أقلام ثقافية

جهنم السلوك!!

صادق السامرائيجهنم: إسم من أسماء النار، وهي حامية تأكل ما يأتيها وفي الأديان هي موطن العذاب.

والسلوك المقصود هو المديح والفخر والرثاء والهجاء والغزل، وهذه الأعمدة الخمسة تشكل أسس سلوكنا منذ ابعد العصور، ولا تزال تساهم في رفع خيمة وجودنا المعاصر، وما حدنا عنها أو فكرنا بطريق غيرها.

فالسائد في إبداعاتنا - الشعرية خصوصا – أنها تتخذ منها وسيلة للتعبير، فما حصل تجديد بالمحتوى الإبداعي بقدر ما تحقق هدم للشكل وحسب.

فلو تفحصتَ أي موقع يهتم بالشعر وقرأتَ القصائد المنشورة ستجدها تعالج ذات الأغراض التي عالجها الشاعر قديما جدا، وكأن الدنيا لم تتغير والمحتوى الفكري والنفسي والإدراكي لم يتطور.

وهذه الأعمدة الخمسة التي بني عليها سلوكنا تشمل مناحي الحياة الأخرى، ومنها السياسية التي تعج بالفخر والهجاء والرثاء والمديح وأحيانا بالغزل.

فالحاكم يقرّب المدّاحين والذين يتفاخرون بإنجازاته، والذين يهجون أعداءَه ويزيّنون مصائبه ويتغزلون بذاته.

ولهذا يسود المديح في تفاعلاتنا ويتنامى الفخر الطوباوي السرابي الذي يغذي نوازع حرمانية دفينة فينا، فتجدنا لا نتقبل غير المديح والإطراء، وننكر غيرهما، مما تسبب بوجود أجيال ترى أنها في غاية الكمال والتمام وهي محشوة بالمساوئ والنقصان.

وهذا ينطبق على الحكام وذوي الكراسي الذين يوهمهم المديح والتفاخر بهم على أنهم الأدرى والأحكم والمنزهون من الخطأ، ومَن يرى بهم غير ذلك يُحسب من المتأهبين للعدوان، فينشبون في قلبه مخالب ظنونهم الحمقاء.

وتشترك النُخَبُ في تأجيج هذه الجهنمية السلوكية بمداومتها على أعمدتها الخمسة، بتكرار وتواصل وإمعان في التعبير عما فيها، فمعظم الإبداع لا تجد فيه تحررا من قبضتها، ولا يمتلك مهارات الإتيان بما يساهم في تثوير الواقع، والأخذ بمدارك الأجيال إلى مستويات معرفية ذات قيمة حضارية.

وعليه فأن النخب تساهم في تأسين الواقع وتعطيل العقل، وأسره في مسارات ذات طغيانية تنويمية تخديرية تغفيلية، تدفع بالأجيال إلى حتوفها معصوبة البصر والبصيرة.

فهل لنا أن ننتصر على جهنميات سلوكنا؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم