أقلام ثقافية

حول مصطلح الأدب النظيف

يسري عبد الغنيإننا ندخل هنا عالم الأدب النظيف الذي ندعو له، ويتضمن في مفهومه: الأدب الإنساني عمومًا، فقد أرهق القارئ لون الدماء الذي جلل الحروف والواقع، وبات لزامًا العودة لإنسانية فكرة أدبية قريبة من هذا المصطلح ، منذ عدة أعوام من خلال أمسيات ومنتديات ثقافية شاركنا فيها ، وكذلك كتابات عديدة في دوريات وصحف ومواقع ثقافية عديدة ومازال بحثنا مستمرًّا عن التعريف الأكثر تكثيفًا وتحقيقًا للهدف المرجو منه. بحثنا عن وجهه العصري المناسب، وتعريفه النهائي ليمضي قُدمًا بإيجابية وكان مبدئيًّا.

أدب يرسم عبر تنوعات أطيافه أملًا فكريًّا للأمة، ومسارًا أخلاقيًّا رفيعًا، حياديًّا وموضوعي النظرة السياسية والثقافية والاجتماعية، لا يملك عنصرية الفكر، ولا الدوران في حلقة مفرغة لا طائل منها من الوجدانيات العقيمة، ويحمل في طيَّاتها ثوابت دينية لا انزياح عنها في زمن الانزياحات.

وبذلك يتضح لنا أنه أدب موضوعي واقعي، يرسم خطًّا عامًّا يَلمُّ فيه شمل العالم العربي والعالم الأوسع، المتشرذم ببوتقة عالمية من التعايش الحقيقي، البعيد عن الشعارات الزائفة التي لم تنتج سوى النقيض.

وما أحوجنا لهذا التعريف الذي تتبدى الحاجة إليه يومًا بعد يوم. لقد انتشر الغثُّ من الأدب حتى انتشر كغثاء السيل يغطِّي على ثمين المواد الأدبية، كلٌّ ينشر ما يَخطُر على باله وكأنه مرشد الزمان! لا يتقبَّلُ النقد، ولا الامتزاج بفكر آخر، ولا حتى تقبله لتطويعه للأفضل، شكلًا ومضمونًا.

عندما تحدثنا ومازلنا نتحدث عن الأدب النظيف وجدنا ردة فعل من الجمهور حسنة مبدئية كشعار هام جِدِّيِّ النظرة، واقعي العمل، وهو يستمر بعطائه من خلال مشروعنا الثقافي الذي يتخذ من الأصالة والمعاصرة منهجًا له .

لهذا الشعار الذي كان مبدأ لمنتدانا الثقافي  للأصالة والمعاصرة ، لكن ما أدهشنا فعلًا هو عدم الوصول لمنابر تؤيد فعليًّا هذا المسار الذي لا غنى عنه أمام - مثلاً - الإباحية الأدبية التي امتهنت المرأة والأخلاق والأسس التي تقوم عليها المجتمعات عمومًا.

وكل ما كان مجرد إطراء ومديح لا طائل منه، فأين هؤلاء الذي يمسكون بناصية الأخلاق والدين وأئمته الذين بدورهم لم يقبلوا ولا يقدموا الرعاية اللازمة؟

لقد نشأ تيار مفهوم الأدب النظيف في الغرب ولكن بمسمًى آخر، وعلى طريقة برونتيير الذي لم يكتفِ مثل سَلَفَيْهِ (سانت بوف وتاين) بقلة اهتمامهما بالنقد العلمي، وبتحديد قيمة المؤلف، ودراسة نفسية الشاعر أو الكاتب؛ وإنما أراد نقد المؤلفات من الوجهة الأخلاقية أيضًا، لذا أعلن برونتيير باسم الأدب والأخلاقِ الحربَ على نظرية الفن للفن، والحرية التي يلتزمها الكتَّاب في كتاباتهم، وكان من الطبيعي أن يتجه إعجاب برونتيير إلى شعراء وكتاب العهد الكلاسيكي، واعتباره أنهم "مفخرة الفكر الإنساني والعبقرية الفرنسية"، لقد أحب باسكال وبوسويه وكورنيل، بقدر ما كَرِهَ فولتيير وروسو.

هو تيار يحفظ الأخلاق والمُثُل فقط، والتي عفا عليها الزمان على ما يبدو، وباتت عملة قديمة صدئة برأي بعضهم!

سنبقى هنا رغم الرياح العاتية، وسنكون المسافرين إليها، حتى إذا ما احتاج المسافر للماء البعيد، فسيجده في بطنها.

كن عونًا للأدب النظيف أينما وجدته، صفق له، ادعُ إليه كل من تتمنى له الخير، ابحث عن نتاجه، فهو ما تبقى من الزمن الجميل، رسالة كان أم كتابًا، فأهل هم حملة الأمانة الحقيقية التي نبحث عنها.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم