أقلام ثقافية

رنا خالد: من رواية الدفتر الأصفر

عودنا الروائي القدير الأستاذ صادق الجمل على رواياته العميقة بالفكر والمعنى والتي تأخذنا إلى استذكار الواقع في مجموعة مشاهد واقعية مُزجت ببعض الخيال من عالمنا الكبير.

 وانا اقرأ روايته (الدفتر الأصفر) ذكرتني إحداثها بالصحافة الصفراء التي انتشرت سنة (1896) حيث كانت لا تقدم أخبارها بمهنية وشفافية وتداهن الحقائق وتعطيها طابع التشويه والبعثرة، وهي تعمل على استفزاز المشاهير وغيرهم من ذوي المال، وتلك الأساليب التي استخدمت وقتها في منافسة كبيرة بين صحيفتين من الصحف الأمريكية في نيويورك، وهما نيويورك وورلد و جورنال.

والدفتر الأصفر اليوم يعود لبطل الرواية (صكبان) شخص لا يقرا ولا يكتب لكن بالدهاء والمكر والحيلة امتلك ثروة لا تعد ولا تحصى، وانه ليس من الصعب أو الخطأ ان يمتلك الأنسان المال لا يمتلك شهادة، وإنما الخطأ يكمن في الطريقة التي يدمر بها الأنسان نفسه ومجتمعه حتى يحصل على المال وبعدها تكون زمام الأمور بيده.

لقد استطاع (صكبان) ان يكون مجموعة من أصحاب المصلحة الذين لا يهتمون سوى بالتمرد على المجتمع وبمساعدة صديقة (الأعور) الذي كان يحدثه عن تجارب الزعماء.. وامه التي تساعده على ذلك، دون في دفتره كل شيء وكان يضع الخطوط العريضة لمن يريد التخلص منهم أو السيطرة عليهم، وازدادت ثقته بنفسه يوما بعد يوم كما ذكر في (الدفتر الأصفر) حتى تمكن من الحصول على ثقة رئيس الشركة الكبيرة وزوجته (نجلاء) وحل محلهما.

فالرواية اعزائي القراء لا تكون عظيمة حقا إلا حين تضرب بدورها إلى مدى واسع عميق في الأشياء التي تتعلق بنا كالصراعات الإنسانية. وهذا مع سعى إليه الكاتب الجمل في صفحات روايته. حيث اتصف عمله الأخير هذا (الدفتر الأصفر) كما اتصفت أعماله السابقة كرواية( الآنسة, وسفينة نوح الفضائية) بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال باستخدامه الملكة الكتابية المتقنة والإبحار في خبايا النفس البشرية؛ لمعرفة تفاصيلها ودوافعها وكشف الخبايا التي لا ترى، وبعض التناقضات التي لا تحس بشكل مباشر،  وتمر الأحداث في الرواية كأنها خيال ثم تجدها واقع مرير يصف به حال البعض.

ان (الدفتر الأصفر) من الروايات التي تعتمد على الحديث الداخلي والنقاشات الفكرية الطويلة، ويمكن ان تكون عمل درامي يغطي جزء كبير من الواقع الحالي، لما فيها من تفسير لما يحدث داخل النفوس البشرية من مشاعر وهواجس وما يترتب عليها من أفعال.

في الخاتمة كان هناك فسحة من الأمل حين قال" اجتاحت جوانحهم سكينة عجيبة وسعادة غامرة، رغم النيران والدخان والخراب، خطب بهم الفتى: اطفوا النار بالتراب فمنه البدء واليه المآب، هذه شركتنا أنها ملك الجميع هيا هبوا نرمم ما افسده الطغاة.

***

كتبت: رنا خالد

في المثقف اليوم