أقلام ثقافية

تمثال في جامعة موسكو للطالب تشيخوف

ضياء نافعواخيرا، تذكّرت جامعة موسكو، ان تشيخوف كان أحد طلابها وواحدا من أبرز وأشهر خريجيها، وقررت – اعتزازا به وتكريما له - ان تضع له تمثالا على ارض جامعته، جامعة موسكو العريقة . لقد سألت مرة أحد مسؤولي تلك الجامعة عن عدم وجود تمثال لتشيخوف وهو خريج تفخر باسمه كل جامعة، فقال لي، ان هناك اسباب كثيرة، اهمها طبعا تلك الظروف والاحداث التي اعقبت وفاة تشيخوف، اذ انه توفي العام 1904، اي عندما بدأت سلسلة احداث تاريخية كبيرة وهائلة في روسيا – الحرب مع اليابان، ثورة 1905 وفشلها، الحرب العالمية الاولى 1914، ثورة اكتوبر 1917 والحرب الاهلية التي أعقبتها، السنوات السوفيتية الاولى وصعوباتها، ظاهرة الستالينية وعواقبها، الحرب العالمية الثانية ونتائجها، وكل هذه الوقائع الكبيرة قد عرقلت اقامة تمثال او نصب لهذا الخريج المتميّز فعلا.. وكلام ذلك المسؤول منطقي ودقيق طبعا، اذ ان الامة تضع تماثيل رجالاتها لتخليدهم عندما تستقر الامور والاحوال فيها . يمكن ان نضيف هنا سببا وجيها آخر لتلك العوامل والاسباب التي حالت دون عمل تمثال لتشيخوف في جامعة موسكو، وهو ان النظام السوفيتي ألغى كليات الطب من الجامعات العامة منذ العام 1930، واقام بدلا عنها معاهد وجامعات طبية متخصصة لدراسة العلوم الطبية بشكل متكامل ومستقل، اي بمعزل عن تلك الجامعات الكلاسيكية (ان صح التعبير)، ولا زال هذا النظام معمولا به في روسيا الاتحادية لحد الان، ولهذا، فان جامعة موسكو (كما هو حال الجامعات الروسية الاخرى) كانت بلا كلية للطب في العهد السوفيتي، و تشيخوف خريج كلية الطب بالذات، ولهذا لم يتم نصب تمثال له، لان الكلية التي تخرّج فيها لم تعد قائمة في تلك الجامعة . الان، تم اقامة المركز الطبي العلمي - التعليمي في جامعة موسكو، وامام بناية هذا المركز بالذات تم وضع تمثال لطالب الطب تشيخوف، وهي خطوة تتلائم طبعا وتنسجم مع طبيعة الدراسة في هذا المركز العلمي بكل معنى الكلمة. تم وضع اساس هذا النصب العام 2010، عندما احتفلت روسيا (والعالم ايضا) بذكرى مرور (150) على ميلاد تشيخوف، وقد شارك محافظ موسكو آنذاك في تلك المراسيم، وأشار في كلمته الى (.. ان عشق تشيخوف للعاصمة موسكو ابتدأ بالذات منذ ايام الدراسة في جامعة موسكو ..)، وهي كلمات حقيقية وصادقة فعلا بالنسبة لمسيرة تشيخوف الحياتية والابداعية .

 تم تدشين النصب في الاول من ايلول / سبتمبر من العام 2014، اي في اليوم الدراسي الاول في الجامعة . يجسّد النصب الشاب تشيخوف مرتديا معطفه وهو جالس على مصطبة، ويحتضن بيده اليسرى كلبا صغيرا. التمثال يعتمد على صورة مشهورة جدا لتشيخوف ايام شبابه وهو يجلس – بمرح - بين افراد عائلته. على الجانب الايسر للنصب توجد لوحة نحاسية للعريضة التي كتبها تشيخوف بخط يده الى رئيس جامعة موسكو العام 1884، حيث يرجو فيها منحه دبلوم كلية الطب، التي انهاها بنجاح في ذلك العام الدراسي، اما في الجانب الخلفي للنصب، فتوجد قائمة بالاسماء المستعارة، التي استخدمها تشيخوف، عندما كان ينشر قصصه الساخرة الاولى في الصحف والمجلات الروسية، وهو طالب في كلية الطب بجامعة موسكو، وهي اسماء طريفة جدا، واصبحت الان معروفة طبعا في تراث تشيخوف، مثل – (انتوشا تشيخونتيه، او، شقيق شقيقي، او، طبيب بلا مراجعين مرضى ...الخ). بعد سنة من تدشين النصب هذا، اي في العام 2015، تم زرع حديقة كبيرة من اشجار الكرز امام هذا التمثال، تذكيرا بمسرحية تشيخوف الشهيرة (بستان الكرز)، واكمالا للاجواء التشيخوفية حول هذا النصب الرمزي الجميل لطالب كلية الطب بجامعة موسكو تشيخوف، والذي اصبح واحدا من الاسماء العملاقة في مسيرة الادب الروسي، والادب العالمي ايضا.    

 

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم