أقلام ثقافية

الطفل المطيع.. بركان خامد

"من احدى مكائد الطفولة انك لاتفهم ماتعانيه وحين تبلغ سن الرشد يفوت الاوان عن مداواة جرحك"

يلفت الانظار بهدوئه وطاعته وسماعه للكلام بدون ادنى مناقشة او تذمر او اعتراض، يجعلنا راضين عنه وفخورين به وبطريقة تربيتنا له، اذ انه يكون مسؤولا عن تصرفاته، ياخذ ركنا معينا من المكان ليعيش بعالمه الخاص، يكتفي بنظراته التفحصية وكانه يسجل شيئا ما، يبهر كل من راه وتعامل معه.

هذا الهدوء والطاعة المبالغ فيها قد لاتكون حالة صحية ابدا، اذ ان هذالطفل يحاول ارضاء الاخرين بشتى الطرق على حساب نفسه، وهذا يؤدي به الى ان يكون انسانا ليس له ميول او اهداف، ناكرا ذاته الى ابعد الحدود، بل انه يشتري رضا الاخرين باي ثمن، وهذه ليست حسن تربية كما نعتقد، بل انه اقسى درجات الكبت والتعسف، خصوصا اذاكان له اخ بنفس البيت وقريبا من عمره يتصف بالمشاكسة والتمرد .

علينا الا نستغل هدوء الطفل لنحمله اعباءا اكبر منه، ونقوم بتفضيل من هو اكبر منه بحجة انه كبير او الاصغر، او الاضعف، اوالمريض، او المدلل باي ذريعة، مستغلين هدوءه وصمته، وبانه يتحمل بيمنا اخاه لايتحمل، لان ذلك سيؤدي الى تدمير شخصية الطفل الذي يجد نفسه بدوامة الارضاء التي ستكبر معه وتتشعب من محيطه العائلي الصغير الى المجتمع الكبير الذي لن يحسن التعامل معه وهو كابتا لهذه المشاعر المتراكمة التي ستنفجر يوما عليه اولا وعلى المحيطين به ثانيا.

ومن هنا نخلص الى القول بان هدوء الطفل او طاعته يعود لعدة اسباب منها:

- الانطواء والخجل والخوف من مواجهة الاخرين، وهذا يولد امراضا نفسية لاحصر لها كالقلق والاكتئاب والرهاب الاجتماعي.

- الخوف من عقاب الابوين لاتفه الاسباب يجعل الطفل مسالما يكبت انفعالاته داخل نفسه متظاهرا بالطاعة والرضا، وتلك سمة لمجتماعتنا التي تستخدم كل انواع الكبت والتعسف والحرمان ضد الاطفال.

- عدم استجابة الابوين لمتطلبات الطفل او انشغالهم عنه، او اهمالهم له اما بسبب كثرة الاطفال في البيت الواحد او بسبب انشغال الوالدين بالعمل.

- تفضيل احد الاخوة باي ذريعة مما يولد الحقد والغيرة من ذلك الاخ، و يجعله صامتا يتحين الفرصة للانقضاض عليه ماانسنحت الفرصة لذلك.

 يضاف الى ذلك عدم الاغفال عن ذاكرة الطفل الذي لايتواني عن تسجيل كل تفاصيل حياته الجيدة والسيئة، تلك الذكريات التي تعشعش في ذاكرة الطفل وتصبح جزءا منه بل و تصبح فيما بعد الدينمو الذي يحركه خيرا او شرا.

 ان استغلال هدوء الطفل خصوصا ان كان ذلك ليس من سمات شخصيته بل رغما عنه يضع الاطفال فريسة للكبت النفسي والاجتماعي، بل انه يكون كالبركان الخامد الذي سرعان ماينفجر مع اول فرصة تواجهه في الحياة، هذاالطفل الذي كان خاضعا لسلطة الابوين مطيعا لهما، منفذا لاوامرهما دون قيد اوشرط، قد ينقلب بين ليلة وضحاها الى نار تحرق الاخضر واليابس، تطال كلما تجده قريبا بطريقها ابتداءا من نفسه وانتهاءا بوالديه اللذان يعتبرهما السبب الرئيس لمعاناته ثم اخوته الذين عانى بسببهم.

ان الهدف من التربية السليمة للطفل هي الخلق، اي خلق انسان واعي مدرك حسيا لاحتياجاته، عارفا حدوده، غير متجاوز للخطوط الحمراء، انسان يعول عليه بناء المجتمع وليس هدمه، لذا فان الاهتمام بالطفل والالمام بالطرق التربوية الناجعة تحتم علينا اعطاء مساحة كافية من الحرية للطفل للتعبير عن رايه، للمناقشة، للزعل، للخطا وتصحيحه كي لا يقع فريسة الخطا مرة اخرى، للتعثر والنهوض، للتصرف بعفوية في اختياراته وتقويمها عن طريق الاقناع وليس القمع والكبت، واحترامه هذا يترك في نفسه بالغ الاثرباعتباره انسانا وليس طفلا سينسى كل شئ عندما يكبر، لان الطفل لاينسى ابدا، وان شخصيته تعتمد وتبنى على سني حياته الاولى، لذا علينا ان نحاذر ونهتم بالطفل الهادئ اكثر من المشاكس، لان المشاكس يعبر عن انفعالاته اولا باول، اما الهادئ فهو في حالة غموض دائم، يحتاج الى من يسبر اغوار نفسه بمنتهى الحكمة.

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم