أقلام ثقافية

الاحتفالات الدينية في الاندلس

من الأعياد المهمة عند المسلمين في المشرق والمغرب والأندلس لما له من مكانة دينية مقدمة حيث يمثل ولادة سيد خلق الله وأعظمهم نبلا وأشرفهم خلقا كما خاطبه الله سبحانه وتعالى بقوله (وانك لعلى خلق عظيم )1 (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)2 ولم تكن هذه المناسبة الشريفة تحمل صفة رسمية في الأندلس وسلطنة غرناطة الا في وقت متأخر وذلك في منتصف القرن 7ه/13م حيث كانت قبل هذا التاريخ تحمل صفة اجتماعية الى أن جعلها حاكم سبتة cueta  الفقيه أبو العباس السبتي العزفي (ت633ه/1236م) وولده أبو القاسم العزفي3 وأصبح المولد النبوي في عهدهم مناسبة رسمية خالدة وعزيزة في سبتة وغرناطة وباقي المدن في الأندلس والمغرب مثلما تقام شعائره في الشرق الإسلامي ومغربه حيث صنف أبو العباس العزفي كتابا قيما لهذه المناسبة الكريمة اسماه"كتاب الدر المنظم في مولد النبي المعظم" وقد اكمله ولده ابو القاسم العزفي بعد وفاة والده.

أما الاحتفال في ليلة القدر المباركة في 27 رمضان كان لها مكانة مقدسة في العالم الإسلامي وفي الأندلس كانت تقام المجالس في المساجد والربط والزوايا و بها تقرا آيات الذكر الحكيم و الأحاديث الشريفة والمواعظ والصلوات وكان لهذه الليلة منزلة مقدسة و بها انزل القران الكريم على سيدنا محمد ومنزلتها كمنزلة ليلة المولد النبوي الشريف وقد اوجد لنا الفقيه ابن مرزوق مقارنة بين الليلتين (ليلة القدر المباركة وليلة المولد النبوي الشريف) كما أوردنا ذلك سابقا كانت المساجد تنار بالشموع والزيت في ليلة القدر المباركة حتى الفجر وقد تطرق لنا ابن الخطيب الغرناطي و أرخ لهذه الليلة العظيمة كما ورد في النص بقوله ونزلوا الى القلعة سحور الليلة الثامنة والعشرين من شهر رمضان عام 670هـ فاستظهروا بالمشاعل والصراخ فما راعه إلا النداء والضجيج وأصوات الطبول.

كما احتفلت الأندلس بليلة الإسراء والمعراج التي وردت في القران الكريم سبحان الذي اسري بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى شانهم بذلك عما كان يحدث في المشرق الإسلامي ويتم الاحتفال الديني لهذه الليلة المباركة .

أما عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى المبارك فهما مناسبتان دينيتان عند المسلمين وتحدثت المصادر الأندلسية عن هذه الأعياد لما لها من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين وقد خصصت مقالة عن العيد لأبي محمد عبد الله الاسدي في (رسالة في الحسبة ) لعمر بن عثمان بن عباس الجرسفي

كما انشد شاعر غرناطة ابن زمرك قصيدة في مناسبة عيد الفطر المبارك ذكر فيها اصطلاح (العديات) والهدايا التي قدمها ومنحها للأمير الغرناطي السلطان محمد الخامس للحضور.

وفي العاشر من شهر ذي الحجة من السنة الهجرية كانت العوائل الإسلامية من مختلف الطبقات والمذاهب والمستويات الاجتماعية تحتفل بفرح وبهجة وعظمة وتقدير لهذه المناسبة في عيد الأضحى المبارك وتقليدا للقيم العربية الإسلامية وتتم بهذا العيد التضحية او نحر المواشي كالأغنام والأبقار والمواشي الأخرى بالإضافة الى ارتداء الملابس الجديدة للكبار والصغار كما أن العوائل المتوسطة كانت تعمل الموائد والتي تحتوي على البيض والخضروات والفواكه وفي القرن الثاني عشر الميلادي ذكر الأديب الفقيه ابن قزمان القرطبي انه يتم توجيه احد المواطنين أو المسؤلين  من الرجال الذين يدافعون عن العادات والتقاليد حيث كان يعرض على كل عائلة اكتساب أو اقتناء خروف كل عام وفي كل بيت لابد من ان يتم الفرح والطرب لبضعة أيام من العيد بالإضافة الى أنشاد القصائد ويتم تناول الفواكه والكرزات .

أما يوم عاشوراء فهو مناسبة عظيمة في الأندلس والمشرق والمغرب الإسلامي ويصادف العاشر من محرم الحرام ذكرى استشهاد سيد الشهداء الحسين بن ابي طالب (عليه السلام وكرم الله  وجه) حفيد سيد الكائنات محمد ويحتفل المجتمع الأندلسي بالمناسبة وتلقى القصائد والخطب الدينية استذكارا بالبطولة والشهادة ومما انشد في الاحتفال في عهد الأمير عبد الرحمن الثاني (الأوسط) من الفقيه والمؤرخ الأندلسي عبد الملك بن حبيب الالبيري للأمير هذه الأبيات المناسبة:

لاتنس ـ لاينسك الرحمن عاشــورا            واذكره لازلت في الأحياء مــذكورا

قال الرسول ـ صلاة الله  تــــشمله             قــــولا وحدنا عليه الحق والنـــورا

من بات في ليل عاشوراء ذا ســعة             يكــن بعيشه في الحــول محبـــورا

فارغب ـ فــديتك فيما فيـه رغبنــا             خــير الـورى كلهم حيــا ومقبـــورا

وفي غرناطة تحتفل فئة وطبقة من المجتمع بإحياء ذكرى عاشوراء مثل باقي مدن الأندلس واعتاد بعض الأهالي من الصيام في ليلة العاشر من محرم تضامنا مع الشهادة والبطولة التي وقعت بالمناسبة .

 

أعداد: الأستاذ المساعد لقاء محمد بشير حسن

جامعة بغداد/كلية اللغات/ قسم اللغة الاسبانية

.......................

(1) القلم :3.

(2) الأنبياء :107.

(3) عن حياة الفقيه أبو العباس العزفي وولده الفقيه أبو القاسم العزفي ينظر:ابن الخطيب الغرناطي /الإحاطة /ج3/11والحاشية  2’14 ابن عذاري المراكش /البيان المغرب/تحقيق:محمد إبراهيم الكتاني ’محمد بن تاويت وآخرون (قسم الموحدين) دار الغرب الإسلامي

 

في المثقف اليوم