أقلام ثقافية

استاذي ومعلمي زكي عبد القادر..

يسري عبد الغنيلماذا تركتنا لزمن العاهات!!    

رحمه الله كم من مرة حدثنا مسهلاً لنا كل عقبات الحياة التي نواجهها في مقتبل حياتنا، ويفلسفها ويحاول أن يجعلنا نضع أقدامنا على أرض الواقع المعاش، لم نكن كلنا يعمل في حقل الصحافة أو الأدب، كان منا من لا يزال يتلقى العلم في المعاهد والجامعات، كما كان منا المعلم والمهندس والمحامي والصيدلي والطبيب .. إلخ .. إلى آخر النوعيات الشبابية التي تملك الآمال والأحلام الكبيرة والكثيرة .

ولعل قدرة الكاتب أو المفكر على الاستماع للناس بغض النظر عن اختلاف نوعياتهم في الثقافة أو الميول أو المشارب أو الاتجاهات، قدرة لا يتمتع بها أي إنسان، هذه القدرة التي تمتع بها الأستاذ / محمد زكي عبد القادر قدرة لا أعتقد أنها توافرت في الكثيرين من أهل الفكر والرأي والعلم، كان يفتح قلبه للجميع دون حدود أو قيود أو سدود، جعلته – أي هذه القدرة – يمدنا بهذا الفيض الغامر من معين تجاربه وخبراته وأفكاره التي لم تنضب يومًا حتى يوم رحيله عن عالمنا الفاني في يوم السابع من مارس سنة 1982، كل هذه التجارب المعطاءة سجلها زكي عبد القادر، صاحب أكثر الأساليب سهولة وإمتاعًا، كأن قلمه لم يخلق إلا ليكتب لنا السهل الممتنع .

كان يسجل تجاربه بأسلوبه البسيط السهل الذي يتلقاه الجميع من مختلف الفئات بقبول حسن، وذلك عبر عموده اليومي (نحو النور)، ومقالاته ويومياته وكتبه وأحاديثه الإذاعية والتليفزيونية العزبة .

لقد سمحت لي ظروف عملي في مجال الثقافة والصحافة والأدب والفكر، ذلك المجال الذي عشقته عشقًا لا حدود له منذ نعومة أظفاري، سمحت لي هذه الظروف أن ألتقي بكتاب مصابين بعقدة الفجوة بين القول والعمل، وسامحوني إن قلت لكم : لقد كان لديهم بحق انفصام حاد في الشخصية، فهم يكتبون غير ما يؤمنون به، وهم يقولون عكس ما يتصرفون، لكن الرجل – محمد زكي عبد القادر – كان نسيج وحده، فلم يكن مثل الآخرين، كان لا يتصرف إلا بما يؤمن به، كان نسيجًا مغايرًا، لقد قضيت أكثر من أربعين عامًا في محال الكلمة فلم ألتق بكاتب تتطابق أفكاره وكتاباته مع شخصيته وتصرفاته مثل هذا الرجل الطيب الودود النبيل .

كان الأستاذ هادئًا، وديعًا، حنونًا، رقيقًا، كان بحق أبًا رحيمًا يغوص في أعماق الأشياء ولا ينظر إليها من السطح فقط، وهكذا كانت كتاباته وإبداعاته، وعليه فقد أكد كل أهل الكلمة أنه كان أستاذًا جليلاً من أساتذة الكتابة بلغتنا الشاعرة الجميلة، لغتنا العربية الفصحى، لكنه أبدًا لم يكن يستعمل إلا أبسط التراكيب، وهي مقدرة يتميز بها كل ما تركه لنا من تراث ثقافي ضخم يستحق أن ننهل منه دائمًا وأبدًا ..

ولعل أبرز قدرات كاتبنا الراحل الكبير أنه كان على دراية ومعرفة عميقة بالنفس البشرية، وبعلاقة الإنسان بغيره، وبعلاقة الرجل والمرأة، ولعله من الكتاب الرجال القلائل الذين استطاعوا بمهارة فائقة أن يفهموا نفسية المرأة، ويحللها تحليلاً شديد الصدق، بلا أي ابتذال أو خروج عن رقة الكلمة أو جمال الأسلوب المبدع .

إنه حقًا مبدع كبير، مبدع ينتمي إلى جيل العمالقة، هؤلاء الذين يختفون من حياتنا الأدبية والثقافية والعلمية والفكرية، واحد تلو الآخر، ليبقى لنا من لا علاقة لهم بالأدب أو الفكر الذين تفننوا في إصابتنا بالحزن والاكتئاب والقهر والملل، وهم يطلون علينا ليل نهار عبر وسائل الإعلام المختلفة ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم يفرضون علينا فرضًا ليكفر الله لنا بهم ذنوبنا .

أنا أحدثك عن واحد من الكتاب النوادر الذين لن يعوضهم الزمان أبدًا، أرجوك أن تستمع إلى ما أقوله، لعله يكون فيه ولو قليل من الفائدة، وبالله التوفيق

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم