أقلام ثقافية

الفيلم الأمريكي Contagion والتكهن بفيروس كورونا! (2)

محمود محمد علينعود نكمل حديثنا عن فيلم كونتيجن ودوره في التكهن بفيروس كورونا وفي هذا يمكن القول : تعودت هوليوود أن تطل علينا بين بين حيناً وآخر بأفلام خيالية، تحكي فيها قصص لفيروسات خطيرة، ما تلبث أن تنتشر بين الناس، لتصيبهم بأمراض تقودهم نحو الموت، ما يضطر الحكومات إلى اتخاذ تدابير صحية، بتنفيذ الحجر الصحي على بعض البلدان، وإقامة مخيمات خاصة بالمرضى، وسط مساع حثيثة لإيجاد علاجات سريعة للقضاء على المرض.. بعض تلك الأفلام، مر على صدورها سنوات طوال، ورغم ذلك عادت إلى الواجهة مجدداً في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام روادها بإجراء مقارنات "غريبة" بين أحداثها، وبين ما تقوم به الصين حالياً من عمليات عزل للملايين، وتنفيذ إجراءات الحجر الصحي لعدد من مدنها، وعلى رأسها مدينة ووهان، في محاولة منها لمحاصرة فيروس كورونا القاتل، الذي تسبب بحالة من "الرعب" في العديد من بلدان العالم وذلك حسب قول غسان خروب في مقاله وليوود تنبأت بكارثة فيروس كورونا قبل 9 سنوات".

لقد أعاد فيروس كورونا فيلم «Contagion» الأمريكى إلى دائرة الضوء من جديد، بعد مرور أكثر من 8 أعوام على عرضه، وأصبح فجأة ضمن قائمة الـ 10 أفلام الأكثر مبيعًا على منصة «iTunes»، وذلك حسب صحيفة «الجارديان» البريطانية، وصحف عالمية أخرى ؛ فوفقًا لـ«الجارديان»، فإن الجمهور شعر بأن فيلم «العدوى» تنبأ بالأحداث الحالية، إذ إنه يحكى عن فيروس ينشأ فى الصين بسبب الخفافيش وينتشر بسرعة كبيرة، ويرى البعض أن الأمريكان لهم يد في انتشار هذا الوباء المميت بدولة الصين، لأنهم تنبأوا بالأمر، وأن النمو السريع لاقتصاد التنين الصينى كان من أسباب قلق الولايات المتحدة، إذ لم تُجدِ حالة الحرب التجارية التى أشعلها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، مع بكين منذ وصوله إلى البيت الأبيض فى ٢٠١٧، نفعًا، ولم تضر الصين، فكان لا بد من أمر أكثر خطورة يدفع الاقتصاد الصينى إلى الانكماش، وليس هناك أفضل من فيروس يبيد سكان الصين وينتشر خارجها بسرعة البرق، لتبدأ دول العالم فى إيقاف الرحلات إلى الصين وإغلاق الحدود وانسحاب معظم مكاتب الشركات الكبرى من هناك خوفًا على موظفيها.

وعلّق موقع «سكرين رانت»، الأمريكي، على الإقبال الكبير على شراء الفيلم، قائلًا: «رغم تشابه قصة الفيلم مع ما يحدث حاليًا إلا أن هناك اختلافات جوهرية، منها أن فيروس كورونا لا ينتشر بنفس سرعة الفيروس الذى يحكى عنه الفيلم، وليس له نفس قوة القتل والإبادة، أما عن أوجه التشابه فهى كثيرة، منها أن منشأ الفيروسين، الحقيقي والسينمائي، واحد هو الصين، كما تلعب الخفافيش دورًا محوريًا فى القضية".

ويضيف الموقع: «فى الفيلم يطير خفاش حاملًا موزة تسقط فى مزرعة خنازير، فيتناولها خنزير صغير، ثم يحمله الجزار الصينى إلى السوق لبيعه، ومن هنا يبدأ الفيروس فى الانتشار، وهذا يشبه ما حدث فى الواقع، إذ ربط العلماء فيروس كورونا بالخفافيش وأيضًا بأسواق اللحوم والحيوانات فى الصين".

لكن، الفيلم عاد ثانية بشكل مفاجئ إلى قائمة الأفلام الأكثر طلباً بعدما بدأت أخبار تفشي مرض كوفيد-19 تظهر في الصين.. وبعد ثلاثة أشهر فقط، قفز فيلم كونتيجيون إلى المرتبة الثامنة، وجاء مباشرة بعد فيلم هاري بوتر، بحسب "بي بي سي"، كل ذلك بسبب أوجه التشابه بين سيناريو الفيلم المكتوب قبل عشر سنوات والأحداث الحقيقية لتفشي فيروس كورونا حالياً.

ونال الفيلم إشادات واسعة من الصحف والمواقع والنقاد  والجمهور، واثنوا على عرضه للقضية بهذا النضج و اظهار أسباب انتشار المرض الحقيقية من إهمال وفساد وعلاقات غير شرعية، وما إلى آخره، كذلك تم الاشادة بالمعلومات العلمية الدقيقة والصحيحة التي تناولها الفيلم من اتحاد سلالات الفيروسات معاً وتكوينهم لفيروس آخر جديد.

هناك أوجه تشابه مذهلة بين ما يحدث حالياً وفيلم كونتيجيون، إذ تصاب بالترو في الفيلم بعدوى الفيروس، المسمى "إم إي في 1"، من طاهٍ في هونغ كونغ، كان قد لامس خنزيراً مذبوحاً انتقلت العدوى إليه عن طريق الخفافيش، بعد أن صافحته الممثلة في الفيلم، ثم تسافر إلى بلدها وتمرض بشدة وتموت بعد ذلك بوقت قصير. وسرعان ما يموت ابنها أيضاً، ولكن تبين أن زوجها، الذي يقوم بالدور، الممثل مات ديمون، محصّن بنظام مناعي جيد.

كذلك في الفيلم، يقتل الفيروس الوهمي 26 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في غضون شهر واحد. بينما لم يصل عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا إلى أربعة آلاف منذ تفشي المرض في الصين قبل ثلاثة أشهر.

وفي الفيلم، عندما يُشتبه في تفشي الفيروس يُبعثُ موظفون من خدمة نظام معلومات استخبارات الوباء، وهي منظمة حقيقية تحاول تحديد الأشخاص المصابين وعزلهم، وفي الفيلم أيضا، وُضعت مدينة شيكاغو الأمريكية تحت الحجر الصحي، وهو ما يعكس عمليات الإغلاق الهائلة التي حدثت في الصين .

والأغرب من ذلك في نهاية الفيلم يوضح أن سبب هذا الفيروس الخفافيش، أي نفس السبب الآن، معتبرا أنها أصل تفشى الفيروس، وهو الأمر نفسه الذى حدث مع فيروس كورونا، عقب ظهوره لأول مرة فى مدينة ووهان الصينية.

وهنا تصدر الملياردير بيل جيتس المشهد في الآونة الأخيرة، بعدما تنبأ في وقت سابق بظهور فيروس قاتل في أسواق الصين، قبل انتقاله بسرعة إلى جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي حدث بالفعل بظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان؛ وتنبأ جيتس، في سلسلة وثائقية صدرت على نتفليكس، بظهور فيروس ما في أحد أسواق الصين، حيث حذر في حلقة بعنوان "الوباء القادم"، جرى بثها لأول مرة في أواخر العام الماضي، من أن العالم "غير مستعد للتعامل مع وباء عالمي، الذي يحتاج غالبًا إلى سنوات للقضاء عليه"، بحسب ما ذكرته شبكة "سكاي نيوز".

وأوضحت الحلقة، أن أسواق الحيوانات هي مصدر الفيروسات، كما أن جثث الحيوانات المكدسة فوق بعضها البعض والدم المخلط مع اللحوم، يعد من عوامل انتقال مختلف أنواع الفيروسات إلى الإنسان، قبل انتشارها بشكل كبير وسط البشر، ليؤكد بيل جيتس على أن أكبر خطر لدينا حاليا ويمكن أن يتسبب في مقتل ملايين الأشخاص، هو ظهور وباء جديد.

ولم تكن سلسلة بيل جيتس الوثائقية الشي الوحيد الذي تنبأ بفيروس كورونا، حيث أن الفيلم "Contagion" ، قد تنبأ بالفيروس أيضًا، حيث ربط المتابعين لمستجدات كورونا وقائع الفيروس بأحداث فيلم "Contagion"، من خلال العديد من التغريدات عبر نشطاء موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بحسب "سكاي نيوز" وفقا لما نقلته عن صحيفة "ديلي ميل" البريطانية.

هذا التشابه الكبير بين الفيلم والواقع دعم نظريات المؤامرة، التى تفيد بأن السلالة الجديدة من كورونا مخلّقة بفعل فاعل، وأن هذا الفيروس قد تم تخليقه فى أحد المعامل، بغرض شن حرب بيولوجية ، وذلك مع  تفاقم التداعيات التى أفرزها شيوع هذا الفيروس الخطير، بموازاة غموضه، وعدم القدرة على التوصّل إلى مصل مضاد له، انتعشت نظريّات المؤامرة، وراحت أطراف كثيرة تحاول استغلاله، للضغط على الخصوم أو تقييد حركة المنافسين.

ويبرز فى هذا الإطار اتجاهان رئيسيان؛ أولهما يدعم فرضية نظرية المؤامرة بشدة، حيث تتوزّع الاتهامات فى سياقها على الصين، باعتبار أن الفيروس «تسرّب من أحد المختبرات التى تستخدمها لتخليق أسلحة بيولوجية»، بما يعنى أن «السحر انقلب على الساحر»، وثانيهما يزعم أن الولايات المتحدة الأمريكية التى تخوض حرباً تجارية ضد الصين، والتى تمتلك ميراثاً فى تطوير الأسلحة البيولوجية «قامت بتطوير هذا الفيروس ونشره، فى إطار سعيها لتقويض التقدّم الصينى وذلك حسب قول ياسر عبدالعزيز ي مقاله هل «كورونا» سلاح بيولوجى؟

وهذه الفرضية تنطلق فيما يسمي الحرب البيولوجية أو الجرثومية والتي تشير إلي استخدام متعمد للجرائم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية الدقيقة وسمومها كسلاح في تلك الحرب لنشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات بدلا من استخدام الأسلحة التقليدية وأصحاب هذه الفرضية يستندون علي عدة مؤشرات ، فالكل يجمع علي الاقتصاد الصيني من الاقتصاديات القوية ويعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهذا يعني ان هذا الاقتصاد يمكن أن يتفوق علي اقتصاد الولايات المتحدة مما يشكل خطر وشيك علي هذه الدولة العظمي لا سيما وأن خبراء اقتصاد قد أشاروا إلي خسائر الصين جراء هذا الفيروس يمكن أن تصل إلي أكثر من 200 مليار دولار وهذا الخوف من التنين الصيني الجديد وكان هذا واضح وسط تحذيرات أمريكية سابقة من تمدده .

ففي عام 1993، أثار هنتغتون جدلاً كبيراً في أوساط منظري السياسة الدولية بكتابته مقالة بعنوان صراع الحضارات في مجلة فورين آفيرز، وهي كانت رداً مباشراً على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما المعنونة نهاية التاريخ والإنسان الأخير. جادل فرانسيس فوكوياما في نهاية التاريخ والإنسان الأخير بأنه وبنهاية الحرب الباردة، ستكون الديمقراطية الليبرالية الشكل الغالب على الأنظمة حول العالم. هنتغتون من جانبه اعتبرها نظرة قاصرة، وجادل بأن صراعات مابعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة. توسع هنتغتون في مقالته وألف كتاباً بعنوان صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي جادل فيه بأنه وخلال الحرب الباردة، كان النزاع أيديولوجيا بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع القادم سيتخذ شكلاً مختلفاً ويكون بين ثلاث حضارات رئيسية: حضارة إسلامية وحضارة الصينية والحضارة الغربية وحذر هنتجتون أن النمو الاقتصادي يزيد من حدة الصراعات بين المجتمعات الأسيوية والغربية والولايات المتحدة أساسا ويقوي قدرة المجتمعات الأسيوية علي أن تسود في تلك الصراعات وقد هنتجتون علي أن النمو كأكبر قوة في أسيا سيزيد من النفوذ الصيني في المنطقة كما يزيد من احتمالية تأكد الصين لسيطرتها التقليدية في شرق آسيا وهذا يعطي مبرر بحسب أصحاب فرضية أن الفيروس صناعة أمريكية بأن تضرب الصين ضربة جيوسياسية واقتصادية وكبح جموح زيادات نفوذها خلال نشر هذا الفيروس .

وينقل أصحاب هذه الفرضية تصريح زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي "فلاديمير جيرينوفسكي" يؤكد فيه بأن فيروس كورونا الجديد استفزاز أمريكي للصين ولكن طبعا هذا النائب لم يوضح أي تفاصيل عن هذا الموضوع وبحسب تقرير لـ BBC فإن القناة الروسية الحكومية الأولي – أحد أبرز القنوات التلفزيونية خصصت فقرة ثابتة لتناول المؤامرة الغربية بشأن فيروس كورونا في برنامج الأخبار المسائي ويقول أحد الخبراء في التقرير بأن سلالة فيروس كورونا الصيني مخلق صناعيا وأن المخابرات الأمريكية وكبري شركات الأدوية تقف وراء ذلك .. هدف أمريكا إضعاف الاقتصاد الصيني وهدف الشركات الكبري تحقيق الأرباح من اللقاحات .

هذه الفرضية ومؤشراتها تندرج تحت إطار ما يعرف بنظرية المؤامرة والتي من الصعوبة قبولها أو حتي رفضها فهي تستند علي فكرة أساسية وهي بأن لا شئ يحدث بالصدفة وكل شئ مرتبط ببعضه ، لكن دعونا نناقش فرضية أن الفيروس صناعة أمريكية وموضوعية من خلال النقاط الاتية:

1- انتشرت هذه الفرضية بين أوساط المحور المناهض لسياسات الولايات المتحدة وغالبيتهم من العرب وهذا ما يعني ان الفرضية غير صحيحة لأن انطلقت من هذا المحور، لكن لا شك أن الفرضية غير محايدة لكونها أسقطت كل المؤشرات بحيادية.

2- إن أصحاب هذه الفرضية استندوا في تحليلهم علي مجموعة مؤشرات ولم يستندوا علي دلائل علمية .

3- يرد علي لسان أي مسؤول صيني علي أن الفيروس بلا شك مؤامرة أمريكية وكل ما قالته الصين عن هذا الموضوع أنها انتقدت ما أسمته التهويل الإعلامي الذي مارسته أمريكا علي الصين بسبب الفيروس .

4- بحسب اللغتين العربية والإنجليزية عن أوراق علمية صادرة من مؤسسات عن حقيقة التورط الأمريكي في نشر الفيروس، لكن لم نتمكن من الحصول علي مستند ورقي أو حتي مقال وهذا يضعف من هذه الفرضية.

5- إن الخسائر البشرية والمادية والتي لحقت بالصين يمكن أن تحدث وتكرر في أي دولة بما في أمريكا والتي وصل إليها الفيروس وكما هو معروف فإن الفيروس الآن قد أجتاح أكثر من 30 دولة ، وما نريد أن نقوله أنه لا يمكن استبعاد وجود مؤامرة أمريكية في نشر الفيروس ، كما لا يمكن تأكيد وجود مثل هكذا حرب بيولوجية تقودها أمريكا بسبب التعقيد الذي يغلف طبيعة الفيروس ما يمكن أن الصين تراعي المصالح والنفوذ ، وهذا لا يعني أنه لا يمكن استبعاد أي فرضية شريطة أن تكون مستندة إلي أدلة علمية واضحة لا أن يحكمها منطق غير علمي يتعامل مع كل الناس بسذاجة وبساطة... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل.

 

 

في المثقف اليوم