أقلام ثقافية

أدب الطفل الأفريقي بين الزخمين الثقافي والحضاري

يسري عبد الغنييجب أن نعترف بأن أفريقيا القارة  السمراء مظلومة إعلاميا، ولا تقدم بصورة دقيقة، فلا نكاد نعرف أبرز ملامح الثقافات الأفريقية واللغات الشائعة، والأنظمة الاجتماعية السائدة في هذه البلدان،  وعليه فنحن لا نمتلك الكثير من المعلومات عن أدب الطفل الأفريقي، رغم معرفتنا بأن هناك العديد من الجهود التي تبذل في هذا الميدان، ولكن لم نعرفها المعرفة الحقيقية، نعم هي لم تصل إلى المستوى المأمول، ولكنها محاولات جادة يمكن البناء عليها، والتعامل معها، إذا أدركناها ووعيناها .

نقول : إن الحضارة الأفريقية شديدة الثراء، لكن ما نعرفه مجرد صورة نمطية،  لعدة أسباب أبرزها أنه ليس لدينا مصادر أفريقية خالصة، ونعرف أفريقيا عن طريق المصادر والوكالات الغربية، وهي مصادر استعمارية في الأساس تقدم القارة السمراء كما تحب أن تكرسها  في الذهنية الدولية، وتصدرها أنها قارة الثالوث المعروف: الفقر، الجهل، المرض، وهذه صورة غير دقيقة، يروجها الإعلام الغربي ليتمكن من إحكام السيطرة، بغرض الحفاظ على مصالح معينة،  وعليه : فنحن نعدم الوسيلة الصحيحة لنتعرف على أدب الطفل الأفريقي، لنسعى معًا كأهل قارة واحدة للعمل من أجل النهوض به وتطويره بما يناسب واقع القارة السمراء والمستجدات العالمية التي نعيشها .

في مصر لا توجد جرعة كافية عن أفريقيا في المناهج التعليمية،  وبالتالي لا نعرف الكثير عن أدب الطفل الأفريقي، فليس لدينا جيل في المرحلة قبل الجامعية يعرف معلومات موسعة عن أفريقيا وأدبها بوجه عام، وحتى في التعليم الجامعي لا تقدم إلا في مناهج بعض الكليات مثل الاقتصاد والعلوم السياسية، أو الكليات التي تدرس اللغات الأفريقية .

وبالطبع الوضع مختلف في الدراسات العليا، وفي الإعلام المصري نفتقد أيضا وجود برامج متخصصة عنها، إلا برنامج أو اثنين، والنتيجة أنه ليس لدينا إعلاميين متخصصين في الشأن الأفريقي، وبالتالي مادة إعلامية متاحة، وبعض الصحف بدأت تخصص صفحات لأفريقيا، لكنها صفحات موسمية، مرتبطة بحدث أو زيارة أو قمة أفريقية، أو مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، فالقارة غائبة، فنعرف عن اللاعبين الأفارقة أكثر ما نعرف عن دولهم، وكانت النتيجة أننا لا نعرف أدباء أفريقيا رغم وصول بعضهم إلى العالمية .

في الستينات من القرن الماضي كان جيلنا يعرف أدباء أفريقيا جيدًا بل كان بعضنا يحفظ مقطوعات من شعرهم وأدبهم ويرددها، وإذا كنا لا نعرف الأدب الأفريقي على وجه العموم الآن، فكيف نعرف أدب الطفل الأفريقي، وكتابه،وكيف نتعاون معًا على النهوض به كأبناء قارة واحدة ؟  فالمواطن لديه استعداد لتلقي المعلومات، فما المانع من ربط الثقافة بالرياضة؟ .

لدينا 55 دولة أعضاء في الاتحاد الأفريقي، الثقافة الأفريقية تضرب بعمق في التاريخ منذ آلاف السنين، وبينها نوع من الروابط التاريخية، وتعتبر الحضارة الفرعونية أصل الحضارات الأفريقية، والدراسات الأثرية تؤكد أن جزءًا من الرموز الحضارية المصرية وجدت في العديد من دول حوض النيل، مما يؤكد الترابط بين الحضارات الأفريقية، كما أن هذه الثقافة احتفظت بالجذور إلا أنها طورت نفسها، واستفادت من الاحتكاك بالحضارات الأخرى، كما أن هذه الثقافة تتميز بأنها تخاطب الجانب الأخلاقي، وبها جانب روحي، ومن هنا نرى أن هذا الزخم الحضاري والثقافي جدير بأن يحقق لأطفال القارة أدب طفل حقيقي يعبر عنهم ويرتقي بهم .

لقد كان للاستعمار أثر على ثقافة القارة، والذي استطاع فرض لغته على الشعوب لكنه لم يتمكن من فرض ثقافته، فاحتفظت العديد من الدول بالمجالس العرفية والنظام القبلي، أن من مظاهر الثقافة، على مستوى الأدب، الأبرز هو الكاتب النيجيري وول سوينكا، الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1986، أي أن أفريقيا لديها أدب عالمي، وفي العموم يتميز بالتنوع، فشرق أفريقيا لها احتكاك بالمنطقة العربية، أما منطقة الوسط والجنوب لديها احتكاك بالثقافة الإنجليزية "الأنجلوفون، وهذا يعيدنا إلى ضرورة وجود أدب للطفل الأفريقي يعبر عن هويته وتطلعاته وواقعه المعاش .

و اللغات التي تقدم بها هذه الثقافة، أغلب الدول الأفريقية احتكت مع لغة المستعمر، وصارت اللغة الرسمية التي تتفاعل معها، لكن دون ذوبان فيها، بل أنتجت أدبا خاصًا بها، هناك ثلاث لغات هي الأبرز "السواحيلية" في منطقة الشرق، و"الهاوسا" و"الفولاني" في منطقتي الغرب الوسط، والأمهرية في الشرق أيضا، بخلاف اللغات الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والعربية، وهذا التنوع كفيل بإنتاج أدب للطفل الأفريقي يعتمد على التعددية الثقافية التي هدفها قبول الآخر والقدرة على الحوار معه والاستفادة منه عبر تبادل الآراء والخبرات والأفكار .

وعن السينما، توجد في نيجيريا صناعة سينما هائلة هي "نوليود"، وتنتج من 500 إلى 1000 فيلم سنويا، وتأتي في المرتبة الثالثة عالميا بعد هوليود الأمريكية وبوليود الهندية، لكنها تهتم بالمحلية، وما زال أمامها تحد للوصول للعالمية، آملين بالطبع في إنتاج أفلام سينمائية للطفل الأفريقي، تعبر عنه وتقوم بدورها التعليمي والتربوي في تنشئة أبناء القارة السمراء .

أما الموسيقى هي التي قطعت شوطا في التعاون العربي الأفريقي، وتعرفها المجتمعات الدولية من خلال المهرجانات، وخاصة أن هذه الفنون التي تعتمد على الطبول والرقصات الخاصة والزي الأفريقي، والذي مازال يحتفظ بطابعه المستوحى من البيئة، وهذا كله يؤهل لأدب أطفال أفريقي له خصوصيته وله ذاتيته ومحليته التي يمكن أن توصله إلى العالمية

 

بقلم د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم