أقلام ثقافية
سريعاً يتذكر الاسماء وينسى الاحداث
كثيرة هي الاسماء التي مرت بذاكرة سريع وتجنّى القدر ببعثرتها في ذاكرته المهشمة، لكنه نسي احداثاً ذات اهمية قصوى تتعلق بمصير اناس وذكريات تدخل من باب الاهتمام الجمعي لمدينة شهيرة كالبصرة، وأحياء لها طابعها الخاص الذي يشكل انعطافات عادة يؤكدها التاريخ وينظر لها رؤية المسجل الدقيق . فمثلاً عندما يسمع باسم الداكير تتبارى صور بيوتات الحي وواجهاته الجميلة بالطابوق العسلي اللون، وأبوابها الساجية اللميعة وشناشيلها الخشبية بتلك النوافذ المقطعة طولياً بالاسياخ المعدنية مثلما يتذكر وجوه جميلات كن يرفلن على اديم شوارعه وأزقته وقد تباهين بسمرة مليحة جعلت صديقة الملاية تترنم بـ يا صياد السمج صد لي بنية " .
فمن الاسماء التي رسخت في حفريات رأس سريع ولم تدركها معاول التهشيم في مملكة دماغه كان فاروق السامر الذي يعده من اصدقائه القدامى وله معه لقاءات لابد للأدب من عدم تجاهلها . اهمها ذلك الاعتراف من السامر بأنه سيكون كاتباً له شأن كبير في مسيرة الادب، وان ما يكتبه ناتج عن موهبة عظمى سيأتيها الحظ يوماً ليجعلها تنعم بالشهرة وترتقي إلى مصافي الابداع المميز .
مرَّ على صورة قصي الخفاجي، وقال : هذا سميي في العذاب . اراد ان يقول " أنا وقصي اكلنا من صحن الابداع معا وذقنا مرارة الاعتقال ما جعله كاتباً شهيراً يكتب عن الفقراء والمهمشين في عطفات البصرة وازقتها المعتمة بالظلال والخثرة الزنخة، وجعلني ممن يتعلقون بالمكان فيكتب عن رائحته ومنابته وانفاس من عاشوا ورحلوا او غيبوا رغما عنهم فخلفوا طموحاتهم وأمانيهم معلقة في الفراغ ... أراد أن يقول هذا لكنه نسي لماذا حدث لهما ما حدث، ومن تجنى في احداث ذلك ؟
أما عن محمد خضير فيذكر أن اول قصة كتبها وكان فرحاً بإتمامها فنشرها في صحيفة عربية وقد كتب بعد العنوان: "إلى معلمي الاول" وفاءً منه لأنه احب خضير حبا جما وأكل من مائدة ثرائه أكلا لمَّا .. وكان الرجل يشد على يده ويقول له :" طالما انطلقت عليك مواصلة الجري، فمن صمم وصل ."
ويذكر سريع انه طرق يوماً على باب محمود البريكان فاستقبله الرجل استقبال الكرماء ؛ لكن سريع وجده حزيناً . ولمّا استفسر عن سبب حزنه أعلمه انه سيقتل بعد ايام، وان حزنه ليس لأنه سيموت إنما لانَّ القاتل سيسرق كل ما كتبه فلا يخرجه على ملأ القراء ليسقيهم عسل شعره، وأنَّ القاتل سيحرق بعودِ ثقابٍ وفوّهةِ حقد يشبه حقدَ حاكم متجبِّرٍ في معاقبة معارضٍ يقف له بالمرصاد تراثاً احتفظ به ليكون ارثا للعالمين .
ولولا احتفاظ صديق طفولته باسم القطران بها لكانت من عداد النسيان واحدى خطايا الجلطة التي ضربت دماغه ورمته يشعر بصداعٍ قاهرٍ كلَّما ركَّزَ في أمرِ حدثٍ يريد استعادته فيصيبه الشده ... ثم يسقط في بئر الاحباط، فيغرق بأمواه الفشل .
فراس تاجي- البصرة