أقلام ثقافية

وجه في الذاكرة: الشاعر الفلسطيني منيب فهد الحاج

شاكر فريد حسنيعد المرحوم منيب فهد الحاج أحد الشعراء الفلسطينيين من جيل السبعينات، الذين ساهموا في رفد المشهد الثقافي في الداخل الفلسطيني بكتاباته الشعرية والنثرية، متنوعة الأغراص والمضامين.

ولد منيب في قرية الجديدة قضاء عكا العام ١٩٤٩، أنهى دراسته الثانوية بمدرسة يني يني في كفر ياسيف، وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة الانشاء للطلاب الثانويين، وأكمل دراسته الأكاديمية في جامعة حيفا بموضوعي اللغة العربية وآدابها، وتاريخ الشرق الأوسط، بعدها عمل مدرسًا لمدة خمس سنوات.

وفي ايلول العام ٢٠٠٩ وافته المنية اثر نوبة قلبية حادة.

اقتحم منيب فهد الحاج بوابة الشعر العام ١٩٦٨، ونشر قصائده في عدد من الصحف والمجلات الصادرة في البلاد، وخاصة في صحيفة " الاتحاد ".

صدر له : بيادر العشق والغضب، في انتظار النهار، هل يزهر بستان الأحلام، ولم تصبح الريح حمامة ".

عرف المرحوم منيب فهد الحاج بمواقفه الوطنية وصدق لسانه وغزارة نتاجه، وكان له حضور دائم في مساحة القصيدة الفلسطينية، وفي المشهد الأدبي والثقافي في البلاد. واعتمد في كتابته الشعرية على القصيدة العمودية وشعر التفعيلة.

وفي قصائده نشم رائحة الاقحوان والحبق والخزامى وعبق الميرامية وخبز الطابون والتراب الفلسطيني. وما يميز هذه القصائد الصدق والعفوية والشفافية، وهي متكاملة النسج، مهياة للقارىء لتكون قراءتها متعة شهد الشعر. وظلت في نطاق الجمالية التي أبعدت صوته الشعري عن المنبرية، واحتفظت له بالمزيد من الحيوية.

وتستولي القصائد الوجدانية وقصائد الحب والعشق على شعر منيب فهد الحاج، اضافة للشعر الوطني الذي يسم دواوينه. ولغته شفافة تعتمد الوضوح، ملتزمة بالسهولة والسلاسة وخالية من التعقيد، وتنطلق من الواقع، ومن وعيه بادواته الفنية.

والكثير من هذه القصائد تصور الواقع الفلسطيني بكل تجلياته وتموجاته وتناقضاته وتراكماته. إنها قصائد ذات طابع وطني، نابعة من حبه لوطنه وبلاده واعتزازه بهويته الفلسطينية وامله في رؤيته واقع أفضل.

منيب فهد الحاج امتاز باسلوبه الشعري العذب السهل الممتنع، الذي ينضب كشلال رائق من علو باتجاه الهدف، وتمرس بالصياغة الشعرية بفضل موهبته، وحسه الوطني والانساني، وتجربته الحياتية الغنية، والجو الحزين الذي يغلف العديد من قصائده هو انعكاس صادق للواقع السياسي الذي يضطرب فيه الانسان العربي والفلسطيني، وقد أراد أن يهز الوجدان القومي، ولذلك لم ينهج نحو التفاؤل الساذج الذي صبغ شعر كثير من الشعراء، والتفاؤل الذي لا يقوم على عمق الرؤيا هو تفاؤل سلبي باهت الملامح.

واننا نجده في قصائده غاضبًا ويائسًا معًا، نتبجة قتامة الأحداث وبؤس الواقع ورداءة المرحلة، لنقرأ ما يقوله في قصيدته " عروبتي " من ديوانه " هل يزهر بستان الأحلام ":

أحلامها تكسْرَت

وأجهضت امالها في رحم عتمة سوداء

عروبتي كسيرة

مهيضة الجناح

ما أشرق الصباح فوقها

لم تلتئم على جبينها جراح

لمّا نزل نعقّها

عروبتي رداؤها الجميل لم يَعُد جميلا

فعرضه لّما يزل يباح

كؤوسها مكدّرة

اذ لم تزل تعُبّ من هزيمة

في أثرها هزيمة!!

لمّا نزل نقتات من أمجادها القديمة!

لّما تزل في حمأ المذله!

وبالهوان لم تزل مكبّلة!

كم ثعلب يجوس في ديارها!

ويأسى منيب لأحوال بغداد الرشيد المفجوعة ، التي سقطت في براثن طغاة العصر، الذين حولوا دمعها بحرًا، ودماءها نهرًا، فيقول:

حاصروا عينيك يا بغداد

بالعتم، بأمواج الظلام

فاعترى جفنيك، سُهد

واعترى قلبك همّ

خطفوا منه وُروُدَ الفرح

أثقل القيد يديكِ

حاصروا بالجوع فاكِ

زرعوا عوسج أحزان بصدركِ

وَزٌعَت أيديهم يتمّا وثكلا

ومحوا بَسْمَة طفلك

منيب فهد الحاج اخلص للوطن وجداناً وحميّة وقصيدة، والتحامه بالأرض ذو طابع عفوي، ووليد العاطفة الخالصة، مؤمنًا أن الإنسان الفلسطيني لصيق ومتمسك بها حتى الجذر، وأنشد بكل ما في النفس من ثقة قائلًا:

سنبقى فوق هذي الأرض

نحيا لا نفارقها

ففوق ترابها أجدادنا درجوا

وغدوا بدمهم

فهل نرحل؟

سنبقى فوق هذي الأرض نزرعها

ونحميها بأضلعنا

وتعشقها

لتبقى حبنا الأمثل

هنا باقون لن نرحل.

وتتجلى ملامح رومانسية في شعر الراحل منيب الحاج، وفي غزله ووجدانياته نجد صورًا روحية وشفافية واضحة، ويظهر شاعرًا عاشقًا رقيقًا، مرهف الاحساس وعميقه، وها هو يتغزل بعيني حبيبته فيقول:

عيناك بحر من غرام

عيناك أمضى من حسام

يا أجمل الورود في حدائقي الغنّاء

يا حلوةً أشهى من المرام

بالقلب من عينيك نار واضطرام

عيناك للجمال معبدان

وللهوى عنوان

بالعشق تتبضان

بالسحر تومضان

عيناك نجمتان

سناهما يضيء قلبي الأسيان

عيناك بحر من جمال

ليته يحضن، في شطآنه، زورق حبي

ليته يحنو على مركب عشقي

عيناك كنز  حُسنكِ الرنّان

عيناك كنز حُسنِكِ الرنّان

عيناك تاجُ وجهك الفتّان

وفي الاجمال، المرحوم منيب فهد الحاج شاعر يحمل مفردة نابضة بالحب والحياة والغضب والانفعال العاطفي والاحساس الوطني المتدفق، لغته طيعة، بسيطة، عميقة، وله القدرة على ملامسة الوجدان، ويتسامى فوق الشعر. فله الرحمة وطاب ثراه.

 

بقلم: شاكر فريد حسن

 

في المثقف اليوم