أقلام ثقافية

الفيلم الأمريكي Contagion والتكهن بفيروس كورونا! (3)

محمود محمد عليفي هذا المقال نختتم حديثنا عن فيلم كونتيجن ودوره في التكهن بفيروس كورونا، وفي هذا يمكن القول : وسط دفق التكهنات لفك شفرة فيروس كورونا الغامض والمستجد تبرز نظرية إيرانية مثيرة للجدل، فالحرس الثوري الإيراني وعلي لسان قائده "حسين سلامي" يعلن أن فيروس كورونا قد يكون ناجماً عن هجوم بيولوجي أمريكي استهدف الصين أولا ثم إيران ثانياً، وهذا الاتهام يأتي في ظل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أن فيروس كورونا بات مترسخا في إيران نظراً لصعوبة احتواءه من خلال التجهيزات الصحية المتواضعة والغير متوفرة، فهل لانتشار فيروس كورونا أبعاد سياسية فعلاً ؟ وما دلالات الأرقام الأخيرة علي خطورته ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط .

معركة جديدة تخوضها طهران وعنوانها هذه المرة فيروس كورونا " الشيطان الجديد الذي بات متهماً"- بأنه صناعة أمريكية، فالحرس الثوري اليوم يتكاتف مع وزارة الصحة الإيرانية في مكافحة الفيروس لينشئ مشافي ميدانية بعد أن أصبحت المشافي غير كافية لاستيعاب المصابين في بعض المدن ويتعاون عبر قوات التعبئة الباسيج مع الصحة الإيرانية للتعرف علي المصابين في منازلهم، حيث تم البدء بمحافظات أصفهان وغيرها في وضع خطة للتعرف علي المصابين بالفيروس عن طريق الاتصال الهاتفي بالناس في منازلهم ونقل الحالات التي يتشابه فيها الإصابة بالفيرس ونقلهم إلي المشافي .

وعندما وصل فايروس كورونا إلى قم الإيرانية ؛ وهى إحدى المدن المقدسة لدى الشيعة، وهى المدينة الثانية على مستوى القداسة بعد مدينة النجف بالعراق، وتحتضن مدينة قم «الحوزة العلمية» فى إيران فقد كان لرجال الدين رأي آخر غير رأي حسين سلامي، لقد اعتبروه نوعاً من الاختبار الإلهي، بحيث صار البعض يتحدث عنه باعتباره عقابا لبشرية لم تلتزم بحدود الله وغرقت في المجون وصارت ترتاد المختبرات أكثر مما تذهب إلى الحسينيات، لذلك فقد مارست إيران تكتماً على وضعها الصحي أثار غضب العالم.

لقد عملت إيران على تخدير الناس بدلاً من توعيتهم، وشمل ذلك الدول التي وقعت لسوء حظها تحت وصايتها وبالأخص لبنان والعراق، ففي مشهد مأساوي صار حزب الله حارساً لحفلة دخول كورونا إلى لبنان، وفي العراق أدت الأحزاب الشيعية دورها كاملاً في ملهاة يمتزج فيها السياسي بالديني. بحيث صار فايروس كورونا الإيراني طاهراً من كل دنس، وهو واحدة من علامات الانتماء إلى محور المقاومة.

من وجهة نظر أتباع إيران فإن مؤامرة كورونا ينبغي إفشالها عن طريق الترحيب بذلك الضيف العزيز، كما كان يُجرى الترحيب بقاسم سليماني الذي كان يدير الميليشيات الشيعية العابرة للحدود. لربما كان فايروس سليماني أشد خطرا من فايروس كورونا. في كل الأحوال فإن النظريات السياسية والدينية لم تُجْد نفعا في مواجهة الفايروس الخطير الذي اتسعت دائرة انتشاره، بحيث صار من الممكن أن يُعلن باعتباره وباء.

وتحت مجهر منظمة الصحة العالمي باتت إجراءات الحكومة الإيرانية غير متعاونة، حيث وجدنا وفداً من تلك المنظمة يزور مشافي ومختبرات للإطلاع عن كثب علي خطوات طهران الوقائية والعلاجية، فيما منعت الحكومة الإيرانية وسائل الإعلام الأجنبية من تغطية زيارة الوفد، فخطوات طهران حتي الجديدة منها في تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس إلي انتهاء عطلة عيد النيروز في إبريل المقبل والتشديد علي التنقل بين المدن تبدو غير كافية طالما ترفض السلطات فكرة فرض الحجر الصحي، وهذا ما استفز حسين نصر الله في خطابه أمس .

وتزداد يومياً أعداد المصابين والمتوفين من فيروس كورونا الذي انتشر وبسرعة في كافة الأقاليم الإيرانية من دون استثناء وهذا ما يقلق منظمة الصحة العالمية التي تقول إن طهران بحاجة إلي مساعدات عاجلة تلقتها حتي الآن من الصين ودول عربية وأوربية بينما لا تزال ترفض عروض مساعدات أمريكية، حيث لا تستبعد إيران نظرية المؤمرة حتي في التعامل مع فيروس كورونا، إذ تقول إنها ستنتصر عليه وتدعو مواطنيها إلي التسلح بالإرشادات الصحية لمواجهة هذا الشيطان الجديد .

والسؤال الآن : كيف يمكن اتهام الولايات المتحدة بأنها السبب في انتشار الفيروس في الصين وإيران مع أنه يوجد عدد كبير من الاصابات بالفيروس نفسه في أمريكا، ليس هذا فقط بل إن الفيروس يصيب العالم باسره اليوم، فلماذا إذن القول بوجود استهداف للصين وإيران؟

أما القائلون بنظرية المؤامرة فقد أرجع ذلك إلي أن الولايات المتحدة قد رفضت الاتفاق علي توقيع الحد من انتشار الأسلحة الجرثومية في عام 2001 وكانت تلك الاتفاقية قد وقع عليها جميع دول العالم، حيث كانت قد نظمت تلك الاتفاقية وأمريكا رسميا أعلنت رفضها الانضمام إلي هذه الاتفاقية، والآن أمريكا تمتلك 25 مختبر خطير حول الصين وروسيا وإيران  بصورة علنية لإنتاج الجراثيم والمختبرات الجرثومية وهذا أمر خطير وللأسف الشديد فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بمنع الولايات المتحدة من إنتاج الجراثيم وطبعا حتي أننا نري الكثير حتي في الأفلام الأمريكية، حيث نجد المختبرات والأفلام تنشر ما تقوم به الإدارة الأمريكية من مختبرات والاختبار حتي الأمريكيين أنفسهم .

إن الإدارة الأمريكية لا تهاب أن ينتشر في أمريكا لأن الكثير من ألأمور لا تهابها أمريكا، ولكن كثافة الانتشار هي في منطقة أسيا، وربما تحدث بعض الخروقات هنا وهناك في أوربا وأمريكا، وربما لديهم اللقاحات في المستقبل حين يظهر هذا الأمر بالتدريج لأنهم لا يريدون من أن ينشروا هذه اللقاحات في الدول المتورطة الآن والمنكوبة في الصين وإيران وكوريا الجنوبية في الوقت الحاضر لأنهم يريدون أولاً رفع الأسعار واستخدام الأمر بصورة تجارية، لكن نري أنه حتي مقترح المساعدات الأمريكية الآن الأخيرة إلي إيران ارتبطت بمعلومات دقيقة .. إذن هم يريدون أن يعرفوا كيف ينتشر هذا الفيروس ليستخدموه في المستقبل في حروب .

وأما القائلون بعدم نظرية المؤامرة فيدللون علي أنه إذا كان هذا الكلام صحيحا فإن الولايات المتحدة تهدف إلي قتل مواطنيها، وهناك 160       حالة فيروس كورونا في أمريكا والعدد يزداد كل يوم، و11 أمريكي ماتوا بسبب الفيروس .. إذن الولايات المتحدة طبقاً للقائلين بالمؤامرة ترغب في قتل مواطنيها ... والنقطة الثانية ... هي أن أمريكا ترغب في تدمير اقتصادها ... فأسواق الأسهم خلال أيام القليلة الماضية أوشكت علي الإنهيار مما كبد الاقتصاد الأمريكي خسائر فادحة .. شركات الخطوط الجوية توقفت معظم رحلاتها .. والنقطة الثالثة : وهي أن الفيروس قد انتشر في إيطاليا وفرنسا ومعظم الدول الحليفة والصديقة لأمريكا، فهل أمريكا تريد أيضاً تبعاً لنظرية المؤامرة أن تتخلص أيضاً من حلفاءها .. لماذا ... السبب في أن الصين الأكثر تضرراً هو أن الفيروس نشأ أصلاً في إقليم من أقاليم الصين، ولكن الصين ليست الوحيدة ... هناك كل دول العالم : روسيا البيضاء، وبيلاروسيا، وأفريقيا ... الخ .. هذا فيروس ليس له لقاح حتي الآن، وإلا لو كانت الولايات المتحدة بالفعل المتسبب الحقيقي في نشره لكان أحري لها بأن تكون قد طورت لقاحاً علي الأقل كي تعالج مواطنيها دون مواطني الدول الأخري، ومما يؤكد صدق ذلك هو خروج الرئيس الأمريكي " نرامب " أمس ومعه طاقم من مستشاريه ليعلن علي كل موجات الدنيا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن وبدون خجل إعلان خالة الطوارئ في كل الولايات الأمريكية وإلغاء الرحلات البحرية مما جعل الكثير من الأمريكيين يهرعون لخزين السلع. ومن جهة أخري فإنه في العودة إلى ما قبل ظهور الفيروس بشهور قليلة وربما أعوام سنجد ما قامت به الولايات المتحدة اتجاه الصين من سياسات وتوجهات بدءاً من قضية الإيغور المسلمين في إقليم "تشينغ يانغ" وما حاولت القيام به من تدخّلات حقوقية بحجة حماية الأقلية المسلمة في هذا الإقليم، وصولاً إلى تظاهرات هونغ كونغ ودعمها أمريكيّاً للتمرّد ضدّ نظام وضعته الصين تحت مسمّى دولة واحدة في نظامين، مروراً بتسليح تايوان ودعمها ما يشكّل تهديداً للصين وتجاوزاً للسيادة الصينيّة والتي تعتبر تايوان جزءً من سيادتها، ولم تكن الحرب التجاريّة ببعيدة عن تلك الأحداث والتي أعلنها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب فور تسلّمه زمام الإدارة مع فرضه الرسوم الجمركيّة على البضائع الصينيّة.. ليأتي فيروس كورونا ضمن سلسلة المواجهة الأميركيّة الصينيّة ولستُ هنا أبتدع ما يحاك من خيال وليست نظرية المؤامرة هي الموجّه وليس ما يتمّ تناقله من روايات حول مصدر الفيروس ومردّها إلى نوعية الطعام الذي يتناوله الشعب الصيني منذ مئات السنين دون إفراز ذلك الفيروس القاتل، فقائمة طعامهم ضمن ثقافتهم الممتدّة آلاف السنين.

وأشارت المصادر أن حرب جرثومية تشنها الولايات المتحدة علي الصين؛ خاصة في ظل ظروف استعرت فيها الحرب التجارية بين الطرفين، والصين الذي يعد العملاق الناهض، والذي يهدد بالتنافس الشركاتي والتقني والتكنولوجي والسيبراني الفضائي علي مستوي العالم . وقالت المصادر أن فيروس كورونا صناعة أمريكية وأن انتشاره ينذر بظهور الجيل السادس من الحروب في الصين، ورغم ظهور الوباء فقد قامت حكومة الصين بإنتهاج العالم من خلال ضبط سلوكهم حيث تنجح الصين في ضبط سلوك مليار ونصف المليار بشكل يسير من خلال الحكم الرشيد والإيمان بالعلم، والشعب الصيني شعب صامت وهادئ ويواجه المشاكل بالحلول والأبحاث العلمية، وليس بالصراع بالمقالات والبرامج الفضائية التي تملآ الدنيا صخباً وجنوناً .. تم حظر التجوال في العديد من المدن أقل مدينة عددها 12 مليون نسمة وعلي الفور التزم الصينيون بالأوامر وأغلقت المطارات وتوقفت السيارات وألتزم الصينيون بالأوامر في شققهم وبناياتهم وقد أعدوا طعاما يكفيهم أسبوعين .. لم نسمع عن معارضة صينية تستغل الوباء وتخرج بالصراخ وتحرض السكان علي خرق حظر التجوال .. وفي غضون أيام قلائل قام الصينيون ببناء مستشفيين في "ستة أيام".. المستشفى الأولى هو "هوشنشان" الذي يبنى على مساحة 269 ألف قدم مربع ويسع ألف سرير، والثاني مستشفى "ليشينشان" على مساحة 323 ألف قدم مربع، ويسع 1300 سرير .

ثم لجأت القرى والمدن في الصين إلى استخدام طائرات دون طيار، مزودة بمكبرات صوت، للقيام بدوريات في الشوارع وتوبيخ الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعة في الأماكن العامة، وسط تفشي فيروس كورونا، حسب وسائل الإعلام الصينية الحكومية.. نشرت كل من "شينخوا" وصحيفة "جلوبال تايمز" مقاطع فيديو لطائرات بدون طيار تنبه الناس في المناطق الريفية لضرورة ارتداء الأقنعة في "هذه الأوقات". وانتشرت مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بشكل واسع وتمت الإشادة بها كوسيلة جديدة لزيادة الوعي بالمرض، وذلك حسب قول أمجد المنيف في مقاله تايم لاين .. مواجهة كورونا".

كما أعلن البنك المركزي الصيني عن ضخ 173 مليار دولار لمكافحة فيروس كورونا القاتل، بالإضافة إلى ضخ 156 مليار دولار لدعم الاقتصاد الصيني، كما أمر رئيس الصين شي جين بينغ، بصفته رئيس اللجنة العسكرية المركزية، بتكليف 1400 من أطباء وممرضي القوات المسلحة بمعالجة مرضى "كورونا" بمستشفى "هوشنشان" في "ووهان" علي بعد 9 كيلو متر من أول تجمع سكني وتم تجهيز المستشفي بالمعدات والأطباء وطواقم التمرير.

وبدأ العلماء بالبحث علي علاج للفيروس ولم ينتظر علاج منظمة الصحة العالمية أن ترسل لهم العلاج، فالحكومة الصينية كانت صادقة ولم تتعامل مع الأمر أنه سرا عسكريا وبشهادة جميع المنظمات الدولية أن الصينين شعب صادق ولا يخلط بين الكوارث بالمواقف الإنسانية مثلما يفعل البيت الأبيض .. المدن والتجمعات السكانية تنقسم إلي أحياء وكل حي من الأحياء يتكون من عدة ملايين من السكان ولا هو مسؤول مباشر ويستطيع السكان الاتصال بمكتب الحي طوال اليوم والحصول علي أية خدمات يحتاجونها من دون واسطة ومن دون أن يضطر المواطن الصيني إلي أن يقول أنا فلان وابن عم فلان وأنه من هذا الحزب أو لا .

وفي حالة وجود أي تقصير يتم تقديم المسؤول الحي  للمحاكمة وقد تتعرض العقوبة إلي الإعدام .. ومن لا يجد طعام في منزلة خلال حظر التجوال يتصل بمكتب الحي وتقوم شركة التوصيل الحكومية بإرسال الطعام المناسب إلي العائلة بما يكفي لمدة أسبوعين، ويقوم عمال التوصيل بقرع الجرس وترك الطعام أمام الباب والمغادرة وتأخذ الأسرة طعامها مجاناً دون  طلب شرح أو تفسير أو أن يخصم رب البيت مئات النقود لأنه لا يملك طعام ..  في الأساس هو السلوك الصادق ومن يثبت السلوك العشوائي في مثل هذه الحالات فإنه سينال عقابا لا يمكن أن يتخيله .. وأصحاب السيارات لا يحاولون اختراق حظر التجوال ولا تجد في الشوارع غير المتطوعين الذين يتطوعوا بأرواحهم من الممرضين والأطباء ولم تجد صيني يهرب إلي قناة فضائية مجاورة بل عمل الإعلام الصيني كخلية نحل من أجل انقاذ الصين والبشرية من هذا الوباء .

سلوك الصين كدولة وحكومة وشعب ولجنة حي ومواطن يمتزج مع راية وهو وقف الوباء وانقاذ الأرواح .. وحين حاولت دول مغرورة اعتقدت نفسها أفضل من الصين قامت بإجلاء رعاياها فوراً ومغادرة الصين لم تنظر الصين في طلب هذه الدول علي أنه تشويه سمعة أو مضاعفة .. وبدل من أن تسارع أمريكا لإرسال علمائها إلي الصين، فقد طلبت أمريكا إجلاء عشرات الدبلوماسيين من الصين وهي خطوة غبية قد تنقل الفيروس إلي الكارثة الأمريكية.. الصين خسرت مئات الأرواح وخسرت مليارات الدولارات في هذه الكارثة ولم نسمع عن الرئيس الصيني أو مخابرات الجيش أو الأمن من يتحدثون عن مؤامرة وعن تقارير سرية لاستهداف الصين مع أن الاحتمال وارد بل شاهدنا كيف بادر الصينيون إلي البحث عن علاج.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل.

 

 

في المثقف اليوم