أقلام ثقافية

عندما يكون الابداع رقميا!

يسري عبد الغنينجم عن التطور التكنولوجي المتسارع في السنوات العشر الأخيرة، نوعا جديدا من الكتابة بات يعرف بـ"الأدب الرقمي"، ما برر التساؤل منذ ذلك الوقت عن مستقبل الكتابة الورقية بمجملها.

إلا أن تلك السنوات لم تكرس بعد ذلك النوع المستحدث من الأدب، بل يذهب كتاب ومتابعون إلى أنه لم يفرض عليهم التعامل معه بجدية، وأرى في الأدب الرقمي "نصوصا أدبية تنشر رقميا عبر الانترنت"، أنها إما أن تكون أدبا حقيقيا ومبدعا في الأساس أو لا تكون.

وأعتقد أنها لا تؤخذ كثيرا على محمل الجد عند غالبية القرّاء المحترفين، إذا كانت ذات سوية هابطة، أو لم تكن لأسماء معروفة، والكثير مما ينشر عبر الشبكة العنكبوتية ليس إبداعا حقيقيا، يشبه الكثير منه ما ينشر في صفحات القراء في الصحف العربية، القارئ العربي أصبح يتعامل بلا واسطة، لقد أصبح قارئا مشاركا بفعل إمكانية التعليق.

وأستغرب أن تلك التقنيات دفعت العديد من القراء إلى الطموح بأن يصبحوا مبدعين "افتراضيين"، فالغالبية العظمى من المواقع العربية الموجودة على الشبكة تساهلت كثيرا في معايير النشر، ذلك ساهم في عدم إمكانية الحديث عن الدخول في الأدب الرقمي بشكل جدي، فالوسيلة الورقية ما تزال أكثر التزما.

ذلك ليس حكما عاما، أن "الاستسهال ليس خطيئة الانترنت وحده"، ولكن "لا يمكن قراءة أي كتاب حقيقي عبر الانترنت"، الانترنت ليس شكلا تعويضا حقيقيا عن المكتبات والكتب.

وأعتقد أن الكتابة الرقمية "شيء افتراضي لا يتحقق إن لم ينعكس أو يرتبط بنا على الأرض"، نؤشر على ذلك بكتابة الشعر مرقما أو "الاعتماد على بهلوانية الكمبيوتر والانترنت". وذلك كله مجرد تجريب يقوم به بعض المغامرين، و لا يمكن أن ينجح إن لم يكن مربوطا بالواقع.

في مقابل ذلك ينفي البعض صفة السهولة عن الأدب الرقمي، مقرين أنه "أدب صعب جدا، وليس كل كاتب قادر على إتقانه".، ويفسرون ذلك بأن الكاتب الورقي يحتاج إلى "فكرة وورقة وقلم"، فيما يحتاج الكاتب الرقمي بالإضافة إلى ذلك إلى الشرط الرقمي، مشيرين إلى أن الكاتب هنا يتطلب أن يكون مبرمجا وملما بالتقنيات الموجودة في عالم الانترنت.

وعن تجاهل النقاد للأدب المنشور عبر الانترنت، نقول أن النقد العربي لم يطور أدواته لاستيعاب التغيرات الكبيرة التي طرأت على الأدب، لا يمكن تناول الأدب الرقمي بذات الطرق التي يتم فيها تناول الأدب الورقي، الكاتب الرقمي ترابطي ولديه لغة مختلفة، ويحتاج إلى ناقد مختلف.

ورغم إقرارنا أن النقد العربي ما يزال دون الطموح في تعامله مع الأدب الرقمي، إلا أننا نشير إلى تجارب نقدية تطور أدواتها وتسعى إلى مشاريع حقيقية، ولا نبتعد كثيرا حين نؤكد أن على الناقد الذي يتصدى لتناول الكتابة الرقمية أن يمتلك "الحد الأدنى من أدوات الكاتب الرقمي".

ونؤكد على أن الناقد الورقي الكلاسيكي ليس باستطاعته نقد الأدب الرقمي، لانه يحتاج بداية تطوير أدواته لتقييم الإبداع الجديد، كما نؤكد على أن التجربة الرقمية نفسها ما تزال "معلقة في الفراغ"، والنقد لم يقترب منها كونه "لم يفق بعد من صدمة التكنولوجيا".

ونعود لتأكيد أن "الأدب الرقمي لم يتخذ بعد مصداقية عند القراء والكتاب والنقاد"، ونشير إلى أن النقاد الجادين لا يقدمون على قراءة النصوص الرقمية في الأساس ولا على نقدها، مؤكدين أنها غلبت على "تعليقات القراء وأنصاف النقاد وأرباعهم، والمتربصين بالعلاقات الشخصية وحمى التعارف".

وأبدي هنا ثقة كبيرة في أن "الأدب الرقمي" له المستقبل، لكنه يحتاج إلى سنوات طويلة حتى "يتكرس"، أقول لكم : "رغم تطور الحياة والثورة التكنولوجية فما يزال الأدب الإغريقي حاضرا ومؤثرا ومن الضروري الاضطلاع عليه بجدية".

وأضيف إلى ذلك الشعر الجاهلي والتراث العربي والروايات الخالدة، و أشير إلى أنها كلها لم تكتب رقميا ولا تكنولوجيا، مستشهدا بقول امبرتو ايكو أنه "لا يستطيع قراءة الكوميديا الإلهية عبر الكمبيوتر"، وألفت النظر إلى أن الكثير ممن يكتبون فقط عبر الشبكة العنكبوتية ما يزالون يحلمون بالنشر الورقي عبر الصحف والمجلات الأدبية، معتبرين أن ذلك هو الاعتراف الحقيقي لهم.

 

بقلم/د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم