أقلام ثقافية

آخر ما قرأت: رواية حبيبة بنت الرحيبة

سوف عبيدما فتئ الشاعر والأديب المختار بن إسماعيل يستحضر مدينة تستور التونسية في أغلب ما نشر من مجموعات شعرية وروايات مذكّرا في كل صفحة تقريبا بتاريخها الأندلسي وواصفا أرجاء عمرانها ومفصّلا أحياءها ومصوّرا دقائق الحياة اليومية في بيوتها ودكاكينها لكأنه يريد بعث الحياة الماضية في هذه المدينة المتميزة بنمطها الخاص منذ أن استقرت في ربوعها الجالية الأندلسية عند مطلع القرن السابع عشر .

وقد اشتهرت مدينة تستور بفن المالوف إذ تعتبر موطنه الأصلي في تونس وإضافة إلى ولوع أهالي تستور بهذا الفن اللطيف الذي ينمّ عن ذوق حضاري أندلسي فالمدينة اشتهرت كذلك بالفنانة حبيبة مسيكة التي انتسبت إلى هذه المدينة في فترة زاهرة من مسيرتها الفنية فكأني بالدكتور المختار بن إسماعيل أراد أن يسترجع تلك الفترة من خلال روايته - حبيبة بنت الرحيبة -

- 2 -

الطريف في الرواية أنها لم تسترجع حياة حبيبة مسيكة بمراحلها المعروفة وإنما جعل المؤلف شخصية أخرى شغوفة بها إلى حد التماهي والاستنساخ تعيش تقريبا  ظروفا شبيهة بتلك التي عاشتها الفنانة سواء ولعها بالغناء وحبها للفن أو حتى تعلق المحبين بها وخاصة شخصية أحدهم وقد كان من أكبر أثرياء تستور ومن شدة تعلقه بها أغدق عليها ثروته الطائلة وشيّد لها دارا فخمة هي الآن صارت فضاء ثقافيا وفيه تتواصل شخصية الرواية الرئيسية مع شخصية الفنانة حبيبة مسيكة فتسير تقريبا على نفس دروب حياتها وتتماهى معها في أسلوب حياتها حتى أوقعت أحد الفلاحين الأثرياء في غرامها وجعل ينفق عليها مثلما كان ينفق على حبيبة مسيكة حبيبها .

- 3 -

الرواية إذن روايتان متوازيتان ومتشابهتان وذلك عندما تعود بنا حينا إلى تفاصيل الفنانة حبيبة مسيكة وحينا عندما تجعلنا نواكب حياة البطلة بنت الرحيبة من عهد طفولتها وشغفها بالمطالعة إلى بداية اكتشافها لشخصية الفنانة حبيبة مسيكة وتعلقها بها تعلقا شديدا إلى حدّ أن باتت تحلم أنهاتكلمها في المنام وتفشي لها بأسرارها وشاء الراوي أن يجعل نهاية حياة بنت الرحيبة مثل نهاية حبيبة مسيكة التي أحرقها حبيبها وهي نائمة غير أن حبيبة بنت الرحيبة التهمتها نيران المنصة بمناسبة إقامة عرس كبير وهنا تبلغ الرواية أوج التطابق والتماهي بين الشخصيتين فهذه الرواية إذن للدكتور المختار بن إسماعيل تمثل كتابة لتاريخ مدينة تستور من خلال استرجاع شخصية الفنانة حبيبة مسيكة.

 

سوف عبيد

 

في المثقف اليوم