أقلام ثقافية

عن الوعي الثقافي نتحدث

يسري عبد الغنييقاس مستوى تقدم أي مجتمع من المجتمعات، بمقدار فاعلية حركة الوعي والثقافة في أوساطه، فعلى أساسها تتحدد مكانة المجتمع، وتصاغ شخصيات أبنائه.

يرغب كل إنسان، في امتلاك أكبر قدر من الثقافة الرفيعة والتي تساعده في تحسين حياته وسلوكه بحيث يتمتع بأجود نوعية حياة، وهذا من دون شك يتيح له فرص استثمار عمره والشعور بالسعادة والطمأنينة . وتخضع قدرة الإنسان على امتلاك هذه الثقافة الجيدة لمدى وعيه بوجودها، ومن ثم وعيه بقدرته على الاستفادة منها بحيث يتمكن من تطوير نوعية حياته من خلالها. ويمكن للناس الحصول على هذه النوعية من الثقافة من خلال الارتقاء بما يقدم إليهم بحيث يصبح لدينا مجتمع مثقف ولديه قوة معرفية وخلفية ثقافية تدعم تطوره وتؤمنه فكرياً وثقافياً أمام التيارات السلبية فكرياً .

إن توعية الناس بكيفية استخدام قدراتهم الشخصية ضرورة ملحة للانتقاء من بين ما يتواجد أمامهم وحولهم من ثقافات واختيار الأكثر تناسباً مع مجتمعهم، من خلال تحسين نوعية الاختيار أولاً من بين المعارف والمبادرات الثقافية المقدمة لهم، فترتقي قدراتهم على اتخاذ القرارات المناسبة من بين ما يطرأ له، ويتمكن من التواصل مع الحياة ومع الآخرين مستفيداً مما يقدم له بأفضل ما يمكن .

ولا شك في أن التغييرات المجتمعية وبكل أنواعها الاقتصادية والثقافية، قد تفرض على الناس مستجدات عليهم التأقلم معها ومسايرتها، لكن الأهم من هذا هو أن امتلاكهم الأرضية الثقافية الجيدة يدعم عدم تنازلهم عن جودة الثقافة التي مارسوها طويلاً ويكون التغيير بالنسبة لهم في اختيار الأجود بدلاً من التردي إلى الأسوأ .

والتغييرات التي تحدث في الدول المتقدمة والمنفتحة على العالم، تكون متسارعة وكبيرة وفي أوقات قصيرة نسبة إلى غيرها من الدول المتأخرة عن ركب التطور أو التقدم، وهو ما يستدعي تسلح كل شخص يحيا في مثل هذه المجتمعات بالوعي بكيفية الاندماج معها، بحيث يتمكن من البقاء على خط العلم بها ومن ثم معرفة كيفية انتقاء الأفضل من بين كل ماتقدمه له هذه التغييرات والتي تتناسب مع شخصيته وحياته ومجتمعه .

ولا شك في أن تأثير الأدوات والوسائل الحديثة التي جعلت إمكانية الحصول على المعارف أوسع هي التغيير الأكبر الحاصل في المجتمعات اليوم، وهو ما يؤكد ضرورة غرس الوعي بكيفية الحصول على الجيد منها والاختيار منها ببذل مزيد من الجهد في سبيل وضع يد أفراد المجتمع على السبل الصحيحة والأساليب الجيدة للحصول على الثقافة اللازمة والضرورية لتطورهم والارتقاء بأفكارهم .

وهنا يأتي دور المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي والتي عليها عبء انتقاء الأجود في كل ما تقدمه من خلال أنشطتها ومبادراتها بحيث يتمكن كل فرد من اختيار ما يلائمه منها من بين أفضل البرامج والمشاريع الثقافية الراقية وكي لا يقنع باختيار الأسوأ منها، فتتحول إلى أسلوب حياة، لأنه لا يعي أن هناك أفضل مما يقدم إليه ولا يعرف أن هناك فرقاً بين ثقافة جيدة وأخرى لا تفعل أكثر من تحديد خياراته ووعيه ضمن الأسوأ منها.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم