أقلام ثقافية

الحي.. مجموعة قصص قصيرة لنجيب محفوظ

خضير اللامي ترجمها الى الانجليزية: روجر الين*

العرض باللغة الانجليزية: كريم زيدان

 ترجمه الى العربية: خضير اللامي


حين كشف الناقد والصحافي المصري المشهور، محمد شعير الغطاء عن مجموعة قصصية لم تطبع سابقا للروائي والقاص نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للاداب، أعدّها " إكتشاف كنز أدبي نفيس"بينما أظهرالتاريخ أنّ تلك المخطوطة أُكتشفت بعد رحيل الروائي والقاص وينبغي التعامل معها وعلى وفق مبدأ الشك، وتُظهر مجموعة القصص هذه قضية استثنائية .

وأزال شعيرالغطاء عن النصوص خلال زيارته الى منزل عائلة نجيب محفوظ . والتقى كريمة المرحوم أم كلثوم . وبعد أنْ قدّمت له ملفا صغيرا كان محفوظا في صندوق مصنوعا من الكارتون كان يحتوي على ملف مسودة رواية وملاحظات سياسية، وعقود، ومجموعة قصصية، تتضمن سبعة وأربعين قصة قصيرة مع ملاحظة تؤكد ما يلي: " إنّ هذه القصص طبُعت في العام 1993 - 1994 . " وبعد قراءة متمحصة لمحتوياتها، أدرك شعير أنّ ثمانية عشرة منها لم تأخذ طريقها للنشرقبل وبعد موافقة كريمة نجيب محفوظ .

رغم أنه ليس من الواضح، ماهو المبررالذي لم تأخذ هذه القصص به طريقها للنشر والقصص الأخرى البالغة إثتنين وعشرين قصة قصيرة، ولكن، من المحتمل أنّ محفوظ كان قد نسيها خلال الفترة المضطربة في حياته . في 1994، وهي السنة التي بلغ فيها محفوظ الثانية والثمانين من العمر، والتي قد طعنه أحد المتطرفين في رقبته حين كان خارج منزله في القاهرة، وحين نجا من هذا الهجوم، الذي تسبب تلفا في العصب، عاش فترة قلقة متأثرا بالضررالذي لحق بذراعه الأيمن .

والآن، وبعد خمسة وعشرين عاما، عقب محاولة الإغتيال، فإنّ مجموعة القصص القصيرة هذه التي بلغت ثمانية عشرقصة قصيرة، قد رأت النورحاملة عنوان " الحي . " The Quarter ."

وأولئك الذين يتوقعون الواقعية العميقة في ثلاثية القاهرة CairoTrilogy، اوهذا السرد العالمي الثر، في زقاق المدق، سيكون دون شك، مثيرا للدهشة ومجسدا حقا، في هذه المجموعة الساحرة . و" الحي" هذا، هو عبارة عن مجموعة قصصية مترابطة، وأنها مخيال مستوحى في السرد الصوفي . فضلا عن ذلك، إنها مثال رائع لمخيال تجريبي experimentalism، الذي ميز جزءا من الشفق في جزء من سيرة نجيب محفوظ . وبدلا من التركيزعلى تفاصيل سياق الشفق أو الانغمار في التركيز في السياق التأريخي، او الوصف التفصيلي، فمحفوظ يغمر قراءه في عالم بسيط براق وبحكايات رمزية، أو بالأحرى غرائبية . وبأستثناء ذلك، احداثها . وترجمتها التي قام بها العالم المشهور روجر ألين Roger Allen، فإنّ الكتاب يبدأ ب: بقصة " الفرن " The Oven، وبقراءة سريعة تغّلف تماما جوهر مجموعة قصص قصيرة والسعي – قصة " حب " و"قصة فضيحة "، و"شرف عائلة ". تجري احداثها في مدق صغير مليء بحركة الحياة . والقصة القصيرة الثالثة،" مطاردة " Pursuit " تتبع أمّا مهجورة، بينما هي تواجه أب أولادها في ذات المدق . ويستمرهذا التدخل . والحل في القصة ربما يدهش المتلقي ابتداء من القراءة الأولى .

من جانب آخر، فإنّ قصة " العاصفة ": هي نص غارق في الفانتاسيا . والاتجاهات المشؤومة، تفتح نوافذ فيها – "ويحدث كل شيء حين تكون الشمس في كبد السماء ."– وقبل وصف العاصفة، فإنّ التي تحل في المدق ونزلائه، لا شيء فيها يشبه عصف رؤية المدق في الزمن الماضي . وفي هذا الوقت بالذات تنتهي العواصف . وكثير من القاطنين في هذا المدق قد سُرقت محتوياتهم . ويخّيم اليأس على المدق، وتتكرر الشخصيات اثناء انتظارها، بينما هم بانتظاريوم آخرجديد.

 ومن خلال ثمانية عشر فصلا ضمتها مجموعة الحي القصصية ". التي قامت بطبعها دار الساقي للنشر. ضمت أيضا النسخ العربية الأصلية، متزامنة مع حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للاداب . وقد القى محفوظ في هذه المناسبة خطابا، كل ما يخيف في الشك اعتبارا من 1988، وبينما كان المرحوم قد وضع في الكتاب كل ما يخفف من الشكوك في اصالة العمل، فتم تضمينه هذا تذكيرا بشخصية محفوظ - وابن الحضارتين، حضارة الملك فاروق، والحضارة الاسلامية. ومن خلال هذا التواضع المتعاطف فسيكون بوصف القراء، ان يدركوا أن هذا المبدع يُعد الآن عرّاب الرواية العربية المعاصرة .

وحيث أنّ مجموعة الحي القصصية، لا تحتوي على شخصيات سفسطائية، أومشاهد تفصيلية مسهبة، أوواقعية صرف، فذلك أنّ مميزات محفوظ الواقعية في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، لا تمثّل بالتأكيد لمحات ضوئية افضل لمواهب ابداعية وعبقرية مبدع حائز على جائزة نوبل. ورغم إن نطاق افكار متمثلة في المجموعة، تبقى هذه القصص على الرغم من ذلك؛ نسيج شبكة متداخلة، ومحافظة على عبقرية مؤلفها . ورغم نطاق الأفكارالمتمثلة في المجموعة، فتبقى هذه المجموعة متداخلة لنسج شبكة ثيمية من الاراء والافكار تلك التي تبدأ بالتشابه لتمثل أزقّة ضيّقة من خلال أزقّة الحي ذاته . وفي هذا العالم حيث إنّ كثيرا من الشخصيات لا تحمل إسما لها، وحيث المنطق يعزف على آلة كمان عبث بها زمن آخر . انه الحي ذاته الذي يظهر ليحتل المركز الرئيسي بوصفه القصة الرئيسة protagonst.

وهنا، فإنّ مجموعة قصص الحي القصيرة هذه Querter، تستحق التحية لتجريبيتها، ذلك أن محفوظ إختط طريق هذا الإتجاه التجريبي في الأدب العربي لتبليطه

 لأولئك الذين يريدون أن يفهموا كيف أن العرب يحتفون في الغالب بالروائي الذي نال درجة " الأستاذ "، الذي دائما ما يكون أستاذا فعلا.وفي الوقت ذاته، ينبغي أن يكون حذرا . وعلى كل حال، فهذا الكتاب، المجموعة القصصية، ليس لإولئك الذين يلتزمون بإصطلاحات النوع أوأولئك الذين يعتقدون أنّ درجة تقاليد أدب اللغة الانجليزية أولا، تنبي ولا تنكسر. هذا كتاب يصرعلى أن أساليبنا في الكتابة لا نهاية لها حتى في نهايات القصص المحدودة . وفي احدى النهايات تنذرنا أننا لكي ننذركي ونقيّم تماما نجيب محفوظ، علينا بالذات أن نحررها من أصفاد الكتابات الغربية التقليدية .

  

..........................

- كريم زيدان: صحفي مصري – كندي وكاتب ابداعي ومترجم في الغرديان وفوكس ميديا ومن بينها .

* دار الساقي - لندن - 2019

 

 

في المثقف اليوم