولكن من قَبِلَ بها كان بعضهم أصدقاء أو أساتذة لنا يُنظرون في حُب الوطن ويتفانون في كتابة القصيدة والقصة أو التنظير لحكمة القائد الذي سيرتقي بنا وبالوطن!!، ولكننا فقدنا جزء أو كل من صداقتنا لهم بفعل تباين الرؤية والفهم لقيادة الوطن، ولكن الذي كان والذي حصل أن القائد غاب عن مشهدية "الحرب المُقدسة" وصرنا شعوباً وقبائل نتقاتل فيما بيننا، فضيعنا الوطن من فرط أوهامنا وولائنا لقادة الصدفة، فغاب فعل الصداقة العابر للطائفية بفعل تهويمات "الدوغمائيين" من كلا الطرفين المُتصارعين المُنتمين كل منهم لـ "أيديولوجيا" مٌناقضة، ولكننا كُنَا يوماً ما أصدقاء في المعيشة والتلاقي الحر خارج مُهيمنات السلطة ومُتبنياتها العقائدية "الدوغمائية".

كانت الحرب وما زالت سبيلنا الوحيد، كل على شاكلته، للتعبير عن رغبتنا في الخلاص من القهر والحرمان، ولكن ما أنتجته الحرب هو الفُقدان، فُقداننا لحُريتنا والخلاص من أسر الأيديولوجيا الجاثمة على صدورنا، فلا تجد كوردي، أو سُني، أو شيعي، راض عن حكومات ما بعد صدام، ولكنهم جميعاً يشتركون في (صب الزيت على النار)، فكُنَا رغم دكتاتورية النظام وإستبداده المقيت أصدقاء، عشنا سوية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي سوية في الجامعات والكليات، أصدقاء، ولا زلنا نتواصل في السؤال عن الأحوال والدُعاء لبعضنا بحُسن المآل، لكن للسياسة ولمعارضيهم من المتطرفين (الطائفيين)، سنة كانوا أم شيعة، نجاح في اللعب على عواطف الجمهور، لعب له فعل السحر في تخريب علاقات المحبة والتواشج الاجتماعي المتوارث تاريخياً.

لذلك ينبغي علينا أن ندوس بـ "ببسطال" عسكري لجُندي من جنودنا من الذين سيقوا للحرب عنوة، فكان حصاده الألم والقهر والخديعة، حينما صور له تُجار الحروب من قادة مذاهبنا الطائفيين ودولنا المُتحاربة على أننا نخوض "حروباً مُقدسة" وأن هذه الحروب هي دفاع عن وطن، والوطن ما زال مُرتهناً أمره للأجنبي، ولم تزل الدماء تروم رسم حدوده ولم يكتمل الرسم بالدم!، فلا أروم العيش في وطن كل إنسان فيه بطائفته يحتمي، فما السبيل؟!

وسأخاطب كل من رام زرع حقد طائفي في نفسي لإبن من أبناء وطني بأني لن أكون حصاده الذي يرتجي، وسأدوس على حقد رسمه الزمن في قلبي يوماً لأي إنسان ـ في لحظة ما ربما ـ سعيت لخدمته من أي طائفة كان وعملت على مُساعدته لتجاوز أزمة ما، فأنا لا أرسم الحُلم في أخيلة الحالمين لأقتله، ولا أزرع الخير طمعاً بحصاد، وإن كان مثل هكذا أمر هو من طبيعة التكوين الإنساني ومما لا يخل بها وبخيريتها، فمن يزرع ينتظر يوماً ما ساعة الحصاد، ولكن في عمل الخدمة في موقعك كتدريسي أو كموظف حكومي ينبغي أن يكون فعلك هذا من مُتطلبات عملك، ولا يهمك في حال تقديم ما هو صالح في العمل التدريسي أو عمل الوظيفة أن تُجازى منه بالمديح وذكر الأثر، فهو واجب تقوم به إقتضته طبيعة عملك ووفائك لها لا للآخرين، وإن كان الوفاء والصدق في العمل سينعكس إيجاباً على المُستفيد منه، ولكنه في الأصل ينبغي أن يكون سجية وطبع في عمل العالِم في مُختبره، والعامل في معمله أو محل عمله، وكل كاسب في مصدر رزقه.

سأعلم نفسي وأُدربها على أن تُحب من أساء لها، ففي وطني ما يكفي من الكُره، ولكني سأسعى بقدر المُستطاع لزرع زهرة في ضفاف نهريه اللذان أوشكا على النضوب.

أظن أن في نفس من يُسيء أو رام الإساءة بعض من نقاء لم يكتشفه هو، لأنه لم يُعط لنفسه برهة من تأمل في الغور في أعماقه ليكشف عن الخير الكامن فيها، فهو إنسان، ومن عادة الإنسان أنه يبني تصورات له من عالم الحس أو من عالم التخيل أو المثال، ولربما يكون في جُل هذه العوالم ما يخدع "النفس اللوامة" بعبارة الغزالي، وإن كان الكثير من المفكرين المسلمين يرون بأن "النفس اللوامة" هي النفس الكثيرة الاستغفار، لكنني لا أرى فيها "النفس اللوامة" إلّا أنها نفس "أمارة بالسوء" أو أنها النفس التي حينما تُكثر الإحسان لها تُزيد في كرهك وبُغضك، لأنها تعود لذاتها، وتاريخا المُختزن بالحقد والكراهية لكل تفوق لمُناظر لها في الحضور، وإن أبدى من حسنت نيته وتقبل بعض لؤمها لكثر ما في نفسه من خير.

ولا أدعوك صديقي القارئ أن تقارن سماحة نفسك بلؤمها، فعندك أمثلة وعندي مئات مثلها، فلا تستغرب لؤمها حين يُقابلك صاحبها بلؤم أشد وحقد لا يُحد، فمن فرط إحسانك له سيُبدي مُبغضك تفريط بك وتعبير عن حقد ضامر في نفسه لكُثر ما تُبديه له من إحسان، فليس من عادته ومن عادة أمثاله أن يُبادل الإحسان بالإحسان لشدة ما تربى ودربَ نفسه على حقد كل من أحسن إليه، إنها "النفس اللوامة" التي تنتعش حياتها ويتصَير وجودها في الحقد على "الكريم" لكثرة ما تعودت عليه من كراهية لنجاح القريبين منها، "فإذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا" كما يقول المُتنبي.

كم عرفت أنا وعرفتم أنتم أخوتي من مثل هؤلاء من وضيعي النفس من الذين يُتقنون التملق والتحذلق في إختيار عبارات المدح ومسح الأكتاف والتمسكن لك ولغيرك حينما تكون أو يكون مسؤولاً أو صاحب منصب، في كل يوم على حال، مُتقلب نمام، نهم أشِر، اليوم معك، تجده غداً أو بعدة برهة مع مُبغض لك يندب حظه لأنه تعرف عليك على قاعدة " أُعلمه الرماية كل يوم، فلما إشتد ساعده رماني".، فلا تخدع نفسك يوماً فتحسب أن مثل هؤلاء يُمكن أن يعرف معنى الصداقة.

ولكن لا تبتأس صديقي، فلربما فينا بعض مما فيه من عيوب، يراها الآخرون فينا، فإبحث له عن عذر وكأنك تبحث لنفسك عن عُذر لذنب إرتكبيته بحق أخ أو صديق أو قريب، فالإنسان كائن خطاء، لذلك قال السيد المسيح (ع) "من منكم بلا خطيئة فليرمها بلا حجر".

ولكن حينما تبحث له عن عُذر، فلسماحة فيك، إلّا إنني أوصيك الحذر منه وتجنب صداقته.

والعتاب بين الأصدقاء حينما يكون محبة وشوقاَ فما ألذه، فلا يكون الصديق صديقاً إلَا بشوقة إليك وبتغاضيك عن بعض من زلاته، فلربما فيك زلّات أمّرُ من زلّاته، ولكنه لم يكن يوماً مُعتاباً لك، وقد ذكر التوحيدي في كتابه "الصداقة والصديق" قول الشاعر:

إذا أتت من صاحب لك زلةٌ فكُن أنت مُحتالاً لزلته عُذرا

فكم من صديق خانه التصرف، فزلَ في تصرفه ولم يُبق من محاسن فعلك معه بعض حُسن الفضل والذكرى، ولكن تذكر أنه لك معه سيرة محبة وقلل من مُعاتبته كما يقول (بشار بن بُرد) فـ:

إذا كُنت في كل الأمور مُعاتباً...صديقك لم تلق الذي لا تُعاتبه

فطباع الناس خلطة عجيبة من أخلاق حميدة إفلاطونية بأجلى صورها، وهم ذاتهم ستجدهم بأخلاق لا أقول مذمومة، ولكنها أخلاق طبيعية، نسبية، تتغير وفق تغيرات الواقع والمصلحة الفرادية أو الجماعية، وإن كُنت ممن تظن نفسك ممن نقى الله نفسك بحميد الخُلق ومثاله المُفارق وأنك من الأولياء والصديقين الذين لا عيش لهم في دُنيا واقعنا في صراعه المحموم نحو إثبات الذات، فتنحى جانباً، أو إختر طريقاً وسطاً كي يستسيغ خطابك عامة الناس البسطاء منهم، ومن هم من ذوي العلم "إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" ممن لا يشغلهم التباغض ولا التحاسد.

ولكني لست بالولي ولا بالغبي، فأنا ممن يبغون العيش مُحافظاً على صداقاته مع بسطاء الناس، فأحترم فطرتهم وأُلفتهم لبعض التقاليد التي حسبوا أنها من قبيل ما يُدرج ضمن البديهيات والحقائق، ولا أروم ترك عقلي على فطرته لأنني ممن درسوا الفلسفة وعرفوا قيمة التعقل والمعرفة الاستدلالية، ورغم محبتي لبسطاء الناس ممن ألفوا السائد في "الحس الجمعي" فظنوا أنه من قبيل المقدمات العقلية البرهانية، لا دليل لهم على تفاعلهم ودفاعهم هذا سوى الألفة مع فكرة سائدة في أوساطهم الاجتماعية، ولكنهم أصدقاء، أحاول أن أخترق نظامهم التربوي هذا عبر "النكتة" وطرح تساؤلات مُغايرة للسائد المألوف في أوساطهم من دون أن أشعرهم بأنهم "لا يفقهون ما يتبنون" من مُعتقدات وتبني لرؤى مذهبية ظنوا أنها حقائق بحكم "التنويم الاجتماعي" بعبارة الوردي الذي يفرضه عليهم وجودهم في وسط اجتماعي ما تسود فيه عقائد وقيم من فرط ما إعتادوا عليها لا مكنة لهم على رفضها والإعتراض عليها، ولكنهم أصدقائي، وأرغب بصداقتهم حينما أجد أنهم فعلاً لا زالوا يعيشون على سجيتهم وفطرتهم التي أوجدهم عليها وفيها أباؤهم وأجدادهم.

وربما أنا أكون من هؤلاء، أضيع بين ما ألفت من أفكار وبين ما قرأت وعرفت من خبايا بعض تحولات الفكر وصراعات المُتعقلين فيه من الأيديولوجيين الذين خبروا وقرأوا، ولكنهم تكوروا وتأطروا عقائدياً وأيديولوجياً، وهؤلاء لا صداقة ليَ معهم ولا مع أمثالهم وإن كُنَا نلتقي معاً ويحاور بعضنا بعضاً، ولكنهم ليسوا ولن يكونوا أصدقاء لي.

ولك عزيزي القارئ أن تضعني قي أي خانة تشاء، ولكني أفلاطوني على مستوى "المُتمنى" أو العيش في "الحُلم اليوتوبي" والعمل على تحقيق الحُلم في تربية الذات الفردية ـ كما أظن ـ وفي التعامل مع الإنسان المنتمي للإنسانيته، بل وفي محبة الإنسان حينما يكون على سجيته وفطرته.

ففي الإفلاطونية بعض من "الأنسنة" ولكن في (السفسطائية) تعبير حقيقي عن واقعنا "الأنسني" في تماهينا مع الواقع في ضوء مُتغيراته وديناميكيته، وفي الدفاع عن مُتبنياتنا أو في نقدنا للآخرين المُخالفين لنا في الرأي.

في نقدنا للينبغي واليجب في التلاقي والإندماج بين المعرفة والفضيلة طبقاً للتصور الإفلاطوني لم نراع الطبيعة الإنسانية فنحن بشر، والبشر خطائون "سفسطائيون"، ولا وجود لـ "جمهورية مُثلى" كما رام إفلاطون، ولا لـ "مدينة فاضلة" كما كتب الفاربي في مدينته الفاضلة حينما وضع شروط وصفات للحاكم الفاضل مُتمناة، هي من عوالم المثال (المُتمنى) لا الواقع (المُعاش)، وكأنه يبحث عن موظف تنطبق عليه الشروط والمواصفات. ولربما نتمنى على غرار وجود "جمهورية مُثلى" وجود صديق أمثل، ولكن هذا من عالم "المثال" المُتمنى، نأمل وجوده ونحلم به، ولكنه ليس شرطاً من شروط وجود الصديق في عالمنا الواقعي، ولكن هذا لا يعني أن لا وجود لصديق صدوق في عالمنا الواقعي، فهناك من الأصدقاء الأوفياء ما يقيك من الوقوع في الزلل، على قاعدة "الطيور على أشكالها تقع"، فمنهم من يمنحك الطاقة والأمل وصدوق في نُصحك وإرشادك لفعل الأفضل والأجمل، فمن له أصادقاء صدوقين فهو غني يُغبط ـ وربما يُحسد ـ على غناه في ترافة معشره وطيب ذكره، فلك عند الصديق الصدوق تحمل وتقبل لنقد قاس، وأنت لنقده بكل قسوته مُتقبل فرحُ، لثقة فيه وفي حُسن إختيارك لصداقته، "فقل ليً من هو صديقك، أقل لك من أنت"، فصديقك من يُحسن الظن بك، وصديقك من لا يرى فيك إنساناً كاملاً لا خطل فيك، إنما هو من يجد فيك ما يجده في نفسه من صدق المعشر والثقة بطويتك، ومن ينوب عنك ساعة شدة، ويبحث لك عن عُذر حين الخطأ، ولا تظنن بمن شك بعشرة سنين لك معه، فيُشكك بك وبتصديق الأخرين حين عثرتك، أو وقوعك في فك من لا يرحم من الناقمين عليك ساعة تغير ميزان القوى، فلا تعدّ من يُشكك فيك ساعة عثرة بأنه من الأصدقاء، إنما هو صاحب لك في السراء، عدو لك في الضراء، فالصديق هو من يحتفي بك ويُقدمك على نفسه ويفتخر بصداقتك، ولن يكون صديقاً لك من لم يعذرك ويسامحك في حال تقصيرك حينما لا يعلم سبب التقصير في التواصل معك، فإلتمس له العذر، و "إحمل أخاك على سبعين محمل"، فكما يُقال "صاحب صحيبك سنة وبعد السنة جربه"، فإن كان له سبعين مأثرة، فلا تلومنه على تقصير لمرة واحدة أو مرتين أو ثلاث ـ فربما ـ يكون تقصيره هذا خارج عن إرادته، فلا ينبغي أن تضع صديقك محط إختبارات مُتتالية، الغرض منها تأكيد التقصير عنده، ولا تضع نفسك يوماً ما بموضعه حين يمر بذات الظروف، فتغيب عن مواساته ساعة شدته، وله الحق في لومك ومُعاتبتك إن كنت تروم من وراء غيابك الرد على ذات التقصير.

فكن رحوماً به حينما تجده أنه يُحبك لشخصك لا لمنصبك أو لما تمتلكه من مال وجاه، ولا مزية فيك عنده أهم من مزية واحدة أرقى وأجل من كل المزايا هي أنك صديق كُنت مرآته للحق وفعل الخير في السراء والضراء، وكان مرآتك للمحبة والصدق والإخلاص.

 

د.علي المرهج

 

في المثقف اليوم